مخططات التوجيه والتنمية والمجالس الجماعية

مساهمة الجماعات المحلية في دراسة وإعداد وثائق التعمير – الفقرة الثانية:
ثانيا: مساهمة المجالس الجماعية في إعداد ودراسة باقي وثائق التعمير
ب- مساهمة الجماعات المحلية على مستوى وثائق التعمير التي جاء بها مشروع القانون 04.04 المتعلق بالسكنى والتعمير
لقد خص مشروع القانون 04.04 المتعلق بالسكنى والتعمير الجماعات التي يقل عدد سكانها أو يساوي 25000 نسمة أو المكونة من سكن متفرق بأحكام خاصة في ميدان التخطيط العمراني، حيث أكدت هذه الأحكام على وضع مخططات التوجيه والتنمية وكذا تصميم توجيه التعمير. فأي حضور للمجالس الجماعية في إعدادها ودراستها والمصادقة عليها؟

1- على مستوى مخططات التوجيه والتنمية
تنص المادة 12 من مشروع القانون على ما يلي:
“يحال مشروع مخطط التوجيه والتنمية، قبل الموافقة عليه إلى المجلس الجماعي المعني قصد دراسته”.

وللمجلس المشار إليه أعلاه أن يبدي، داخل أجل شهرين يبتدئ من تاريخ إحالة المخطط إليه، ما يراه في شأنه من اقتراحات تتولى وكالة التعمير أو عند الاقتضاء الإدارة المختصة دراستها.
وإذا لم يبد المجلس المذكور أي رأي داخل الأجل المنصوص عليه أعلاه، فإن سكونه يحمل على أن ليس لديه أي اقتراح في الموضوع.

فإذا كان واضعو المشروع يرومون تبسيط مساطر إعداد هذا النوع من التصاميم والمصادقة عليه، فإنه على مستوى الجماعات الحضرية والقروية يظهر أنه ليس ثمة رغبة واضحة في إعطاء مفهوم مساهمة الجماعات مدلولها الحقيقي، أضف إلى ذلك إلى أن صياغة المادة 12 في هذا الشأن جاءت غامضة. فما المقصود من دراسة المجلس لمشروع مخطط التوجيه والتنمية قبل الموافقة عليه؟ فهل إبداء الرأي بشأنه أم إدخال الاقتراحات والتعديلات التي يراها مناسبة وإذا كان الأمر كذلك ما هي القيمة القانونية لهذه الدراسة؟ ولعل ما يزيد من تضييق دائرة الاستشارة عدم إخضاع المخطط المذكور للبحث العمومي طالما أنه يمكن أن تترتب عنه آثار قانونية بالنسبة للخواص.

ومن الملاحظات التي تؤاخذ على المشروع كذلك في هذا الصدد عدم تبنيه لصيغة واضحة تحدد بشكل دقيق الجهة التي لها صلاحية الموافقة على المخطط على غرار ما تم اعتماده بالنسبة لتصميم التعمير. كما نشير في هذا الإطار إلى غياب التنصيص على إمكانية تحديد مدة سريان المخطط في الحالات التي لا تبرز فيها معطيات تستوجب إعادة إعداده بعد انصرام آجاله.

فمن خلال الوقوف على المادة 11 من المشروع يتبين بالواضح الإقصاء التام للمجالس الجماعية في وضع المخطط ([1])، الأمر الذي قد يفهم معه تراجع عن دعم مسلسل اللامركزية الترابية على حساب تقوية عدم التركيز واللامركزية المرفقية. فإلى أي حد استطاع واضعو المشروع أن يجدوا للمجالس الجماعية موقعا على مستوى تصميم توجيه التعمير؟

2- على مستوى تصميم توجيه التعمير
تنص المادة 15 من مشروع القانون على وجوب وضع تصميم لتوجيه التعمير لكل منطقة من المناطق المحددة لهذا الغرض في مخطط التوجيه والتنمية.

وفي حالة عدم وجود هذا المخطط تحدد المناطق الواجب أن يشملها تصميم توجيه التعمير من لدن وكالات التعمير أو الإدارة المختصة، عند الاقتضاء، بعد استطلاع رأي المجلس الجماعي المعني. لعل ما يمكن استنتاجه هو غياب تدخل المجلس الجماعي في الحالات التي تكون فيها المنطقة مغطاة بمخطط للتوجيه والتنمية، حيث غياب استطلاع رأي المجلس بشأنه، إضافة إلى غياب البحث العمومي مما يفهم معه من خلال قراءة المادة 18 منه على أن وكالات التعمير هي الجهة الوحيدة التي تعود لها صلاحية وضع تصميم توجيه التعمير دون غيرها.

هذا وقد أشارت المادة 19 إلى إحالة المشروع على المجلس الجماعي قبل الموافقة قصد دراسته، الأمر الذي يجعلنا نتبنى نفس الأسئلة التي سبق طرحها في هذا الشأن حول مخطط التوجيه والتنمية، فيما يخص المقصود من الدراسة. إلا أن الفقرة الثانية من المادة 19 عكس مخطط التوجيه والتنمية قد أشارت إلى إبداء المجلس اقتراحاته داخل أجل شهر يبتدئ من تاريخ إحالة التصميم إليه، هذه الاقتراحات التي تتولى دراستها وكالات التعمير أو عند الاقتضاء الإدارة المختصة، لتعود بذلك مشروعية طرح السؤال من جديد حول الجدوى من هذه الاستشارة وحول قيمتها القانونية أو بتعبير أصح أثرها على مسلسل إصدار الوثيقة المعنية.

وثائق التعميرويتميز مشروع توجيه التعمير كذلك – عكس المخطط –  بإخضاعه للبحث مدة شهر مع إعطاء المجلس الحق في استشارة ثانية في حالة تقديم ملاحظات أثناء البحث. إلا أن ما يعاب على واضعي المشروع في هذا الصدد هو عدم التنصيص على عرض مشروع توجيه التعمير على أنظار اللجنة المحلية المنصوص عليها في المادة 5 من المرسوم التطبيقي للقانون 12-90 الأمر الذي من شأنه أن يحرم مجموعة من المصالح الخارجية والمؤسسات العمومية المعنية من دراسة التصميم وإبداء رأيها بشأنه.

وعموما يظهر أن فلسفة واضعي المشروع تتغيى تقويض مشاركة الجماعات المحلية في ميدان التخطيط العمراني على حساب تقوية إدارات عدم التركيز وكذا الوكالات الحضرية إيمانا منهم بعدم توفر الشروط الكافية والموضوعية للامركزية التعمير.

من خلال ما سبق، يتبين ضعف حضور الجماعات المحلية على مستوى التخطيط العمراني، هذا الضعف الذي سوف نتساءل عن وجوده من عدمه على مستوى هيآت اللامركزية المرفقية المتدخلة في ميدان التخطيط العمراني وخصوصا منها الوكالات الحضرية. هذا المولود التعميري الذي يطرح بشأنه أكثر من سؤال، فهل هو أسلوب جديد لرد الاعتبار للدولة في هذا الميدان؟ أم عربون على فشل التجربة الجماعية في هذا الصدد؟ أم فترة انتقالية اقتضتها طبيعة المرحلة؟ ذلك ما سيتم التطرق له في النقطة الموالية من هذا البحث.
المبحث الثاني: مدى لامركزية التخطيط العمراني بالمغرب
الفصل الأول: دور المتدخلين العموميين في ميدان التخطيط العمراني
القسم الأول: واقع التدخل العمومي في ميدان التعمير
التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب
____________________________________________
[1] لقد كان حضور المجالس الجماعية أكثر وضوحا في هذا الصدد على مستوى مشروع قانون تأهيل العمران، حيث نصت مادته 31 على وضع مشروع المخطط المرجعي للتجمعات العمرانية الصغرى من طرف الإدارة بطلب من الجماعات المعنية وبمشاركة منها.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.