الزاوية الدلائية والزاوية البودشيشية

الزاوية الدلائية – المبحث الثاني :
* تأسيس الزاوية
لا يعرف بالضبط متى وجدت زاوية الدلاء، غير أنه يمكن القول بأن تأسيسها كان في الثلث الأخير من القرن العاشر الهجري،حوالي عام 974 هـ/1566 م، أسسها أبو بكر بن محمد بن سعيد الدلائي[1] بإشارة من شيخه أبي عمر القسطلي [2] دفين روض العروس بمراكش، فقد ذكرت كتب التراجم أن هذا الشيخ كان يكرم الواردين على زاويته بمراكش حسب أقدارهم وطبقاتهم ، ويقدم لهم صنوف الأطعمة ما لا يستطيع عمله إلا كبار الميسورين وأرباب الدولة، وقد أمر الشيخ القسطلي أبا بكر الدلائي باتخاذ زاوية له في أرض الدلاء يطعم فيها الطعام على نحو ما يفعله هو بمراكش فلم يستطع أبا بكر أمام إلحاح شيخه إلا أن يبني الزاوية الدلائية البكرية ويفتح أبوابها في وجه المريدين والزائرين ولا يقتصر مدلول الزاوية الدلائية على هذا المسجد الخاص الذي أسسه أبو بكر وإنما يشمل كافة القرية القائمة حولها بدورها وأسواقها ومساجدها وسائر مرافق الحياة الضرورية لها.

* موقع الزاوية الدلائية
لقد وقع اضطراب كبير في تحديد موقع الزاوية الدلائية بسبب تخريبها وانطماس معالمها فأشار إليها بعض مؤرخي القرن الماضي إشارات عامة غامضة كقولهم أنها تقع على ثلاث مراحل من فاس مكتنفة بين بجاناة وهسكورة وتادلا والواقع أن هناك زاويتين دلائيتين قديمة وحديثة ما تزال أطلالهما قائمة الذات ماثلة للعيان حتى اليوم.

* الزواية الدلائية كمركز ديني
رأينا أن تاسيس الزاوية كان بأمر من أبي عمر القسطلي لتلميذه أبي بكر الدلائي الذي انقطع في زاويته أزيد من ثلث قرن لإرشاد المريدين الوافدين عليه من كل حدب وإلقاء دروس وعظية ثم خلف أبا بكر بعد وفاتؤه أبناؤه الصلحاء فساروا على نهج والدهم في الوعظ والإرشاد وإطعام الواردين على زاويتهم حتى بلغت الزاوية الدلائية في عهدهم شأوا بعيدا في الشهرة والمجد لم تبلغه زاوية أخرى [3].

سند الزاوية الدلائية :

أبو الحسن الشاذلي

محمد بن سليمان                  الجزولي أحمد زروق
عبدالعزيز التباع                          إبراهيم الحجام
عبدالكريم الفلاح – أبو القاسم الزعري – ابو محمد الغزواني – عمر الخطاب – أبو الحسن الصنهاجي .
أبو عمر القسطلي – أبو عبيد الشرقي – أبو محمد الهبطي – عبدالرحمان المجدوب-
أبو بكر الدلائي     –     عبدالله بن حسون     –     أبو المحاسن الفاسي
محمد بن أبي بكر الدلائي [4].

المبحث الثالث : الزاوية البودشيشية
تنتسب الطريقة القادرية البودشيشية إلى الشيخ مولاي عبدالقادر الجيلالي الذي ظهر في القرن الخامس الهجري أما لقب البودشيشية فقد اكتسبه بواسطة الشيخ سيدي على بن محمد الذي حمل لقب ” سيدي علي بودشيش” لكونه كان يطعم الناس أيام المجاعة طعام ” الدشيشة” بزاويته ومن بين شيوخ الطريقة القادرية البودشيشية في المغرب الشيخ سيدي المختار بن محي الدين والشيخ سيدي أبو مدين بن المنور والذي اخرج الطريقة من مرحلتها التبركية إلى السلوك التربوي وقد تابع بعده هذه الوظيفة التربوية كل من سيدي الحاج العباس ثم ابنه سيدي حمزة الشيخ الحالي للطريقة باعتبارهما الوارثين الروحيين لسيدي أبي مدين وقد عملا على تجديد الطريقة فانتشرت انتشارا متميزا .

وقد كان سيدي حمزة ابن العباس مؤهلا ومأذونا من قبل سيدي أبي مدين للقيام بمهام التربية والإرشاد كما أكد ذلك والده سيدي العباس، إلا انه بقي مريدا لوالده تأدبا معه وامتثالا لإشارته في إخفاء الأمر حتى حين وقته، وبعد وفاة سيدي العباس سنة 1972 أصبح سيدي حمزة شيخ الطريقة المربى كما نصت على ذلك وصية سيدي العباس المكتوبة والموقع عليها من قبل كبار الطريقة آنذاك ولعل ما يميز الطريقة القادرية البودشيشية آثر الإذن التربوي الخاص الذي يظهر على مريديها والمناخ الروحي الذي يحيون فيه بتوجيهات الشيخ سيدي حمزة رعايته لقبيلتهم. ولما كان شيخ مربي يختار من وسائل التربية ما يناسب عصره وكان طابع هذا العصر هو اشتداد الغفلة وطغيان المادة فقد نهج سيدي حمزة سبيل التحبب والتيسير بدلا من التشديد والتنفير، فسار يأخذ بيد تلاميذه ليتذوقوا حلاوة الإيمان فيتخلوا تلقائيا عن كل عصيان ويحتل إصلاح القلب في الطريقة البودشيشية الركن الأساسي في هذا المنهاج التربوي الرباني، فالقلب أشبه بالغرفة المظلمة، إذ لا يمكن ترتيب متاعها وتنظيفه إلا بعد إضاءتها بإشعال النور فيها أولا وهذا هو أسلوب سيدي حمزة بلعباس في التربية  الروحية[5].

ويوجد مقر الطريقة الرئيس ببلدة “مداغ ” التي تبعد عن مدينة بركان بحوالي 15 كيلومتر وفيها يعيش شيخ الطريقة الحالي حمزة بلعباس وقد تحولت هذه القرية الصغيرة إلى محج لأعداد من المريدين يفدون إليها من مختلف الأقاليم وأجانب يتحملون مشاق السفر من جميع الدول ولكل وجهة محددة وهي زاوية الشيخ حمزة بن العباس البودشيشي القادري [6].

الزاوية الدلائية والزاوية البودشيشيةفي كل سنة يلتقي بين أحضان ” مداغ ” الأفارقة وكذا الأوروبيون والأمويون والأمريكيون كلهم يحجون إليها ولك أولئك الاتباع يمتثلون للقول المأثور بين مريدي الطريقة فبينما يحتفل المسلمون بعيد المولد النبوي تكون ” مداغ ” قد تحولت إلى محج للمؤمنين الذين اختاروا الانضواء تحت  لواء الطريقة القادرية البوتشيشية  لولوج عالم روحاني رباني ، فهم يحفظون عن ظهر قلب قول شيخهم ” إذا أردت أن تسموا أخلاقك وتصفو أذواقك وتهيج أشواقك فعليك بذكر الله وصحبة الصالحين المحبين والتأذب معهم ” وكغيرهم من المريدين المغاربة يحضر الأجانب كل دروس الزاوية التي ترتكز بالاساس على الذكر الجماعي والذي ينطلق منذ الفجر ويتواصل إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، ففي مذاغ الكل ينام متأخرا ويسفيق باكرا والدعاء الجماعي ما يفتؤ ينتهي حتى يشرع فيها من جديد ، ذلك هو حال بعد الظهر أيضا في حين أن حصة منه تبدأ قبل منتصف الليل لذلك لا يبقى للمريدين غير ساعات قليلة للنوم ومن بين اللذين يحضرون للدروس الدينية حول التصوف وكذا الحديث والفقه مهندسون وأطباء ومحامون وجامعيون  وغيرهم … . وبذلك أصبح اسم مداغ في وقتنا الحاضر عالما متداولا بين مريدي الزاوية والمتعاطفين معها أو المعجبين بإشعاعها الواشع بل أضحى في نظر الكثيرين أكبر تجمع عالمي للمتصوفة [7].

ويمكن الإقرار بأن الطريقة البوتشيشية دخلت منعطفا آخر مع ” العباس بن المختار القادري البوتشيشي ” بعد أن كانت الطريقة تضم علماء تخرجوا من المدارس العتيقة أصبحت تستقطب مثقفين إليها وتساهم في التربية الروحية للشباب إلى ان جاء دور الشيخ الحالي للطريقة سيدي حمزة الذي أولى الأهمية لهذا العمل فأصبحت الطريقة المذكورة لها بعدا عالميا باستقطاب الأجانب من مشارق الأرض ومغاربها وأصبحت لها زوايا بكل من أوروبا وآسيا وأمريكا بالإضافة إلى إفريقيا وأستراليا، ويحرص أتباع الطريقة على الحضور السنوي بالزاوية خاصة وأن المريد عليه أن يتخذ شيخا له يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه ليصبح حضوره وخشوعه في سائر العبادات من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وأن من غلبت عليه الأمراض عليه أن يطلب شيخا يخرجه من ورطته وإن لم يوجد في بلده أو إقليمه فعليه السفر إليه، فالامراض الباطنية قد يعالجها حسب الطريقة والأذكار الفردية التي يتم القيام بها يوميا عند الاختلاء بالنفس أو عند الاجتماع بالجماعة بين العشاءين وهما ما يسمى بالوظيفة إلى جانب ما يتم ترديده من أذكار خاصة حيث تنفعل الروح مع الأحوال الربانية والتي هي طبيعة لذكر الله تعالى وفيضان محبته على القلب .

وبذلك فإن الصوفية وأتباع الطريقة البوتشيشية خاصة يعتبرون أنفسهم أنهم يصلون إلى تحقيق التوازن بين متطلبات النفس ومتطلبات الروح والذي بدونه يختل الوجود الإنساني ويصبح مصدر قلق واضطراب [8].
الزوايا في المغرب
___________________________________
[1] – هو أبو عبدالله محمد – بفتح الميم – بن أبي بكر بن محمد بن سعيد المجاطي الصنهاجي الدلائي واسطة عقد الأسرة وعالمها الكبير الذي جلب لها الشهرة خاتمة مشايخي المغرب انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا عالم حافظ متوسع في علم التفسير ومعاني الحديث وعلم الكلام ، كريم النفس عالي الهمة … ” الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي ، ص 79 – 80.
[2] – أبي عمر القسطلي سمي بهذا نسبة إلى فسطلة المدنية الأندلسية
[3] – الزاوية الدلائية دورها الديني والعلمي والسياسي لمحمد حجي ص 30/47 بتصرف
[4] – مؤسسة الزاوية بالمغرب بين الأصالة والمعاصرة ، ص 596.
[5] – الزاوية بالمغرب بين الأصالة والمعاصرة : القادري بوتشيش ، 995 –1008. بتصرف
[6] – مجلة المناهل 2/76-77 وزارة الثقافة المغربية.
[7] – مجلة المناهل ، مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة المغربية .ص 75.
[8] – الزاوية بالمغرب بين الأصالة والمعاصرة : القادري بوتشيش ، 893-895 بتصرف .

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.