حماية الإسلام للحق في الحياة

الحق في الحياة وأسس حمايته في الفقه والقانون – الفصل الثاني :
الله سبحانه وتعالى هو من يهب الحياة  وهو بيده أن يبقى الإنسان متمتعا بهذه الحياة ، لذا فحياة الإنسان بدأت بقرار إلهي وتستمر كذلك بقرار إلهي فلا يجوز في التشريعات والأديان أن يزهق الإنسان روحه بأي سبب أو حجة.
وحق الحياة هو الحق الأول للإنسان وبه تبدأ سائر الحقوق وعند وجوده تطبق بقية الحدود وعند انتهائه تنعدم الحقوق.
ويعتبر هذا الحق مكفولا بالشريعة لكل إنسان ويجب على سائر الأفراد أولا والمجتمع ثانيا والدولة ثالثا حماية هذا الحق من كل اعتداء مع وجوب تأمين الوسائل اللازمة لتأمينه.
وهذا الحق ليس مجرد فكرة بل لهذا الحق أثار رتبتها الشريعة الإسلامية والقوانين والدساتير والمعاهدات والاتفاقات الدولية.

وتتجلى أهم هذه الآثار بحفظ النفس الإنسانية التي هي ضرورة شرعية تعارفت عليها الأديان والشرائع السماوية ، سنرى في البداية مظاهر حماية الحق في الحياة في الشريعة الإسلامية ( مبحث أول) ثم مظاهر الحماية الجنائية للإنسان في الحياة (مبحث ثاني ).

المبحث الأول : مظاهر حماية الحق في الحياة في الشريعة الإسلامية
إن جميع نصوص القرآن والأحاديث النبوية تضمنت حماية لحياة الإنسان وحقوقه والحفاظ على كرامته وقيمه وإنسانيته فأحكام الشرع الإسلامي من بدايتها إلى نهايتها جاءت من أجل الإنسان وحمايته حتى من نفسه ولذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين :
مطلب أول : حماية الإسلام للحق في الحياة
مطلب ثاني : حقوق الإنسان من منظور الشريعة الإسلامية

مطلب أول : حماية الإسلام للحق في الحياة
الحياة من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وحق الحياة والمحافظة عليها مكفولة بالشريعة الإسلامية لكل إنسان لأنها هبة الخالق عز وجل واستردادها يخضع لمشيئته.
فمما لا شك فيه أن الإنسان لا يكون له وجود إلا إذا خلقه الله تعالى ومنحه الحياة بنفخ الروح فيه ، وحق الإنسان في الحياة يعد امتثالا لأمر الله تعالى من ناحيتين :
أ-ناحية البدء، ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى الإنسان الحياة وجعله فردا حيا.
ب-ناحية الاستمرار حيث طلب الله تعالى من الإنسان أن يحافظ على هذا الحق حيث يسترده منه الموت [1]

والحق في الحياة هو إحدى الضرورات الخمس التي يجب المحافظة عليها وهي الدين والنفس العقل والنسل والمال “.
فقد جعلت الشريعة الإسلامية الحق في الحياة من حيث الاعتبار وقوة الاثر من مقاصدها الأساسية التي تدور أحكامها كلها عليها، بل إن حق الحياة يعد المقصد الأول الذي ترد إليه سائر المقاصد الأساسية في هذه الشريعة، يعد المحافظة على الدين لتوقفها جميعا على الإنسان نفسه فكان طلب المحافظة على حياته في أعلى مراتب التكليف سواء بالنسبة إلى المكلف نفسه أو في مواجهة الكافة [2].

وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام عديدة لحماية حق الحياة تتفق مع أهمية هذا الحق باعتباره أثمن ما يملكه الإنسان في الوجود وباعتبار ماله من أتر في حفظ كيان المجتمع وحيويته وتماسكه من جهة أخرى ومن أهم هذه الأحكام  [3].

أولا: اعتبار حق الحياة حقا مشتركا يتمتع به جميع الناس دون تفرقة أو تمييز قال تعالى :{ وكتبنا عليهم فيما أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالانف والآذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ” [4]، فالمسلم وغير المسلم والرجل والمرأة كلهم سواء في تقرير حرمة الدم واستحقاق الحياة لدا كان الاعتداء على المسالمين من أهل الكتاب مساويا للاعتداء على المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عام ” صحيح البخاري كتاب الجزية باب من قتل معاهدا بغير جرم.

كما يشتمل هذا الحق الصغير والكبير حتى اللقيط، حيث أوجبت الشريعة على المسلمين التقاطه وجعلت ذلك من فروض الكفاية بل وذهبت الشريعة إلى أبعد من ذلك حيث اعتبرت حق الحياة يشمل الجنين في بطن أمه ، فإسقاطه بعد نفخ الروح فيه يعد جناية على كائن حي، توجب عقوبة مالية وبدنية على الجاني ،

ثانيا : تحريم قتل النفس بغير حق، وفي ذلك يقول تعالى ” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق دلكم وصاكم به لعلكم تعقلون”[5]. ويحدد الإمام الطبري مفهوم ” الحق” في هذه الآية فيقول ” وحقها ألا تقتل إلا بكفر بعد اسلام أو زنا بعد إحصان ، أو قود بنفس وإن كانت كافرة لم يتقدم كفرها إسلام وألا يكون تقدم قتلها عهد وأمان”

ويؤيد هذا القول المصطفى عليه السلام “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلى بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة “[6].

ثالثا: اعتبار إزهاق الروح بغير وجه حق جريمة ضد الإنسانية كلها، كما أن إنقاذها من الهلاك يعتبر إحياء للإنسانية كلها [7] فقد قال تعالى ” من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا “[8].

رابعا : حماية حق الحياة وذلك بتحديد عقوبة شديدة توقع على من يعتدي على هذا الحق ، ألا وهو عقوبة القصاص قال تعالى :” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى “[9] ولئن كان هذا القصاص هلاك للجاني إلا أنه فيه حياة لباقي الأفراد في المجتمع وفي ذلك قوله تعالى :” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون “. وإذا كان القصاص هو العقوبة الدنيوية لمرتكب جريمة القتل عمدا، فهناك أيضا عقوبة أخروية من استباح حرمة الدم، ولم تقع عليه عقوبة الدنيا، بل إن القتل الخطأ قد جعلت له الشريعة الإسلامية أكثر من عقوبة تتمثل في الدية والكفارة [10].

خامسا : إن الشريعة الإسلامية كما حرمت على المسلم قتل أخيه الإنسان حرمت عليه كذلك قتله نفسه أو اعتدائه على عضو من أعضاء جسمه ذلك أن من أصول هذه الشريعة ان حياة الإنسان ليست ملكا خاصا له وإنما هي ملك لبارئها فلا يملك إسقاطه بإتلافه نفسه وهذا الأصل العظيم مستمد من الدلائل الصريحة كتابا وسنة.

سادسا : أقرت الشريعة الإسلامية حق الإنسان في الدفاع عن نفسه عند تعرضه لأي اعتداء سواء كان هذا الاعتداء موجها إلى الدين أم النفس أم العقل أم العرض أو المال ، فيباح للفرد أن يدفع العدوان الذي يوجه إليه من غيره  ويهدده بأي نوع من الأداء[11].
هذا وقد تميزت الشريعة الإسلامية على قواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بإقرارها حق الإنسان في الدفاع على نفسه.

سابعا: من أجل الحفاظ على حق الحياة للإنسان لم يشرع القتال في الإسلام إلا من أجل الحق ولنشر دين الله ، وبعد الانذار والإعلان وحرم الإسلام القتال طلبا للمغانم أو بدافع التعصب القومي أو العرقي وهناك قيود على ممارسة أعمال الحرب في الإسلام حيث يحرم قتل غير المحاربين من النساء والأطفال وكبار السن [12]..

إن الشريعة الإسلامية تكفل للإنسان حقه في الحياة وتعمل على حماية هذا الحق من كل اعتداء يقع عليه سواء أكان من الغير أم من الإنسان نفسه، وهذا يؤدي تلقائيا إلى حماية الإنسان في كل ما يتعلق بحياته الخاصة وكفالة جميع حقوقه هذا ما سنتطرق له في المطلب الثاني.
الحق في الحياة فقها و قانونا
____________________________
[1] – المناهج الإسلامية في التربية على حقوق الحياة ، ص 23 محمد سلام مدكور
[2] – نظام الحقوق في الإسلام ( مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية سلسلة ندوات ومحاضرات سلسلة كتب المستقبل العربي ، ص 78.
[3] – حسن العقار الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان ” قدسية الحياة ” ص  218.
[4] المائدة ، الآية 47
[5] – سورة الأنعام ، الأية 152.
[6] – حقوق الإنسان في القرآن والسنة ” الحق في الحياة ، ص  42.
[7] محمد ركان الدغمي ، حماية الحياة الخاصة في الشريعة الإسلامية ، دار السلام ص 81
[8] – سورة المائدة الآية 34.
[9] – سورة البقرة الآية 177
[10] – الجندي حسني ضمانات حرمة الحياة الخاصة في الإسلام دار النهضة العربية ص 97.
[11] – حقوق الإنسان في القرآن والسنة ، الحق في الحياة ، ص  50.
[12] – جابر الراوي ، حماية حق الحياة في الشريعة الإسلامية ص 78

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.