نفي النسب بين اللعان والخبرة الطبية في ضوء القانون الوضعي

نفي النسب بين اللعان والخبرة الطبية في ضوء القانون الوضعي
جامعة محمد الخامس السويسي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية- الرباط

مسلك القانون الخاص
السداسي السادس

بحث تحت عنوان:

نفي النسب بين اللعان والخبرة الطبية
نفي النسب بين اللعان والخبرة الطبية
في ضوء القانون الوضعي

من إنجاز الطالب:
عبد الحق الإدريسي
El idrissi abdelhak

السنة الجامعية:
2009/2010

مقدمة :
يعتبر النسب أهم ثمرة من ثمرات الزواج ويعد من أهم الروابط التي تربط الآباء بالأبناء ولهذا زرع الله في الإنسان حب التناسل وغريزة حفظ النسل، وقد اهتمت الشريعة الإسلامية اهتماما كبيرا بالأعراض والأنساب فجعلت حفظ النسل والعرض أهم مقصد من مقاصدها الكلية الضرورية وذلك لما لهذا الأمر من أهمية بالغة في انضباط الحياة الإنسانية واستقامتها، وقد نبه القرآن الكريم الإنسان إلى ما في النسب من فوائد، وفي ذلك يقول تعالى: “هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا” ولعله باستقراء التاريخ لا نجد من دعا لهدمه بل قد تم الإجماع على هذا المقصد الضروري من طرف كل الملل وكل الأمم. ووعيا من مشرع مدونة الأسرة بأهمية مقصد حفظ النسل وضرورته فانه حرص على حفظ الأنساب إثباتا ورعاية لها، كما حرص على نفي النسب حال قيام الدلائل على نفيه لأن التفريط في النسب في مجتمع من المجتمعات لا يكون إلا أثر للانحطاط الأخلاقي لذلك المجتمع كما هو حادث في بعض دول المجتمع الغربي.

وإذا كان الإنسان اجتماعيا أو كما يقول ابن خلدون مدنيا بطبعه، فإنه مما لاشك فيه أن هذه المدنية تتحقق أولا وقبل كل شيء بمعرفة نسبه الذي ينتمي إليه، فلكي يستطيع الفرد البقاء والتفاعل داخل المجتمع فإنه يحتاج إلى عدة قنوات اجتماعية تقوم بربطه في بناء المجتمع، ومن إحدى هذه القنوات النسب، فحتى يعيش ضمن مجتمع طاهر من حيث حالته المدنية، وحتى يشعر بأنه إنسان متكامل الجوانب لا يحس بمركب نقص، لابد أن ينسب إلى أصله الحقيقي.
فالدراسات الاجتماعية أثبتت أن الإنسان الذي يعيش جاهلا أباه يعيش حاضرا ومصيرا مجهولا، يعيش في مجتمع لا تربطه به صلة، ولاشك أنه يشعر بعزلة وقلق وحيرة وحقد على المجتمع، وكلما ازداد إحساس الإنسان بالنقص ازداد شعوره بالألم، ولابد للألم من أن يولد الانفعال الملائم له.

من هنا إذن يبدو أن حرمان الفرد من النسب يعني حرمانه من أهم حقوقه على الإطلاق، وإلحاق حيف وظلم به، ومس بهويته، مما قد يؤدي به كل ذلك إلى الضياع بوجه أو بآخر، رغم أن المبدأ والواقع أنه مولود من شخصين أب وأم.
وقد استأثرت قواعد النسب بالاهتمام في إطار مدونة الأسرة الحالية، حيث وسع المشرع من دائرة وسائل إثبات النسب، بالنص على الخبرة الطبية بشروطها كوسيلة لإثباث النسب ونفيه، بعدما كانت مدونة الأحوال الشخصية محددة لنفي النسب بعد ثبوته بالفراش في اللعان فقط، وذلك بعدما تبين أن الشروط الفقهية المتعلقة باللعان من الصعب إثباتها إلى درجة تصل الاستحالة وقد احتلت هاتان الوسيلتان مكانة مهمة من ضمن العديد من النقاشات الدائرة حول مدونة الأسرة بالمغرب، خصوصا في إطار الإشكال المتعلق بتنازع الخبرة الطبية مع باقي الوسائل الشرعية الأخرى حول إثبات النسب ونفيه، كأن يتعارض اللعان مع الخبرة الطبية فيما يتعلق بنفي النسب، حيث أنه أمام النتائج الباهرة التي حققتها الخبرة الطبية(البصمة الوراثية) والتي تقدم لنا دليلا قد يكون مؤكدا في نفي النسب قد يلجأ الزوج الذي يريد التنصل من ثبوت نسب الطفل منه إلى إجراء اللعان إذا ما توفرت شروطه، وكأثر له ينتفي النسب عنه ويلحق الطفل بأمه، وهكذا يبدو من الوهلة الأولى وجود تعارض بين لجوء الزوجة لاستخدام البصمة الوراثية كوسيلة لإثباث مولودها من الزوج وبين طلب الزوج إجراء اللعان وما يترتب على إجرائه من التفريق الأبدي بين الزوجين وإلحاق الولد بالأم، فما الحل الواجب الإتباع عند حصول مثل هذا التعارض؟ وهل يمكن إعتماد الوسيلتين معا والتوفيق بينهما؟

ويكتسي البحث في موضوع هذه الإشكالية أهمية قصوى في مادة قضايا الأسرة نظرا لخصوصية مجالها على المستوى الفقهي من خلال الجدل الفقهي الدائر بخصوصها بين اتجاه محافظ رافض للخبرة الطبية و مرجح للعان على هذه الأخيرة لأن من شأن إعمالها والعدول عن اللعان تعطيل نص ثابت بكتاب الله، وبين اتجاه حداثي ينادي باعتماد الخبرة الطبية والانصراف عن اللعان أمام استحالة تحقق شروطه، أو على مستوى الممارسة القضائية من خلال كثرة المنازعات المطروحة أمام القضاء بصدد نفي النسب أمام فساد الذمم وغياب الوازع الديني والأخلاقي لدى الكثير من الناس في مقابل التطور المشهود والطفرة الحاصلة في هذا المجال (البصمة الوراثية وعلم الجينات…)
انطلاقا مما سبق يكن طرح الإشكالات التالية:
ما موقع اللعان والخبرة الطبية ضمن نصوص التشريع وعمل القضاء في قضايا الأسرة ؟
ما مدى حجية اللعان والخبرة الطبية في نفي النسب ؟
ما موقف كلا من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي من تعارض اللعان مع الخبرة الطبية ؟ وما هي العناصر الأساسية التي اعتمدوا عليها للترجيح بين الوسيلتين ؟

وسنحاول الإجابة عن هذه الإشكالات باعتماد المنهج التحليلي، حيث سنقوم كمرحلة أولى بوصف وتحليل موقف الفقه الإسلامي والقانون الوضعي من خلال مدونة الأسرة المغربية ، ثم في المرحلة الثانية سنعرض لموقف العمل القضائي في الموضع محل الدراسة، لنصل كمرحلة ثالثة إلى استنتاج واستخلاص ما ينبغي أن يكون لضمان حق كل طفل في النسب بما يتلاءم مع مقاصد الشريعة الإسلامية والتطور العلمي البيولوجي دون خرق النظام العام والأخلاق الحميدة.
ولدراسة الموضوع ارتأينا تقسيم الموضوعي وفق الآتي:
الفرع الأول: الإطار النظري لتعارض اللعان مع الخبرة الطبية
الفرع الثاني: الإطار القضائي لتعارض اللعان مع الخبرة الطبية.

نفي النسب بين اللعان والخبرة الطبية في ضوء القانون الوضعي

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “نفي النسب بين اللعان والخبرة الطبية في ضوء القانون الوضعي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.