تجريم الاجهاض: الحماية الجنائية لحق الإنسان في الحياة

La criminalisation de l’avortement مظاهر الحماية الجنائية لحق الإنسان في الحياة – المبحث الثاني:
يعتبر الحق في الحياة من بين الحقوق المقدسة والأصلية فقد أقرته كل الشرائع السماوية باعتباره أساس وجود الإنسان لذلك جرمت الشريعة الإسلامية أي اعتداد على حياة الإنسان مصداقا لقوله تعالى :” من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”[1]. كما أكدت كل الاتفاقيات الدولية والتشريعات الجنائية على هذا الحق من خلال دعوة الدول إلى ضمان هذا الحق وتحصينه بإتخاد كل السبل الكفيلة لحماية الإنسان مند أن يكون جنينا وكذا وليدا وتشديد الحماية عليه من التعرض للخطر.

وهذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال النقطتين التاليتين حق الإنسان في الحياة (مطلب أول) والحماية الجنائية للإنسان المعرض للخطر (مطلب ثاني)

المطلب الأول: حق الإنسان في الحياة
تقر جميع الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الإنسان [2] بأن لكل إنسان حق أصيلا ألا وهو حقه في الحياة وينبغي كل دولة اتخاذ كل ما في وسعها لحماية حياة الأنسان وعلى هذا الأساس فالحماية الجنائية لحق الإنسان في الحياة تبدأ مند وجوده جنينا في بطن أمه (فقرة أولى) وتمتد مند ولادته (فقرة ثانية) لتشمل باقي مراحل حياته (فقرة ثالثة)

فقرة أولى : تجريم الاجهاض
يمكن تعريف الاجهاض بأنه اسقاط الجنين قبل أوانه الطبيعي أي إنهاء حياة إنسان مازال لم تكتمل بعد خلقته بسبب وجوده في بطن أمه [3] وهو بذلك يعتبر اعتداء خطيرا على حياة إنسان لازال في طور التخلق ونظرا لما لهذه الجريمة من خطورة لمساسها بالحق في الحياة ، فقد أجمعت كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على تجريمها.

ولذلك عاقب (الفصل 445 ق ج) بشدة مقترف هذه الجريمة أكان ذلك برضى المرأة أو بدونه ولا تهم الوسيلة المتسعملة في ذلك كالعنف أو أي شكل من أشكال التحايل أو مواد طبية أو أية وسيلة أخرى يعتقد الفاعل أنها ستحقق النتيجة كل ما يهم هو اتجاه إرادة الجاني إلى تحقيق النية الإجرامية[4] سواء حصلت النتيجة الإجرامية وهي الإجهاض أو لم تحصل لأن العقاب سيطال الجاني سواء تم إسقاط الجنين أو وقف عند حد الجريمة الموقوفة الخائية والمستحيلة سواء كانت الاستحالة بالنسبة لمحل الجريمة وذلك عند انعدام وجود حمل مثلا أو بالنسبة للمواد والادوات المستخدمة لارتكاب هذه الجريمة حيث عاقب الفصل (455 ق ج) على هذه الجريمة حتى ولو كانت الادوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل فعالة للإجهاض غير قادرة عمليا على تحقيقه

ولتعزيز حماية حق الجنين في الحياة فقد عاقب المشرع الجنائي التحريض على الإجهاض بأية وسيلة من الوسائل المشار إليها في الفصل 455 ق ج [5] ، ويجعل من الاعتماد وصفة الأشخاص الذين يقدمون المساعدة تتخذ ظرفا مشددا كالأطباء والصيادلة والجراحين المادتين 450 – 451 ق ج) واعتبر أصحاب هذه الصفات فاعلين لمجرد الإرشاد والنصح باستعمال هذه الوسائل وعليه فالعقاب المقرر للشريك أو الفاعل في جريمة الإجهاض واحد باستثناء المرأة التي تجهض نفسها ، إذ متعها بظروف تخفيف سواء قامت بذلك وحدها أو بإيعاز من الغير (المادة 454 ق ج)
وما تتمتع المشرع المرأة بهذا العذر المخفف للعقوبة إلا دليلا على الرأفة بها إثر الضغوطات الاجتماعية وكذا النفسية التي تعتريها وتدفعها إلى ارتكاب هذا الفعل الجرمي.

وما دمنا نتحدث عن الضمانات الجنائية للإنسان خاصة فيما يتعلق بحقه في الحياة، فيتعين على المشرع المغربي حسب منظورنا إعادة النظر في هذا الفصل لأنه مهما كانت الأسباب والدواعي فإنها لا تشفع للأم بقتل جنينها مع العلم أن إجهاض المرأة قد يؤدي في الكثير من الأحيان إلى أحداث أثار جد وخيمة قد تؤدي إلى وفاة الام، وهذا ما جعل المشرع يشدد العقاب في حالة الوفاة (الفصل 449 ق ج)

ومما سبق يتضح أن المبدأ هو المعاقبة على الإجهاض حتى وإن تعلق الأمر بالجريمة الخائية أو المستحيلة (المادة 117) وسواء تعلق الأمر بالفاعل الأصلي أو المشارك أو حتى من قدم النصح والإرشاد ومهما يكن الأمر فإن هذا المبدأ ليس على إطلاقه حيث أباحه المشرع استثناءا إذا استجوب ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج [6] ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الام في خطر وذلك بعد استشارة الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم الفصل (453 ق ج)
وبالتالي فحياة الأم تقدم على حياة الجنين وعليه وحسب المادة 453 نلاحظ بأنه ا تضمنت حالة استثناء الوحيد الذي يجيز إجهاض الام

وعموما ، ومهما بلغت النصوص الجنائية التي تجرم الاجهاض، وتشدد في العقاب عليه فإنها لن تفي بالغرض، وذلك بالقضاء على ظاهرة الاجهاض وبالتالي نظل قاصرة على ان توفر حماية فعالة لحق الجنين في الحياة بدليل ان فرنسا رغم مغالاة مشرعها في التجريم نجد أن الإجهاض يتم سرا وفي الخفاء دون مراعاة للقواعد الطبية الواجب اتباعها.

ولا يختلف الأمر كثيرا في مصر فكل الأبحاث والدراسات تناولت موضوع الإجهاض تؤكد أن هذا الفعل مشترك وان الكثير من الحالات الإجهاض تتم في الخفاء وبعيدا عن السجلات والتدوين وأن هذه الحالات اكثر بشاعة مما تشير إليه الأرقام الواردة في الإحصاءات المتداولة [7].

ونفس الشيء يمكن قوله عن المغرب الذي يعرف بدوره تزايدا مهولا فيما يخص جرائم الإجهاض حتى وإن كانت الإحصائيات لا تفصح عن الرقم الحقيقي لهذه الجرائم حيث دائما ما يبرر هذا الفعل الجرمي بضرورة الحفاظ على صحة المرأة ليبقى السؤال المطروح هو ما جدوى الرقابة التي يقوم بها الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم فيما يتعلق بالمبررات المعللة لطلبات الإجهاض.

والأسوء من ذلك هو دخول الأطباء مع الأم في مساومات مادية، حيث يهدف الطبيب من خلالها إلى جني أموال باهضة خاصة إذا كانت رغبة الأم ملحة في إسقاط الجنين والتخلص منه لتجنب العار والفضيحة إذا كان الحمل من زنى.
الحق في الحياة فقها و قانونا
____________________________
[1] – سورة المائدة الآية 34
[2] – اتفاقية حقوق الإنسان لسنة 1989 والتي صادق عليها المغرب سنة 1993
[3] – أحمد أجوييد في شرح القانون الجنائي الخاص المغربي ، الجزء الثاني ، كلية الحقوق ، فاس السنة الجامعية 2004 – 2005 ص 55.
[4] – سعد عبد العزيز الجرائم الواقعة على نظام الأسرة ، الديوان الوطني للأشغال التربوية القاهرة ، 2002 ص 45
[5] أحمد الخمليشي ، القانون الجنائي الحاضر الجزء الثاني مكتبة المعارف الطبعة الأولى الرباط ، 1982 ص 173.
[6] – عماد عبد الحميد النجار، جرائم الإجهاض، في القانون المقارن ، مجلة القضاء والقانون 137 مارس 1987 ص 53 وما بعدها.
[7] – مراد دودوش حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي ، جانحا وضحية رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث الأسرة والطفولة تحت إشراف الأستاذ جعفر العلوي السنة الجامعية 2002- 2003 ص 136 – 137

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.