تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان

تطبيق القانون الجنائي من حيث المكانالفقرة الثانية :
إن تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان تحكمه أربعة مبادئ أساسية أخذت بها كل الأنظمة الجنائية المعاصرة وهي مبدأ إقليمية النص الجنائي ومبدأ عينية النص الجنائي ومبدأ عالمية أو شمولية النص الجنائي.

أولا: مبدأ إقليمية القانون الجنائي
يقصد بمبدأ إقليمية القانون الجنائي أن قواعد القانون الجنائي لا تطبق إلا في حدود الإقليم الخاضع لسيادة الدولة التي يعترف لها القانون الدولي بالسيادة عليه. ويعد هذا المبدأ نتيجة طبيعية لإعمال مبدأ الشرعية لأن هذا الأخير يفرض أن يكون الناس على علم بنص تجريمي قبل تطبيقها عليه[1].

وعن هذا الأساس فإن القانون الجنائي يطبق على كافة المتواجدين بالأقاليم الخاضعة لسيادة الدولة سواء كان الجاني وطنيا أم أجنبي وأيا كانت المصلحة التي وقع الاعتداء عليها. وقد أورد المشرع الجنائي المغربي هذا المبدأ في الفصل 10 بقوله :”يسري التشريع الجنائي المغربي على كافة من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين وأجانب وعديم الجنسية مع مراعاة الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون الدولي.

كما بين هذا الإقليم في الفصل 11 من ق.ج. واعتبر أنه يدخل ضمن إقليم المملكة السفن والطائرات المغربية أينما وجدت فيما عاد الحالات التي تكون فيها خاضعة للتشريع الأجنبي بمقتضى القانون الدولي.

وعليه يمكن تقسيم الإقليم إلى ثلاثة أقسام:
-الإقليم الأرضي: ويشمل كل الأراضي التي تخضع للسيادة المغربية.
-إقليم البحري: ويشمل المياه الإقليمية والأنهار التي تقطع أراضيه وكذا البحيرات الداخلية ويصل عرض البحر الإقليمي 12 ميلا (أي حوالي 20 كلم)  كما يشمل الإقليم البحري السفن التجارية وخاصة العسكرية منها وتعتبر عن طريق الافتراض والحيلة، جزءا من إقليم الدولة الخاضعة لها.
-الإقليم الجوي: ويشمل المجال الجوي الذي يرتفع فوق الأراضي اليابسة أو المياه الإقليمية التي تدخل تحت سيادته[2].

ثانيا: مبدأ عينية النص الجنائي
بمعنى تطبيق القانون الجنائي الوطني على بعض الجرائم ولو وقعت خارج إقليم الدولة[3] التي تكون موجهة ضد المصالح الأساسية للدولة، وبغض النظر عن جنسية مرتكبيها سواء كان وطنيا أو أجنبيا والعبرة إذن لطبيعة الجريمة لا بجنسية مرتكبيها وقد أحال الفصل 12 من القانون الجنائي على مبدأ عينية النص الجنائي على الفصول 707 إلى 712 من قانون المسطرة الجنائية، حيث نجد أن الفصل 711 ينص على أنه:” يحاكم حسب مقتضيات القانون الجنائي المغربي كل شخص يرتكب خارج أراضي المملكة بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا جناية أو جنحة ضد أمن الدولة وتزييف لخاتم الدولة أو تزييفا أو تزويرا لنقود أو لأوراق بنكية وطنية متداولة بالمغرب بصفة قانونية أو جناية ضد أعوان أو مقار البعثات الديبلوماسية أو المكاتب العمومية المغربية…”

غير أنه لا يمكن أن تجد المتابعة أو يصدر الحكم إذا أثبت المتهم أنه حكم عليه بالخارج من أجل نفس الفعل بالحكم المكتسب بقوة الشيء المقضي به، وأدلى في حالة إدانته بما يثبت أنه قضى العقوبة المحكوم بها أو تقادمت.

ثالثا: مبدأ شخصية النص الجنائي
يعني ارتباط القانون الجنائي بجنسية الجاني أو بجنسية المجني عليه ويطبق القانون الجنائي الوطني على جميع المواطنين الحاملين للجنسية المغربية الذين يرتكبون الجريمة خارج إقليم دولتهم. (مبدأ الشخصية الإيجابي).

كما يطبق القانون الجنائي الوطني على الأجانب الذين يرتكبون الجرائم ضد الوطنيين خارج الإقليم. (مبدأ الشخصية السلبي)[4].

فبالنسبة لمبدأ الشخصية الإيجابي فقد أخد به المشرع المغربي في الفصلان 707 و 708 من ق.م.ج. فقد نص الفصل 707 على أنه :”كل فعل له وصف جناية في نظر القانون المغربي ارتكب خارج المملكة المغربية من طرف مغربي يمكن المتابعة من أجله والحكم فيه بالمغرب”.

كما أنه وحسب الفصل 709 من قانون المسطرة الجنائية يمكن أن تجري المتابعة على الجرائم السابقة. حتى ولم لم يكتسب المتهم الجنسية المغربية إلا بعد ارتكابه للجناية أو الجنحة.

وقد أخد المشرع المغربي أيضا بمبدأ الشخصية السلبي في الفصل 710 من قانون المسطرة الجنائية قائلا: “كل أجنبي يرتكب خارج أراضي المملكة جناية يعاقب عليها القانون المغربي إما بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا يمكن متابعته والحكم عليه حسب مقتضيات القانون المغربي إذا كان ضحية هذه الجناية من جنسية مغربية”.

كما أخذ المشرع المغربي لمبدأ شخصية نص الجنائي في شقيه الإيجابي والسلبي في الفصل 706 من قانون المسطرة الجنائية معتبرا أن محاكم المغربية مختصة في الجنايات أو الجنح المرتكبة على متن طائرات أجنبية إذا كان مرتكب الجريمة أو المجني عليه من جنسية مغربية، أو إذا حطت الطائرة بالمغرب بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة”.

رابعا: مبدأ عالمية النص الجنائي
يسمح بتطبيق القانون الجنائي الوطني على أي فعل يكون جريمة بمقتضى القانون الوطني ويكون مرتكبها مقيما في المغرب أو وقع القبض عليه فيه ـ أي في المغرب ـ مهما كانت جنسيته ومهما كانت جنسية المجني عليه ومهما كان وقوع الجريمة” ومهما كانت طبيعة الجريمة”.

والأساس النظري لهذا المبدأ وفكرة التضامن في مكافحة الإجرام والتعبير عن اتجاه نحو تأكيد عالمية الجزاء الجنائي.
التدخل الدولي وفقا لهذا المبدأ يهدف إلى تجنب إفلاس المجرمين من العقاب من أجل المصلحة الإنسانية والملاحظ أن المشرع المغربي شأنه شأن المشرع الفرنسي والمصري لم يأخذ بمبدأ علنية النص الجنائي[5].

خاتمة
على الرغم من الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية إلا أنه مازال صامداً إلى وقتنا الحالي ويجد تطبيقاً له في كثير من الدول بل اعتبره بعض الدول من المبادئ الدستورية ونص عليه في دساتيرها .
نظراً للأهمية العملية لهذا المبدأ سواء بالنسبة للأفراد أو للقضاء فأما بالنسبة للأفراد تمثل هذا المبدأ إنذار مسبق للعلم بالأفعال المجرمة والعقوبة المقررة لها وبالتالي ترك الحرية للأفراد بإتيان الأفعال غير منصوص عليه

أما بالنسبة للقضاء فإنهم يجدون في مبدأ الشرعية الأساس القانوني لتجريم الأفعال وتحديد العقوبات . فضلاً على أنه أفضل حل لمنع تسلط القضاة في الأحكام

لائحة المراجع
– أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، طبعة 1996 القاهرة،
– إدريس الكريني، السلطة التقديرية للقاضي الزجري، مطبعة التلمساني، الطبعة الأولى 2004،
– سميير عاليا شرح قانون العقوبات، القسم العام طبعة 2002، المؤسسة الجامعية للدراسات  والنشر والتوزيع مكان النشر غير مذكور،
– محمد نجيب حسني: شرح قانون العقوبات ـ القسم العام ـ المجلد الأول الطبعة الثالثة 1998، منشورات حلبي الحقوقية بيروت (لبنان)
– محمد سامي البزاوي، شرح الأحكام العامة لقانون العقوبات الليبي، منشورات جامعة، قريونس، بنغازي، الطبعة الثانية، 1987 ليبيا
– محمد بن جلون: شرح القانون الجنائي العام وتطبيقاته، طبعة 2004
– عبد الأحد جمال الدين: في الشريعة الجنائية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق جامعة عين شمس، العدد 2، 16 يوليوز 1974
– عبد الحفيظ بلقاضي : “مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي” الجزء الأول، الطبعة الأولى  مطبعة دار الكرامة 2003
– لطيفة مهداتي : حدود سلطة القاضي التقديرية في تنفيذ الجزاء، الطبعة الأولى 2007 مطبعة طوب باريس
– عبد الرؤوف مهدي ، شرح القواعد العامة لقانون العقوبات،  مطبعة الأطلس القاهرة،  سنة نشر وطبعة غير مذكورتان.
– عبد السلام بنحدود:، “الوجيز في القانون الجنائي المغربي، الطبعة الثالثة، سنة ، مطبعة دار وليلي، مراكش1997.
– عبد الواحد العلمي.”شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، طبعة 2007، مطبعة النجاح مطبعة النجاح، الجديدة، الدار البيضاء،
– فرج القصير القانون الجنائي العام، مركز النشر الجامعي، تونس 2006،

الفهرس
مقدمة
المبحث الأول: ماهية مبدأ الشرعية وتقديره 3
المطلب الأول: ماهية مبدأ الشرعية. 3
الفقرة الأولى: مضمون مبدأ الشرعية. 3
الفقرة الثانية: التطور التاريخي لمبدأ الشرعية. 5
المطلب الثاني: تقدير مبدأ الشرعية. 8
الفقرة الأولى: مزايا مبدأ الشرعية. 9
الفقرة الثانية: الانتقادات الموجهة للمبدأ 10
المبحث الثاني: الآثار المترتبة على مبدأ الشرعية.
المطلب الأول: التفسير الضيق للنص الجنائي.
الفقرة الأولى: التفسير التشريعي.
الفقرة الثانية: التفسير القضائي. 15
المطلب الثاني: تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان والمكان. 18
الفقرة الأولى: مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي. 18
الفقرة الثانية: تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان. 25
خاتمة
المطلب الثاني : تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان والمكان
مبدأ الشرعية الجنائية
____________________________
[1] – فرج القصير القانون الجنائي العام، مركز النشر الجامعي، تونس 2006، ص: 49 و 50.
[2] – عبد الواحد العلمي،”شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، المرجع السابق، ، ص:82
[3] – أحمد فتحي السرور المرجع السابق، ص: 89
[4] – عبد الواحد العلمي،”شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام،  المرجع السابق، ، ص 84
[5] – أحمد فتحتي، المرجع السابق ص: 111

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.