الطلاق في المحاكم الأجنبية ومدونة الأسرة: وجوب التوافق

عدم تنافي الطلاق مع مدونة الأسرة – الفقرة الثانية:
إذا كان المشرع المغربي أدرج في المادة 128 مقتضيات يتبين منها استحضار الإشكاليات العملية التي تواجه المغاربة في المهجر فان مقتضياتها تثير الكثير من الملاحظات.
فقد ورد في هذا النص أن “الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ, تكون قابلة للتنفيذ إذا ما صدرت عن محكمة مختصة, وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية, وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين, بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية طبقا لأحكام المواد 430و431و432 من قانون المسطرة المدنية “.

لو اقتصر المشرع في المدونة الجديدة على الفقرة الأولى من هذا النص, لقيل بأن هناك جديد ورد في هذه المادة, يهدف إلى تبسيط مسطرة الاعتراف بالطلاق الذي تم بالمهجر, كما هو محبذ من قبل الكثير من أفراد الجالية المغربية وكذا الجهات المغربية المحتكة بالمهجر وبمشاكلهم اليومية.

فإدراج مقتضيات الفقرة الثانية, التي تؤكد على ما رد في قانون المسطرة المدنية عقد وصعب من مأمورية أفراد الجالية المغربية, وكذا الممثلين القنصلين والقضاة الملحقون بالبعثات الدبلوماسية, بحيث كان المأمول بالنسبة للجميع هو السهر على تبسيط إجراءات الاعتراف بهذا الطلاق بالمغرب, لما فيه من تخفيف للجهد والوقت والمصاريف, وصرامة التشريعات الأوروبية فيما يخص الحصول على بعض المستندات[1].

إذ ينبغي على الطرف الذي يتقدم بطلب إعطاء الصيغة التنفيذية للطلاق الاتفاقي التقييد بالقواعد المسطرية المقررة في القانون المغربي الداخلي أي قانون المسطرة المدنية وهكذا يجب الإدلاء بعدد من الوثائق تحت طائلة عدم القبول ومنها نسخة رسمية من الحكم, واصل وثيقة التبليغ أو أية وثيقة أخرى تقوم مقامها وشهادة من كتابة الضبط المختصة تشهد فيها بعدم التعرض أو الاستئناف آو الطعن بالنقض, وعند الاقتضاء ترجمة إلى اللغة العربية للمستندات المذكورة (المادة 431 من قانون المسطرة المدنية)

ذلك أن الإشكال الذي يواجه أفراد الجالية المغربية في هذا الصدد هو انه في إطار الطلاق الاتفاقي يقوم القاضي الأجنبي فقط بالمصادقة على الاتفاق المبرم بين الزوجين مما يطرح بالنسبة اليهما صعوبة الحصول على شهادة تتبث عدم الطعن.

فالاتفاق على الطلاق المصادق عليه من قبل القضاء يتمتع بقوة الشيء المقضي به والقوة التنفيذية فوق إقليم البلد الأجنبي الذي صادق عليه ولا يخول لهما الحصول على شهادة من كتابة الضبط تتبث عدم الطعن مما يعرض طلب الإذن بالصيغة التنفيذية لعدم القبول.

وقد ذهبت المحكمة الابتدائية بالناضور[2] قسم قضاء الأسرة بتاريخ 01/03/2004 إلى التصريح بعدم قبول الدعوى على حالتها حيت تهدف المدعية من الدعوى إصدار أمر بتذييل الحكم الأجنبي الذي قضى بتطليقها اتفاقيا من زوجها بالصيغة التنفيذية” لكن وحيث انه طبقا للفصل 430 من ق المسطرة المدنية فانه من شروط تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية بالمغرب الإدلاء بنسخة رسمية منها.
وحيث أن المدعية أرفقت مقالها بصورة شمسية عادية للحكم الذي قضى بطلاقها من زوجها إلا أنها تخلفت عن ذلك.
وحيت بناءا على ما ذكر فانه يتعين التصريح بعدم قبول الدعوى على حالتها تطبيقا للفصل 430 من ق م م”.[3]

بعد أن كان التطبيق العملي قبل المدونة سائرا في اتجاه التعامل بيسر في إجراءات التذييل بالصيغة التنفيذية خصوصا أمام فراغ نصوص المدونة من نص صريح في هذا الصدد كما أن هذا الأمر ثم تكريسه في بعض الاتفاقيات الثنائية, كما هو الحال بالنسبة للاتفاقية الفرنسية المغربية المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة, المبرمة سنة 1981 والتي ورد في المادة 14 إمكانية تسجيل الأحكام المتعلقة بالأشخاص في سجلات الحالة المدنية دونما حاجة إلى تذييلها بالصيغة التنفيذية.

لكن النص على هذا الأمر في مدونة الأسرة سيعقد الأمور أكثر مما سيرتب عليه عدة آثار جانبية, من قبيل ترتيب آثار الطلاق, و الإقبال على زواج أخر فيما بعد, واعتبار الطلاق ساريا بالنسبة لمحاكم وسلطات المهجر, وغير معترف به في المغرب ولا حجية له أمام المحاكم والسلطات المغربية.

وبالرجوع إلى منشور وزارة العدل السالف الذكر فانه اقتصر على تأكيد إجراء الصيغة التنفيذية, لتكون للطلاق المصرح به من طرف محاكم أجنبية حجية داخل   المغرب, مع الاقتصار على مطالبة القضاة بالمهجر, “بالقيام بحملة تحسيسية في أوساط أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج “, وإخبارهم بإمكانية “تكليف من يقوم بهذا الإجراء بالمغرب “, والعمل على “مساعدتهم بتحرير ملتمس إلى النيابة العامة قصد تقديم الطلب من اجل التذييل…” كما أن الإشارة إلى “أسباب لا تتنافى مع التي قررتها المدونة”, تثير استفهاما حول مدى الإطلاع على مضمون القوانين الأوروبية في هذا المجال.

وقد لجاءت معظم أقسام الأسرة في المملكة المغربية إلى رفض منح الصيغة التنفيذية لان الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها مدونة الأسرة لإنهاء العلاقة الزوجية (الفصل 128 من مدونة الأسرة).

وحيث انه بالرجوع إلى الحكم الأجنبي المراد تذييله بالصيغة التنفيذية من خلال ترجمته إلى اللغة العربية يتبين أن هذا الأخير لم يبين الأسباب التي اعتمد عليها للحكم بالتطليق حتى تتمكن المحكمة مما إذا كانت هذه الأسباب تتنافى مع تلك التي قررتها المدونة أم لا, وحيث انه تبعا لكل ذلك تكون دعوى المدعية غير مؤسسة ويتعين التصريح برفضها”.[4]

إن أسباب الطلاق في المهجر الأوربي تكرس المساواة بين الرجل والمرأة, فكيف يمكن ضمان أنها لا تتنافى مع التي قررتها المدونة؟

وهنا يبرز دور القاضي في تأويل القاعدة القانونية و ليس فقط مسؤوليته في تطبيق هذا التشريع وإنما مسؤوليته في التشريع, إن الأمر يحتاج لمفهوم متطور للتشريع, من حق القضاء أن يخلق القاعدة القانونية إذ يمكن له أن يكون ايجابيا فيما يخص تفسير القاعدة والبحت عن الأجواء التي تعطي لإفراد الجالية المغربية في المهجر نوعا من الاستقرار والثقة في التشريع والقضاء المغربي.

وبالتالي الحاجة إلى ضرورة وجود إبداع في المسطرة وفي القانون, فإحداث أقسام قضاء الأسرة كان له بعد فلسفي فلا يمكن أن ينصرف فقط إلى بعد جغرافي أو البحث عن إطار للقضايا الأسرية ولا حتى مجرد خلق تخصص وإنما الغاية أن يكون في قسم قضاء الأسرة قضاء متميز لا من حيث المسطرة المتبعة ولا من حيث تفسير القاعدة القانونية وليس التمسك بالتطبيق الحرفي للنص القانوني فالتحدي البارز للقضاء الأسري المغربي يتجلى في تعامله مع كل ما له علاقة بالجالية المغربية بالخارج بالفهم السليم والمرونة في التطبيق.

إذ من الضروري تواجد قضاة مختصين بأحوال الأسرة في العلاقات عبر الحدودية, وتحديد عدد القضاة المسؤلين عن هذه القضايا لتهين تدريبهم وتهيئ الوسائل المادية والبشرية من اجل الاحاطة بكل ما يرتبط بقضايا المغاربة في المهجر خاصة القوانين الأجنبية والاجتهادات القضائية الخاصة بمنح الصيغة التنفيذية للأحكام الصادرة في المغرب وتمكين هؤلاء القضاة ذو الخبرة الواسعة من معالجة هذه المسائل الصعبة بصفة فعالة.
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1] Khalid Barjawi « l’évolution de code de la famille dans le droit international prive ».op, cite
[2] – فالحصول على شهادة عدم التعرض من ابرز المشاكل التي تعاني منها الجالية المغربية والتي عرضت على الجهة المختصة بوزارة العدل من اجل البحث عن السبل التي من خلاله يتم تجاوز هذا الإشكال.
حيث ذهبت محكمة الدار البيضاء في حكم عدد بتاريخ 15/03/2004 إلى عدم قبول الدعوى طبقا لمقتضيات الفصل 431 من قانون المسطرة المدنية. حكم غير منشور
[3]- حكم غير منشور.
[4] حكم عدد 415 بتاريخ 19/04/2004 صادر عن قسم قضاء الأسرة بالناظور.غير منشور
=انظر في نفس الإطار حكم لمحكمة الدار البيضاء عدد 414 بتاريخ 18/03/2004 غير منشور

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.