الحق الأدبي للمؤلف في الشريعة الإسلامية

أنواع حقوق التأليف في الشريعة الإسلاميةالفصل الثاني:
المبحث الأول : الحق الأدبي للمؤلف في الشريعة الإسلامية
1. تعريف :
هو أحد نوعي الحقوق المتعلقة بالتأليف وقد سبق بيان معنى الحق لغة و اصطلاحا.
و أما الأدبي فهو مأخوذ من الأدب و نسبة إليه و عرف الحافظ ابن حجر الأدب بقوله : ( الأدب استعمال ما يحمد قولا و فعلا و عبر عنه بعضهم بأنه مكارم الأخلاق ) [1].

وعلم الأدب هو علم إصلاح اللسان و الخطاب و إصابة مواقعه و تحسين ألفاظهو صيانته عن الخطأ و الخلل وهو شعبة من الأدب العام و الله أعلم [2].

ومنه قولهم قيمة أدبية – وهو تقدير معنوي غير مادي – ومنه مركز أدبي ، شجاعة أدبية ، و كسب أدبي و نحوها، و جميعها استعمالات محدثة [3].

فوصف الشيء بأنه أدبي يقصد به كونه معنويا غير مادي لا يدرك بالحواس ، و إنما يدرك بالعقل و الفكر من أفكار و اختراعات هي ثمرة فكر صاحب هذا الحق.

وأما مصطلح الحق الأدبي – يقال أيضا الحق المعنوي – فيطلق مقابل الحق المالي، و يتعلق بأشياء معنوية ليشمل مسائل ترتبط بشخص المؤلف لأبوته على مؤلفه ، فهي بمثابة الامتيازات الشخصية للمؤلف على تأليفه الذي هو نتاج فكره و جهده و إبداعه الذهني [4].

يقول الأستاذ فتحي الدريني في بيان مضمون هذا الحق :
( ثمة نوع من التصرف المادي في الإنتاج المبتكر يعود على صاحبه بضرب من الانتفاع العائد على شخصيته العلمية أصالة عن التعديل المادي و التصحيح و الإلغاء لبعض الأفكار التي يتبين له خطؤها في قوام إنتاجه المبتكر و على المجتمع تبعا و هذا نتيجة اختصاصه به و نسبته إليه و ما تفرع عن ذلك من سلطته عليه و مسؤوليته عنه ) [5].

كما عرف الحق الأدبي في الفقه الإسلامي بأنه ما يترتب على جهد العالم في التصنيف من اختصاصات أدبية تستوجب نسبة مصنفه إليه و احترامه فيما كتبمع احتفاظه بحقه في تعديله و تنقيحه [6].

و خلاصة القول فهو ( ما يثبت للمؤلف من اختصاص شرعي غير المالي بابتكاره الذهني يمكنه من نسبته إليه و التصرف فيه و دفع الاعتداء عليه و الله أعلم ) [7].

2. منشأ الحق الأدبي و حكمه :
إذا كان الحق الأدبي يقوم على أساس أحقية المؤلف بما سبق إليه من ابتكار ذهني مباح أبرز فيه قدرته و جهده الذهني ، فإن هذا الجهد الذي هو مصدر الابتكار حق شرعي لصاحبه في احتفاظه بنسبة ما أبدعه لنفسه و يثبت له اختصاصه فيه لأن العلاقة بين المبتكر و جهده الذهني من اختراع أو تأليف تدخل في مفهوم الحق شرعا [8].

فالكتاب لا يأتي عفوا و إنما هو ثمرة كفاح طويل كون به صاحبه شخصيته العلمية، ثم هو نتيجة جهد جهيد و سهر بالليل و عرق بالنهار لا يعرفه إلا من عاناه و ربما استغرق الكتاب من صاحبه سنين حتى يبرز إلى الوجود أو أقل حتى تأتي ساعة المخاض. فهو إذن كسب من وراء عمل طويل مختزن في كتاب كما أن المصنع أو العمارة ثمرة جهد طويل اختزنه فيها منشئ المصنع أو صاحب العمارة [9].

و بذلك يخول الحق الأدبي للمؤلف امتيازات شخصية على تأليفه ،حيث تمنحه حق حمايته من العبث و صيانته من الدخيل عليه ، و تجعل له حرمته و الاحتفاظ بقيمته و جهده. و هذا مما علم من الإسلام بالضرورة و تدل عليه بجلاء نصوص الشريعةو قواعدها و أصولها ، بل إن الحق الأدبي يعتبر من بدائه العلم عند المتقدمين و إن لم يلقبوه بذلك و يضعوا له سننا و أنظمة تحفظية لأنها أمور فطرية عندهم تقتضيها الديانة وتحمل الأمانة. و خرقها من نواقص الفطرة فضلا عن أن تكون خرقا لسنن الشريعة و هديها [10].
و على هذا فإنه ينبغي أن لا يكون الاحتفاظ بهذا الحق و بذل الطرق لحمايته محل خلاف [11].
و ذكر الأستاذ البوطي أنه لا يعلم خلافا في أن الجهد الفكري يورث صاحبه في ميزان الشرع اختصاصا حاجزا يتضمن معنى الحق.
فالكتاب ملك لمؤلفه و لهذا ينسب إليه و يحسب عليه و يحاسب على أخطائه، و ملكيته هنا ملكية علمية أدبية وهو أمر اعترف به العالم كله في قوانينه المدنية [12].
وعليه فالحق الأدبي من الحقوق المعتبرة شرعا و الخاصة لأصحابها ، وهذا يقتضي أنها مصونة شرعا وأن لأصحابها حق التصرف فيها و أنه لا يجوز الاعتداء عليها [13].

أ. أدلة مشروعية الحق الأدبي :
وأما مصدر مشروعية هذا الحق فهو الشرع بقواعده الكلية و أصوله التشريعية و من ذلك :
1. ما أثبته الشرع حقا بالسبق إليه و إحرازه من المباحات فإن من سبق إلى شيء من ذلك ثبت حقه فيه لما روى أبو داود في سننه عن أسمر بن مضرس رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له )) [14] ، ووجه الاستدلال بالحديث أن من سبق إلى ابتكار شيء جديد سواء ماديا أو معنويا فلا شك أنه أحق به من غيره و آكد شيء في ذلك نسبته إليه و التصرف فيه و كذلك انتفاعه به ، و هذا حق تقره الشريعة الإسلامية بفضل أسبقيته إلى ابتكار ذلك الشيء [15] ، فمن سبق إلى الإنتاج بإعمال فكره و قلمه فهو من خالص حقوقه [16] ، وبما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإن الحديث يشمل كل ما سبق إليه من شيء مادي أو معنوي مثل مقاعد الأسواق للباعة غير أصحاب الدكاكين و مقاعد المتسوقين ومجالس المساجد [17] ، مع أن الحق هنا لم يصاحبه في تحصيله جهد ، فلأن يثبت فيما يصاحبه جهد في تحصيله أولى و أحق.

2. ما تقرر في الشريعة الإسلامية في مصدريها – الكتاب و السنة – من مسؤولية الإنسان عن أقواله وأفعاله و ما يترتب على ذلك من ثواب أو عقاب في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا ، و هذا قاض بنسبة ما يصدر عن الإنسان من الكلام

و الأفكار إليه، و أنه مرتبط بذلك ارتباطا مباشرا لينال هو دون غيره أجر ما قد تنطوي عليه من خير و يتحمل وزر ما قد تجره من وزر [18].

ونصوص الوحي الدالة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } [19] ، وهذا يعني أن صفات السمع والبصر والفؤاد سيسأل العبد عنها يوم القيامة ، و تسأل عنه وعما عمل فيها ، فالفؤاد يسأل عما افتكره و اعتقده ، و السمع و البصر عما رأى من ذلك وسمع [20].

و قوله تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين و عن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [21]
وقوله تعالى :{ وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون }[22]

و في الآيتين دلالة على أن ما يصدر من الإنسان من قول و لا حركة إلا و هي مكتوبة و مسجلة عليه و منسوبة إليه ، ثم يجازى عليها بالثواب أو بالعقاب كما في قوله تعالى : { و كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } [23].

وعليه فالنصوص السابقة تدل على قيام العلاقة المباشرة بين الإنسان و فكره و أنه منسوب إليه و مسؤول عنه إذ من المتقرر أن الإنسان غير مسؤول عما لا علاقة له به، كما قال الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } [24].

3. ما أثبته الشرع حقا باعتبار ثمرة مجهود الإنسان ، فالشريعة قاضية بحق الإنسان الكامل في ثمرة مجهوده الذاتي ، كالشأن في عامة حقوقه في تصرفاته التكوينية و الجبلية ، ببدنه و حواسه ومشاعره و ما تولد عن ذلك مثل نسله ونسل نعمه و ثمر بستانه [25]. ولاشك أن التأليف من ثمرة مجهود الإنسان و نسل عقله و خلاصة إبداع فكره وعمل قريحته ، فهو من خالص حقوقه التي يثبت له الاحتفاظ بنسبتها إليهو التصرف فيها [26].

ب – مظاهر مشروعية الحق الأدبي في الشريعة الإسلامية :
و الحق الأدبي للمؤلف مما علم من الإسلام بالضرورة وتدل عليه بجلاء نصوص الشريعة و قواعدها و أصولها مما هو مسطر في أدب المؤلفين و كتب الاصطلاح ، و يتجلى هذا في عدة مظاهر[27] :

ب.1) الأمانة العلمية :
وهي تعني العناية الفائقة بموجبات الثقة لأمانة تحمل العلم ، فهي زينته و روحه وهي منبع حياة الأمة و أساس عظمتها وفلاحها ، و فلاح الأمة في صلاح أعمالها و صلاح أعمالها في صحة علومها ، فمن تحدث في العلم بغير أمانة فقد مس العلم بقرحه ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة [28].

ومن مظاهر الأمانة العلمية توثيق النصوص بالإسناد و تخريجها و طرق تحمل الأخبار و ضوابطه عند الحدثين ، و هذا يتجلى في تراث الأمة الإسلامية العظيم في كتب السنة و الأثر ،فمن نظر في أي من كتب أهل الإسلام رأى مراعاة الدقة في ذلك حتى بلغ ببعضهم أنه إذا نقل النص و فيه تصحيف أو تحريف نقله بذلك ، ثم نوه عنه كذا وجدته وهو تصحيف مثلا وصوابه كذا ومن ذلك قول النووي رحمه الله تعالى : ( أما المصنفات فلا يجوز تغييرها وإن كان بالمعنى أما إذا وقع في الرواية أو التصنيف غلط لا شك فيه فالصواب الذي قال الجماهير أنه يرويه على الصواب و لا يغير في الكتاب بل ينبه عليه حال الرواية في حاشية الكتاب فيقول كذا وقع و الصواب كذا ) [29].

وقد كان العلماء قديما لا يستبيحون رواية كتاب عالم ما إلا بإجازة منه ، وقد كان بعض العلماء يعطي بعض طلابه إجازة خاصة برواية كتاب معين و أحيانا يمنحه إجازة عامة برواية كتبه كلها ، وهذه الإجازة تشبه حق الطبع والنشر في زمننا أضيف إليها عنصر جديد و هو أن المؤلف يتقاضى أجرا على جهده في التأليف ، و يشارك الناشر في جزء من الربح الذي يصيبه من وراء نشر الكتاب [30].

ويذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى أنه لحظ في آخر كتاب الرسالة للشافعي وجود إجازة نسخ و هي تشبه ما يسمى في زماننا اليوم بحق الطباعة و النشر و هي بخط الناسخ الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي ، وهذه الإجازة ليست إجازة رواية كالمألوف في الإجازات و لكنها إجازة النسخ من نسخته من كتاب الرسالة الذي نسخه هو ونصها : ( أجاز الربيع بن سليمان صاحب الشافعي نسخ كتاب الرسالة وهي ثلاثة أجزاء في ذي القعدة سنة خمسين و ستين ومائتين و كتب الربيع بخطه ) [31].

كما يذكر الشيخ أحمد شاكر في مقدمته على الكتاب أن إجازة النسخ تخالف المعهود في الإجازات (إذ يجيز العلماء لتلامذتهم الرواية عنهم ، أما إجازة نسخ الكتاب فشيء نادر لا يكون إلا لمعنى خاص وعن أصل حجة لا تصل إليه كل يد )[32].

وعلق الشهراني على هذا الأثر قائلا ( وفيما سبق دليل واضح على ما درج عليه السلف رحمهم الله تعالى من منهج علمي يقضي بنسبة الأقوال و الأفكار و المؤلفات إلى أصحابها وأحقيتهم في ذلك وفي الإذن بنسخها أو نشرها )[33].

ب. 2) تحريم الكذب و التدليس:
تزخر نصوص الكتاب و السنة بالأدلة الصريحة بتحريم الكذب و التنديد بالكاذب و زجره و هجره وترك السلام عليه وبيان كذبه ، إذ هو شعبة من شعب النفاق وكم من كتاب ألف في الوضع و الوضاعين و الكذب و الكذابين لكشفهم وإسقاط حرمة أعراضهم بطرحهم من حساب مجتمعاتهم )[34].

ومن الأدلة التي تبين سوء خلق وحال الذين ينتحلون أفكار غيرهم و أقوالهم و نتاج عقولهم ثم ينسبونها لأنفسهم كذبا وزورا قول الله تعالى : { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب و لهم عذاب أليم } [35]
و قوله صلى الله عليه وسلم :(( و من ادعى ما ليس له فليس منا ، و ليتبوأ مقعده من النار ))[36]

ب. 3) تحريم السرقة و الانتحال :
( إن سرقة و انتحال أبكار الأفكار و الأقوال و الاعتداء على ثمرات عقول الآخرين و نتاج أفكارهم هو مما حرمه الله تعالى ومرد هذا إلى قواعد الإسلام الكلية و أصول الشريعة ، و جهود العلماء في كشف غارات السارقين وعبث الوراقين الذي هو مسلك من لم يتحمل أعباء العلم ، ولم يلجأ منه إلى ركن وثيق فأراد أن ينتج قبل أن ينضج ، لكنه احترق لكشف العلماء سرقته و انتحاله و سطوه و اختلاقه )[37].

يقول ابن القيم في سياق كلامه عن الحيل المحرمة : ( وكحيل اللصوص و السراق على أخذ أموال الناس وهم أنواع لا تحصى فمنهم السراق بأيديهم ، و منهم السراق بأقلامهم و منهم السراق بأمانتهم…. و بالجملة فحيل هذا الضرب من الناس من أكثر الحيل ) [38].

وقال ابن خلدون في مقدمته بعد ذكر مقاصد التأليف ( وما سوى ذلك ففعل غير محتاج له و خطأ عن الجادة التي يتعين سلوكها في نظر العقلاء ، مثل انتحال ما تقدم من التواليف بأن ينسبها إلى نفسه ببعض تلبيس من تبديل الألفاظ و تقديم المتأخر و عكسه ) [39].

ويبدو أن السطو على المؤلفات بسرقتها وانتحالها معاناة قديمة يدل عليها ما ألفمن كتب في كشف السرقات و التصريح باسم السارق و ما سرقه و هذا في مختلف الفنون و العلوم.
و بالجملة فإن إثبات أحقية المؤلف في تأليفه بنسبته إليه و دفع الاعتداء عليه ( ما يسمى بالحقوق المعنوية ) بما يصطلح عليه بالحق الأدبي هو محل اتفاق بين الناس جميعهم على اختلاف مذاهبهم.

3. تجليات الحق الأدبي للمؤلف :
يشمل الحق الأدبي جملة من الحقوق تتلخص في أربعة مسائل أساسية و هي :[40]
أ) حق النسبة :
ومعنى هذا أن للمؤلف الحق في المطالبة بالاعتراف بأن ما ابتكره هو من نتاجه الذهني ، و المطالبة باستمرار نسبته إليه وحده ، و التصريح بذكر اسمه و لقبه و مؤهلاته العلمية على نسخة من نسخ الابتكار عند نشر ما ألفه ، و كذلك عند الاقتباس منه [41].

وهذا الحق هو أخص الحقوق المتعلقة بالتأليف ، و بثبوته تثبت باقي الحقوق الأدبية و المالية. و يعبر عن حق النسبة بعض المعاصرين بحق الأبوة ، كما أن نسبة التأليف إلى صاحبه هو مما اتفق عليه الناس على مر التاريخ منذ ظهوره و إلى الآن.

و إذا كانت المؤلفات و الكتب هي من آثار أصحابها ، يستدل بها على أحوالهمو أوصافهم ، بل على عقائدهم وسلوكهم ، فإن المؤلف يكون مسؤولا مسؤولية كاملة عن الأفكار التي يحملها مؤلفه الذي نشر باسمه ، ولا يسوغ له التنازل عن النسبة لينتحلها شخص آخر.

و كما أن للمؤلف الحق في نسبة تأليفه إليه ، فإن له كذلك الحق في وضع عنوان مناسب له.

ب) حق الإذن بالنشر :
ويسمى كذلك حق تقرير النشر ، أي أن للمؤلف وحده التحكم في نشر ما ألفه ، فيكون له الحق في تقرير نشر نتاجه ، و في تعيين طريقة ووقت هذا النشر [42].
وحق المؤلف في تقرير نشر مؤلفه يختلف في مضمونه عن حقه في النشر، من حيث إن الأول يعتبر من الحقوق الأدبية التي يتمتع بها صاحب المؤلف دون غيره ، أما حق النشر فيعتبر من الحقوق المالية التي يمكن أن يقوم بها غيره بعد موافقة- صاحب المؤلف – عن طريق عقود النشر أو الأداء العلني [43].
ويعتبر بعض المعاصرين أن قرار المؤلف بنشر مؤلفه يعد بمثابة شهادة ولادة المؤلف [44].
ومن أهم الامتيازات المترتبة على تقرير حق النشر ما يلي :

*للمؤلف وحده الحق في تحديد ما إذا كان تأليفه قد اكتمل ، و تقرير مدى صلاحيته للنشر ، و إخراجه إلى المجتمع. و هذا الحق يكون مرة واحدة فقط، فإذا تم اتخاذ القرار بالنشر ، و تم ذلك فعلا ، فإن إعادة النشر مرة أخرى لا يكون استعمالا لحق تقرير النشر ، و لكن يكون من باب حق إعادة النشر لما سبق نشره [45].

*للمؤلف وحده الحق في تحديد الطريقة التي يتم بها نشر ما ألفه ، فله الحق في نشر ه على هيئة كتاب ، أو في مجلة ، أو صحيفة ، أو في الإذاعة ، أو بأي طريقة يرى أنها مناسبة لإيصال مؤلفه إلى الناس [46].

* للمؤلف الحق في تحديد الوقت الذي يرى أنه مناسب لنشر نتاجه، كأن يختار أساتذة الجامعات ، أو مؤلفو الكتب المدرسية بداية العام الدراسي لنشر مصنفاتهم ، أو يختار المؤلف لنشر مؤلفه وقت افتتاح معرض الكتاب ، أو يختار قرب موسم عبادة ما ، يتعلق بها موضوع تأليفه ، كشهر رمضان أو الحج و نحو ذلك [47].

ج ) حق السمعة والتعديل :
وهذا يعني أن للمؤلف على تأليفه سلطة الرقابة بعد النشر لسحبه من التداول، عندما يتضح له مثلا رجوعه عما قرر فيه من رأي ، أو أداء [48] ، وأن ما أنتجه لم يعد موافقا لآرائه العلمية ، و أن استمرار تداوله – وهو منسوب إليه – فيه إساءة إلى سمعته الأدبية ، فيعمد إلى سحبه من التداول ، غير أن هذا السحب لا بد أن يكون نتيجة أسباب ، و مبررات مقنعة و واضحة ، و موضوعية مع تعويض المنتج أو الناشر تعويضا مناسبا عما لحقه من خسائر جراء ذلك السحب [49].

ويثبت حق التعديل للمؤلف بعد أن يقوم بنشر تأليفه ، ثم يكتشف بعد ذلك أو يكتشف غيره وجود خطأ أو خلل فيما تم نشره و توزيعه ، مما يؤثر على شخصيته العلمية و سمعته الأدبية.
وكثيرا ما يكتشف المؤلف أو غيره بعد تأليف كتاب و نشره خطأ بعض الآراء أو عدم دقتها… يستطيع المؤلف جمع نسخ المكتوب مما يدعوه إلى إعادة كتابه بشكل جديد.

وتجدر الإشارة إلى أن حق التعديل و السحب قد ينتقل من كونه حقا للمؤلف ، فيصير حقا لمجموع الأمة ، يجب على المؤلف القيام به ، و إجراء التعديلات المناسبة فيه ، كما لو تم إنتاج تأليف ما ، ثم تبين بعد تداوله و نشره أن فيه خطرا على حياة الناس : كالمؤلفات التي تحتوي على أفكار ضالة ، أو مخالفات لدين الله عز وجل تنشر العقائد الكفرية ،و الشركية ، و الآراء البدعية ، و المقالات الفاسدة ، فعندئذ يجب على المؤلف سحب مؤلفه تحقيقا لمقاصد الشريعة.

د) حق دفع الاعتداء :
يثبت للمؤلف الحق في منع و دفع أي اعتداء وقع ، أو قد يقع على تأليفه ، سواء كان هذا الاعتداء على حقوقه الأدبية أو المالية ، بأي صورة من صور الاعتداء، ويشهد لذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : (( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك. قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله. قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : أنت شهيد. قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار))[50].

ففي الحديث بيان مشروعية الدفاع عن الأموال و الحقوق ، و إذن الشارع في ذلك ، حتى ولو كانت المدافعة بالقتال و القتل ، و ذلك بردع المعتدين على أموال الآخرين و حقوقهم ، إذ بدون ذلك تنهب الأموال و الحقوق ، و تسود الفوضى و الاضطراب.

وعليه فحماية التأليف من العبث و الصيانة عن الدخيل عليه ، تجعل للمؤلف حرمته و الاحتفاظ بقيمته و جهده ، و هذا مما علم من الإسلام بالضرورة ، و تدل عليه بجلاء نصوص الشريعة و قواعدها و أصولها [51].
حقوق الملكية الفكرية في الشريعة الإسلامية
_____________________________________
[1] فتح الباري 10 / 400.
[2] مدارج السالكين ابن القيم 2 / 376.
[3] المعجم الوسيط ص 10.
[4] مقال بعنوان” الف باء حقوق التأليف”،ناصر محمد السويدان، مجلة عالم الكتب العدد الرابع ص 293.
[5] حق الابتكار نقلا عن الشهراني ص 110.
[6] الحماية المقررة لحقوق المؤلفين الأدبية نقلا عن الشهراني ص111.
[7] حقوق الاختراع و التأليف في الفقه الإسلامي ص112.
[8] الملكية في الشريعة الإسلامية للعبادي نقلا عن الشهراني ص 114.
[9] الرسول والعلم ليوسف القرضاوي ص 83
[10] فقه النوازل ص 2/165.
[11] المرجع السابق نفسه 2/165.
[12] الرسول والعلم ليوسف القرضاوي ص83
[13] حقوق الاختراع و التأليف في الفقه الإسلامي ص 116.
[14] أخرجه أبو داود في سننه و الطبراني في المعجم الكبير وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الإصابة و ضعفه الألباني في الإرواء.
[15] بيع الحقوق المجردة لمحمد تقي العثماني مجلة مجمع الفقه الأسلامي.
[16] فقه النوازل 2/170.
[17] مقاصد الشريعة الطاهر بن عاشور ص 314.
[18] نظرات حول موقف الفقه الإسلامي من الحق المالي للمؤلف عبد السميع أبو الخير نقلا عن الشهراني ص 119.
[19] سورة الإسراء 36.
[20] نظرات حول موقف الفقه الإسلامي من الحق المالي للمؤلف عبد السميع أبو الخير نقلا عن الشهراني ص 119.
[21] سورة ق 17.
[22] سورة الانفطار10.
[23] سورة الإسراء 13.
[24] سورة الأنعام 164.
[25] فقه النوازل 2/128.
[26] حقوق الاختراع و التأليف في الفقه الإسلامي ص 125.
[27] فقه النوازل 2/128.
[28] رسائل الإصلاح محمد الخضر حسين نقلا عن الشهراني ص 127.
[29] شرح النووي على صحيح مسلم 1/37.
[30] الرسول والعلم للقرضاوي ص84
[31] نص هذه الإجازة و صورتها بخط الربيع أتبتها الشيخ أحمد شاكر بتحقيقه عن الشهراني ص 136
[32] مقدمة الشيخ أحمد شاكر على كتاب الرسالة عن الشهراني
[33] حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي ص 136.
[34] فقه النوازل ص 2/129.
[35] سورة آل عمران 188.
[36] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم 61.
[37] فقه النوازل 2/129.
[38] إعلام الموقعين 3/332.
[39] مقدمة ابن خلدون ص 729.
[40] حقوق الاختراع والتأليف ص155-فقه النوازل ص 2/163.
[41] المرجع السابق ص 156.
[42] حقوق المؤلف الأدبية لأبي اليزيد المتيت ص 3 نقلا عن الشهراني ص 165.
[43] حق المؤلف نواف كنعان ص 82 نقلاعن الشهراني ص 166.
[44] المرجع السابق ص 166.
[45] حقوق الاختراع و التأليف في الفقه الإسلامي ص 166.
[46] الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة نقلا عن الشهراني
[47] حقوق الاختراع و التأليف في الفقه الإسلامي ص 168.
[48] فقه النوازل 2/163.
[49] حق المؤلف نواف كنعان ص 108 نقلا عن الشهراني.
[50] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم 140.
[51] فقه النوازل ص 2/164.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.