العقوبات الزجرية لحماية المستهلك من الإعلان الخادع

العقوبات الزجرية لحماية المستهلك – المطلب الثاني:
بعد أن تطرقنا السند القانوني الذي تقوم على أساسه جريمة الإعلان الخادع، فإننا سنتطرق في هذا المطلب إلى العقوبات التي تطال مرتكبي هذا التضليل الذي يعيب إرادة المستهلك، وإذا أخدنا مسألة الغش و الخداع و الكذب في المنتوجات المقدمة للمستهلك مقرونة بالمادة الاشهارية أو الإعلانية أيا كانت و وسيلتها فإن العقوبة المنصوص عليها صراحة في القانون رقم 83-13 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع (1) والذي نص في الفصل 10 منه باعتبار قيام جنحة بمجرد ما يقع الإعلان أو يتسلم أو يتلقى في المغرب 7200 درهم (الفقرة الأخيرة )، لمن قام بإعلان يشتمل على ادعاء أو بيان أو عرض كاذب أو من شأنه أن يوقع في الغلط بشأن العناصر التي تم تحديدها في نفس الفصل، أما إذا اعتبرنا أن الملصقات القانونية التي توضح المنتوج و حيثياته نوع من الإعلان، و التي تعتبر جرائم ملحقة في حالة تدليسها بجرائم الغش و الخداع، فإن العقوبات بهذا الصدد فصلها المشرع   الجنائي وحددها بشكل يساهم في حماية المستهلك أكثر مما جاء به الفصل 10 السابق الذكر، ولعل جرائم الغش هذه، هي التي تتداول قضائيا بالمغرب من خلال الأحكام التي قمنا بدراستها، ومن خلال زيارتنا للمحكمة الابتدائية بسلا فالمحاضر المتبثة بشأن هذه الأفعال اتضح لنا أن غالبية إن لم نقل كل القضايا المعروضة أمام القضاء تهم الغش في المواد و ليس الإعلان الخادع من قبيل قضية مؤسسة لاديس (تريا) الكائن مقرها بالدار البيضاء، و التي اتهمت من طرف مصلحة زجر الغش التابعة لوزارة الفلاحة بكون بيانات الملصقات القانونية غير مطابقة لمكونات المنتوج، ونفس الشيء بالنسبة لعسل الياسمين و الشركة الإسبانية لعصير الفواكه. و في ربط لهذه الأعمال التدليسية بعملية الإعلان فإنه لايمكن أن يكون الإعلان خادعا إن لم يكن المنتوج أصلا مغشوشا، وهو ما يفسر إسناد المسؤولية الأصلية إلى المخالفة إلى صاحب البضاعة الذي أنجز الإعلان (2) و بالتالي معاقبته على عملية النصب و الغش، التي لحقت المستهلك فمتى توافرت أركان جريمة النصب التي تعد في الأصل جنحة، وثبتت ضد الجاني الأفعال المنسوبة إليه حق العقاب عليها.و العقاب في الحالة البسيطة يكون بالحبس من سنة إلى 5 سنوات، وغرامة من 500 درهم إلى 5000 درهم (المادة 540، الفقرة الأولى من القانون الجنائي) إذا أخدنا مسألة الغش و الخداع و الكذب في المنتوجات المقدمة للمستهلك مقرونة بالمادة الاشهارية أو الإعلانية أيا كانت وسيلتها فإن العقوبة المنصوص عليها صراحة في القانون رقم 83 .13 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 108 .83 .1 بتاريخ 9 محرم 1405 (5 أكتوبر 1984 ) .بهذا الخصوص ثم التنصيص عليها في الفصل 10، بغرامة من 200 إلى 7200 درهم (الفقرة الأخيرة ) لمن قام بإعلان يشتمل على ادعاء أو بيان أو عرض كاذب أو من شأنه أن يوقع في الغلط بشأن العناصر التي تم تحديدها في نفس الفصل.

أما العقوبة على جريمة الغش فهي إما أن تكون عقوبة أصلية (عندما يسوغ الحكم بها وحدها دون أن تضاف على عقوبة أخرى )،أو اضافية  (عندما لا يسوغ الحكم بها وحدها أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية) إلى جانب التدابير الوقائية سواء الشخصية أو العينية (3)، والعقوبة الجنائية الأصلية هي ثلاث:

– الإعدام : إن الفقرة الثانية من الفصل 2 من قانون الزجر عن الغش تحيل أساسا على ظهير 29/10/1959 المتعلق بزجر الجنايات على صحة الأمة الذي ينص في فصله الأول بمايلي: “يعاقب بالإعدام الأشخاص الذين قاموا عن تبصر قصد الاتجار بصنع منتوجات أو مواد معدة للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أو باشروا مسكها أو توزيعها أو عرضها للبيع “، وهو ظهير كان قد صدر عقب كارثة الزيوت المسمومة التي كان عرفها المغرب في الخمسينات، مما دفع المشرع إلى تضمين فصله الثاني رجعيته بالنص صراحة على العقاب على الجرائم المبنية فيه ولو سبق اقترافها تاريخ صدور ذلك الظهير(4).

– السجن من 10 سنوات إلى   20سنة : يتعرض لها من ارتكب عمدا فعلا مما نص عليه في الفقرة 1 من الفصل 2 من قانتون الزجر عن الغش ، ونتج عن ابتلاع المواد المذكورة فيها الموت دون نية إحداثه.

– السجن من 5 سنوات إلى 10 سنة : يتعرض لها كل من ارتكب عمدا فعلا مما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 2 من ق.ز.غ أن يتعلق الأمر بخداع أو تدليس في المنتوجات و أيضا اللحوم التالفة) و نتج عن ابتلاع المواد المذكورة فيه إصابة الغير بمرض يظهر أنه عضال أو فقدان استعمال عضوها أو بعاهة مستديمة.

ومن العقوبات الأصلية نجد العقوبات الجنحية تتراوح بين شهر وخمس سنوات باستثناء حالة العجز وما حدده القانون و الغرامة التي تتجاوز 200 درهم وقد نص ق.ز.خ على 5 أنواع من العقوبات الجنحية  و السادسة تتعلق بإثبات مدة صلاحية البضائع الاستهلاكية.

● أولا : عبارة عن الحبس من سنتين إلى 6 سنوات، في حالة تسبب المنتوج المغشوش بمرض أعجز صاحبه عن العمل لمدة تتجاوز 20 يوما.

● ثانيا : الحبس من 6 إلى 5 سنوات وغرامة من 1200 إلى 2400 درهم أو إحداهما فقط، في حالة خداع المتعاقد أو محاولة خداعه (في ماهية البضاعة، نوعها أو منشئها، كمية مكوناتها، هويتها ) أو تزييف المواد الغذائية، العلم بزيف بعض المواد المستوردة أو أنها خضعت لتغيير غير مرخص له أو انتهت مدة صلاحيتها، أو حيازتها في أماكن غير ملائمة لهذه الحيازة.

● ثالثا : الحبس من 3 أشهر إلى سنة و غرامة من 200 إلى 6000 درهم أو إحداهما متعلقة بأي عرقلة تمس المراقبين من أجل تطبيق ق.ز.غ أو النصوص الصادرة بتنفيذه.

● رابعا : الغرامة من 200 إلى 7200 درهم (5) وهي العقوبة التي تشير صراحة إلى الإعلان أيا كان نوعه يشتمل على ادعاء أو بيان أو عرض كاذب أو من شأنه أن يوقع في الغلط بشأن أي عنصر له علاقة بالمنتوج كالثمن ومدة الصلاحية، و أساليب البيع، نتائج استعمالها …و الملاحظ هنا هو ضعف العقوبة مقابل قوة الفعل المرتكب، إذا نظرنا إليها من زاوية أن الإعلان هو نافدة المورد للمستهلك عن طريق السلعة التي قد يشوبها غش كما هو مبين سابقا من المحتمل أن تكون عواقبه وخيمة على صحة المستهلك.

● خامسا : الغرامة من 2400 إلى 24000 درهم: تطبق على مخالفات القرارات المتعلقة بتحديد الصفات التي يجب أن يتميز بهما دقيق الحنطة و دقيق القمح.

●  سادسا : الغرامة من 12 إلى 500 درهم ، المتعلقة بمدة صلاحية المصبرات و شبه المصبرات و المشروبات المعلبة المخصصة لاستهلاك الإنسان أو الحيوان ، مع مراعات العقوبات الأكثر شدة المنصوص عليها في نصوص تشريعية خاصة(6).

وفيما يتعلق بالعقوبات الضبطية فهي عبارة عن غرامة من 12 درهم إلى 200 درهم، فقانون ز.غ ينص على عقاب المخالفات للنصوص الصادرة بتطبيق هذا القانون (في فصله 7) وسوف لن نتطرق للعقوبات الضبطية و التدابير الوقائية، نظرا لغياب أثرها في هذا المجال، اللهم ما يتعلق بنشر الحكم بالإدانة.

و بالنظر إلى هذه العقوبات فإنه يبدو واضحا ، الفراغ التشريعي الحاصل من الناحية القانونية في موضوع  الإعلان بعلاقته بحماية المستهلك، ما ينعكس طبعا على الحماية الجنائية في هذا الصدد قانون حماية المستهلك، خاصة المواد 173 ،174 ، 175 ، التي نصت على عقوبات حبسية وغرامية مهمة مقارنة بما هو كائن في القانون الجنائي ، رغم ما اعتراه هو أيضا من هفوات خاصة على مستوى المادة 21 التي منعت أي إشهار قام على طريقة ما بتغليط الأشخاص للتأثير على سلوكهم ، غير أنه لم يتبين كيفية إعمال مسؤولية القائم على هذا الإشهار التغليطي  و طبيعتها ، وكيفية مساعدة الأشخاص الذين وقعوا ضحية هذا الإشهار الخادع ، خاصة و أن الأمر يتعلق بمشروع قانون حماية المستهلك و ليس بمدونة التجارة (7) و ما ينعكس سلبا على تطور الحماية الجنائية في هذا المجال ، وعدم اللجوء إلى هذه المسطرة من طرف المتضررين ، هذا النقص الذي لازال يطال الحماية من الإعلانات الخادعة تداركه المشرع الفرنسي ، إدا اهتم بالنص على جزاءات رادعة لهذه الجريمة وذلك في نص المادة 121/6 التي قررت تطبيق العقوبات الواردة  في المادة 213/1 (عقوبة الحبس سنتين و الغرامة  250 فرنك أو إحدى هاتين العقوبتين)

لعقاب المسئول عن جريمة الخداع الإعلاني سواء كان طرفا في العقد أو ليس طرفا فيه وسواء حدثت الجريمة تامة أو جاءت في صورة المشرع فقط أيا كانت الصورة التي مارس من خلالها خداعه حتى و إن كانت عن طريق وسيط  فالقضاء الفرنسي أعطى أهمية بالغة للمستهلك وحمايته نم كل خداع إعلاني فقد ساوى بين الشروع و الجريمة التامة في العقاب لتشديد الخناق على الجاني، بخلاف القاضي المغربي، ولا سيما في مدينة الدار البيضاء، و أمام تراكم القضايا أمامه، أصبح ينظر إلى القضايا الاستهلاكية على أنها بسيطة و يلجأ إلى فرض غرامات بدل العقوبات الحبسية.

الخاتمة:
أهم ما يمكن استخلاصه من دراستنا لهذا الموضوع على مستوى النصوص القانونية التي تحمي المستهلك من الغش و الخداع في المواد المستهلكة و التي لها علاقة مباشرة بسلامة الإعلانات فإن المشرع المغربي نص على عقوبات جنائية تردع الجنائي لممارسته سلوكات منافية للقانون رغم أن هذا العقوبات ظلت عامة وغير موجهة بشكل مباشر للإعلانات الخادعة وبالتالي فان المسؤولية هنا تلقى على عاتق المستهلك نفسه كمتضرر أصلي من هذه السلوكات المضللة، وهو ما ينتفي و الحالة هذه لان الواقع يوضح بجلاء انصراف المستهلك بعزلته وضعفه في مواجهة منتجين ومهنيين و تجار مجهزين بوسائل هامة، إضافة إلى الاقتناع منذ البداية بأن ما سيسفر عنه رفع الدعوى من نفقات سوف لن يتعادل مع ما سيحصل عليه من مقابل. هذا إذا كان الحكم لصالحه أصلا علاوة على الوقت الضائع بين إجراءات طويلة معقدة وكل ذلك مقابل سلعة قد لا تتجاوز قيمتها دراهم معدودات، ناهيك عن ثقافة الاستهلاك بلا وعي، والجهل بالقوانين.

لائحة المراجع
الكتب :
– جواد الغماري, جرائم الغش في البضائع, الطبعة الثانية مزبدة ومنقحة 2002
– عبد الحميد الشواربي, جرائم الغش والتدليس, منشاة المعارف بالإسكندرية, 1992
– هدى حامد قشقوش, الإعلانات عير المشروعة في نطاق القانون الجنائي,دار النهضة    العربية,القاهرة,1998
– عبد الفضل محمد احمد, الإعلان عن المنتجات والخدمات
– محمد محمود مبروك, أحكام العلم بالمبيع وتطبيقاته في ضوء تقدم وسائل التكنلوجيا المعاصرة,ط 1,المكتب الفني للإصدارات القانونية,1999
– أسامة أبو الحسن مجاهد, خصوصية التعاقد عبر الانترنت,دار النهضة العربية,2000
– ذ.العلمي عبد الواحد, القانون الجنائي المغربي القسم الخاص,الطبعة الثانية ,مطبعة النجاح الجديدة,2000
– د.شهيب محمد, شرح الجنائي القسم الخاص, 1997

المجلات :
– دنيا مباركة, الحماية القانونية لرضا مستهلكي السلع والخدمات,المجلة المغربية للاقتصاد و القانون,العدد الثالث يونيو 2001
– محمد العروصي, الحماية الجنائية من الاعلانات التجارية الخادعة, المجلة المغربية لقانون الاعمال والمقاولات ,عدد 7 ,يناير 2005
– محمد شعيبي, الحماية القضائية للمستهلك في مادة زجر الغش في البضائع محاكم الدار البيضاء نموذجا, مجلة القانون والاقتصاد وحماية المستهلك,العدد  10.

القوانين :
– قانون رقم 83 -13 المتعلق بالزجر على الغش الصادر بتنفيذه الظهير الشريف – – رقم 108 83- 1 بتاريخ 9 محرم 1405 ( 5 أكتوبر 1984 ) .
– مشروع قانون رقم 27 – 00  لحماية المستهلك

المواقع الالكترونية:
الموقع الالكتروني www.geocities.com
المسؤولية الجنائية عن الإعلانات الخادعة
الحماية الجنائية للمستهلك من الإعلانات الخادعة
___________________________________________
(1) الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 108 .83. 1 بتاريخ 9 محرم 1405 الأعمال و المقاولات، الطبعة 1 .العدد 21
(2) القانون رقم 83 .13 المتعلق بالزجر عن الغش و المنشورات المجلة المغربية لقانون (5 أكتوبر 1984)
(3)محمد العروصي . الحماية الجنائية من الإعلانات التجارية الخادعة ، المجلة المغربية لقانون الأعمال
(4)جواد الغماري ، جرائم الغش في البضائع ، ط 2 ، مزيدة و منقحة 2002، ص253 و المقاولات ،عدد 7، يناير 2005 ،ص 23.
(5) جواد الغماري ، مرجع السابق ، ص 261 ،162 ، 164.
(6) جواد الغماري ، مرجع السابق ، ص 265 ، 266 .
(7) الموقع الالكتروني www.geocities.com مقال للدكتور عبد الحميد أخريف

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.