الإتفاق على حقوق الزوجة بعد الطلاق

الاتفاق على حقوق الزوجة بعد الطلاق – الفقرة الثانية :
قبل الحديث عن إمكانية اتفاق الزوجين على حقوق الزوجة بعد الطلاق يجب أولا أن نقوم بتحديد الحقوق التي تستحقها الزوجة عند الطلاق والتي تشمل وفق ما نصت عليه مدونة الأسرة في المادة 84 : “الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه.

وتسكن الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية أو للضرورة في مسكن ملائم لها وللوضعية المادية للزوج، وإذا تعذر ذلك تحدد المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يودع كذلك ضمن المستحقات بكتابة ضبط المحكمة”.
ومن خلال هذا الفصل تتضح أن الحقوق التي يجب للزوجة على زوجها بمناسبة إنهاء العلاقة الزوجية تشمل :

1- المتعة
وهي ما يعطيه الزوج لزوجته عند الطلاق جبرا لخاطرها وتعويضا لها مما يمكن أن يلحقها من الضرر، وقد أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى “لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتدر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين” [1].
وليست كل مطلقة تستحق المتعة بل لاستحقاقها يجب أن تتوفر الشروط الآتية:
-يجب ألا يكون الطلاق قد وقع قبل الدخول وبعد تسمية الصداق، إذا في هذه الحالة تستحق المطلقة نصف الصداق.
-يجب أن يكون الشخص الذي أوقع الطلاق هو الزوج، لأن النص القانوني ينص على أنه يلزم كل “مطلق” وهو الزوج [2] لذلك فلا تحصل المرأة على أي تمتيع في حالة التطليق القضائي، وفي حالة التمليك، وكذلك في حالة الخلع.
ولكن في حالة الطلاق الاتفاقي هل تستحق الزوجة المتعة؟

يذهب جانب من الفقه المغربي [3] إلى أنه يجب أن يكون طلاق الزوج اختياريا وبرغبته المنفردة حتى تستحق الزوجة المتعة, غير أنه ليس هناك ما يمنع الزوجين من الاتفاق على المتعة أو إسقاطها، مادام المشرع منح للزوجين حرية الاتفاق على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية بشروط قد تمتد إلى أجرة الرضاع، إذا كانت المطلقة ترضع        ولدها، وأجرة الحضانة نظرا للأعمال التي تقوم بها نحو الأطفال.

2-إقامة الزوجة أثناء دعوى الطلاق
وهي من التدبير المؤقتة التي نص عليها المشرع المغربي في المادة 121 من مدونة الأسرة ذلك انه” في حالة عرض النزاع على القضاء, وتعذر المساكنة بينهما, للمحكمة أن تتخذ التدابير المؤقتة التي تراها مناسبة بالنسبة للزوجة والأطفال تلقائيا أو بناء على  طلب, وذلك في انتظار صدور الحكم في الموضوع, بما فيها اختيار السكن مع احد الأقارب, أو أقارب الزوج, وتنفذ تلك التدابير فورا على الأصل عن طريق النيابة العامة”

فعندما يحدث النزاع بين الزوجين، وتتعذر المساكنة بينهما أثناء جريان الدعوى، يكون من مصلحة الزوجين أن يتم الاتفاق على تعين المكان الذي تقيم فيه الزوجة أثناء سريان الدعوى, وعند الاقتضاء النفقة, لأن الزوج ملزم بأن ينفق على زوجته أثناء الدعوى سواء كانت تقيم معه أو تقيم عند أحد أقاربها [4].

3- سكنى ونفقة الزوجة المطلقة
أخذ المشرع بمبدأ اعتداد المرأة ببيت الزوجية، حيث تمكث فيه حتى تنتهي عدتها، ولما كان الطلاق الاتفاقي وفق مقتضيات مدونة الأسرة طلاقا بائنا حيث نصت في المادة 123 على أن “كل طلاق أوقعه الزوج, فهو رجعي,إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل البناء والطلاق بالاتفاق والخلع والمملك”.
فإن للزوجة المطلقة بائنا الحق في: السكنى والنفقة إذا كانت حاملا إلى حين وضع حملها وإذا لم تكن حاملا السكنى دون النفقة خلال فترة عدتها [5].

وبهذا يمكن للزوجين الاتفاق على مسكن الزوجة ومبلغ النفقة عند العدة، وإن كانت إقامتها خلال مدة العدة في غير بيت الزوجية لا يعني أن تستقر الزوجة المطلقة في أي مكان، بل يجب أن يكون هذا البيت ملائم للمرأة ويترجم الوضعية المالية للزوج. وإذا تعذر تهيئ هذا السكن للزوجة بالاتفاق[6], فإن المحكمة تتدخل لتحديد تكاليف السكن في مبلغ يعكس الوضعية المالية للزوج، وفي جميع الحالات فإن المشرع لم يميز بين العدة في الطلاق الرجعي أو البائن في مسألة سكنى المعتد، حيث يطبق نفس الأحكام[7].

وكما يحق للمرأة أن تبرأ الزوج من النفقة بعد اتفاقهما فإنه يمكن أن يتفقا على نفقة الزوجة المطلقة على زوجها السابق، مادام أن المشرع المغربي يكرس فلسفة المساواة بين الزوجين في قانون الأسرة، وانسجاما مع بعض التشريعات الغربية التي تقرر اتفاق الزوجين على إعطاء أحد الزوجين للآخر بعد الطلاق نفقة شهرية, إذا كان هذا الأخير في وضعية لا يتوفر فيها على مورد معيشي وذلك من باب التكافل الاجتماعي، مما يحقق لنا مساواة فعلية بين الزوجين عند انحلال الرابطة الزوجية, وبالتالي منح لإرادة الزوجين الحق في الاتفاق حول كل ما يتعلق بهما، ما عدا إذا تعلق الأمر بمصلحة الطفل الفضلى.

وان كان القانوني البلجيكي يلزم الزوجين على أن يتم النص في متن الاتفاق الأولي إلى كيفية دفع التكاليف وحدد مشتملات تكلفة المسطرة[8],  ويشتمل عقد الاتفاق لزاما تنظيما دقيقا للآثار المرتبطة بشخص الزوجين.

ولأن النفقة بين الأزواج من أكثر الآثار حساسية وإثارة للمشاكل عقب الطلاق لذلك تولى لهذه النقطة أهمية كبيرة في متن الاتفاق حيث يتراضى الطرفين على كيفية النفقة ومقدارها وكيفية أدائها. خاصة في الحالات التي لا يتوفر فيها أحد الطرفين على أي دخل قار كما قد يتفق الطرفين على ألا يستحق أي منهما أي نفقة تجاه الآخر وهذا هو الملاحظ في أغلب الاتفاقات.

و تحظى الحقوق الإرثية[9], بنصيبها من التنظيم إذ يتفق الطرفين على نصيب كل منهما في حالة موت أحدهما أثناء سريان المسطرة، ويمكنها الاتفاق على ألا يرث أحدهما الآخر وإن كان غالبا ما يتم الاتفاق على الحل الأخير الذي يبدأ في السريان بمجرد إيداع الاتفاق, وهو نتيجة منطقية لانفصال الرابطة الزوجية فتعود حقوق المتوفى لأبنائه أو الأشخاص المعنيين في وصيته.

كما ينص القانون على ضرورة تعيين محل إقامتهما في متن الاتفاق ليتسنى للمحكمة استدعائهما ولكي يظلا منفصلين خلال سريان المسطرة، وفي حالة تغيير محل الإقامة فلابد من إعلام المحكمة بمقر الإقامة الجديد ذلك أن الطرفين لازال في حكم الزوجين إلى ما قبل صدور الحكم, فيكون من حق كل طرف معرفة محل إقامة الطرف الآخر.

حيث يعكس الاتفاق الأولي المبرم بين الزوجين إرادتهما المشتركة في تنظيم الآثار المترتبة عن طلاقهما بعد اقتناعهما المتبادل باستحالة الاستمرار في علاقة زوجية    عادية، فيعملان بذلك على تأطير الآثار المرتبطة بهما كزوجين مطلقين كذا بأطفالهما عند الاقتضاء.

يتضح إذا أن المشرع البلجيكي نظم وبشكل دقيق الطلاق الاتفاقي فمنح حرية مطلقة للزوجين في اتفاقهما، وإن كانت حريتهما تبقى مقيدة بمدى مراعاة الاتفاق لمصالح الأطفال في حال وجودهما.
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1] – الآية 236 من سورة البقرة.
[2] – عبد الكبير العلوي المدغري،  المرأة بين أحكام النفقة والدعوة إلى التغيير 1420 – 1999 ص 192.
[3] راجع في هذا الصدد احمد الخمليشي “التعليق على قانون الأحوال الشخصية ‘الجزء الأول الزواج والطلاق الطبعة الثانية 1987 و إدريس الفاخوري” الأحوال الشخصية الزواج والطلاق” مرجع سابق ص 284.
[4] – محمد بن المعجوز أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، مطبعة النجاح الطبعة الثانية سنة 1990 ص 299.
[5] – محمد الكشور، أحكام الحضانة دراسة في الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة، الطبعة الأولى 2004 ص 140.
[6] – كان هذا الموضوع يطرح أهم المشاكل الناتجة عن انفصام الرابطة الزوجية في ظل غياب نص قانوني منظم لسكن المطلقة الحاضنة، في مدونة الأحوال الشخصية، وإذا كلن بقاء المطلقة رجعيا، أثناء فترة عدتها في مسكن الزوجية لم يكن يثير أي أشكال باعتباره من حقوقها الشرعية، فإن استمرار الحاضنة رفقة محضونها في شغل بيت الزوجية بعد العدة، كان يشكل معاناة للمرأة المغربية وقد استجابت مدونة الأسرة لمطالب المجتمع المدني والسياسي و اعتبرت تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة كما نصت على عدم إفراغ المحضون من بيت الزوجية إلا بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون م 168.
[7] – محمد الأزهر، شرح مدونة الأسرة، أحكام الزواج، منشورات فضاءات قانونية 2004 ص 143.
[8] – والتي يندرج في إطارها :
1-مصاريف تحرير الاتفاق عند الموثق، يضاف إليها مصاريف تعيين الخبير العقاري الذي يقوم بجرد وتقييم ممتلكات الزوجين في حالة الاتفاق على الاستعانة به.
2-مصاريف تكميلية وتشمل الطوابع البريدية وتسجيل الاتفاق ومختلف الوثائق الإضافية كعقود الحالة المدنية…
3-مصاريف إيداع الاتفاق في المحكمة.
4-مصاريف تختلف حسب الحالات كترجمة الوثائق أو عقد الزواج في حالة إبرامه خارج بلجيكا.
[9] – للإشارة أنه لا مجال للحديث عن الحقوق الإرثية عند الطلاق الاتفاقي بين المغاربة لأنه يتعارض وبشكل مطلق مع النظام العام المغربي الإسلامي.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.