حماية مداخيل الخزينة على مستوى ربط الضريبة والتحصيل الضريبي

ثالثا: حماية مداخيل الخزينة من خلال التجربة القضائية
من خلال استقراء التجربة القضائية للمنازعات الجبائية نلاحظ أن القضاء الإداري قد عمل على إنتاج عدة قرارات وأحكام تهدف إلى حماية الموارد الجبائية التي تعتبر موردا هاما من موارد الميزانية العامة. وهو ما تبرز الدور الذي يضطلع به القضاء الإداري في حماية الموارد الضريبية من تصرفات بعض الملزمين الذين يماطلون أو يعمدون إلى وسائل احتيالية للتهرب من أداء الدين الضريبي[1].

وتتم مراقبة وضمان حماية الموارد الضريبية سواء على مستوى ربط الضريبة أو على مستوى التحصيل.

1: حماية مداخيل الخزينة على مستوى ربط الضريبة:
أفرزت التجربة القضائية في هذا الإطار عدة قرارات وأحكام نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

أ – عدم حصول الملزم على الرخصة الإدارية وعدم وضع الإقرار لا يعفي خضوع النشاط للضريبة:
إن من بين القرارات التي أفرزتها التجربة القضائية في المنازعات الجبائية في هذا المجال، نورد قرارا صادرا عن الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى المؤرخ  بتاريخ 25 / 1 / 2001 ألزم الملزم الذي يريد أن يتهرب من أداء الدين الضريبي بعلة أنه لم يحصل على الرخصة الإدارية لمزاولة النشاط التجاري بالأداء، ما دام أن الواقعة المنشئة للضريبة متوفرة من حيث الواقع لأن العبرة بممارسة النشاط المفروضة عليه الضريبة لا بالحصول على الرخصة أو عدم الحصول عليها [2].

وفي إطار ضمان المداخيل الضريبية كذلك، أصدر القضاء الإداري عدة أحكام تعاقب الملزمين الذين يمتنعون عن وضع الإقرارات الضريبية[3] في الوقت المحدد لها، وذلك بمنح الإدارة الضريبية سلطة التحديد التلقائي للضريبة حسب ما قرره المشرع ومثال ذلك الحكم الصادر عن إدارية فاس بتاريخ 3/ 7 / 1996 الذي جاء فيه:” إحجام المدعي عن تقديم التصريح بتفويت العقار داخل الأجل المضروب له من لدن المصلحة الجبائية يجعل هذه الأخيرة محقة في الفرض التلقائي والزيادات المترتبة على الأمر بتحصيلها “[4].

ب – حق الإدارة الضريبية في عدم إعفاء الملزم من الغرامات:
خول القانون الضريبي للإدارة الضريبية الحق في فرض الغرامات والجزاءات على الملزمين الذين يماطلون أو يتهاونون في أداء الدين الضريبي، والهدف من تخويل الإدارة الضريبية سلطة توقيع الجزاءات والعقوبات طبعا هو حماية حقوق الدولة من الضياع.

كما خول القانون الضريبي للإدارة ممثلة في شخص وزير المالية أو من يفوض له ذلك، الحق في إعفاء أو تخفيض بعض الغرامات المالية المفروضة على بعض الملزمين الذين يمرون من ظروف مالية صعبة، وذلك في طار الطلبات المتعلقة بالتظلم الاستعطافي.  وفي حالة عدم استجابة الإدارة الضريبية لتظلم الملزم القاضي بالتخفيض أو الإعفاء من الغرامات فلا شيء عليها، مادام أن الغرامات والجزاءات المتخذة في حق الملزم ليست مخالفة للقانون ولعل هذا ما أكدت عليه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرار لها مؤرخ بتاريخ 16 / 01 / 2003.

ج – لا إعفاء إلا بنص قانوني:
إن المشرع الضريبي يقوم بين الفينة والأخرى بإقرار الإعفاءات التي يكون الهدف منها تشجيع بعض الأنشطة الاقتصادية أو الشرائح الاجتماعية، نذكر منها: إعفاء الدخول الفلاحية[5] من جميع الضرائب المباشرة مؤقتا إلى غاية سنة 2000 وتم تمديد هذا الإعفاء إلى غاية 2020 ثم  تقليص هذه المدة إلى 2010، ليتم بعد ذلك رفع هذه المدة إلى غاية 31 ديسمبر2013[6].

وكما هو معلوم فإن النص القانوني الذي يقرر الإعفاء هو الذي يحدد كيفية الاستفادة منه والأشخاص الذين يستفيدون منه ، وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عندما اعتبرت أن إقامة مستودع للتبريد للحفاظ على المنتوج الفلاحي من التعفن والتلف وضمان بيع الغلل الفلاحية على مدار السنة بأثمنة معقولة ، لا يكتسي طابعا فلاحيا ، لأن الدخول موضوع الإخضاع الضريبي ليس مصدرها عملا فلاحيا محضا أي ناتجا عما تدره الأرض من عطاء، وإنما هو جهاز خاص بالتبريد والحفاظ على المنتوج الفلاحي من التعفن.

فكان ما أثير بكونه يستفيد من الإعفاء الضريبي غير منتج ، وكان ما قضى به الحكم المستأنف مؤسسا وواجب التأييد[7].

وفي قرار آخر قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء برفض طلب الملزم الذي يطلب إعفاءه من الضريبة على الأرباح العقارية لعدم استجماعه للشروط الضريبية للاستفادة من الإعفاء من هذه الضريبة[8].

2 – حماية مداخيل الخزينة على مستوى التحصيل الضريبي:
وفر القانون الضريبي عدة ضمانات للخزينة قصد ضمان حقوقها، وبالتالي تحصيل الدين الضريبي الذي يقع على كاهل الملزم. وكرس القضاء هذه الضمانات كما عمل على توضيح أبعادها وشروطها وأفرزت التجربة القضائية عدة قرارات تسير في هذا الاتجاه  منها:

أ–  ضرورة توفير الضمانة لمن يطالب بوقف الأداء:
وضعت جل التشريعات التي نصت على مبدأ وقف الأداء مجموعة من الشروط القانونية بوقف الأداء، وهكذا فقد نصت المادة 117 من قانون 97/15 المتعلق بتحصيل الديون العمومية على هذه الشروط حيث جاء فيه ما يلي:” إلا  أنه يمكن للمدين الذي ينازع كلا او بعضا بالمبالغ المطالب بها أن يوقف أداء الجزء المتنازع فيه شريطة رفع مطالبته داخل الأجل المنصوص عليه في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل ، وأن يكون قد وفر ضمانات من شأنها أن تؤمن تحصيل الديون المتنازع فيها”.

ويستفاد من خلال هذه المادة من مدونة أن تقديم الضمانات يعتبر شرطا أساسيا وضروريا لوقف أداء الدين الضريبي، والهدف من إقرار هذا الشرط هو التصدي للطلبات التي يهدف من ورائها بعض المدينين إلى الحصول على متسع من الوقت لإخفاء أموالهم وممتلكاتهم عن متابعة الخزينة أو التأخر التعسفي في تسديد الديون العمومية[9].

ب – أداء شيك بدون رصيد لا يبرئ ذمة الملزم بالضريبة:
يعتبر دين الضريبة واجب الأداء في مقر إدارة الخزينة وفروعها من غير حاجة للمطالبة به بمقر المدين، وتفسر هذه القاعدة بالرغبة في تحصيل الضريبة في مواعيدها القانونية المقررة دون أن يستطيع الملزم أن يبرر تأخره في أداء الضرائب المستحقة عليه، ويدعي بطلان إجراءات التنفيذ المتخذة ضده استنادا إلى عدم مطالبة الإدارة إياه بالضريبة حيث يتوقف على تحصيلها سيرالمرافق العامة لذلك لا يجوز لمصلحة القباضات تأخير الدين الضريبي.

وقد حددت مدونة التحصيل طرق الأداء في المادة 20 التي جاء فيها ما يلي:” تؤدى الضرائب والرسوم العمومية إما نقدا أو بواسطة تسليم شيك “، كما قررت المادة 21 من نفس المدونة الجزاءات التي تترتب عن تأخير الأداء.

من كل هذا فإن الملزم الذي يماطل في أداء الدين الضريبي أو يقوم بأداء شيك بدون رصيد إلى الخزينة العامة لا يبرئ ذمته لأنه لا يشكل أداء بالمفهوم القانوني للنص وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية في قرار لها مؤرخ بتاريخ 16/5/2002.
الفقرة الثانية: تعامل القاضي الضريبي مع ظاهرة التهرب الضريبي
المطلب الأول: القاضي الجبائي ودوره في تشجيع الاستثمار
الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية
الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
_________________________________________
[1] – إبراهيم مهم ، المنازعات الجبائية بالمغرب: محاولة لتحقيق التوازن بين الملزم والادارة الضريبية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدارالبيضاء، 2005-2006  ، ص 368.
[2] – قرار عدد 65 ملف إداري 79 – 4 – 1 – 2000
[3] – تعتبر جريمة الامتناع عن تقديم الإقرار عن الأرباح جريمة حسب ما استقر عليه قضاء محكمة النقض بمصر منذ 1962
[4] – حكم رقم 254 -96-غ أورده إبراهيم مهم ، المنازعات الجبائية بالمغرب… ، م س ، ص 370.
[5] – ظهير 21 مارس 1984 المتعلق بإعفاء الدخول الفلاحية من الضرائب المباشرة.
[6] – المادة 47 – II    من المدونة العامة للضرائب للسنة المالية 2009.
[7] قرار صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ، عدد 296 – مؤرخ في 8 / 5/ 2003 ملف إداري عدد 688 / 4 / 1 / 2000
[8] – حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ، عدد 314 بتاريخ 3 / 4/ 2006. ملف رقم 604 -2005 غ
[9] – إبراهيم مهم ، المنازعات الجبائية بالمغرب ، م س ، ص 376

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “حماية مداخيل الخزينة على مستوى ربط الضريبة والتحصيل الضريبي”

  1. وقف الاداء في مسطرة التحصيل الجبري المغربي وماتثيره من اشكالات سواء بالنسبة للملزم من جهة والادارة من جهة ثانية

اترك رداً على SARA إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.