الحجز لدى الغير على القيم المنقولة: الشروط والإجراءات

الحجز لدى الغير على القيم المنقولة – المطلب الثالث:
نظم المشرع المغربي الحجز لدى الغير في الفصول من 488 إلى 496 من قانون المسطرة المدنية، ويعرف الفقه حجز ما للمدين لدى الغير ” بعقل أموال المدين بين يدي مدين هذا الأخير إما بواسطة كتابة الضبط بناء على سند تنفيذي أو بناء على طلب عند عدم وجود سند تنفيذي على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة مباشرة أو بتسليمه نتاج بيع الأشياء المحجوزة [1].

وكما هو واضح من خلال هذا التعريف فلقيام الحجز لدى الغير لابد من توافر عدة شروط ( فقرة أولى)، وإتباع بعض الإجراءات ( فقرة ثانية )، وذلك حتى تنظر فيه الجهة المختصة بالبث فيه، في وضعية سليمة وقانونية.

فقرة أولى: شروط الحجز لدى الغير على القيم المنقولة
بداية نشير إلى أنه من خلال دراسة معمقة لقانون شركات المساهمة أو قانون 24 يوليوز 1867 الفرنسي للشركات، الذي كان مطبقا في المغرب لم يتعرض فيه المشرع إلى طرق وشكليات حجز القيم المنقولة، على خلاف بعض التشريعات الأخرى كالقانون السوري الذي تعرض لذلك من خلال المادة 148 من قانون الشركات، والمشرع الأردني الذي عالج هذه النقطة من خلال المادة 69 من قانون الشركات الأردني، أما المشرع الفرنسي [2] فقد تعرض للحجز على القيم المنقولة من خلال مرسوم 31 يوليوز 1992.

ومع صدور القانون رقم 96 – 35 المتعلق بإحداث وديع مركزي وتأسيس نظام عام لقيد بعض القيم في الحساب جاءت المادة 14 منه كما يلي :” لا يقبل أي حجز لدى الغير على الحسابات الجارية للقيم المنقولة المفتوحة في سجلات الوديع المركزي”.
وإذا كان كل من التشريع والفقه المقارن، قد أجمع على أن القيم المنقولة الاسمية يتم الحجز عليها عن طريق حجز ما للمدين لدى الغير، فإن هذه المسطرة قد نظمها المشرع المغربي- كما سلف الذكر – ضمن الفصول من 488 على 496 من ق م م .
وتعطي هذه النصوص إمكانيتين لإجراء الحجز لدى الغير ، بحيث يمكن القيام به بواسطة كتابة الضبط في حالة وجود سند تنفيذي أو بمقتضى مقرر قضائي  يصدره رئيس المحكمة بناء على طلب الدائن [3]. وإذا كان المحجوز منقولا فيشترط أن يكون المنقول مملوكا للمدين،وأن يكون غيرا،بمعني لا تربطه أي  علاقة تبعية ولا سيطرة على المحجوز عليه .

وتماشيا مع هذا صدر أمر عن رئيس المحكمة التجارية بالرباط ورد فيه: ” وحيث إن من شروط إيقاع الحجز لدى الغير ، أن يكون المحجوز لديه مدينا للمحجوز عليه، وحيث إن المحامي لا يعتبر مدينا للمطلوب في الحجز، ذلك أنه يقوم بعمله كوكيل عنه ومن ثم فإنه لا يجوز إجراء الحجز بين يديه على ودائع موكله، وأن العلة في عدم اعتباره غيرا ، هي أنه يعتبر نائبا عن موكله ، ونائبه مما نصرح معه برفض الطلب “[4]
هذا وقد نص الفصل 488 من ق م م على ما يلي :” يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين ثابت، إجراء حجز بين يدي الغير، بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات لمدينه والتعرض على تسليمها له “.

وإذا كان المشرع قد أورد الشروط اللازمة لصحة هذه المسطرة من خلال هذا النص التشريعي، فإن الاجتهاد القضائي المغربي قد تواتر على التعرض لشروط مسطرة حجز ما للمدين لدى الغير في كل مناسبة[5] ونمثل لهذا من خلال ما ورد عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في حيثيات أحد الأوامر الصادرة عن رئيسها الأول :” وحيث إنه لا جدال في أن الأمر بالحجز لدى الغير لا يمكن الأمر به إلا استنادا على دين ثابت محقق الوجود حال الأداء غير منازع فيه منازعة جدية في الذمة، وحيث إن ما سار عليه قاضي الابتدائية لا يستقيم ومقتضيات الفصل 488 من ق م م التي توجب أن يكون الدين ثابت أي محقق الوجود خال من أي نزاع [6].

فقرة ثانية : إجراءات الحجز لدى الغير على القيم المنقولة
ينص الفصل 492 من ق م م على أنه :” يبلغ أحد أعوان الضبط لدى الغير للمدين ويسلم له نسخة مختصرة من السند إن كان أو نسخة من إذن القاضي ويبلغ الحجز كذلك إلى المحجوز لديه، أو إذا تعلق الأمر بأجور أو مرتبات إلى نائبه أو المكلف بأداء هذه الأجور أو المرتبات في المكان الذي يعمل فيه المحجوز عليه، وينص الحجز على المبلغ الواقع عليه”.
يتضح من خلال هذا الفصل أن المشرع نص على تبليغ الأمر إلى المحجوز عليه والمحجوز لديه ، وبناء على الأمر الرئاسي الذي يصدره كل من رئيس المحكمة التجارية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية، يتلقى كاتب الضبط أجوبة المحجوز لديهم وتطرح ثلاث احتمالات .[7]

إما أن يتلقى كاتب الضبط تصريحا إيجابيا من المحجوز لديه، ثم يحيل الملف على جلسة التوزيع الودي .
وإما أن يتلقى كاتب الضبط تصريحا سلبيا من المحجوز لديه، وبناء عليه يقوم كاتب الضبط بعقد الملف، بعد تسليم الطرف الحاجز نسخة من الجواب.
أو ألا يتلقى كاتب الضبط أي تصريح بتاتا، وتكون بيده شهادة التسليم التي تؤكد توصل المحجوز لديه، لذلك فإن كاتب الضبط ينتظر 8 أيام وبعدها يحيل الأطراف على جلسة التوزيع الودي [8].

ولقد أفرد المشرع لاتفاق الأطراف والتصريح بما في الذمة أو ما يمكن تسميته بالتوزيع الودي مقتضيات الفصل 494 من قانون المسطرة المدنية، فهذا الاتفاق يترأسه الرئيس ويتم الاستماع فيه لأطراف الحجز،( الحاجز ، المحجوز عليه والمحجوز لديه)، ويحتمل خلال جلسة يترأسها الرئيس توصل الحاجز والمحجوز لديه لاتفاق ودي لا يعارض بشأنه المحجوز عليه آنذاك يحرر الرئيس محضرا يثبت اتفاق الأطراف.
أما إذا لم يصرح المحجوز لديه، رغم إنذاره، فإن الرئيس يصدر أمرا بأداء المحجوز لديه لما بين يديه .
ومن المسائل الأساسية التي تستدعي التحليل : التصريح بما في الذمة الذي يقوم به الغير المحجوز لديه، فوفقا للفصل 494 يقوم الغير المحجوز لديه بالتصريح بما في ذمته للمدين المحجوز عليه، وقد يكون التصريح إيجابيا كما قد يكون سلبيا.
فأما التصريح الإيجابي فهو الذي يقر من خلاله المحجوز لديه بما في ذمته للمدين المحجوز عليه، أما التصريح السلبي فهو الذي يدعي فيه المحجوز لديه براءة ذمته مما يزعمه المحجوز عليه.

وطبقا للفصل 494 من ق م م يعد التصريح الذي يقوم به المحجوز لديه إجباريا، ذلك أن هذه الفقرة رتبت على تخلف المحجوز لديه أو عدم تصريحه، الحكم عليه بأداء الاقتطاعات التي لم تقع والمصاريف بحكم قابل للتنفيذ، فلو اعتبر المشرع هذا التصريح اختياريا لما رتب أي جزاء على عدم القيام به، وهذا في الواقع فيه حماية لحقوق كل من الدائن الحاجز والمدين المحجوز عليه من جهة، وفيه إنهاء لمسطرة الحجز وبنسبه كبيرة ما لم تتم المنازعة في التصريح الذي أدلى به المحجوز لديه .
التنفيذ الجبري على القيم المنقولة
___________________________________
[1] – د.عبدالكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية ص 488 – ط الخامسة سنة 2008
[2] – د.راتب سليم الجعيري، الأسهم في الشركة المساهمة وفقا للقانون المغربي والقارن ص 245
[3] – محمد ليديدي ، الحجز لدى الغير مداخلة في الندوة الأولى للعمل القضائي والبنكي نشر المعهد الوطني للدارسات القضائية والمجموعة المهنية لبنوك المغرب 3- 4 دجنبر 1987 الرباط مطبعة النجاح الجديدة ص  80.
[4] – أمر رقم 2696 صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالرباط، بتاريخ 22/ 08/ 2000 ملف تجاري عدد 1/2701 /2000 منشور بمجلة الإشعاع عدد 24 دجنبر 2001 اجتهادات قضائية ص  198 – 199
[5] – يوسف طباش ، تحقيق رهن القيم المنقولة في التشريع المغربي والمقارن ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة البحث والتكوين قانون التجارة  والأعمال السنة الجامعية 2003 – 2004 ص 43.
[6] – أمر رقم 201-98 ملف عدد 264/98/4 صادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 15 / 10/ 1998 منشور بمجلة الإشعاع الصادرة عن هيئة المحامين بالقنيطرة العدد 25 يونيو 2002-ص 226- 227.
[7] – يوسف البطاش ، تحقيق رهن القيم المنقولة في التشريع المغربي والمقارن ، مرجع سابق، ص 44
[8] – د عبد الرحمان المصباحي ، مسطرة التوزيع الودي والتصديق علي  مسطرة حجزها للمدين لدى الغير مقال منشور بمجلة  الحدث القانون عدد 21 دجنبر 1998 المسطرة المدنية دراسات قانونية ص  3 و 4.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.