أسباب التهرب الضريبي: الأسباب القانونية والإقتصادية

ثانيا: أسباب التهرب الضريبي
بقدر تعدد المتهربين من الضريبة والمجالات التي يقع فيها التهرب، بقدر ما تتعدد الأسباب والعوامل المؤدية إلى ذلك .

1– الأسباب التقنية والقانونية:
يتميز النظام الضريبي بحكم طبيعته التقنية بالتعقيد، كما أن عدم الاستقرار الذي يعرفه النظام الضريبي المغربي والتعديلات المتكررة[1] التي تتضمنها القوانين المالية كل سنة تجعل النصوص الجبائية يصعب فهمها واستيعابها، والإلمام بفحواها بل يصعب حتى على رجل الضرائب والقضاء نفسه تتبع التعديلات التي تلحق بها وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه للتهرب من دفع الضرائب المستحقة .

كما أن عدم التشدد في فرض الجزاء على التهرب الضريبي، لا يردع الملزم الذي يوازن بين الجزاء الذي يتعرض له وبين قيمة الضريبة في حال رجحان الضريبة على الجزاء[2] .

فإذا كانت نسبة التحصيل الجبائي بالمغرب تتحسن في السنوات الأخيرة من 100.5 مليار درهم إلى 108.3 مليار درهم سنة 2006 . التحصيل الجبائي بالمغرب تتحسن في السنوات الأخيرة في 100.5 مليار درهم سنة 2005 إلى 108.3 مليار درهم في 2006، فإن الواقع العملي بين العجز عن القيام بتدابير حقيقية لزجر نصف التصريحات المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة و60 % من الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات التي تصرح بكونها في عجز مستمر، ونعلم أن جل الشركات لها محاسبة خاصة داخلية وفي المقابل لها محاسبة تقدمها للمصالح الضريبية[3] .

كما أن الإصلاحات التي عرفتها الإدارة الجبائية لم تتضمن الاهتمام بالموارد البشرية والمادية بالصورة الكافية، مما انعكس سلبا على الأدوار التي تقوم بها الإدارة[4]، خاصة في ظل ضعف تكوين أغلب موظفي الضرائب في مجال المعلوميات، فهكذا يجد مفتش الضريبة نفسه أمام ملفات ضخمة يكون عليه دراستها، ومتابعة الإجراءات الخاصة بفرض الضرائب على أصحابها أو تصحيح الأخطاء المادية المرتكبة في هذا المجال[5] .

هذا زيادة على كثرة الشواهد الإدارية التي ينبغي له تحريرها، وتسليمها إلى أصحابها كما هو الشأن في قسم الوعاء الجبائي، بحيث هناك فسيفساء من الشواهد كشهادة عدم الملكية، شهادة الدخل، رقم المعاملات واللائحة طويلة، هذا إلى جانب تلقي التصريحات الجبائية ووضع إحصاء لأرقام المعاملات ومداخيل الأرباح، وأحيانا قد يطلب منهم التحقيق في بعض الملفات التي هي من اختصاص مصلحة التحقيقات.

أمام هذا الزخم من المهام لا يمكن إلا أن نكون أمام ضعف المراقبة والكفاءة والنزاهة لدى أجهزة التحقيق والتحصيل مما يسهل عمليات التهرب الضريبي[6]. خاصة إذا علمنا أن معرفة الدخول الحقيقية دخول الملزمين بشكل دقيق ضروري لضمان السير العادي للضريبة وإعادة بناء عدالة ضريبية، يتطلب ليس فقط أن يكون التصريح بالدخول يعكس الواقع بل وجود مراقبة ضريبية فعالة للمحاسبة لتحقيق هذه الغاية[7] .

وكما قال [8]Pazqualini:” المحاسبة لغة لها رموز لا يمكن فهمها إلا بضبط هذه الرموز واحترامها فقط بطريقة مقدسة بل أيضا واضحة ومعقلنة تسهل ولوج المعلومات ومعرفتها معرفة دقيقة، مما يجعل فعالية ويقينية المعلومة رهين بتكوين شامل ودقيق بالمادة الضريبية ” .

وفي ظل العدد الضئيل للمحققين الذي تعرفه خلايا التحقيق « les brigades de vérification »، إذ تضم حوالي 300 محقق فقط على الصعيد الوطني مجزأة ما بين 4 و5 محققين لكل خلية، يبلغ عدد هذه الخلايا حوالي 70 خلية مكلفون بالمقاولات الخاضعة لنظام المحاسبة، باستثناء الخلية الوطنية التي تضم ما يفوق 20 محققا[9] .

مقارنة مع تونس التي بلغ عدد المستخدمين “personnel” المخصصين للقيام بعمليات مراقبة المحاسبة “opérations de contrôle de comptabilité” سنة 1999 فقط حوالي 550 مراقب / محقق[10] .

ولممارسة مهامهم – وإذا استثنينا ولاية الدار البيضاء التي يتمركز بها أغلب المحققين- نجد العمالات والأقاليم الأخرى تعرف خصاصا كبيرا على مستوى عدد المحققين، وكمثال على ذلك فمثلا: مصلحة التحقيق بمكناس مكلفة بمراقبة المقاولات المتواجدة بالخميسات، الراشدية، أرفود، ونظيرتها باكادير يمتد اختصاصها مناطق الجنوب، والخلية المتواجدة بفاس ملزمة بالتنقل إلى كل من تازة، الحسيمة وصفرو.

فأمام كل هذه الإكراهات يسهل معها التفكير بعواقب كل هذه الوضعية والإكراه الذي تسببه خاصة بالنسبة للمحققين من خسارة للإدارة الضريبية.

كما أن وجود أجهزة متخصصة في الإدارة الضريبية ومتعددة لا يكفي لحسن تنفيذ السياسة الضريبية، بل يجب بموازاة مع ذلك تدعيمها بمجموعة من الوسائل المادية لتحقيق المردودية المتوخاة، إذ أن إدارة الضرائب لا تتوفر على الوسائل المادية اللازمة للقيام بعملية الإحصاء التي تناط بها على رأس كل سنة، بحيث أن أغلبية الموظفين يقومون بالمهام المنوطة بهم بإمكانياتهم الخاصة ( السيارة، البنزين ) دون مساعدة من الجهات المسؤولة[11].

2- الأسباب الاقتصادية والاجتماعية
يساهم الموقف الاقتصادي للملزم في تحديد موقفة من الضريبة[12]، إذ كلما زاد سعر الضريبة كلما ازدادت محاولات الغش، فضعف مدخول الملزم وكثرة مصاريفه تدفعانه إلى التملص الضريبي .

إن تزايد الاقتصاد غير المهيكل  يجبر المؤسسات المنظمة أو التي تمارس أنشطة بطرق قانونية إلى ممارسة الغش الضريبي، وذلك لأن منتجات أو خدمات المؤسسات غير المنظمة لها أثمنة أقل من أثمنة القطاع المنظم وهذا طبيعي لأنها لا تتحمل تكاليف كالضرائب وهذا قد يجعل المؤسسات المنظمة تقدم محاسبة زائفة تمارس الغش الضريبي ويجعلها الدولة تفقد مداخيل ضريبية هائلة[13] .

وهذا ما يقودنا إلى تأييد رأي المدير العام للضرائب الذي قال بأن القطاع غير المهيكل ” هو وسيلة لاسترداد الضريبة “[14]، ويمكن اعتباره كاحتجاج على عدم تضريب القطاعات الموازية أو الاقتصاد غير المنظم .

ونشير إلى أن ارتفاع الضغط الضريبي على فئات معينة يؤدي إلى عدم التصريح لدى الإدارة الجبائية وهو سبب مركزي لانتشار هذا القطاع، ويعتبر ارتفاع الضغط الضريبي من بين العوامل التي تدفع بالمواطنين إلى التهرب من دفع الضرائب، فمؤشر الضغط الجبائي في ارتفاع مستمر، فبعدما كانت لا تتجاوز 11 % سنة 1961 ورغم تطور الأزمة المالية آنذاك[15]، و20 % ما بين سنتي 1981 – 1985 .

ليرتفع غضون السنوات اللاحقة إذ بلغ 23.1 % سنة 1990[16]، و21.8 % سنة 2002 إلى 24.1 % سنة 2005، لينخفض إلى 21.5% سنة 2006[17]، وهذا ما يؤثر على تنافسية المقاولات واستهلاك الأسر المغربية .

هذا إلى جانب إحساس الملزم بالضعف تجاه الدولة ماسكة وسائل الإكراه وشعوره بأنه لا يحصل على أي شيء مقابل ما يؤديه كضريبة، كما أن ضعف المستوى الخلقي وعدم انتشار الوعي الضريبي فسرقة الإدارة الجبائية بالنسبة لبعض المواطنين لا تعتبر سرقة، بل أكثر من ذلك ينظر البعض للمتهرب من أداء الضريبة على أنه سارق شريف، لأنه لا يسرق سوى الدولة وهي شخصية اعتبارية ويستغل الفرصة للحفاظ على أمواله[18] .

أضف إلى ذلك انعدام الثقة بسياسة الإنفاق العام، فلاشك أن لطريقة إنفاق حصيلة الضرائب تأثيرا على نفسية ممولي التكاليف العامة، حيث إذا كانت الأموال تصرف في وجوه يستفيد منها الملزم فإنه يشعر بالراحة والاطمئنان فيدفع الضريبة عن طيب خاطر[19].

ومن الثابت أن عدم المساواة في تطبيق الضرائب تضعف الثقة العامة بعدالة الضريبة وتكون من دواعي التهرب الضريبي، ذلك أن الملزم بأداء الضريبة عندما يلاحظ أوجه الحيف الاجتماعي[20] الذي تتضمنه الضرائب يحاول التهرب من واجبه متى سنحت له الفرصة بذلك .

وفضلا عن الملزم، تتحمل الإدارة قسطا كبيرا في دفع الملزم إلى التملص من دفع الضريبة، إلى عوضا أن تكون عاملا إيجابيا وفعالا في مجال تحديد الأوعية الضريبة وتوعية المواطنين، وتنظيم الرقابة بفعالية نجدها تعاني من خصاص كمي وكيفي ورغم الجهود المبذولة فإنها لا تساير تزايد عدد الملزمين من أشخاص معنويين وذاتيين[21] .

وخلاصة القول، فإن هذه الأسباب كلما اجتمعت وتعاظمت في البلد الواحد إلا وانعكس ذلك على حجم التهرب الضريبي وعلى حجم الخسارة المالية للخزينة.
الفقرة الأولى: واقع وأسباب التهرب الضريبي
المطلب الثاني: التهرب في النظام الضريبي المغربي
المبحث الأول: مفهوم التهرب الضريبي وإشكالية محاربته
الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
___________________________________________________
[1] – اليوسي عبدالله، “ظاهرة التهرب الضريبي بين المقترب القانوني والسوسيو لوجي” ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط ، 2002-2003 ص 16.
[2]- عبد الفتاح بلخال،” الضرائب في المغرب”، الجزء الأول، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2009، ص: 43 .
[3] – مدني حميدوش، “الإرهاصات الأولى لعملية الإصلاح الضريبي “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد 75،
يوليوز -غشت ، 2007 ص 130.
[4] – اليوسي عبدالله ،” ظاهرة التهرب الضريبي بين المقترب القانوني والسوسيولوجي” ، م س ، ص 17
[5] – مولاي الحسن تمازي، “مصير ثقافة المواطنة … “، م س ، ص: 73.
[6] – عبد الفتاح بلخال، “الضرائب المباشرة”، م س ، ص: 43.
[7] – Ahmed El Allali, « les dispositions fiscales et comptables marocaines permettent elles une assiette fiscale sincère et efficace”, Revue marocaine d’administration locale et developpement , n° 80 , mai – juin 2008, p: 193.
[8]- Ibid, p: 197 .
[9] – Azzeddine Laghmari , “contrôle fiscale: Modalités méthodes et procédures”, Impression Okad El Jadida , mars 2004, p:10.
[10] -Ibid .
[11] -مولاي الحسن تمازي،” مصير ثقافة المواطنة … “، م س ، ص: 72.
[12] – M.Aboulhassan, « le fraude fiscale au Maroc », op.cit, p : 16.
[13]-Ibid, p : 17.
[14] – حوار مع برنامج المجلة Magazine، في القناة الثانية بتاريخ 27 مارس 2000 .
[15] – أديب عبدالسلام،” الإصلاح الجبائي التنمية في المغرب”، رسالة لنيل بلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، 1994 ص : 41.
[16] – Mohamed Abdou Mouigni , “Essai sur la politique fiscale marocaine d’iniciation au développement” , mémoire pour l’obtention du diplôme d’études supérieurs en droit public ( DES), université Mohamed V, Faculté des sciences juridiques économiques et sociales , Rabat 1994 – 1995 p :33.
[17]- Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2006, p : 15 .
[18] – أديب محمد عالي، ” مقاربة تفسيرية لظاهرة التملص الجبائي على الصعيد المحلي “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد37 مارس – أبريل 2001 ، ص : 86.
[19] – عبد الفتاح بلخال،”الضرائب المباشرة”، م س ، ص: 42.
[20] – التهامي القائدي ، “لماذا التهرب أو التملص الجزئي من أداء الضرائب “، مجلة البحوث 2008، ص : 13.
[21] – أديبا محمد عالي، “مقاربة تفسيرية لظاهرة التملص الجبائي على الصعيد المحلي “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد، 37 مارس- أبريل 2001 ، ص : 86.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.