الممارسات المقيدة لحرية المنافسة

القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الأول: القواعد الموضوعية للقانون الجنائي للمنافسة
الفرع الأول: الممارسات المخلة بحرية المنافسة

المبحث الثاني : الممارسات المقيدة لحرية المنافسة
إذا كانت الممارسات المنافية لقواعد المنافسة من شأنها أن تؤدي إلى إبطال المنافسة إما بصفة مطلقة أو في جزء منها، فإن الممارسات المقيدة قد تؤدي إلى الإضرار بالمسار التنافسي, لكن دون أن تقوم بإبطال المنافسة أو إلغائها، وذلك لأهمية ما تتضمنه من احترام لقواعد الشرعية التجارية .
ونظرا للارتباط الوثيق القائم بين مبدأ شرعية المنافسة، وحماية المستهلك  ـ إذ أن التشريعات دائما تحرص على أن يكون مبدأ حرية المنافسة التجارية المشروعة والحرة لمصلحة المستهلك بهدف حصوله على السلع التي يرغب في شرائها أو الحصول على الخدمة بأفضل الأسعار والمواصفات ـ فقد كان لزاما أن تقحم القواعد الخاصة بحماية المستهلك ضمن قواعد قانون المنافسة، وهو ما تحقق فعلا بالنسبة للتشريع المغربي في قانون حرية الأسعار والمنافسة , حيث تناول ما يتعلق بإعلام المستهلكين وحمايتهم في الفصل الأول من الباب السادس إلى جانب الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين ضمن الفصل الثاني…  .
ولتوضيح هذه الممارسات المقيدة للمنافسة فسوف نتبع التقسيم التالي:
المطلب الأول: إعلام المستهلكين وحمايتهم من أساليب التدليس.
المطلب الثاني:  الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين.

المطلب الأول: إعلام المستهلكين وحمايتهم من أساليب التدليس
إن تحقيق الحماية للمستهلكين لن يتأت إلا بفرض مجموعة من الالتزامات على عاتق المهنيين، ومنها ضرورة إعلام المستهلكين بالأسعار وشروط البيع ( فقرة أولى)، وإلزامية تسليم الفاتورة أثناء البيع ( فقرة ثانية), إضافة إلى تنظيم العلاقة بين المستهلكين والمهنيين كتنظيم البيع بالمكافأة مثلا ( فقرة ثالثة ) .

فقرة أولى: الالتزام بإعلام المستهلكين
تنص المادة 47 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي على أنه ” يجب على كل من يبيع منتوجا أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان, أو بأي طريقة أخرى مناسبة بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أولانجاز الخدمة وتحدد إجراءات إعلام المستهلك بنص تنظيمي ..”.
انطلاقا من نص المادة أعلاه يمكن حصر الالتزامات المفروضة على عاتق المهنيين إزاء المستهلكين بخصوص الإعلام في التزامين اثنين هما؛ الالتزام بالإعلام بالأسعار( أولا), والالتزام بالإعلام بالشروط الخاصة للبيع أو لإنجاز الخدمة ( ثانيا).

أولا: الالتزام بالإعلام بالأسعار
يعد الإعلام بثمن البيع من أهم الالتزامات التي ينبغي على المهني أن يلتزم بها وذلك لاعتبارها شرطا ضروريا لتحقيق الشفافية في السوق، ولأثرها أيضا على السير العادي للمنافسة الحرة  .
لأنه بمقتضى الإعلام يتم الحيلولة دون وصول أي مهني إلى فرض أسعار مبالغ فيها بطريقة خفية، مما يؤدي إلى استقطاب غير مشروع للزبناء المستهلكين. حيث توخى المشرع المغربي العمومية في فرض هذا الالتزام على عاتق البائع  أو مقدم الخدمات , إلا أنه ترك إمكانية تحديد إجراءات الإعلام  بمقتضى نصوص تنظيمية  .
وتجب الإشارة إلى أن المشرع قد سبق وأن تولى تنظيم مسألة إشهار الأثمان بمقتضى القانون الصادر في 12 أكتوبـر 1971 ، كـما حـدد المرسـوم التطبيقي ل 23 دجنبر 1971 الطريقة التي يجب ابتاعها في عملية الإشهار. حيث أكد الفصل 18 منه على أنه يتم الإعلان عن الثمن لزوما بالعملة الوطنية، وأن يتوخى الوضوح في عملية الإعلان حتى يتمكن الجمهور من التعرف عليها دون عناء، كما تتم مراعاة الأعراف التجارية ، أما بالنسبة لبيوع الأسواق فقد حدد لها طريقة خاصة في عملية الإعلان عن الثمن  وذلك بوضع لائحة عامة تضم أثمان البضائع الظاهرة في قاعات البيع والأسواق .

ثانيا: الإعلام بشروط البيع أو إنجاز الخدمة.
إن المشرع المغربي لم يحدد شروط البيع أو إنجاز الخدمة التي يلزم على المهني الإعلان بها للمستهلك، مما يدل على أن الأمر متروك للنصوص التنظيمية التي تصدر لهذا الغرض، لكن بالرجوع إلى القوانين الأخرى والتشريعات المقارنة. يمكن إجمال هذه الشروط فيما يلي :
1-الإعلام بميعاد التسليم، فخارج الحالات التي يكون فيها التسليم فوريا يلقي على عاتق المهنيين أن يقوموا بإعلام المستهلكين بتاريخ تسليم الشيء المبيع أو تقديم الخدمة محل التعاقد .
2-الالتزام بتوضيح مضمون العقد.
3-الإعلام بخصائص السلع أو الخدمات .
وبناء على ما سبق ذكره فيما يخص إعلام المستهلكين فإنه حسب بعض الفقه  من أجل تحقيق منافسة فعالة كان لزاما ألا يتم الاكتفاء بالإعلان الذي يتوخى ذكر وقائع صادقة فقط , بل يجب أن تطال الشرعية كل عملية إعلان ولو كانت مبالغا فيها مادام لم يلحق ضرر ببقية التجار المنافسين وكذا المستهلكين,  ودلك نظرا لشيوع أساليب التفضيل والمبالغة عادة بين التجار والباعة , ولأنه لا يعقل أن يقوم تاجر بإبراز إيجابيات منتوجاته ثم يقوم بعد ذلك بإظهار سلبياتها وهو ما يعرف بمبدأ نسبية الحقيقة في الإعلان .

فقرة ثانية: الالتزام بتسليم الفاتورة
لقد ألزم المشرع المغربي البائع أو مقدم الخدمة بضرورة تسليم الفاتورة لكل من المستهلك أو المهني المشتري أو المقبل على الخدمة  , وذلك  لدورها في الميدان الاقتصادي باعتبارها وسيلة أساسية في إثبات البيوعات وحماية المستهلكين من الزيادة غير الشرعية في الأثمان ، فضلا عما تعكسه من شفافية في العلاقات بين المهنيين .
كما أن المشرع اعتبر تسليم الفاتورة إلزاميا خاصة في بضع القطاعات المحددة قائمتها بنص تنظيمي , لأن ذلك في نظر المشرع يساهم في التضييق من فرص التلاعب في الأسعار ويوفر وسيلة عملية للإثبات باعتبار أن الفاتورة تعتبر ورقة عرفية ، كما أنها تضمن نوعا من الشفافية في التعامل سواء في مواجهة الأطراف المعنيين أو في مواجهة الدولة ومستحقاتها. وقد بين المشرع أيضا البيانات التي يجب توفرها ضمن الفاتورة . وكل الشروط والإجراءات التي يجب احترامها تحت طائلة جزاءات محددة قانونا سوف يتم تناولها من خلال الفرع الثاني من هذا الفصل .

فقرة ثالثة: تنظيم البيع بالمكافآت
يعتبر البيع بالمكافآت صورة من صور التحريض على استهلاك أكبر كمية من المنتوجات أو الخدمات، وهو يندرج ضمن فنون البيع والاتجار التي يفرضها التطور الاقتصادي داخل السوق الاستهلاكية عموما  , حيث تتم هذه العملية عن طريق نشر البائع إعلانا مفاده أن كل من اشترى كمية من السلع أو منتوجات معينة يكون من حقه أن يحصل على سلعة أخرى إضافية كجائزة له، لكن هذه العملية تكون لها آثار سلبية سواء على المستهلكين أو على التجار الذين ينتجون منتوجات أو سلع أخرى  .
لكن المشرع اعتبر هذه العملية ممنوعة من حيث المبدأ ( أولا) إلا أنه في بعض الحالات أجازها بصفة استثنائية وفق العديد من الشروط ( ثانيا).

أولا : منع البيع بالمكافأة
لقد منع المشرع المغربي البيع بالمكافآت حيث استعمل ضمن الفقرة الأولى من المادة 50 من قانون ح. أ .م.م صيغة عامة تشمل كل أنواع البيع بالمكافأة بقوله ” يمنع القيام بيع منتوجات أو سلع أو عرضها للبيع أو تقديم خدمة أو عرضها على المستهلكين مع تخويل الحق بالمجان على الفور أو لأجل في مكافأة تتكون من منتوجات أو سلع أو خدمات  …. ” .
ويمكن إجمال أنواع المكافآت التي يمنع أن تلحق بالبيع أو تقديم الخدمة في بضع الصور كما يلي  :
•    المكافآت التي تؤدي للمشتري أو لمتلقي الخدمة بعد الشراء كما هو الحال بالنسبة لمحطات توزيع الوقود حيث يعلم المشتري بأنه كلما وصلت كمية البنزين المشتراة مثلا 70 لتر  يحق له أن يغسل سيارته مجانا .
•    المكافأة التي تؤدى للمشتري أثناء البيع كما يحدث بالنسبة للبيوع بالمنازل, حيث يقول البائع أنه إذا ثم شراء السلعة يحق للمشتري أن يحصل على ثلاث أخرى مجانا.
•    البيع المزدوج، كأن يلزم المشتري إذا رغب في شراء سلعة ما أن يشتري معها وجوبا جملة من السلع الأخرى, كبيع شبكة تحتوي على مجموعة من الأشياء ( السكر, البيض، الشاي….).
•    تخصيص المكافأة للمستهلكين عن طريق المسابقات: حيث يتم تنظيم مسابقات تتضمن أسئلة في غاية السهولة تؤدي بالمستهلك إلى الإقبال على المشاركة في المسابقة دون عناء مما يجره في الأخير إلى التعاقد.
لكن ما يلاحظ على المادة 50 من ق .ح. أ. م. م حسب بعض الفقه   هو أن المشرع المغربي قد اقتصر على منع  البيع بالمكافأة ، في حين نجد أن التشريعات المقارنة خصوصا الفرنسي والمصري , أنها تحرم بالإضافة إلى المكافأة الهدايا التي يمنحها المهنيون للمستهلكين والتي تقدم في مناسبات استثنائية وذلك كلما توفرت فيها بعض الشروط منها   :
•    أن تسلم إلى غير المشتري .
•    أن يتم التسليم بدون أي مقابل.
•    أن يتم التسليم عن طريق التاجر أو المنتج أو مورد الخدمة.
•    أن يتم التسليم في فترة سابقة على التعاقد .

ثانيا : الاستثناءات الواردة على مبدأ منع البيع بالمكافأة
تنص المادة 50 من ق. ح. أ. م.م على جملة من الاستثناءات أو الحالات التي لا يكون فيها البيع ممنوعا ولو كان مرتبطا بالمكافأة  ويتعلق الأمر بما يلي :
•    الحالة التي تكون فيها المنتوجات أو الخدمات محل المكافأة مماثلة للمنتوجات أو الخدمات محل البيع أو الخدمة .
•    إذا كان محل المكافأة أشياء بسيطة أو خدمات ذات قيمة زهيدة, أو عينات يتم تحديد قيمتها بمقتضى نصوص التنظيمية.
•    إذا كان محل المكافأة هو المنتوجات أو الخدمات الضرورية لاستعمال المنتوج أو السلعة أو الخدمة محل البيع استعمالا عاديا.
•    الخدمات المقدمة بعد البيع وتسهيلات الوقوف التي يوفرها التجار لعملائهم.
•    الخدمات المقدمة بالمجان إذا لم يبرم بشأنها عقد مقابل عوض, ولم تكن ذات قيمة تجارية.
_______________________
– Ali kerfali- projet de loi sur le concurrence et les prix : présentation et philosophie quel droit de la concurrence pour le Maroc de demain p : 38.
-عبد الرحمان صالح ” الحماية الشرائية للمستهلك في القوانين الأردنية “، مجلة الحقوق السنة 4 ديسمبر 1999 ص 11.
– أحمد أبران، مرجع سابق، ص 35.
– انظر المادة 47 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي، و المادة 9 من مشروع قانون رقم 08-31 الذي يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين.
لقد  تم نسخ القانون رقم 71-800 الصادر بتاريخ 12 أكتوبر 1971, المتعلق بتنظيم الأسعار ومراقبتها وشروط البضائع والمنتوجات بقانون حرية الأسعار والمنافسة 99 – 06.
– أنظر المادة 12 من الباب الثاني من مشروع قانون رقم 08-31 الذي يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين.
– انظر المادة 3 من الباب الأول من مشروع قانون رقم 08-31 الذي يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين
– عبد الفضيل محمد أحمد ، الإعلان عن المنتجات والخدمات من الوجهة القانونية المطبعة العربية الحديثة 1991 ص  174
– المادة 48 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
– الفقرة الثانية من المادة 48 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
– المادة 51 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
– مفيد الفارسي، مرجع سابق، ص 61.
– محمد السيد عمران” حماية المستهلك أثناء تكوين العقد دراسة مقارنة مع دراسة” تحليلية وتطبيقية للنصوص الخاصة لحماية المستهلك، منشأة المعارف الإسكندرية ( بدون طبعة ) ص 69 – 70.
-محمد السيد عمران ، م. س ، ص  73- 74.
– أحمد محمد محرز، مرجع سابق، ص 354 إلى 368.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.