التطليق للضرر والطلاق للضرر

ب- التطليق للضرر
يتمثل الضرر في سوء المعاشرة وفي إساءة الرجل إلى زوجته بما يجعل استمرار الحياة الزوجية متعذرا وهو إما أن يكون ضررا ماديا باستعمال العنف أو معنويا كالسب والشتم أو إكراهها على فعل ما حرمه الله كما يتمثل في الضرر الناتج عن سلوك الزوج المشين أو المخل بالأخلاق الحميدة الذي يسيء إلى الزوجة. وقد حدد الدردير مفهوم الضرر الصادر عن الزوج لزوجته فقال: هو ما لا يجوز شرعا كهجرها بلا موجب شرع وضربها كذلك وسبها وسب أبيها بمثل ما يقع من رعاع الناس”[1]

كما بين الشيخ التسولي اوجه الضرر بقوله: بضرب أو شتن في غير حق أو تجويع او عدم كلام او تحويل وجهه عنها في فراشه كما في المتيطية قال مالك: وليس عندنا في قلة الضرر وكترته شيء معروف “[2] .

ويذهب الفقه الحنفي والشافعي إلى عدم الأخذ بالتفريق للشقاق أو الضرر لأن الضرر يمكن إصلاحه عن طريق وعظ الزوج او تحذيره أما الفقه المالكي والحنبلي فيقول:” إذا ادعت الزوجة الإضرار بها من طرف الزوج وبينت الأمر للقاضي باعتراف الزوج او بالبينة وكان الضرر مما يتعذر معه دوام العشرة وعجز القاضي عن الإصلاح بينهما ورفض الزوج تسريحها فإنه يطلقها منه طلقة بائنة ” ّ[3] والسند الشرعي للطلاق بسبب الضرر يتمثل في قوله تعالى:” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان “[4]

ويتم إثبات الضرر بكل وسائل الإثبات الممكنة كالقرائن وشهادة الشهود الذين يتم الاستماع إليهم من طرف المحكمة كما يثبت بكل وسائل التحقيق التي تراها المحكمة مفيدة في إجراءات البحث والمعاينة والخبرة وللمحكمة سلطة تقديرية في تقييم الأدلة والحجج المعروضة عليها. فعلى التي ترفع دعوى التطليق للضرر ان تثبت الضرر الذي لقحها وهو أمر ليس بالهين لأن الأضرار التي قد يلحقها من السب وشتم والهجر ” المعاشرة الزوجية” لا يستطيع أن يطلع عليها أحد لأنها تقع داخل بيت الزوجية وقد ذهب القضاء المغربي إلى انه لا تقبل شهادة السماع لإثبات أضرار الزوجية إلا إذا شهد الشهود بأنهم سماعا فاشيا أن الزوج يضر بزوجته بأنواع الضرر من غير ذنب جنته [5].

والحقيقة أن سماع ما يدور داخل البيوت فيه مساس بخصوصية الأفراد ومهما يكن تضل الزوجة ملزمة بإثبات حصول الضرر والذي يحول دون دوام العشرة وإذا لم تستطع إثباته وأصرت على طلب التطليق في هذه الحالة يمكنها اللجوء إلى الشقاق.

وللضرر عدة أنواع يمكن إجمالها فيما يلي: الضرب المبرح عدم الإنفاق الحبس لمدة طويلة ، والغياب الطويل الذي يحرم الزوجة من حقوقها الزوجية الإساءة البالغة للأولاد العجز الجنسي ، سوء السمعة والذي من شأنه أن يسبب تجرؤ الآخرين على شرف الزوجة والأولاد أو ينال من اعتبارهم ومروءتهم وكذلك السلوك الإجرامي الذي يسبب تعرض حرمة البيت للتفتيش المستمر وانتهاك حرمته [6] وقد منح المشرع المغربي للقاضي تقدير حدود الضرر وقدره، وذلك في حالة الحكم بالتطليق حيث تقوم المحكمة في نفس الحكم بتحديد مبلغ التعويض المستحق عن الضرر ويراعي في تقديره مدى جسامة صورته وخطورته ومدى تأثيره في طلب التطليق [7] وتجدر الإشارة إلى أن التعويض عن الضرر لا يدخل ضمن مستحقات الأخرى التي يمكن الحكم بها نتيجة الطلاق او التطليق كما أن المحكمة لا تحكم بهذا التعويض تلقائيا بل يتعين على المتضرر المطالبة به إما بمقال مكثوب أو بتصريح أمام المحكمة وتقدير قيمة التعويض موكول إلى سلطة المحكمة التي تراعي في تحديد مدى الضرر الحاصل وتأثيره على شخص المطلقة هذا إضافة إلى مستحقاتها الأطفال .

ومما سبق نلاحظ أن مدونة الأسرة المغربية قد عملت على تنظيم طلاق للضرر في المواد الممتدة من المادة 99 إلى المادة 101 وكثير من نساء كن يلجأن إليها حتى يتجنبن دفع البدل اللازم عليهن إن هن لجأن إلى الخلع، لكن الملاحظ أن القضاء غالبا ما كان يرفض تطليق الزوجة من زوجها في دعاوي التطليق للضرر نظرا لصعوبة إثبات الضرر حيث لا تحوز المرأة غالبا على دليل يتبث ادعاؤها خصوصا إذا كان الضرر الذي تعاني منه هو ضرر معنوي وبالتالي فهو ضرر صعب الإثبات، ولهذا أصبحنا نلاحظ عزوف جزئي للزوجات عن اللجوء إلى طلاق الضرر بعد أن تبين لهن أنه من الصعب إثباته من جهة ومن جهة أخرى نلاحظ أن المدونة الجديدة جاءت بإجراء شبه مضمون لحصول الزوجة على حريتها وهو يتمثل في التطليق للشقاق وما يثبت صحة ادعائنا هو أنه لم نستطع الحصول سوى على حكم واحد متعلق بالضرر صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس [8]
الخطبة والزواج
____________________________________________

[1] عبدالكريم شهبون ” الشافي في شرح مدونة الأسرة ” مرجع سابق، ص 256.
[2] – عبدالكريم شهبون ” الشافي في شرح مدونة الأسرة ” مرجع سابق، ص 257
[3] عبدالكريم شهبون ” الشافي في شرح مدونة الأسرة ” مرجع سابق، ص 256
[4] ” سورة البقرة ، الآية 227
[5] – انظر قرار المجلس الأعلى عدد 2546 بتاريخ 20 مارس 1984 منشورة بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 37 و 38 ص 129
[6] عبد الهادي حمدان ” الطلاق للضرر” منتدى الاستشارات القانونية وطول القضايا القانونية .
[7] عبدالكريم شهبون ” الشافي في شرح مدونة الأسرة ” مرجع سابق، ص 259
[8] حكم رقم 2012 بتاريخ 05 – 7- 2005 ملف رقم 1062/ 2003/ 5 صادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.