عقوبات الممارسات المنافية لحرية المنافسة

عقوبات الممارسات المنافية لحرية المنافسة – المطلب الثاني:
لقد نص المشرع المغربي من خلال المادة 67 من قانون 99-06 على معاقبة كل شخص طبيعي شارك على سبيل التدليس أو عن علم مشاركة شخصية في تخطيط الممارسات المشار إليها في المادتين السادسة والسابعة من نفس القانون, أو تنظيمها أو تنفيذها أو مراقبتها. بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. ويمكن تصنيف هذه الممارسات التي يعاقب عنها المشرع وكما سبق التطرق لها في الفرع الأول إلى نوعين، الاتفاقات عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما ،  ثم الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن أو حالة تبعية اقتصادية  .
ويمكن حسب بعض الباحثين  تسجيل عدة ملاحظات على هامش المادة 67 أعلاه والتي تجسد العقوبات الأصلية للأعمال المخلة بالمنافسة وهي على الشكل التالي:

أولا: أن المشرع حظر مجرد الاتفاق، الذي يعني توافق إرادتين أو أكثر على عقد العزم بصفة نهائية بغرض عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها، بل تشدد المشرع أكثر من ذلك واعتبر حتى الاتفاق الذي يمكن أن يترتب عنه الفعل المشار إليه أعلاه داخلا في الحظر حتى ولو لم ينتج السلوك نتيجة ضارة. كما أن لفظ الاتفاق يفترض وجود شخصين أو أكثر ، وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن مقتضيات المادة 6 لا يمكن أن يرتكبها شخص واحد وإن كان من الممكن أن تدخل في نطاق المادة 7، حيث رتب المشرع على ذلك جزاء مدني هوالبطلان بقوة القانون  . في حين أن ترتيب المسؤولية الجنائية التي جسدتها المواد 67 و 69 و 70 من القانون رقم 99-06 تتوقف على ارتكاب أحد الأفعال المنصوص عليها بمقتضى المادتين 6 و 7 أو مثيلاتها، والتي تلحق مساس خطير باقتصاد البلاد وبمصلحة المستهلكين.

ثانيا: نلاحظ أن العقوبات الحبسية التي وضعها المشرع والتي تتراوح من شهرين إلى سنة لا تتناسب تماما مع خطورة الأفعال المسطرة بمقتضى المادتين 6 و7. ويتضح ذلك جليا عندما نقارنها بالعقوبة الحبسية المنصوص عليها في المواد 68 و 72 من نفس القانون والمتخذة لمعاقبة أفعال أقل جسامة مثل افتعال رفع أو انخفاض الأسعار والادخار السري حيت تتراوح من شهرين إلى سنتين , خصوصا وأن المشرع الفرنسي مثلا قد عاقب على التخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الممارسات المشار إليها في المواد 6و7 من قانون 99-06 بالحبس من 6 أشهر إلى 4 سنوات . وللإشارة ينبغي أن نذكر بأنه في مشروع قانون 99-06 وقبل المصادقة عليه كان الحد الأقصى للعقوبة المتخذة في حق الجنحة موضوع الدراسة هو سنتين.

حرية المنافسةثالثا: نلاحظ أن المشرع في الوقت الذي خفف من مقدار العقوبة الحبسية ، بحيث جعل الحد الأقصى يتحدد في سنة واحدة، قد شدد على الجاني وذالك من خلال التخفيف في شروط الإدانة, ويظهر ذلك من خلال ثلاثة أمور :
1- كان المشرع في مشروع القانون يشترط العلم التام، الأمر الذي يستفاد منه أن مجرد العلم البسيط يستثنى الشخص من العقوبة، لكن المشرع تراجع ولم يعد يشترط سوى العلم دون نعت أو تخصيص.
2- بعد ما كان المشرع يشترط في مشروع القانون بالإضافة إلى كون المشاركة شخصية أن تكون حاسمة، فإنه بعد ذلك حذف وصف الحسم في المشاركة، رغم أن هذا الوصف هو وصف عادل ويضيق من حقل التجريم.
3- كما أن المشرع المغربي قد وسع مجال المشاركة، فإضافة إلى التخطيط والتنظيم والتنفيذ الذي نجده في كل التشريعات الأخرى، جاء بمعيار آخر، وهو معيار مراقبة الممارسات المشار إليها في المدتين 6 و7. هذا المعيار الذي وصفه البعض بأنه مجحف في حق الفاعلين الاقتصاديين ويحتاج إلى كثير من التحليل والدراسة في إطار خصوصيات الجريمة الاقتصادية .
وفي الأخير نلاحظ أن الشخص الطبيعي الذي ذكر في نص المادة 67 أعلاه، دون تحديد نعت له أو تخصيص ،يطرح علامة استفهام بخصوص طبيعة هذا الشخص الذي يقوم بالممارسات المنافية لقواعد المنافسة ، هل باعتباره كفاعل اقتصاديا كان الدافع لسلوك المحظور اعتبارات اقتصادية أساسها المضاربة وجني الأرباح ؟ أم أن العبارة وردت عامة وشاملة تستوعب سائر الأشخاص الطبيعيين حتى أولئك الذين يكون لسلوكهم أم سلبي على المنافسة، ليس باعتبارهم فاعلين اقتصاديين وإنما باعتبار مواقفهم السياسية مثل المقاطعة الاقتصادية لمنتوجات دولة معينة؟ .
كما نص المشرع أيضا في المادة 70 من القانون رقم 99-06 على أنه يمكن في حالة المخالفة لأحكام المادتين 6 و 7 أن يعتبر الأشخاص المعنويين مسؤولين جنائيا عندما تبرر ذلك ظروف النازلة, ولاسيما سوء نية الأطراف المعنية أو خطورة المخالفات المرتكبة ودون إخلال بالجزاءات المدنية الممكن تطبيقها من لدن المحاكم المختصة.
وتتمثل العقوبة المحكوم بها في غرامة تبلغ بالنسبة إلى منشأة ما من 2 % إلى 5 % من رقم الأعمال دون اعتبار الرسوم المنجزة في المغرب خلال آخر سنة محاسبية مختتمة، وإذا لم يكن المخالف منشأة حددت الغرامة بمبلغ يتراوح من 200.000 إلى 2.000.000 درهم….، وفي حالة العود داخل أجل 5 سنوات يرفع مبلغ الغرامة الأقصى إلى الضعف.
وأخيرا ينبغي الإشارة إلى أن هناك عقوبات جنائية إضافية سوف نتطرق لها في المبحث الثاني.
القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الأول: القواعد الموضوعية للقانون الجنائي للمنافسة
الفرع الثاني : الجزاءات المقررة ضد الأعمال المخلة بحرية المنافسة.

المبحث الأول: العقوبات الأصلية المقررة للأعمال المخلة بحرية المنافسة
__________________
– المادة 6 من قانون حرية الأسعار والمنافسة .
– المادة 7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة .
– محمد بلمعلم ” جريمة عرقلة المنافسة ” مرجع سابق، ص  4 و 5.
-المادة 9 من القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ، رقم 99- 06.
– المادة 6 من قانون 99-06 لأنها نصت في آخر الفقرة الأولى منها على أن الأفعال التي تشكل ممارسات منافية للمنافسة لم  يتم ذكرها على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال وذلك بدليل كلمة ” لا سيما  “.
– المادة 17 من قانون حرية الأسعار والمنافسة الفرنسي الصادر في 1 دجنبر 1986.
– أبو عبيدة ” الحماية الجنائية لحرية الأسعار والمنافسة ، مرجع سابق.
– أمال قلوش ” الممارسات المنافية لقواعد المنافسة” مرجع سابق، ص  22.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.