الصوفية ونماذج من رجال ونساء التصوف

نماذج من رجال ونساء التصوف – الفصل الثالث :
المبحث الأول : الصوفية تعريف وتحديد
لا يستطيع الباحث في تاريخ الصوفية ان يظفر بتعريف جامع مانع للتصوف ذلك ان المصادر تحمل لنا أن كلمة صوفي اطلقت لقبا لأول مرة في التاريخ الإسلامي في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة على أبي هاشم الزاهد البغدادي وعلى الكيميائي الشهير جابر بن حيان الكوفي.

وقبل هذا التاريخ كانت تستخدم صفة ( زاهد) لمن لقبوا فيما بعد بالصوفيين والكلاباذي يذكر تعريفات عن سبب التسمية للصوفية فجاء في قوله :” قالت طائفة إنما سميت الصوفية لصفاء أسرارها ونقاء أثارها وقال بشر بن الحارث الصوفي من صفا قلبه وقال بعضهم الصوفي من صفت لله معاملته فصفت له من الله عز وجل كرامته “[1].

وينقل الكلاباذي أيضا في كتابه أن الجنيد قد سئل التصوف فقال :” تصفية القلب عن موافقة البرية ومفارقة الأخلاق الطبيعية وإخماد الصفات البشرية ومجانية الدواعي النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بالعلوم الحقيقية واستعمال ما هو أولى على الأبدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله عز وجل على الحقيقة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة [2].

وأساس الشخصية الصوفية القناعة بالضروري من متطلبات البدن والحياة المادية حتى لا يفسد التعلق على الإنسان سموه الذي يطلب فيه الوصول إلى درجة الإحسان التي عرفها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك”[3].

أما ابن خلدون فيقول عن التصوف :” هذا العلم من علوم الشريعة الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة، وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فهي طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة [4].

المبحث الثاني : بعض رجال التصوف
1- أبو العباس السبتي : هو أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي أكبر أولياء مدينة مراكش وأشهر رجالاتها السبعة عربي الأصل ولد بمدينة سبتة سنة 524 هـ وتوفي بمراكش سنة 601 هـ[5].

كان يتردد على الشيخ أبي عبدالله محمد الفخار لأخذ العلم وهو صغير إذ لم تمضي ست سنوات حتى حفظ القرآن وفنونا من العربية وآدابها ولما بلغ عمره ستة عشر سنة سافر إلى مراكش من أجل طلب العلم وكان يعتبرها مدينة العلم والخير والصلاح كما كانت عاصمة الدولة الموحدية لكن وجدها في حالة حصار فصعد إلى جبل جليز واختلى فيه 40 سنة إلى أن تولى يعقوب المنصور الحكم فدعاه الخليفة إلى الإقامة بالمدينة وحبس عليه مدرسة العلم والتدريس ودار للسكنى وكان السبتي يدرس فيها اللغة والحساب ومن أشهر تلاميذه أبو يعقوب يوسف بن الحسن الأنصاري المعروف بابن الحكيم وأبو بكر بن مساعد بن محمد اللمطي.

2- أبو بكر الكتاني: هو محمد بن علي بن جعفر الكتاني ابو علي بن جعفر الكتاني وكنيته أبو بكر أصله من بغداد محب الجنيد وأبا سعيد الخراز وأبا الحسين الزري وأقام بمكة مجاورا بها إلى أن مات وقد سمي بالكتاني نسبة إلى الكتان وعمله ، وكان الكتاني كثير السياحة والأسفار وهي صفة الأخيار السائحين في الأرض.

وكان الكتاني يكثر من ذكر القصص والحكايات التي تتصل بالحياة الروحية والأخلاقية عند الرسل والأنبياء فسئل عن فائدة مذاكرة مثل هذه الحكايات فقال الحكايات جند من جنود الله يقوي بها أبدان المريدين فقيل له : هل لهذا من شاهد؟ قال الله تعالى :” وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ” توفي بمكة سنة 322 هـ [6].

3- أبو القاسم الجنيد : هو ابو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز كان أبوه يبيع الزجاج فلذلك كان يقول له القواريري أصله من نهاوند ومنشؤه بالعراق وكان فقيها على مذهب أبي ثور وكان يفتي في حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة صحب خاله سري السقطي والحارث المحاسبي قال عنه السبكي :” وهو سيل الطائفة ومقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة وشيخ طريقة التصوف وعلم الأولياء في زمانه “.
لما صنف عبدالله بن سعيد بن كلاب كتابه رد فيه على جميع المذاهب سأل عن شيخ الصوفية فقيل له الجنيد فسأله عن حقيقة مذهبه فقال الجنيد :” مذهبنا إفراد القدم عن الحدث وهجران الإخوان والأوطان ونسيان ما يكون وما كان”[7].

كان يقول لو علمت أن لله علما تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم( أي التصوف ) الذين تكلموا فيه مع أصحابه وإخواننا لسعيت إليه وقصدته “. ولقد قيل عن الجنيد أنه رزق من الذكاء وصواب الجوابات في فنون العلم ما لم ير في زمانه مثله عن أحد من قرنائه ولا ممن أرفع سنا منه ممن كان ينسب منهم إلى العلم الباطن والعلم الظاهر في عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها.
ومات الجنيد وهو يصلي سنة 297 هـ او 298 هـ بعد أن أوصى بدفن جميع ما هو منسوب إليه من علمه فقيل ولما ذلك؟ فقال ” احببت أن لا يراني الله وقد تركت شيئا منسوبا إلي وعلم رسول الله بين ظهرانيهم”[8].

وأبو القاسم الجنيد قد وضع أهم أركان التصوف وهي ثلاثة: ذكر الله مع اجتماع الهمة عليه اولا والحصول في حالة الوجد ثانيا والاتباع الدقيق لتعاليم الشرع ثالثا، فالجنيد أول من نادى صراحة بالتمسك بالكتاب والسنة واتباع الشريعة في ميدان التصوف .

والجنيد يعتبر التصوف مبنيا على أخلاق ثمانية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام السخاء وهو لإبراهيم والرضا وهو لإسحاق والصبر هو لأيوب والإشارة هو لزكرياء والغربة وهو ليحيى ولبس الصوف وهو لموسى والسياحة وهو لعيسى والفقر وهو لمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقد كان في الغالب على تصوف الجنيد الكلام في التوحيد بل عن أشرف المجالس وأعلاها عنده [9].

المبحث الثالث : نماذج بعض النساء الصوفيات
برز من النساء المغربيات جملة غير قليلة ممن كان لهن حظ وافر في التصوف سلوكا ووعظا وإرشادا وأنبت بينهن أخريات عرفن بالعلم والأدب ونظم الشعر.
والغريب أن الكتابات السرية في القصور الملكية كان يعهد بها على نساء القصر مثل خناثة بنت بكار زوجة السلطان المولى إسماعيل التي كانت عالمة صالحة والواقع ان المرأة كان لها دور في التوجيه منذ صدر الإسلام حيث ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة لتعليم الكتابة والقراءة واتخذ لذلك مدرسة ( دار مخرمة بن نوفل ) موظفا لهذه المهمة النساء خاصة.

الصوفية والتصوفوقد اقتسمت قبيلة بن دغوغ المغرب وصحراء بني رجراجة وصنهاجة وكان لها من وادي سبو إلى جبل مكة والجبل الأخضر ووادي درعة وجبل فشتالة إلى دمنات وعدد نسماتها 75000 وقد حفظ القرآن والمدونة من بني ذغوغ 676 رجلا و500 صبية ممن اتفق أن اسمهن ( مماس) فضلا عمن يسمين بغير ذلك الاسم ولم تكن النسوة الصوفية بالمغرب أقل ورعا وزهادة من أخواتهن بالمشرق أمثال رابعة العدوية ومن نهج نهجها كست الملوك التي ذكر صفي الدين بن أبي المنصور ان الأولياء والعلماء كانوا يعظمونها وفاطمة النيسابورية شيخة ذي النون المصري التي قال عنها أبو يزيد البسطامي : ( ما رأيت في عمري إلا رجلا وامرأة وهي فاطمة النيسابورية) ومن أهم هذه النسوة الصوفيات نذكر :
أم طلحة اللمتونية :وهي تميمة بنت يوسف بن تاشفين كانت راجحة العقل، جيدة الذاكرة سكنت مدينة فاس اشتهرت بالأدب والكرم ذات ثروة تشرف على إدارة دواليبها ولها كتبة تحاسبهم بنفسها .

رقية بنت الحاج العايش اليعقوبية : أديية فقيهة عارفة باللغة والتفسير والشعر والسيرة النبوية وأسرار الحروف والأسماء درس عليها الرجال والنساء خاصة التفسير حيث كانت تتوخى أسباب النزول وعلوم القرآن وقد توفيت اوائل القرن الرابع عشر الهجري .

زينب بنت الخليفة يوسف بن عبد المومن بن علي الموحدي: تزوجها ابن عمها أبو زيد بن أبي حفص عمر بن عبدالمومن أخذت علم الكلام وأصول الدين عن أبي عبدالله بن إبراهيم إمام التعاليم والفنون فكانت عالمة صائبة الرأي.

مسعودة بنت أحمد بن عبدالله الوزكيتي: تعرف بعودة أم المنصور الذهبي كانت لها توبة نصوح فعنيت بإصلاح السبل وعمارتها وتأمين أهلها وتشييد النزلات بالأمكنة الخالية في الصحراء والبادية المغربية وقد أصلحت جسر وادي أم الربيع وجهزت اليتامى وزوجت الأرامل وبنت مسجد باب دكالة بمراكش عام 965 هـ وأوقفت عليه نحو سبعين حانوتا وأسست بإزائه مدرسة للطلبة الغرباء ومكتبة ودخائر كتبت على بعضها بخط يدها منها الجزء الأول ( من بيان الإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لأبي الحسن علي بن القطان ).

والواقع ان النساء العالمات الوارعات في المغرب أخذت مكانة مرموقة في مجال الفكر الصوفي المغربي ويكفي ان تكون آثارهم شاهدة عليهن فجامع القرويين إنما أسسته فاطمة أم البنين بنت محمد بن عبدالله الفهري عام 245 هـ بينما أقامت اختها مريم جامع الأندلس الذي كان ينافس جامعة القرويين حوالي القرن 4 هـ وقد برزت في هذا الميدان الأميرة الحسنى بنت سليمان النجاعي زوجة المولى إدريس الثاني وعاتكة بنت الأمير علي بن عمر بن المولى إدريس زوجة الأمير يحيى التي كان لها دور في تحرير مدينة فاس عام 281 هـ[10].

خاتمة :
وختاما فقد شكلت الزوايا دورا في بلورة تاريخ المغرب عبر العصور في شتى المجالات سواء الاجتماعية او السياسية او الدينية او العلمية ولم تحافظ الزواية على مسارها التاريخي التقليدي فقط بل واكبت العصر الجديد وأدخلت إصلاحات على سياستها الداخلية والخارجية وطورت من مناهجها في جميع المجالات الاجتماعية والدينية والعلمية كما ساهمت الزاوية بشكل فعال داخل المجتمع إذ نجدها حاضرة مع الفئات الاجتماعية المحتاجة في المواسم الدراسية وذلك بتقديم مساعدات مالية ( كتب، ملابس) ومساعدة الطلاب عن طريق تقديم دروس دعم مجانية وكذلك نجدها حاضرة في الأعياد والمناسبات .
وإلى جانب الدور الهام الذي لعبته الزواية فإنها أيضا أفرزت لنا أعلاما صوفية كبار، عرفوا بزهدهم وعلمهم العزيز فكانوا نماذج راقية للفكر الصوفي في المغرب ونماذج للرحلة في طلب العلم ويظهر هذا في آثارهم التي تركوها والتي بينت مدى تفانيهم للعلم.
كما برز نساء صوفيات كان لهن حظ وافر في التصوف سلوكا ووعظا وإرشادا بالعلم والأدب ونظم الشعر وضلعن في مختلف العلوم وكن رمز للورد والزهد .

المصادر والمراجع المعتمدة
-القرآن الكريم
-التصوف منشؤه ومصطلحه أسعد السحمواني ، الطبعة الأولى 1987 دار النفائس
-الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي محمد حجي طبعة ثانية 1409 –1988
-الزاوية القادرية عبر التاريخ والعصور : الطبعة الأولى تطوان 1407 /1986.
-الفتح الرباني في ما يحتاج إليه المريد التيجاني ، محمد الطصفاوي التيجاني ، المكتبة الشعبية ، بيروت لبنان.
-المجتمع والثقافة والشخصية: مجموعة من المؤلفين، دار المعارف مصر الطبعة الأولى .
-المرأة المغربية والتصوف في القرن الحادي عشر مصطفى عبدالسلام المنهاه ، مطابع دار الكتاب البيضاء .
-بحوث في التصوف المغربي ، حسن جلاب ، الطبعة الأولى بمراكش 1995
-دراسات في التصوف الإسلامي ، شخصيات ومذاهب : محمد بلارشوف ، دار النهضة
-مؤسسة الزوايا بالمغرب ، بين الأصالة والمعاصرة، بتصرف : جمال الدين القادري بوتشيش دبلوم لنيل -شهادة الدكتوراه بدار الحديث الحسنية الرباط .
-مجلة المناهل : مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة المغربية ، عدد خاص بالزوايا ، الجزء الثاني، شتنبر 2007
-ممتع الإسماع في أخبار الجزولي والتباع : محمد المهدي الفاسي : تحقيق عبدالحي العمراوي وعبدالكريم مراد مطبعة محمد الخامس فاس 1989.

فهرس الموضوعات
مقدمة:………………………………………………………….. 1
الفصل الأول : مؤسسات الزوايا ودورها في المجتمع المغربي ………… 3
المبحث الأول: تعريف الزوايا لغة واصطلاحا ………………… 4
المبحث الثاني : نشأة الزوايا ………………………………… 4
أولا : مرحلة المخاض وتأسيس الدولة …………………. 5
ثانيا : مرحلة ظهور التصوف………………………….. 6
ثالثا: مرحلة التنظيم ودعم الشرفاوية ……………………. 7
المبحث الثالث : وظائف الزوايا وأدوارها ……………………… 8
المطلب الأول : الوظيفة الدينية والعلمية للزوايا …………………. 8
أولا : الوظيفة الدينية والعلمية………………………….. 8
ثانيا: تحفيظ القرآن الكريم والقراءات …………………… 9
ثالثا : تحفيظ الحديث …………………………………. 9
رابعا : تدريس الفقه وأصوله ………………………….. 9
خامسا :المكتبات……………………………………… 10
المطلب الثاني :الوظيفة الاجتماعية للزوايا …………………….. 10
المطلب الثالث: الوظيفة السياسية……………………………… 11
الفصل الثاني : نماذج بعض الزوايا بالمغرب…………………………. 14
المبحث الاول : التعريف بالزاوية التجانية ……………………. 15
المبحث الثاني : الزاوية الدلائية …………………………….. 18
المبحث الثالث : الزاوية البودشيشية…………………………… 20
الفصل الثالث : نماذج من رجال ونساء التصوف …………………….. 23
المبحث الأول : الصوفية تعريف وتحديد………………………. 24
المبحث الثاني : بعض رجال التصوف ……………………….. 25
المبحث الثالث : نماذج بعض النساء الصوفيات ………………… 27
خاتمة :………………………………………………………….. 30
المصادر والمراجع المعتمدة………………………………………… 31
الفهرس …………………………………………………………. 32
الزوايا في المغرب
_______________________________________________________
[1] – أحمد السحماواني ، التصوف منشؤه ومصطلحه ، ص 29.
[2] – المصدر نفسه
[3] – رواه مسلم رقم 9 سنن أبي داود 4695 سنن الترمذي 2610.
[4] – التصوف ومنشؤه ومصطلحه ، ص 34.
[5] -بحوث في التصوف المغربي ، ص 36.
[6] – دراسات في التصوف الإسلامي شخصيات ومذاهب ص 347.
[7] – المصدر نفسه ، ص 236.
[8] – المصدر نفسه ، ص 236.
[9] – دراسات في التصوف الإسلامي شخصيات ومذاهب ص 235
[10] – عبدالسلام المنهاه، المرأة المغربية والتصوف في القرن الحادي عشر ( بتصرف) .

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.