ما وضع القانون المغربي لدى القضاء الأجنبي؟

إستبعاد القانون المغربي من قبل القضاء الأجنبي – الفقرة الثانية:
عندما ينتقل إلى تطبيق القانون المغربي فإن القاضي الأجنبي إما يعترف ويقر بالقوانين المغربية من خلال الاعتراف بالقرارات الصادرة عن المحاكم المغربية، إذ يتم الاعتراف بقانونية النظام والقرارات الصادرة عن المحاكم المغربية، أو يتم استبعادها لمخالفتها للنظام العام لقانون القاضي.

وقد نصت المادة 570 من التقنين القضائي البلجيكي على أن القرارات الأجنبية لا يمكن أن تتعارض مع مبادئ النظام العام الدولي البلجيكي، ومن ذلك الزواج, الذي لا يمكن التحلل منه من خلال اللجوء إلى الطلاق الانفرادي باعتبار أن الطلاق الانفرادي يخالف النظام العام البلجيكي, و حتى في حالة كون الزوج البلجيكي يحمل أيضا جنسية أخرى تسمح له بالطلاق الانفرادي فإنه لا يمكن القبول بهذا الطلاق في بلجيكا[1].
وتعتبر حالات تعدد الزوجات والطلاق الانفرادي من أكثر النماذج العملية الدالة على تدخل النظام العام الأوروبي لإقصاء القانون المغربي أو لدحر الأحكام القضائية المغربية عن التنفيذ[2].

فبالرغم من الإصلاحات الجوهرية التي عرفتها مدونة الأسرة المغربية، فقد صدرت خمس قرارات عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 17 فبراير 2004 نصت على أنه لا يمكن أن يكون هناك أي اعتراف بالتطليق إذا كان متعارض مع النظام العام الدولي, ومن بينهم قرارين صدر في نفس اليوم, للزوجين مغربيين انفصلا وفقا للقانون المغربي لقيام  الزوج بالطلاق الانفرادي أمام المحاكم المغربية , و رفضت الاعتراف بآثار هذا الحكم لمخالفته النظام العام الدولي الفرنسي الذي يتأسس على مبدأ المساواة بين الجنسين .
فمحكمة النقض الفرنسية ومن خلال القرارين السابقين يتبين في الحقيقة أنها اعتمدت على مبدأين أساسيين.

*مبدأ النظام العام والذي يرى أن هناك اختراق له في حالة ما إذا تبنى مبادئ إسلامية لأن القاضي المغربي ينطلق من مرجعية دينية وأخلاقية وهو ما يتداخل مع النظام القانوني الخاص للدولة الفرنسية التي يتكون نظامها العام من نوعين من المبادئ:

-النوع الأول: هي تلك التي تم الإعلان عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والتي تعتمدها محكمة النقض الفرنسية كحق طبيعي من أجل تحقيق العدالة العالمية ومنع الاستعباد والتمييز بالإضافة إلى التزاماتها الدولية و الاقليمية[3].

-النوع الثاني : المبادئ التي تخص المجتمع الفرنسي وهي الأسس  السياسية والأخلاقية والمعنوية للمجتمع الفرنسي والأسس السياسة التشريعية الفرنسية خاصة مجال الأحوال الشخصية والتي لا تسمح لأنظمة قانونية أجنبية ذات مرجعية دينية أن تتدخل وتؤثر في نظامها القانوني الخاص [4].

*ومبدأ المساواة بين الزوجين التي التزمت فرنسا به من خلال المادة 5 من البرتوكول رقم7 ل 22 نوفمبر 1984 والملحق بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان, فبالرغم من أن المدونة أعطت للمرأة مجموعة من الحقوق والتي تجسدت في هذا الاجتهاد القضائي الذي كان محل نقض من طرف محكمة النقض الفرنسية, فإن المدونة وحسب ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية لم تحترم بشكل قاطع مبدأ المساواة ما بين الزوجين مما يشكل خرقا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والبرتوكول الملحق بها وبالتالي مخالفته للنظام العام الدولي الفرنسي.

إن الدفع بالنظام العام الدولي الفرنسي الفرنسية [5]استنادا إلى الاتفاقية الأوروبية ليس بالتعليل الكافي من اجل تنفيذ اتفاقياتها الثنائية المبرمة مع بعض الدول العربية و مادام أن المغرب ملتزم كذلك مع فرنسا بالاتفاقية الفرنسية المغربية لسنة 1981[6].

مما دفع بعض الفقه القضائي, الأستاذ Patrick Matet  والأستاذة Anne pascal إلى البحث عن معيار آخر عن طريق استخدام مبدأ القرب فالزوجين حسب هذا الاتجاه القضائي يقطنان في التراب الفرنسي واندمجا إلى حد ما مع المجتمع الفرنسي الأمر الذي يستدعي أن تصرفاتهما يجب أن تكون منسجمة مع النظام الفرنسي وأن انحلال الرابطة الزوجية بينهما وفقا للقانون المغربي الذي لا يقر مبدأ المساواة بين الزوجين بشكل تام يشكل إخلالا بالنظام العام الفرنسي يستلزم عدم إلاعتراف به.

لكن بالنسبة للحالات الأخرى التي يحصل فيها حل الزواج بالاتفاق على الطلاق أو من خلال مؤسسة الطلاق الاتفاقي فإن الأستاذة Anne Pascal  [7] صرحت بأن هناك دورية من اجل العمل على التطبيق اليومي لمدونة الأسرة فمحكمة النقض الفرنسية لازالت حريصة على تأكيد المحاكم الفرنسية على ضرورة التطبيق للاتفاقية الفرنسية المغربية إلا إذا عرضت النظام العام الدولي الفرنسي.

وفي هذا الصدد ذهبت محكمة الاستئناف بباريس بتاريخ 19 فبراير 2004 إلى تطبيق القانون المغربي” على اعتبار أن الزوجة تحمل الجنسية المغربية, و أن التعديلات التي عرفها قانون الأسرة المغربي والتي من بينها إذن المحكمة بالطلاق وضمان مستحقات الزوجة    والأطفال, فان القانون الواجب التطبيق هو القانون المغربي”.

ورغم أن الزوجة قد طلبت بتطبيق القانون الفرنسي على النزاع, فان القاضي الفرنسي رأى أن النزاع حول إنهاء الرابطة الزوجية يشكل إحدى حالات التطليق لعنف الزوج, وهي خاصية للتطليق للضرر في القانون المغربي وصرح بالطلاق وفقا للقانون المغربي.

وفي قرار آخر لمحكمة الاستئناف بباريس بتاريخ 26 ماي 2005 رفضت المحكمة تطبيق القانون الفرنسي بعد أن طالبت الزوجة بتطبيقه عندما رفع الزوج دعوى انحلال الرابطة الزوجية وطالب بتطبيق القانون المغربي, وقد اعتبرت المحكمة أن القانون المختص هو القانون المغربي[8].

مما يوضح أن كل ما يهم التشريعات الغربية, أن تؤسس قوانين الأحوال الشخصية مساواة تامة في الحقوق والواجبات للزوجين معا, لكي يتم الاعتراف بالأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية.
ولان مدونة الأسرة المغربية لازالت لم تعترف بعد بالمساواة التامة بين الزوجين كما تنص على ذلك القوانين الغربية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان, و لان هذه المقاربة غير ممكنة في ظل قوانين الأسرة تنبثق من مرجعية دينية إسلامية تعتبر أن المساواة الحقة في تعادل وتكافؤ الحقوق والواجبات عند الجنسين[9].

ورغم التعديلات التي عرفتها المدونة الجديدة, نجد إصرار المحاكم الأجنبية على الحديث على الطلاق الانفرادي بأنه لازال قائما, مع العلم أن محكمة النقض إذا كانت ترفض هذا النوع من الطلاق في ظل قانون الأحوال الشخصية[10].
فإن مدونة الأسرة أقرت :
-الطلاق تحت مراقبة القضاء
-حضور الزوجة
-حقوق الدفاع مضمونة
-الطلاق يصدر في شكل حكم كما أن نفس الحق تمارسه الزوجة لإنهاء الرابطة الزوجية عن طريق الشقاق.

يبقى أن دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ بالموازنة مع قانون الطلاق الفرنسي الجديد يعكس لنا التقاء للرؤى واحترام الأحوال الشخصية للمغاربة في فرنسا, و ذلك في حالة للجوء الزوجين إلى مؤسسة الطلاق الاتفاقي, لما توفر هذه الأخيرة من بعض أوجه المساواة بين الزوج والزوجة في حق الطلاق باعتباره حق يمارسه كل واحد منهما كما نصت على ذلك معظم التشريعات المقارنة.

فمسالة تجاوز إشكالية التنفيذ أمام المحاكم الأجنبية هي مسالة تتعلق بقراءة مدونة الأسرة سواء من طرف محكمة النقض الفرنسية أو القضاء الأجنبي وتلمس الآثار الايجابية للقانون الجديد خاصة في حالة الطلاق.

على انه بقدر ما نحاول الاقتراب من القوانين الأجنبية نلاحظ تقصير في فهم قوانيننا وتبقى للإرادة السياسية دورا هاما من اجل التقارب بين النظامين, لكن قبل أن نطلب من القضاء الأجنبي أن يحترم روح المقتضيات القانونية لمدونة الأسرة يجب أولا أن تطبق التطبيق السليم من طرف قضائنا الوطني وتمكين القضاة الأجانب من الاجتهادات القضائية التي تتم في المغرب بالنسبة للمادة 128 من مدونة الأسرة.
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1] – صرحت الأستاذة Marie claire  بأن لم يصدر عن القضاء البلجيكي لحد الآنما يتبث  تفاعله سواء بشكل إيجابي أو سلبي مع المدونة الأسرة الأمر الذي استعصى علينا الحصول على قرارات من المحاكم البلجيكية باستثناء القضاء الفرنسي.
[2] – Ibrahim Fadlallah « vers la reconnaissance de la répudiation musulmane par le juge français ? »R.CDIP année 1981 n’ 1 p : 17   et
–  Francoise monéger « vers l afin de la reconnaissance des répudiations musulmanes par le juge français  JDI    année 1989 N’ :2 P :721
[3] –Pierre mayer « la CONVENTION Européenne DES DROIT l’homme et l’application des normes étrangères »RCDIP .N :4 .1991. P :661
[4] –  Hocine sadok, « la confrontation du code de la famille à l’ordre public international françois » colloque international. Rabat. Op. Cite
[5]- Roula El-husseini « le droit international privé français et la répudiation islamique »RCDI .N ’88 .juillet septembre 1999
[6]-Lena gannage «contrariété a l’ordre public international l’arrêt du 17 février 2004 »JDI. T :4. P : 1201
-Francoise manéger « la convention franco-marocaine du 10 août 1981 relative au statut des personnes et de la famille et a la coopération judiciaire »RCDIP…1984 p : 29
-Paul Decroux « la convention franco-marocaine du 10 août 1981 relative au statut des personnes et de la famille et a la coopération judiciaire »JDI. 1985. T/1. P/49
[7] – مستشارة في الغرفة الأولى مدنية بمحكمة النقض الفرنسية
[8] -patrick matet conseiller a la cour d’appel de paris « la dissolution du mariage »colloque sur les relations familiales les 10,11 novembre 2005 a la cour suprêmeغير منشور
[9] – امحمد طلابي “العدل الأسري مساواة أم تكافىء؟”مجلة الفرقان ,العدد,50 ,1425/2004 ص5.
انظر أيضا محمد البعدوي”وضعية الزوجة في الأسرة والمجتمع “أطروحة الدكتوراه في الحقوق, جامعة محمد الخامس الرباط, 2000, ص 180
AZAMI HASSAN  « le Maroc face aux défis de l’internationalisation du droit de la famille » diplôme d’études supérieures approfondies en droit prive .2002 .p 13 .14
[10]-دأبت المحاكم الفرنسية على عدم الاعتراف بالطلاق الذي يوقعه الزوج المسلم بإرادته المنفردة زاعمة في بعض الأحيان أن الطلاق من هذا القبيل مخالف للنظام العام الفرنسي الذي لا يبيح إيقاع الطلاق على الزوجة التي لم تخصص لها ضمانات مالية للتعويض عن الضرر اللاحق بها من جراء الطلاق ولان الطلاق المحصل عليه من قبل الزوج لم تحترم فيه الإجراءات السليمة لإيقاعه إذ يتم توقيعه دون حضور الزوجة أو دون تكليفها بالحضور لإبداء دفاعها.انظر احمد زوكاغي “حصيلة الاتفاقية الفرنسية المغربية” ,مجلة المناهج ,عدد2 ,2002 ,ص 62

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.