التدخل العمومي في إحداث التجزئات العقارية: الإذن بالتجزيئ والتسلم

إن التدخل العمومي في مجال التجزئة العقارية يأتي من باب جعل سياسة التخطيط تنبني على أسس واقعية. فلقد سبق لوزير التجهيز الفرنسي شلاندرو M. Chalandro أن صرح بمناسبة اليوم العالمي للتعمير سنة 1970 بأن “العدو الرئيسي للتعمير هو الملكية الخاصة للسطح” حيث يجب على سياسة التعمير أن تعمل على جعل حد لهذه السلبية وفرض القيود على الحرية في التعامل مع المجال والتحكم في السطح عن طريق التعرف عليه ومراقبة السوق العقارية([1]). فكيف يمكن رصد هذا التدخل على مستوى […]
التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب
القسم الأول: واقع التدخل العمومي في ميدان التعمير
الفصل الثاني: مظاهر التدخل العمومي على مستوى التعمير العملياتي
المبحث الأول: أهم مظاهر التدخل العمومي في ميدان التدبير العمراني بالمغرب
المطلب الأول: مظاهر التدخل العمومي في مجال التجزئة العقارية:
الفقرة الثانية: تجليات التدخل العمومي في إحداث التجزئات العقارية
[…] العقارية([1]). فكيف يمكن رصد هذا التدخل على مستوى الإذن بالتجزيء (أولا) وأشغال التجهيز (ثانيا) باعتبارهما محطتين أساسيتين لإحداث التجزئة العقارية؟

أولا: على مستوى الإذن بالتجزيء.
إن إرادة تنظيم ومراقبة نمو التجمعات لا يمكن تحقيقها إذا لم يتم تزويد الإدارة بسلطة مراقبة عمليات تقسيم وبناء الأراضي داخل المناطق المعمرة أو القابلة للتعمير. ذلك أنه إذا لم يتم مراقبة هذه العمليات، فإنها ستؤدي إلى خلق ونمو أحياء السكن غير القانوني. كما أن هاته التجزئات سوف تحد من المجهودات التشريعية والتنظيمية التي تبذلها السلطات العمومية في حالة عدم تأطيرها أو إخضاعها للرقابة الإدارية ([2]). ولعل هاته الفلسفة هي التي تحكمت في المشرع الذي ألزم ضرورة الحصول على الإذن ([3]) قبل القيام بأية عملية تجزيء، طالما أن التجزئة العقارية تتدخل فيها عدة اعتبارات تتعلق إما بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة، فالمصلحة العامة تتحقق بتفادي العشوائية في البناء والتحكم في اتساع العمران مع ما يتطلبه ذلك من ارتفاقات تستجيب لما تقتضيه متطلبات الأمن العام والصحة والمرور والمتطلبات الجمالية وتكوين مساحات احتياطية تخصص للتجهيزات الجماعية والمنشآت ذات المصلحة العامة([4]). أما المصلحة الخاصة فتتحقق من خلال ضمان حقوق المتعاملين وحمايتهم من الغش أو التدليس.

إن الهيئة الإدارية التي تعود لها صلاحية تسليم الإذن بالتجزيء هي رئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية التي يوجد مشروع التجزئة بحيزها الترابي. لكن في الحالة التي يكون فيها العقار المراد تجزئته يوجد في جماعتين أو عدة جماعات، يسلم الإذن وزير الداخلية أو الوالي أو العامل المعني الذي يفوض إليه مباشرة ذلك بعد استطلاع رأي رؤساء مجالس الجماعات الحضرية والقروية المعنية([5]).

هذا وتجدر الإشارة إلى أن المرسوم التطبيقي للقانون 25.90 ([6]) يقضي في مادته الأولى بأن صاحب الشأن ملزم بإيداع طلب الإذن في القيام بالتجزئة بمقر الجماعة التابع لها موقع التجزئة المراد القيام بها أو بمقر الولاية أو العمالة أو الإقليم إذا كانت التجزئة تقع باثنين أو أكثر من الجماعات([7]).

وإذا كانت الأغراض المخصصة لها الأراضي محددة في تصميم التنطيق أو تصميم التهيئة أو تصميم التنمية، فإن سكوت الإدارة يعتبر بمثابة الإذن في القيام بالتجزئة عند انصرام أجل ثلاثة أشهر من تاريخ طلب إحداثها، إلا أن واضعي مشروع قانون تأهيل العمران قد اقترحوا أجل الشهرين فقط.

أما المشرع الفرنسي فقد حدد المدة في ثلاثة أشهر كيفما كان عدد بقع التجزئة وذلك بمقتضى مرسوم 30 أكتوبر 1987 الذي عدل المادة R315-19 من مدونة التعمير. إلا أنه أجاز استثناء تمديد هذا الأجل إلى خمسة أشهر إذا تعلق الأمر بالتجزئات التي يستوجب إحداثها بحثا علنيا أو رأي لجنة وطنية أو استشارة السلطة أو اللجن التي تحدد أجلا يفوق شهرا للإدلاء برأيها([8]).

ومن ثمة يبدو أن حفاظ المشرع على الرخصة الضمنية يعتبر أمرا إيجابيا، طالما أن ذلك يجعل الإدارة تدرس المشاريع بشكل جدي وفي أقرب الآجال حتى لا تحرم نفسها من إمكانية إدخال بعض التعديلات التي تساير توجهها على المشروع على اعتبار أن موافقتها الضمنية المشار إليها سلفا تعطي الضوء الأخضر للمجزئ لإنجاز المشروع كما قدم.

وفي غياب حصر دقيق للمتدخلين في الإذن بالتجزئة العقارية سواء على مستوى قانون 25.90 أم مرسومه التطبيقي جاءت الدورية الوزيرية عدد 1500/2000([9]) لتشير في هذا الصدد إلى لجنة تتكون من :
–          مهندس معماري يمثل الوكالة الحضرية ([10])؛
–          مستشار جماعي مسؤول عن مصلحة التصميم بمعية مهندس معماري يعمل بالجماعة أو تقني عند عدم وجود هذا الأخير؛
–          ممثل عن القسم التقني للعمالة أو الإقليم المعني.

ويجب على هذه اللجنة أن تضيف إلى تشكلتها ممثلا عن كل مصلحة إدارية معنية بدراسة المشروع تطبيقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.

إن أهمية التجزئة العقارية تستوجب تدخل المشرع  لتحديد أعضاء اللجنة التي تناط بها مهمة دراسة مشروع التجزئة، حيث نقترح في هذا الصدد أن تضم اللجنة وجوبا جميع الأعضاء الذين تتألف منهم لجنة التسلم المؤقت للأشغال المنصوص عليها في الفصل 16 من المرسوم التطبيقي للقانون 25.90،  طالما أن الدور الأساسي لهذه اللجنة يتجلى في التأكد من أن أشغال التهيئة وإعداد الأرض للبناء والصرف الصحي قد تم إنجازها وفق ما ينص عليه المشروع الذي صدر الإذن في شأنه.

وإذا كان المشرع لم يحدد بالنسبة لرخصة البناء أي شرط ذا طابع عقاري لقبول طلبها ولا لتسليمها، فإن القانون المنظم للتجزئات اعتبر شرط تحفيظ التجزئة واجبا للحصول على الإذن بالتجزيء([11])، الأمر الذي قد يقيد الإذن بتجزيء عدة أراضي مع العلم أن الإدارة تظل ملزمة بتعليل قراراتها في حالة رفض الإذن بالتجزيء.

ويسقط الإذن بالتجزيء سواء صريحا أم ضمنيا إذا انقضت ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ تسليمه، حيث تعد هذه الوسيلة آلية من آليات الضبط التي تمكن المتدخلين في هذا الشأن من محاربة المضاربة العقارية من جهة والحفاظ على البيئة وحماية المشهد العمراني من جهة أخرى.([12])

ويستنتج من خلال قراءة المادة 51 من مشروع قانون تأهيل العمران أنه قد تم اقتراح تقليص المدة إلى سنتين فقط بدل ثلاث سنوات مع فتح إمكانية تمديد صلاحية الإذن لمدة لا تتجاوز السنة بناء على طلب معلل يدلي به صاحب الشأن.

ويبدو أن المشرع الفرنسي كان أكثر صرامة بها الخصوص حيث أوجب بداية الأشغال داخل أجل 18 شهرا الموالية لتاريخ تبليغ المجزئ بقرار الترخيص وذلك تحت طائلة بطلان القرار([13])، بل إن المشرع التونسي قد ذهب أبعد من ذلك عندما اشترط سنة كحد أقصى للشروع في الأشغال.([14])

ثانيا: سلطات الإدارة في تتبع ومراقبة أشغال تجهيز التجزئة العقارية([15])
لقد ألزم المشرع المجزئ بالتصريح بأشغال التجهيز المنصوص عليها في مشروع التجزئة للسلطة المختصة بتسليم الإذن في التجزئة، وبعد هذا التصريح تخضع التجزئة العقارية للمراقبة والتحقق من مدى تنفيذ المجزئ لالتزاماته، وذلك عبر مرحلتين تتجلى الأولى في التسلم المؤقت (أ) في حين تتمثل الثانية في التسلم النهائي (ب).

أ‌- على مستوى التسلم المؤقت لأشغال تجهيز التجزئة العقارية
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 23 من قانون 25.90 السالف الذكر يظهر أن الغاية من التسلم المؤقت هو التحقق من أن أشغال التهيئة وإعداد الأرض للبناء والصرف الصحي قد تم إنجازها وفق ما ينص عليه المشروع الذي صدر الإذن في شأنه. هذا ويجب أن يتم التسلم المؤقت داخل أجل الخمسة وأربعين يوما الموالية للتصريح بانتهاء أشغال التجهيز .([16])

ويتولى التسلم المؤقت لجنة تتألف مما يلي:
–          ممثل مجلس الجماعة رئيسا؛
–          المهندس المعماري المزاول عمله في الجماعة أو المهندس المعماري للعمالة أو الإقليم؛
–          المهندس المزاول عمله في الجماعة أو مهندس العمالة أو الإقليم؛
–          ممثل السلطة الإدارية؛
–          ممثل المصالح الخارجية للتعمير أو إذا كانت التجزئة تقع بدائرة اختصاص وكالة حضرية ممثل هذه الوكالة؛
–          ممثل مصالح المحافظة على الأملاك العقارية وأشغال المسح الطبوغرافي المعنية؛
–          ممثل الوزارة المكلفة بالأشغال العمومية إذا تعلق الأمر بتجزئة مجاورة للملك العام البحري أو طرق المواصلات البرية غير الجماعية؛
–          ممثل المكتب الوطني للبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية عندما تكون التجزئة متصلة بالشبكة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية؛
–          ممثل المصالح الجهوية لوزارة الشؤون الثقافية عندما يكون للتجزئة تأثير على المباني التاريخية والمواقع الطبيعية المرتبة أو المقيدة الواقعة بالقرب منها.([17])

ويحرر بعد انتهاء الاجتماع إما محضر التسلم المؤقت للأشغال وإما وثيقة المعاينة تثبت عدم مطابقة الأشغال المنجزة لما تنص عليه المستندات الموافق عليها.

وتنص الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون 25.90 على أنه إذا لم يقم صاحب التجزئة، وداخل الأجل المحدد منها، بعد تبليغه وثيقة إثبات الحالة المعاينة بتسوية الوضعية القائمة بتغيير أو إزالة بعض المنشآت أو إنجاز أشغال تكميلية، يكون للسلطة المحلية أن تقوم تلقائيا على نفقة مالك الأرض بهدم المنشآت القائمة بصورة غير قانونية أو بإنجاز المنشآت اللازمة.

إلا أن الملاحظ على مستوى الممارسة أن الفقرة المذكورة تكاد تكون قد ولدت ميتة طالما أن اللجنة في الغالب الأعم من الحالات لا تلزم المعني بالأمر بآجال محددة، كما أن السلطة المحلية كذلك لا تتدخل لإنجاز الأشغال.
كما تجدر الإشارة كذلك إلى الخروقات الكثيرة التي يتم ارتكابها من قبل الإدارات المتدخلة في هذا الشأن، حيث غالبا ما يتم التسلم المؤقت لأشغال التجهيز رغم عدم إتمام الأشغال بحجة تبسيط المساطر وتسريعها ([18])، الأمر الذي يترتب عنه عدم إنجاز الأشغال المتبقية وبالتالي تشويه المشهد الحضري والعمراني.
هذا ونضيف في هذا الشأن التصرفات غير القانونية التي يقوم بها مجموعة من رؤساء المجالس الجماعية والمتمثلة في تسليم شهادة التسلم المؤقت رغم عدم موافقة بعض المصالح المكونة للجنة المذكورة، رغم أن القانون لا يتحدث إطلاقا عن شهادة للتسلم المؤقت بل على محضر للتسلم المؤقت كما يتبين ذلك من خلال منطوق المادة 35 من قانون 25.90.

وهنا لا تفوتنا الفرصة كذلك دون تحميل المسؤولية لبعض العدول والموثقين والمحافظين على الأملاك العقارية ومأموري إدارة التسجيل الذين يحررون ويتلقون العقود المتعلقة بعمليات البيع والإيجار والقسمة بناء على شهادة مسلمة من رئيس المجلس الجماعي، دون التأكد من مدى وجود نسخة مشهود بمطابقتها للأصل من محضر التسلم المؤقت كما تقر بذلك المادة 35 السالف ذكرها.

إن هذه الخروقات وغيرها أدت إلى إفراز مجال يفتقد إلى الحد الأدنى من المعايير المتعارف عليها في ميدان التعمير، مما نتج عنه ما اصطلحت على تسميته بالتعمير غير القانوني المرخص. إن الآثار القانونية المترتبة على محضر التسلم المؤقت لأشغال تجهيز التجزئة العقارية والمتمثلة أساسا في تفتيت العقار إلى رسوم فردية وإبراء ذمة المجزئ وتحرير التجزئة عن طريق السماح للمجزئ بالبيع والإيجار والقسمة يجعل هذه العملية تشكل بدون منازع أهم مرحلة في مسلسل التجزئة. إلا أن هذا لا ينفي كذلك أهمية التسلم النهائي في هذا الصدد.

ب‌- على مستوى التسلم النهائي لأشغال تجهيز التجزئة العقارية
يعد التسلم النهائي لأشغال تجهيز التجزئة العقارية إجراء لاحقا ومكملا للتسلم المؤقت يهدف إلى التحقق من أن الطرق ومختلف الشبكات لا يشوبها أي عيب، حيث إن اللجنة التي تتولى التسلم المؤقت هي نفسها التي تقوم بالتسلم النهائي وذلك بعد مضي سنة من تحرير محضر التسلم المؤقت.

إن أهمية عملية التسلم النهائي تتجلى من خلال آثارها القانونية والمتمثلة أساسا في قيام رئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية بتسليم شهادة تثبت أن الطرق ومختلف الشبكات توجد في حالة سليمة وذلك بعد موافقة اللجنة السالف ذكرها، حيث يترتب على تسليم الشهادة المذكورة إلحاق طرق التجزئة وشبكات الماء والمجاري والكهرباء والمساحات غير المبنية المغروسة بالأملاك العامة للجماعة الحضرية أو القروية.
ويكون إلحاق الطرق والشبكات و المساحات المشار إليها أعلاه بالأملاك العامة للجماعة محل محضر يجب قيده باسمها في الصك العقاري الأصلي للعقار موضوع التجزئة، ويباشر هذا القيد مجانا بطلب من الجماعة الحضرية أو القروية التي يعنيها الأمر .([19])

وتعتبر شهادة سلامة التجهيز المسلمة من قبل رئيس المجلس الجماعي إلى المجزئ بمثابة إبراء ذمة صاحب المشروع اتجاه الجماعة([20]). ولعل من مقترحات مشروع قانون تأهيل العمران في هذا الشأن والتي تستحق الوقوف عندها إلزامه بأن يشمل محضر التسلم النهائي الضمانات المقدمة لتأمين ما قد يفرزه التسلم المذكور من عيوب ([21]) ، حيث أن من شأن هذا الاقتراح أن يزيد من الضمانات القانونية الرامية إلى الضغط على المجزئ لاحترام التزاماته.

كما أضاف مشروع القانون المذكور مستجدا يتمثل في اعتبار تصميم التجزئة – بعد التسلم النهائي – وثيقة ملزمة يتعين إدراجها في وثيقة التعمير. لعل من شأن هذا الاقتراح أن يشكل نهجا يروم تفادي الإشكالات التي يطرحها عدم أخذ بعين الاعتبار بعض وثائق التعمير لبعض التجزئات المؤذن بإحداثها، الشيء الذي يطرح عدة مشاكل على مستوى التدبير العمراني عموما ([22])، سيما وأن مجموعة من التجزئات العقارية المأذون بإحداثها لا يتم أخذها بعين الاعتبار من قبل وثائق التعمير التي تعتبر من الناحية القانونية أقوى من الإذن بالتجزيئ لكون المصادقة عليها تتم بمرسوم.

إن عدم إجبار المشرع المجزئ بالقيام بالتسلم النهائي للأشغال تحت طائلة تعرضه لغرامة تهديدية مثلا، يطرح عدة إشكالات على المستوى العملي. فقد أفرزت الممارسة عدة خروقات قانونية ناتجة عن عدم تسلم أشغال تجهيز التجزئة نهائيا، حيث تظل بذلك الطرق والشبكات والمساحات في ملكية المجزئ مما يضعف بالضمانات الكفيلة بالحفاظ على الأملاك الجماعية، إذ نقترح في هذا الصدد جعل محضر التسلم المؤقت لأشغال التجهيز بمثابة شهادة تخول للجماعة تملك الطرق والمرافق الجماعية والفضاءات الخضراء، وذلك تفاديا لما يطرحه عدم قيام الجماعة بالتسلم النهائي من مشاكل في هذا الشأن قد تفقد معه الجماعة ملكية عدة عقارات ([23])، مع وضعه ضمانات مالية يمكن الرجوع إليها في حالة عدم إتمام الأشغال قصد إتمامها([24])، لقد أجاز المشرع التونسي على سبيل المثال في حالة عدم إنجاز أشغال التجهيز كلية في الآجال المحددة وطبقا للمواصفات الفنية المصادق عليها من قبل السلطة المختصة، بعد تنبيه يوجه للمعني بالأمر، استعمال الضمان الذي تنص عليه المادة 64 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير التونسية والمتمثل في كفالة بنكية أو رهن لفائدة الجماعة العمومية المحلية تحدد قيمتها بقرار صادر عن الوالي أو رئيس البلدية على ضوء اختبار تقوم به المصالح الجهوية التابعة للوزارة المكلفة بالتعمير([25]). وفي نفس السياق عرض المشرع الفرنسي المجزئ الذي يضع عراقيل أمام إنجاز الأشغال إلى غرامة تتراوح بين 2000 و25000 فرنك فرنسي. أما في حالة عدم مطابقة الأشغال المنجزة مع قرار الترخيص بالتجزيء فإن المشرع الفرنسي، حسب مقتضيات المادة 4.314 من مدونة التعمير، قد أعطى المجزئ أجلا من شأن عدم الوفاء به أن يعرضه إلى غرامة تتراوح بين 50 و 500 فرنك فرنسي عن كل يوم تأخير ([26]).

هذا وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يكن واضحا في شأن إحداث التجزئات التي لا تنص مشاريعها على القيام بجميع أو بعض الأشغال المقررة في البند الأول من المادة 18 من قانون 25.90، حيث نقترح إضافة فقرة إلى المادة 21 تعتبر الإذن بالتجزيء في هذه الحالة بمثابة التسلم المؤقت والنهائي لأشغال التجزئة التي لا تستوجب القيام بالأشغال. ولعل هذا هو الاتجاه الذي سار عليه واضعو مشروع قانون تأهيل العمران([27]). كما نشير كذلك إلى الصعوبات التي تطرحها مسألة الارتفاقات التي يمكن فرضها على صاحب التجزئة، حيث إن صيغة الجواز التي توحي بها المادة 30 من قانون 25.90 تجعل السلطة التقديرية للجهات المتدخلة في هذا المضمار واسعة، حيث نرى في هذا الصدد ضرورة حد أدنى من المرافق على المجزئ ولما لا التفكير في إلزام المجزئ بإنجاز بعضها مقابل استفادته من إعفاءات ضريبية كصيغة توفيقية من شأنها أن لا تجعل المرافق خاصة الاجتماعية منها المقررة في التجزئة بقعا عارية تترتب عنها في الغالب الأعم من الحالات مشاكل عدة خاصة أمام عجز الدولة عن القيام بواجبها، مما يجعل بعض أصحاب التجزئات يستغلونها ويخصصونها لغرض مختلف دون علم الإدارة المعنية، بل قد يقدمون في بعض الأحيان على بيعها ([28]).

إن موضوع التدخل العمومي في التجزئة العقارية يطرح عدة إشكالات وعوائق تعرقل تأهيل التدبير العمومي لقطاع التعمير وتجعل التفكير في صيغ بديلة أمرا ملحا. وإذا كان الامر كذلك بالنسبة للتجزئة العقارية، فإن الابنية ذاتها لا تخرج عن هذا الإطار.
_______________________________________
[1] الهادي مقداد: السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2000، ص: 118.
[2] M. Belayachi : le contrôle des opérations immobilières : séminaire national : vulgarisation des nouveaux textes législatifs et réglementaires régissant l’urbanisme et l’architecture, direction de l’urbanisme et de l’architecture, Rabat, Octobre 1994 p: 119.
[3] تنص المادة الثانية من قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات على ما يلي: “يتوقف إحداث التجزئات العقارية على الحصول على إذن إداري سابق يتم تسليمه وفق الشروط المنصوص عليها في هذا الباب”.
[4] لقد جاء مشروع قانون تأهيل العمران بمقترح إبجابي في هذا الشأن يروم إضفاء نوع من المرونة على وثيقة التعمير، حيث أتاح في فصله الستين (60) لصاحب التجزئة أن يقترح على الجماعة المعنية تغيير مواقع المرافق العامة المبرمجة ضمن وثيقة التعمير على أن لا يمس ذلك بأراضي الغير ولا بالمعايير والضوابط المعتمدة في هذا الصدد.
[5] المادة الثالثة من قانون 25.90.
[6] المرسوم رقم 2.92.833 صادر في 25 من ربيع الآخر 1414 (12 أكتوبر 1993) لتطبيق القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
[7] لقد جاءت الصيغة التعديلية لهذه المادة في إطار مشروع القانون 04.04 المتعلق بالسكنى والتعمير كما يلي:
“يسلم رئيس المجلس الجماعي الإذن في إحداث التجزئات العقارية المنصوص عليه في المادة 2 أعلاه بعد موافقة وكالة التعمير أو عند الاقتضاء، الإدارة المختصة وذلك وفق الشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي.
وإذا كان العقار المراد تجزئته يوجد في جماعتين أو عدة جماعات، يسلم الإذن وزير الداخلية، أو بتفويض منه، -الوالي أو العامل المعني بالأمر، بعد استطلاع رأي رؤساء المجالس الجماعية المعنية وموافقة وكالة التعمير أو عند الاقتضاء، الإدارة المختصة”. وتظل هذه الصيغة أكثر وضوحا من الصيغة التعديلية التي جاء بها مشروع قانون تأهيل العمران، حيث جاء بصيغة “وبمساعدة الوكالة الحضرية” بدل “بعد موافقة وكالة التعمير” التي نصت عليها المادة الثالثة من الباب الثاني من مشروع 04.04 طالما أن مصطلح “المساعدة” يظل غامضا.
[8] Henri Jacquot : Op, cit, p: 429.
[9] الدورية الوزيرية عدد 1500/2000 المتعلقة بتبسيط مسالك ومساطر دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزءات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
[10] تظل صيغة “مهندس معماري يمثل الوكالة الحضرية” محل نقاش طالما أن المهندس المعماري ليس الوحيد من داخل الوكالة الحضرية الذي يمكنه أن يقوم بهذه المهمة ولذلك اقترح صيغة “ممثل عن الوكالة الحضرية”.
[11] نصت المادة 5 من قانون 25.90 ما يلي:
“لايقبل طلب التجزئة المنصوص عليه في المادة 4 أعلاه إذا كانت الأرض المراد تجزئتها ليست محفظة ولا بصدد التحفيظ ولا يكون الطلب مقبولا إذا تعلق الأمر بأرض بصدد التحفيظ إلا إذا كان الأجل المحدد لتقديم التعرضات على التحفيظ قد انصرم دون تقديم أي تعرض على تحفيظ العقار المراد تجزئته”.
وتجدر الإشارة إلا أنه سيتم الوقوف على هاته النقطة بشيء من التفصيل في إطار القسم الثاني من هذا البحث عند التطرق لآثار الإشكالية العقارية على التدبير العمراني.
[12] يلاحظ على مستوى الممارسة أن الإدارة لا تحترم هذا الشرط تحت عدة درائع قد تكون اجتماعية بالأساس، الأمر الذي أفرز عدم تجزئات يزيد عمرها عن العشر سنوات دون تجهيز بل واعتبر من الأبواب التي تم توظيفها سلبا من طرف بعض التعاونيات والوداديات السكنية لنهب وسلب أموال المستفيدين.
[13] L’article B 315-30 du code de l’urbanisme. Pour plus de détail voir : Henri Jacquot et François Priet: Op, cité, p : 433.
[14] الفصل 27 من قرار وزير التجهيز والإسكان المؤرخ في 19 أكتوبر 1995 المتعلق بضبط الوثائق المكونة لملف التقسيم.
[15] تجدر الإشارة إلى أنه طبقا لمقتضيات المادة 18 من القانون 25-90 فإنه لا يمكن الإذن لأي مشروع تجزئة إلا إذا نص على بعض أشغال التجهيز التي يستوجبها القانون وعلى الأراضي المخصصة للتجهيزات الجماعية التي من شأنها أن تستجيب لمتطلبات وحاجيات سكان التجزئة وهذه التجهيزات هي :
– إقامة الطرق الداخلية ومرافق السيارات؛
– توزيع الماء والكهرباء وصرف المياه والمواد المستعملة؛
– تهيئة المساحات غير المبنية كالمساحات والمناطق الخضراء والملاعب؛
– وصل كل بقعة من بقع التجزئة بمختلف الشبكات الداخلية للتجزئة؛
– وصل الطرق ومختلف الشبكات الداخلية للتجزئة بما يقابلها من الشبكات الرئيسية؛
– إقامة الطرق ووسائل الإيصال الكفيلة بتيسير النفوذ إلى شاطئ البحر إذا كانت الأرض المراد تجزئتها مجاورة للملك العام البحري.
[16] تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون تأهيل العمران يقترح في فقرته الثانية من مادته الخامسة والستين أن يتم التسلم المؤقت داخل أجل خمسة عشر يوما الموالية للتصريح، على أنه إذا لم يتم خلال هذا الأجل أو لم تبد ملاحظات بخصوص التقرير الذي يجب أن يعد من طرف مهندسين معتمدين مكلفين بالمراقبة التقنية، يعتبر التقرير مقبولا والتسلم مكتسبا. فأمام غياب آجال تلزم الإدارة بالدعوة إلى عقد لجنة التسلم المؤقت، فإن هذا الاقتراح من شأنه أن يؤدي إلى تفادي الترهل الإداري المعروف في هذا الصدد وكذا التماطل الذي قد يمارسه بعض رؤساء الجماعات بهذا الخصوص لابتزاز المجزئ.
[17] يعاب على المشرع عدم إدراج مصالح الوقاية المدنية سواء على مستوى دراسة ملفات التدبير العمراني أو على مستوى لجنة التسلم المؤقت قصد استحضار مجموعة من الشروط الوقائية بالتجزئة من قبيل وضع نقط الماء لإطفاء الحريق عند كل 200 متر مربع وعزل نقط إطفاء الحريق عن نقط الماء الصالح للشرب وكذا التفريق ما بين مجاري المياه العادمة ومياه الأمطار إضافة إلى مراعاة تمكن سيارات الإسعاف وسيارات الإطفاء من الدخول إلى مختلف نقط التجزئة. أنظر ملخص لأهم الاقتراحات الجديدة المنبثقة عن المشاورات الجهوية والمحلية بشأن مدونة التعمير، الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالإسكان والتعمير. ص: 4.
[18] وكذلك تحت طائلة توقيع التزام يتعهد من خلاله بإتمام الأشغال فيما بعد، الشيء الذي يشكل خرقا واضحا لمقتضيات المادة 26 من قانون 25.90.
[19] المادة 29 من قانون 25.90 السالف الذكر.
[20] لكن هذه التبرئة لا تسري في مواجهة الأطراف الأخرى التي تعامل معها المجزئ بمن فيهم مشتري البقع الأرضية، حيث أن لهذا الأخير ألحق في الرجوع على المجزئ لمطالبته بالضمان وفقا للقواعد العامة في حالة ظهور عيب موجب للضمان في التجهيزات المقامة. راجع في هذا الصدد محمد المحجوبي: قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية. دار النشر المغربية، الطبعة الأولى، الرباط، 2006، ص:85.
[21] الفقرة الأخيرة من المادة 68 من مشروع قانون تأهيل العمران.
[22] نسوق في هذا الصدد مثال تجزئة الوحدة II الكائنة بجماعة السوالم الطريفية بإقليم سطات، حيث أذن بتجزيئها وسلمت أشغالها مؤقتا على أساس وجود ساحة في الوجهة الخلفية للتجزئة مما أتاح إمكانية استفادة البقع المطلة على الساحة (une place) من واجهتين. إلا أن مشروع تصميم التهيئة بعدما تمت المصادقة عليه سنة 2004 حذف الساحة المذكورة الأمر الذي أضر بحقوق مالكي البقع المجاورة للساحة التي كان ينص عليها المشروع طارحا إشكالا قانونيا مؤداه تناقض مقتضيات تصميم التجزئة المصادق عليه مع تصميم التهيئة المصادق عليه بمرسوم، الأمر الذي جعل الإدارة تقترح إمكانية مباشرة مسطرة قرار تخطيط حدود الطرق العامة قصد نزع ملكية الأرض المجاورة التي خصصها تصميم التهيئة الجديد لمنطقة سكنية وذلك لإحداث طريق تسمح بفتح أصحاب البقع المتضررين نوافذهم على الوجهة الخلفية. إلا أن شح ميزانية الجماعة لم يسعف في ترجمة الاقتراح المذكور، حيث ظل المشكل مطروحا.
[23] أحمد مالكي: التعمير بين إكراهات العقار ومتطلبات التنمية العمرانية. بمناسبة الندوة الوطنية حول “العقار والاستثمار” المنظمة من طرف كلية الحقوق بوجدة يومي 19-20 مايو 2006. الطبعة الأولى، دار النشر الجسور، ص: 291.
[24] لقد ذهب مشروع قانون تأهيل العمران في مادته الثالثة والستين إلى أبعد من ذلك معتبرا أن الإذن بإحداث التجزئة يترتب عليه اعتبار المساحات المخصصة للطرق والمنشآت ذات المصلحة العامة في حكم الأملاك العامة أو الخاصة للدولة أو الجماعات حسب الاقتضاء، على أن يحتفظ المجزئ بحق الانتفاع بها مؤقتا وبدون مقابل إلى حين تهيئتها كما هو مقرر وإلحاقها بهذه الأملاك بصفة نهائية.
[25] المادة 64 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير التونسية والفصل السادس من قرار وزير التجهيز والإسكان التونسي المؤرخ في 19 أكتوبر 1995 المتعلق بضبط نوعية أشغال التهيئة الأولية والأشغال النهائية للتقسيم وكيفية استلامها.
[26] Henri Jacquot et François Priet : op, cit, p: 433.
[27] تنص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من مشروع قانون تأهيل العمران على اعتبار تسليم الإذن في إحداث التجزئة العقارية بمثابة التسلم المؤقت والنهائي بالنسبة للتجزئات التي لا تتطلب إنجاز أي تجهيز جديد، ويترتب عن هذا الإذن ما يترتب على التسلم النهائي.
[28] التقرير التمهيدي للمائدة المستديرة في شأن تقييم تطبيق مقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في ميدان التعمير. وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان بتاريخ 28 أكتوبر 1999.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.