التطليق للشقاق: التعليق على الأحكام

التعليق على الأحكام
أ‌- التطليق للشقاق
الشقاق في اللغة هو الخلاف وغلبة العداوة فهي من شاقة مشاقة وشقاقا أي خالفه وهي العداوة بين الطرفين والخلاف [1]
وأصله من الشق وهو الجنب فكان كل واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه وقيل إن الشقاق مأخوذ من فعل ما يشق على صاحبه [2]
وفي الاصطلاح الشرعي فإن أغلب من حده وعرفه الفقهاء والمفسرين يذكرونه باعتباره سببا للتفريق بين الزوجين فكأنهم اقتصروا هنا على المعنى اللغوي.
قال الإمام الرازي عند شرحه لقوله الحق سبحانه وتعالى:{ وإن خفتم شقاق بينهما”[3] في تأويل الشقاق معنيان هما:” أن كل واحد منهما يفعل ما يشق على صاحبه والثاني أن كل واحد منهما صار في شق بالعداوة والمباينة “[4]
وعرفه الشيخ رشيد رضا في تفسير  المنار بأنه:” هو الخلاف الذي يكون به كل من المختلفين في شق أي جانب [5] وفي توضيح معنى الشقاق أشار وهبة الزحيلي إلى أن:” معناه ينصرف إلى كل ما يعكر صفو العلاقة الزوجية من خلافات او هو النزاع الشديد بسبب الطعن في الكرامة ” [6] ونفس المعنى ذكره الإمام القرطبي في جامعه وحاصلة أن كل واحد من الزوجين ياخذ شقا غير شق صاحبه أي ناحية غير ناحية صاحبه [7]

وقيل في معناه أيضا إن الشقاق يتجلى في كون الزوجين في حالة من الخلاف والعداوة وحرص كل واحد منهما على فعل ما يشق على نفس صاحبه معا يتنافى وما يجب أن يكون عليه الزوجان من سكن على منهما إلى الآخر وتبادل المودة والرحمة
وإن كنا نميل إلى تعريف الشقاق بأنه الخلاف المستحكم بين الزوجين إما بلفظ يقتضيه أو بفعل يتضمنه يخول لكل واحد منهما رفع النزاع أمام القضاء لإزالة ومعالجة أسبابه أو لفك عرى العلاقة الزوجية بسببه [8] . وللتطليق للشقاق حكما راعاها المشرع ، ذلك ان الخلاف المستحكم بين الزوجين قد تكون أثاره وخيمة على الزوجين والأبناء وعليه يمكن إجمال حكم تشريع التفريق للشقاق فيما يلي:”
1-      وضع حد لحالة القلق والاضطراب الذي تعيشه الأسرة
2-      حماية الأبناء من النشأة في بيئة يسودها القلق وعدم التفاهم
3-      انتفاء بقاء بسبب استمرار العلاقة الزوجية [9]
4-      حماية المجتمع بصفة عامة من تأثير استمرار العلاقة الزوجية من كانت يسودها الشقاق والخلاف المستحكم
5-      إعطاء فرصة للمتفارقين لبناء حياة أسرية أخرى على أسس من الرحمة والمودة والتفاهم [10]

ليس كل نزاع يعتبر شقاقا يستدعي تحكيم الحكمين فقهاء المذاهب وضعوا ضوابط لتحديد الشقاق المبرر للتطليق فالشقاق عند المالكية لا يكون إلا إذا اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث حكمين [11]
أما الشافعية فمدهبهم يختزله الإمام الشافعي حين قال ما نصه:” فلما اشتبه حالهما فلم يفعل الرجل الصلح ولا الفرقة ، ولا المرأة تأديه الحق ولا كفدية وصار القول والفعل إلى ما لا يحصل لهما ولا يحسن تماديا بعت الإمام حكما من أهله وحكما من أهلها “[12]
أما الحنابلة فقالوا لا يبعث الحكمان للإصلاح أو التفريق إلا إذا تمادى الشر واستفحل ففي مغنى ابن قدامة ما لفظه:” إن تمادى الشر بينهما وخيف الشقاق عليهما والعصيان بحث الحاكم حكما من اهله وحكما من أهلها فنظر بينهما ما يريان من جمع أو تفريق “[13]
وأهمية دور الحكمين تظهر في قضية الصلح والسداد بين الزوجين ولهذا اشترط فقهاء الإسلام شروط خاصة فيمن يترشح لمهمة الحكمة وقد عولت المدونة على دوهما سواء تعلق الأمر بالطلاق أو التطليق.

بمراجعة النصوص المعقودة لبيان دور الحكمين وهي المواد 95 و 96 و 97 من المدونة يمكن اختصار دور الحكمين واللذين لا يحتاجان في انتدابهما إلى حكم تمهيدي فيما يلي:” 1-بذل أقصى الجهد من أجل استقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين.

2- محاولة التوفيق والسداد بين الزوجين بأي وسيلة يريانتها مفيدة في ذلك
إذا نجح الحكمين في مهمتهما وجب تحرير مضمونه في ثلاث نسخ يذيل بتوقيع كل واحد منهما فضلا عن توقيع الزوجين ويرفع التقرير إلى المحكمة ليوضع بالملف موضوع طلب التطليق للشقاق ليتم الإشهاد على وقوع الصلح، أما في حالة فشل الصلح وجب تضمين ذلك من لدن الحكمين في التقرير او مشفاهة أمام المحكمة مع بيان مسؤولية كل واحد من الزوجين.

وفي حالة اختلاف الحكمين في تحديد مسؤولية كل واحد من الزوجين فإن المحكمة بمقدورها إجراء بحث إضافي بجميع الوسائل المجدية التي تراها ملائمة في هذا الشأن وبعد ذلك تحرر المحكمة محضر بذلك وتحكم بالتطليق بسبب الشقاق وبمستحقات الزوجة والأطفال في حالة وجودهم [14] كما يمكن أن تحكم بالتعويض لفائدة من تضرر من الزوجين بناء على طلبه في نفس الحكم مع أدائه الرسوم القضائية عن طلبه ، وعند الحكم بالتعويض فإن المحكمة تراعي في تقديره مدى مسؤولية المتسبب منهما في الفراق وذلك تبعا لما يلي:
1-إذا كان سبب النزاع كله من الزوجة
2-إذا كانت رجحت كفة الإساءة الاكثر من طرف الزوجة
3-إذا كان سبب النزاع والمسيء كلها أو أكثرها من الزوج
4-إذا كان سبب النزاع متبادلا بينهما حيث يسيء كل واحد منهما للآخر
5- إذا لم يعرف المتسبب في النزاع هل الزوج ام الزوجة

ويجب على المحكمة ان تحكم بالتطليق متى ثبت لها تعذر الإصلاح بين الزوجين داخل أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب
كما أتاح المشرع للزوجين اللجوء إلى مسطرة الشقاق في حالة إخلال أحدهما بالواجبات المترتبة عن ميثاق الزوجية، كما يمكن التطليق للشقاق إذا عجزت الزوجة على إثبات الضرر، وكذلك في حالة إصرار الزوجة على طلب الخلع ورفض الزوج ذلك، يضاف إلى ذلك رفض الزوجة الرجوع إلى بيت الزوجية وفي الأخير إصرار الزوج على التعدد ورفض الزوجة.

ويعتبر تطليق الشقاق من أهم ما جاءت به مدونة الأسرة المغربية حيث يمكن وقوعه دون مبرر مقنع ولأسباب تافهة وهو يعتبر متنفس للمرأة المغربية خصوصا أن المشرع نص على ضرورة حصول المرأة او الرجل حسب رافع الدعوى على حكم نهائي داخل أجل ستة أشهر وهو شيء وإن كانت جل المحاكم تحرص على التزام به يضل شيء صعب المنال وعندما سألنا عن السبب اجابنا سيد محمد جباري رئيس المحكمة الابتدائية بمدينة مكناس أن الأمر عائد بالأساس إلى كثرة الملفات وقلة الأطر، هذا من جهة ومن جهة  أخرى لاحظنا إغفال القاضي بالمحكمة الابتدائية بخنيفرة بعض الطلبات التي يتقدم بها الأطراف حيث لم يقم القاضي بالحكم للمدعية في ملف رقم 357/03/5 حكم رقم 956 بالتعويض عن الضرر الذي لحقها من جراء سوء معاملة الزوج لها وربما هذا الاجتهاد من سيد القاضي الذي لم يلاحظ ما يدفعه للحكم للمدعية بالتعويض لعدم وجود أي أضرار، اما في باقي الإجراءات الأخرى من تعين حكمين لإصلاح ذات البين وعرض الملف على النيابة العامة من أجل تقديم ملتمساتها فإننا لم نلاحظ عليها أي اجتهاد حيث اكتفى سادة القضاة بتطبيق القانون وإعمال نصوص المواد في الأخير تشير إلى أن تطليق الشقاق وإن كان حاليا يعتبر أكثر استهلاكا فإنه في سنة 2004 2005 لم يكن معروفا ومفهوما بالشكل الذي يسمح باللجوء إليه وعليه فإن الأحكام الصادرة في تطليق للشقاق خلال هذه السنة كانت جدا قليلة مقارنة مع السنوات التي تلتها وكذلك مع الأحكام الصادرة في الطلاق الخلعي.
الخطبة والزواج
_________________________
[1] – ابن منظور ” لسان العرب” مادة ش، الطبعة الأولى، بدون تاريخ، الجزء 12 ، مطبعة دار المعارف بدون سنة، ص 272
[2] الأصفهاني ” مفردات غريب القرآن” الطبعة الأولى ، مطبعة دار الفكر ، 1977 ص  264.
[3] – سورة النساء، الآية 35.
[4] – رشيد رضا ” تفسير المنار” الطبعة الثالثة، مطبعة المنار، مصر 1997 ، ص 92.
[5] – وهبة الزحيلي  ” الفقه الإسلامي وأدلته ” الطبعة الثانية مطبعة دار الفكر 1998 ص  527.
[6] – القرطبي ” الجامع لأحكام القرآن ، الطبعة الثالثة بدون تاريخ، مطبعة الفكر بدون سنة ، ص 175
[7] – انظر المرجع أعلاه ص  178
[8] عادل حميدي” التطليق للشقاق وإشكلاته ” الطبعة الاولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ، 2008 ص  32.
[9] – أحمد حسن طه” مدى حرية الزوجين في التفرقة  القضائية ” الطبعة الأولى مطبعة دار الحكمة لبنان ، 1993 ص 83.
[10] – أحمد حسن طه ” مرجع سابق، ص 179.
[11] – مواهب الجليل:” شرح مختصر جليل ” الطبعة الثالثة، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء ، 1992 ص  16.
[12] – مواهب الجليل:” شرح مختصر جليل ” مرجع سابق، ص 19
[13] – بن قدامة ” المغنى لابن قدامة ” الطبعة الأولى دار الفكر بيروت، 1983 ص  48 وما بعدها
[14] – راجع المواد 83 و 84 و85 من مدونة الأسرة

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.