الدور الاقتصادي للضريبة

الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية
إن التنمية الاقتصادية الحقيقية لا تتحقق بفعل الصدفة، ولكن نتيجة سياسة ملائمة ومحددة تعتمد توجهات ودراسات متخصصة لطبيعة هذه التنمية، وفي هذا الإطار لم تعد الجباية أداة لتأمين تسديد فحسب ولكن وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية مما يعمق انعكاس التهرب من الضريبة على النمو الاقتصادي.

كما أن تفاعل الجباية في واقعية الاقتصاد يجعلها تؤثر وتتأثر بالنظام الاقتصادي المتبع وفق علاقة جدلية، وبالتالي فإن أي خلل يعتري النظام الضريبي ينعكس على السياسة الاقتصادية ويؤثر بالتالي على الأنشطة الاقتصادية ( المبحث الأول ).

الشيء الذي يستدعي البحث عن وسائل فعالة وملائمة لمحاربة هذه الآفة وذلك من خلال دعم وتفعيل دور القضاء في القضاء على هذه الظاهرة خاصة وان للقضاء دور جد مهم في حماية الاستثمار ( المبحث الثاني ).

المبحث الأول: الآثار الاقتصادية للتهرب الضريبي
يرتبط الاقتطاع الضريبي ارتباطا وثيقا بالهياكل الاقتصادية للدولة وبدرجة نموها، فالاقتطاع الضريبي إذا ما تجاوز حدا معينا أصبح سببا من أسباب الركود الاقتصادي (المطلب الأول ).

وذلك نظرا لكونه يمس بروح المبادرة الحرة خاصة في الدول النامية كالمغرب التي تتسم بضعف الادخار وتعميق التفاوت في الدخول والثروات مما يؤدي إلى التمايز بين قطاعات الإنتاج والتأثير على مستوى الاستثمار ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول: التهرب الضريبي وآثاره على النمو الاقتصادي
تعد الضرائب من أهم الموارد الاقتصادية التي تعتمد عليها الدولة في تغطية نفقاتها وعليه يكتسي تحصيلها أهمية بالغة، خاصة وأنها تعتبر مصدرا هاما في تمويل الخزينة العمومية ولكن ما يواجهها هو انصراف بعض المكلفين عن تأدية واجبهم وامتناعهم عن دفع الضريبة وهو ما ينعكس على التنمية الاقتصادية.

وهكذا، أصبحت الضريبة مصدرا مهما للتمويل وأداة ناجعة لتشجيع الأنشطة الاقتصادية وآلية للتأثير على دخول الطبقات. غير أن الأهمية والدور الرئيسي للضريبة في التوجيه الاقتصادي قد تجعل منه ظاهرة التهرب الضريبي بوصلة تخطئ الدولة الطريق الاقتصادي المنشود ( الفقرة الأولى ).

كما أن انعكاس التهرب الضريبي من شأنه أن يحدث اضطرابا في النظام الذي يضعه المشرع لتوزيع الأعباء العامة على الممولين ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: آثار التهرب على السياسة التوجيهية للاقتصاد
يقول الأستاذ لوفنبرجير”Laufenberger”  أن:” علم الضرائب يعتبر مرآة تنعكس عليه البينة الاقتصادية للدولة، فكلما كان الاقتصاد ضعيفا وبسيطا كان النظام الجبائي بدائيا والعكس صحيح “[1]

ومما لا جدال فيه أن للعوامل الاقتصادية أثرها الهام على انتشار التملص الضريبي، هذه الظاهرة التي تهدد كيان المجتمع جميع المستويات -اقتصاديا ، اجتماعيا وماليا –  لكونها تشكل عائقا كبيرا بالنسبة للخزينة العامة للدولة في حصولها على الموارد بغرض تمويل وتغطية نفقاتها.

أولا: الدور الاقتصادي للضريبة:
إذا كانت الضريبة قديما من حيث الممارسة ومن حيث كونها أداة في يد الدولة لتغطية أعبائها، فإن اللجوء إليها كأداة للسياسة الاقتصادية يعتبر حديثا نسبيا، إذ يعود إلى التحول الحاصل في طبيعة مهام الدولة من كونها حيادية إلى متدخلة في الحياة الاقتصادية.

وهكذا فإن الدور الاقتصادي للجباية يتجسد أساسا بالنسبة للدول المتخلفة في الإنعاش والتحفيز على الاستثمارات، رغم أن الدول ذات الاستراتيجية الوسيطة[2] للتنمية لا تعطي لسياسة التحفيز إلا مكانة ثانوية في إطار عملية تحريك النشاط الاقتصادي، لأن الاستثمارات الأساسية تتحملها الدولة، وبالمقابل فإن الدول المختلفة ذات التوجه الليبرالي كالمغرب ، تضع آ مالا كبيرة في إجراءات التشجيع من أجل تنمية الاستثمارات الخاصة والتي تعتبرها – الدولة- أساسية في مجهودات البناء الاقتصادي الوطني ومنه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.

هذه التنمية تتم في إطار مسلمة ثلاثية:
* التقدم الاجتماعي ناتج عن التطور الاقتصادي ؛
* التطور الاقتصادي ناتج عن نمو الناتج الوطني الاجمالي ؛
* نسبية نمو الناتج الوطني الاجمالي ناتجة عن نسبة تراكم الرأسمال.

وهو ما سيجعل الجباية في خدمة التراكم – حسب ـJ.Percebois – وهذا التراكم لا يمكن تحقيقه بدون دعم الاستثمار.

فنهج سياسة ثنائية التدخل الجبائي والتنمية تستدعي أولا الانطلاق من توضيح أي شكل من السياسة الجبائية في خدمة أي شكل من التنمية. مع أن الكتاب اختلفوا في تحديد الهدف الأساسي للضريبة حيث يرى البعض  مثل جير، لوفير، برجرو وتروتابا، أنها وسيلة لتغطية نفقات الدولة التي لا يجوز عبرها التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلا أن البعض مثل ” [3]P.M Gaudemet” يرى أن للضريبة دورا ماليا وآخر اجتماعيا واقتصاديا، إلا أن قسما آخر من المفكرين مثل” Fontaneau” يؤكد على أن الدور الأساسي للضريبة ليس ماليا بل اقتصاديا.

خاصة وأن للضريبة جانب اقتصادي هام يمكن تلخيصه فيما يلي:
– المساهمة  في تغطية النفقات العامة ؛
– تعتبر إحدى أدوات السياسات المالية التي تعتمد عليها الدولة في تحقيق أهدافها ومنها [4]:
* تحقيق الاستقرار الاقتصادي ؛
* تشجيع الأنشطة الاقتصادية عن طريق التقليل من نسبة الضريبة المفروضة على القطاعات المعنية بممارسة هذه الأنشطة، وقد تلجأ الدولة أحيانا إلى إعفاء هذه القطاعات من دفع الضريبة[5] ؛
* حماية القطاعات المحلية وتشجيع الاستهلاك الوطني ويتم ذلك عن طريق زيادة الضرائب الجمركية على السلع المستوردة.

هذا في ظل تفاعل متبادل، إذ أن الهيكل الضريبي بدوره يتأثر بعدد من المحددات الاقتصادية، وهكذا نجد أن الهيكل الضريبي يتأثر من جهة بالإنتاجية الاقتصادية، ومن جهة أخرى بأسلوب الإنتاج وهذا التوجه قد أكد عليه “موريس لوري”[6]. فالجباية في هذا الإطار تقوم على العناصر الاقتصادية التي تستقر عليها والتي تشكل المادة الخاضعة للضريبة، فطبيعة وأهمية هذه العناصر تحدد أشكال وحدود الاقتطاعات الممكنة ، كما أن التنمية الاقتصادية تضاعف من وجود المادة الخاضعة للضريبة وتجعلها أكثر تنوعا.

وتبعا لذلك، فكلما ارتفع الدخل الوطني وازداد عدد المكلفين بالضريبة كلما  خضع قسما من هذه الموارد للضريبة على الدخل، كما أن مردودية الضرائب على الإنفاق تتزايد عقب تضاعف المبادلات وارتفاع القيمة المضافة للمنتوجات المتبادلة.

كما ان التهرب الضريبي يؤثر على التخطيط الاقتصادي الذي يهدف إلى الرقي والتنمية، كما أنه يصبح سبيلا من سبل التضليل وتشويه الحقائق وتقديم معلومات خاطئة حول النشاط الذي يقوم به الملزم بالضريبة وأحيانا يلجأ إلى تغيير طبيعة المواد المستعملة في الإنتاج عبر عدة آليات كالتظاهر بالخسارة، أو قد يتجه الملزم إلى أنشطة اقتصادية تعرف إعفاءات ضريبية أو انخفاضا في الأسعار الضريبية مما سيعيق الوسيلة الجبائية لدى الدولة كأداة لتوجيه الاقتصاد الوطني[7].

فالتهرب الضريبي إذن، له تأثير سلبي على الاقتطاعات الضريبية التي تحتل مكانة هامة بالنسبة لمداخيل الميزانية العامة[8] ويبقى عائقا يحول دون تحقيق الدور الذي تقوم به الضريبة، نظرا لإفشاله كل أساليب إعادة التوازن الاقتصادي فمثلا نجد الحالة التي تتميز بها الدورة الاقتصادية بالتضخم إذ يكون الطلب أكثر من العرض وهنا تقوم الدولة إما بالرفع من الأسعار أو بالزيادة في ثمن المنتوجات أو عن طريق فرض ضرائب أخرى جديدة أو رفع سعر الضرائب القديمة من أجل امتصاص القوة الشرائية للملزمين.

كل هذا إذا ما كان مقرونا بالتهرب الضريبي، فلن يؤدي إلا إلى الزيادة في حدة الأزمة الاقتصادية، لأن الملزم حينما يتهرب من الضريبة ترتفع قدرته المالية ومن ثمة الإبقاء على قاعدة الطلب يفوق العرض.

ويبقى التهرب الضريبي، كرد فعل على الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الملزم ويرى في الإمساك عن تقديم واجباته الضريبية إلى الإدارة الجبائية حقا مشروعا مادام ذلك يحافظ على توازناته المعيشية.
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
________________________
[1] – الصديق جعوان ،” إشكالية التهرب الضريبي في المغرب” ، م س ، ص: 60.
[2] – امحمد اقزيبر ، “موقع الاستثمار داخل السياسة الجبائية بالمغرب….” ، م س ، ص 7
[3]- Gaudemet P.M et Moliner. J, “Finance Publiques”,op.cit,p: 92.
[4] – عيسى بولخوخ ،” الرقابة الجبائية كأداة لمحاربة التهرب والغش الضريبي”، م س ، ص: 52.
[5]-  وهكذا فبموجب قانون مالية 2009 نظم المشرع إعفاءات في إطار يبين على الشركات إلى  إعفاءات دائمة كوكا لات  الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ثم إعفاءات متبوعة بفرض دائم للضريبة بسعر مخفض مثل المنشات المصدرة للمنتجات أو الخدمات التي تحقق في السنة رقم أعمال حين التصدير فيما يخص مجموع رقم الأعمال والتي تعفي من مجموع الضريبة على الشركات طوال مدة خمس سنوات متتالية من السنة المحاسبية التي أنجزت خلالها عملية التصدير الأولى.
[6] -أديب عبدالسلام ، “السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية”، افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1998، ص: 15.
[7] – أحمد حليبة ، “التهرب الضريبي وانعكاساته على التنمية بالمغرب ” ، م س ، ص: 124.
[8] – أحمد انميلي ، “التهرب الضريبي الداخلي والدولي”، م س ، ص: 75.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.