إتفاق التحكيم في العقود الإدارية بالمغرب

إتفاق التحكيم في العقود الإدارية بالمغرب – ثانيا :
كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل يلعب التحكيم دورا هاما في حسم المنازعات خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تتطلب تدخل الدولة في مجال النشاط الاقتصادي، ولكن تصطدم هذه الأهمية العملية للتحكيم بموقف التشريع و ولمعرفة موقف المشرع المغربي بخصوص مسألة الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية ارتأينا أن نتناوله في إطار قانون المسطرة المدنية قبل تعديل الباب الثامن منها المتعلق بالتحكيم وبعد صدور هذا التعديل بموجب القانون 05. 08 .

أ- قبل تعديل المسطرة المدنية:
كان المبدا العام في التشريع المغربي هو حظر لجوء أشخاص القانون العام إلى التحكيم لحسم منازعات العقود الإدارية، ويستند هذا المبدأ إما إلى النصوص التشريعية الواردة في المسطرة المدنية أو المبادئ العامة للقانون.

1- النصوص التشريعية كأساس لحظر التحكيم في العقود الإدارية
تضمن قانون المسطرة المدنية قبل خضوعها للتعديل أحكاما يمكن اعتبارها الأساس التشريعي لمبدأ حظر التحكيم بالنسبة لأشخاص القانون العام، فالمادة 306 تنص على ما يلي: “يمكن للأشخاص الذين يتمتعون بالأهلية أن يوافقوا على التحكيم في الحقوق التي يملكون التصرف فيها.

غير أنه لا يمكن الاتفاق عليه في المسائل التي تمس النظام العام وخاصة النزاعات المتعلقة بعقود أو أموال خاضعة لنظام يحكمه القانون العام”.

2- حظر اللجوء إلى التحكيم استنادا إلى المبادئ العامة للقانون
إن حظر التحكيم في المنازعات الإدارية – ومنها منازعات العقود الإدارية- لا يستند فقط إلى النصوص التشريعية السابق الإشارة إليها وإنما استند إلى المبادئ العامة للقانون، ويقصد بها مجموع القواعد القانونية التي يمكن استخلاصها من استقراء النظام القانوني، حيث أنه توجد إلى جانب التشريعات المكتوبة مبادئ يعتبر الاعتراف بها قواعد قانونية أمر ضروريا لتكمله صرح النظام القانوني.

ومن المبادئ العامة التي عبر عنها القضاء الإداري في العديد من الدول – ومن بينها المغرب- أن الأشخاص المعنوية العامة لا تستطيع اللجوء في المنازعات التي تكون طرفا فيها إلى التحكيم إذا كانت هذه المنازعات تتعلق بالنظام العام أو النظام القانوني الداخلي. وعليه ذهب القضاء إلى القول بأن أساس حظر التحكيم في منازعات أشخاص القانون العام يستند إلى المبادئ العامة للقانون ومنها مبدأ الفصل بين السلطات القضائية، وفكرة النظام العام.

  • حظر اللجوء إلى التحكيم استنادا إلى مبدأ فصل السلطات:

أن النشأة القضائية للقانون الإداري، أدت إلى وجود ارتباط ضروري بين  وجود القانون الإداري والقضاء الإداري، فهذا القضاء هو صاحب الاختصاص الأصيل بنظر المنازعات الإدارية  -بما فيها العقود الإدارية – وعليه، فإن الاتفاق على حسم هذه المنازعات بالتحكيم من شأنه أن يمثل اعتداء جسيما على اختصاص القضاء الإداري، وعلى مبدأ الفصل بين السلطات الإدارية والقضائية، وعليه فإن مبدأ حظر لجوء أشخاص القانون العام إلى التحكيم يستند إلى مبدأ احترام قواعد الاختصاص القضائي بشكل عام. فإجازة التحكيم ستوصل إلى السماح للقاضي العادي بأن يمارس الرقابة على قرار المحكمين في حالة الطعن عليه أو في حالة بطلان اتفاق التحكيم وبالتالي سيخرج النزاع من الاختصاص القضائي الذي يتبعه وتعرض المنازعات الإدارية على القضاء العادي.

  • حظر اللجوء إلى التحكيم استنادا إلى فكرة النظام العام:

لقد استند المشرع المغربي إلى فكرة النظام كأساس لحظر التحكيم في العقود الإدارية ويمكن تعريف النظام العام في القانون الإداري كما ذهبت غالبية أحكام القضاء الإداري المغربي بأنه تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة أي تحقيق مصلحة عليا تعلو على المصالح الفردية.

ونظرا لأن العقود الإدارية تهدف في المقام الأول إلى تحقيق المصلحة العامة فهي تتصل اتصالا وثيقا بالنظام العام، ومن ثم لا يجوز اللجوء بشأنها إلى التحكيم[1].

ب- بعد إصدار التعجيل
إذا كان المشرع المغربي قد أكد في الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية –القديم- بصريح العبارة على عدم جواز الاتفاق على التحكيم في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية، فإنه بصدور الظهير الشريف رقم 169-07-1 بتاريخ 30 نوفمبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 05- 08 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية يلاحظ تغيرا واضحا في موقف المشرع المغربي بخصوص مسألة الاتفاق على التحكيم في العقود التي تبرمها الأشخاص المعنوية العامة، حيث جاء في الفصل 310 من القانون المذكور ولا سيما الفقرة الثالثة منه ما يلي: “بالرغم من أحكام الفقرة الثانية من الفصل 317 أدناه، يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم في دائرة التنفيذ بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصايا المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية”.

يستفاد من هذه المقتضيات أن المشرع رفع الحظر المتعلق بعدم جواز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية، فعلى الرغم من أن مقتضيات الفصل 310 جاءت فضفاضة بحيث أنها لم تحدد نوعية العقود التي يمكن للدولة أو الجماعات المحلية الاتفاق على التحكيم بشأنها إلا الشائع في مجال القانون الإداري أن الدولة تلجأ في تعاملاتها إلى إبرام نوعين من العقود، عقود خاضعة لنظام يحكمه القانون الخاص، وعقود خاضعة لنظام يحكمه القانون العام وهي العقود  الإدارية ومن ثم يمكن الاستناد إلى إرادة المشرع الضمنية، والمعبر عنها في الفصل 310 السالف الذكر للقول بجواز التحكيم في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية. كما أنه يمكن للهيئات المتمتعة بالشخصية المعنوية كالمؤسسات العمومية – أي المؤسسات العامة ذات الطبيعة التجارية والصناعية والمؤسسات العامة ذات الطبيعة الإدارية- أن تبرم اتفاق تحكيم   في منازعات العقود الإدارية التي تكون طرفا فيها وهو ما يستنتج من مقتضيات القانون رقم 05. 08 إلا أن المشرع المغربي اشترط موافقة مجالس إدارتها على إبرام ذلك الاتفاق حيث أن الفصل 311 ينص على أنه ” يجوز للمؤسسات العامة إبرام عقود تحكيم وفق الشروط المحددة من لدن مجالس إدارتها وتكون الاتفاقات المتضمنة لشروط تحكيم محل مداولة خاصة يجريها مجلس الإدارة”.

وخلاصة القول يمكن القول أن هذا التطور التشريعي في المغرب بخصوص هذا الموضوع جاء كنتيجة لكون أن الدولة لن تستطيع مقاومة حجم المعاملات الدولية التي تقوم بها أشخاص القانون العام من جهة وأن عوامل التنمية في البلاد تلعب دورا أساسيا في تغيير التشريعات الداخلية بما يتلاءم مع المتغيرات الدولية من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة فإن إجازة التحكيم في العقود بصفة عامة والعقود الإدارية بصفة خاصة يبرره تأثر المشرع المغربي بما قررته دول العالم بشأن جواز التحكيم في هذا النوع من العقود.

ثم إنه لو كان في نية المشرع المغربي استبعاد اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية لعبر عن ذلك بصريح العبارة كما فعل في الفصل 306 من قانون المسطرة القديم والذي سبقت الإشارة إليه من قبل.

وتجدر الإشارة في الأخير على أنه يتعين على المشرع المغربي استصدار نص تشريعي يفسر الغموض الذي اكتنف مقتضيات هذا القانون ولا سيما تلك المتعلقة بنزاعات العقود الإدارية على غرار ما هو معمول به في التجارب المقارنة التي تضمنت تشريعاتها مقتضيات صريحة تنص على جواز التحكيم في النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.
المطلب الأول: التحكيم في العقود الإدارية
المبحث الثاني: التطبيقات العملية لـنظام التحكيم
التحكيم في العقود
___________________________
[1] -د. محمد الأعرج، نظام العقود الإدارية، منشورات المجلة المغربية لإدارة المحلية والتنمية، العدد 58، 2005، ص 156 وما بعدها.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.