التدخل الإداري والقضائي على مستوى التجزئات العقارية وتقسيم العقارات

نظرا لخطورة مخالفة ضوابط التعمير والآثار السييئة التي تنجم عنها بالنسبة للمجتمع، فقد أقرت تشريعات مختلف الدول سواء المتقدمة منها أم السائرة في طريق النمو عقوبات يختلف نوعها ومداها حسب جسامة الخطإ أو المخالفة أو النتائج التي قد تتمخض عن التقصير في المسؤولية، بحيث تتشدد بعض التشريعات في معالجة المخالفين إلى درجة إقرار عقوبة الحبس أو السجن وذلك فضلا عن فرض غرامات مالية تكبر قيمتها كلما اتسعت جسامة المخالفة، في حين يكتفي بعضها بفرض غرامات مالية

وأمام تزايد خطورة عواقب المخالفات المرتكبة وهول بعضها، تتجه معظم التشريعات إلى التشديد في العقوبات والزيادة من قساوتها لفرض الانصياع والامتثال للجهة التي تضطلع بتطبيقها، ويحدث ذلك كلما تبين على المستوى العملي بأن النصوص الجاري بها العمل لا تسعف في زجر المخالفين ([1]).

وبالرجوع إلى النصوص القانونية المغربية المنظمة لهذا المجال نجد أن ظهير 1952 وكذا ظهير 1953 قد نصا على مسطرتين الأولى إدارية والثانية قضائية، حيث فرضا على الإدارة إتباع مسطرة إدارية قبل […]

التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب
القسم الأول: واقع التدخل العمومي في ميدان التعمير
الفصل الثاني: مظاهر التدخل العمومي على مستوى التعمير العملياتي
المبحث الثاني : التدخل الإداري والقضائي في ميدان مراقبة التعمير بالمغرب
[…]نصا على مسطرتين الأولى إدارية والثانية قضائية، حيث فرضا على الإدارة إتباع مسطرة إدارية قبل اللجوء إلى القضاء على أن الإدارة لا يحق لها التدخل مباشرة لإصلاح المخالفة بتغيير المشروع أو هدمه إلا في حالتين اثنتين فقط ([2]).

هذا، وقد تم إحداث مسطرة خاصة بشأن  زجر المخالفات بالتجمعات العمرانية ذات الطابع القروي والواقعة خارج دائرة تطبيق ظهير 30 يوليوز 1952 السالف ذكره وذلك بمقتضى ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية التجمعات القروية. ([3])

وبعد ما تبين من خلال الممارسة أن الوسائل التي وضعها المشرع رهن إشارة الإدارة والقضاء ضمن التشريعات الصادرة في الخمسينيات لم تعد في الواقع ناجعة ، بدا من الضروري استبدالها. وفي هذا الشأن سن المشرع نظاما جديدا للزجر يتجلى في أحكام القانون 12-90 المتعلق بالتعمير وأحكام القانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، حيث عملا هذان القانونان على توزيع الأدوار في هذا الشأن بين كل من رؤساء المجالس الجماعية والسلطات المحلية والوكالات الحضرية ومكن كل من السلطتين الإدارية والقضائية من العمل بصفة موازية عكس ما كان سابقا لبلوغ هدف ردع العمل غير المشروع.

إن الوقوف على التدخل العمومي في هذا الصدد يقتضي معرفة المخالفات والجهات التي لها صلاحية التدخل، سواء كانت هاته الجهة إدارية أم قضائية، لنصل إلى مدى نجاعة هذه الإجراءات المتخذة ومدى ملاءمتها.ورغم أن النظام الزجري الساري المفعول يشتمل على عدة أوجه للتشابه بين ما هو مطبق على التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وما هو جاري على الأبنية، فإن هناك كثير من جوانب الاختلاف سواء تعلق الأمر بالمرحلة الإدارية من زجر المخالفة (المطلب الأول) أم بالمرحلة القضائية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مظاهر تدخل الهيئات الإدارية المختصة في ميدان مراقبة التعمير
لتوضيح الصورة أكثر في هذا  الشأن، فإننا سنقف على كل من التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات (الفقرة الأولى) ثم الأبنية (الفقرة الثانية) محددين المخالفات على مستوى كل نطاق ومبينين الهيئات التي يحق لها معاينتها والبث فيها إداريا.

الفقرة الأولى: على مستوى التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
لقد خصص القانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات بابه الخامس للتجزئات حدد من خلاله المخالفات وكيفية معاينتها، وكذا مختلف الإجراءات الإدارية والقضائية التي يمكن أو يجب اتخاذها لزجرها ([4]) فما هي الجهات المؤهلة لمعاينة المخالفة؟ (أولا) وما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها؟ (ثانيا)

أولا: الجهات المؤهلة لمعاينة المخالفات
تتم معاينة المخالفات من قبل ثلاثة أصناف كما تقضي بذلك المادة 66 من قانون 25-90 وهم كالآتي:
–          ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليهم في المسطرة الجنائية؛
–          موظفو الدولة المعتمدون من طرف الوزير المكلف بالتعمير؛
–          موظفو الجماعات الحضرية أو القروية المعتمدون من قبل رئيس المجلس الجماعي المعني بالأمر.

فبعد معاينة المخالفة، يقوم الموظف بتحرير محضر يوجهه في أقصر الآجال إلى وكيل الملك وعامل العمالة أو الإقليم ورئيس الجماعة القروية أو الحضرية وإلى مرتكبي المخالفة.

وتجدر الإشارة هنا إلى ما تتيحه المادة 66 من إمكانية للموظف المكلف بهذه المهمة، حيث يكون في غنى عن الرجوع إلى رئيسه التسلسلي إن رغب في توجيه المحضر مباشرة إلى كل الأطراف المعنية حتى يقوم كل واحد منهم بما هو منوط به في أسرع الآجال. إلا أنه يتبين على مستوى الممارسة أن هاته الصلاحية لا تستغل بل إن بعض الوكالات الحضرية لم يسبق لها أن وجهت محضرا في الموضوع لوكيل الملك ([5])، ظنا منها أن صلاحيتها في ميدان المراقبة تنتهي عند تبليغ عامل الإقليم بذلك، حيث أن الإشكال في هاته الحالة لا يكمن بتاتا في النص القانوني بل في عدم تفعيله من طرف الجهات التي يعنيها.

حري بالذكر أن تكليف هؤلاء الموظفين عمليا يتم عبر مراسلة الجهة المعنية (جماعة، وكالة حضرية، مديرية الإسكان والتعمير) المحكمة الابتدائية لأدائهم اليمين ليصبحوا بعد ذلك محلفين([6]) بعد ما تبعث المحكمة بنسخة من الحكم المتعلق بتحليف الموظف المعني لتعينه الهيئة التابع لها كموظف محلف مكلف بمراقبة ومعاينة المخالفات وتمنحه بطاقة تثبت هذه الصفة([7]).

وبعد التطرق للأصناف التي تعود لها صلاحية معاينة ([8]) المخالفات المتعلقة بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، يحق لنا أن نتساءل عن مجال تدخل هذه الأصناف في إطار المسطرة الإدارية.

ثانيا: الإجراءات المتخذة من قبل الهيئات الإدارية المختصة في ميدان مراقبة التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
من خلال الوقوف على مضمون المادة 71 من القانون 25-90 فإن تدخل السلطة الإدارية يتجلى في الأمر إما بإيقاف الأشغال أو إعادة الحالة إلى ما كانت عليه أو بهدم الأبنية، حيث إن عامل الإقليم ملزم بإصدار أمر يرمي إلى إيقاف أشغال التجهيز أو البناء الجاري فيها العمل والتي تهدف إلى إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية غير مأذون لها بملك من أملاك الدولة أو بملك خاص إذا كان لا يسمح بالبناء فيه بموجب وثيقة من وثائق التعمير. هذا الأمر الذي يصدره العامل يكون إما تلقائيا وإما بإيعاز من رئيس المجلس الجماعي المعني. ([9]) ويحق للعامل أن يأمر بإعادة حالة العقار موضوع التجزئة إلى ما كانت عليه وكذا بهدم أبنية المجموعة السكنية المنجزة محددا في ذلك أجلا لمرتكب المخالفة لتنفيذ الأشغال المأمور بتنفيذها.

هذا، ويستنتج بمفهوم مخالفة المادة 71 السالف ذكرها أنه إذا تعلق الأمر بتجزئة مأذون بإحداثها لكن تشوبها مخالفة من المخالفات، فإنه لا يحق للعامل التدخل في هذا الشأن. هذا التضييق الذي حاول واضعوا مشروع قانون 04-04 أن يوسعوا منه بإعطاء العامل صلاحية التدخل – سواء تم تسليم الإذن أم لم يتم- إذا تعلق الأمر بالملك العام أو بملك خاص يكون الغرض المخصص له وفق ما تنص عليه وثائق التعمير غرضا آخر غير البناء ([10]). أما فيما يتعلق بالوكالات الحضرية في هذا المجال فقد أناط بها المشرع في إطار ظهير 1993 المتعلق بإحداث الوكالات الحضرية، مهمة مراقبة أعمال تقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية والمباني عندما تكون في طور الإنجاز وذلك للتحقق من مطابقتها لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ولرخص التجزيء أو التقسيم وإقامة المجموعات السكنية أو البناء المسلمة لأصحاب الشأن.([11])

إلا أن الملاحظ أن جل الوكالات الحضرية إن لم نقل كلها عاجزة عن القيام بهذا الدور نظرا لشساعة مجالاتها الترابية في مقابل غياب الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية الضرورية لذلك وقد تكون في بعض الأحيان لاعتبارات سياسية متمثلة في عدم رغبة مدراء بعض الوكالات إحراج رؤساء المجالس الجماعية خاصة عندما تقترب الوكالات من عقد مجالسها الإدارية التي يعتبر رؤساء المجالس الجماعية من أعضائها.([12])

بقي أن نشير كذلك إلى أن التجزئات القروية الموجودة بالمناطق المغطاة بتصاميم تنمية التكثلات القروية تظل خاضعة لظهير 25  يونيو 1960، الذي ينص في فصله الثالث عشر على أنه “إذا لوحظت مخالفة لمقررات التصميم الخاص بتوسيع نطاق العمارات القروية أو لنظام الأزقة والبناء أو لوحظ عدم مطابقة الأشغال المنجزة للتصاميم المصادق عليها يجوز للسلطة المحلية([13])، أن تأمر بتوقيف الأشغال وهدم أو تغيير الأشغال المنجزة…”

ويلاحظ أن ظهير 25 يونيو 1960 يفصل بين المرحلة الإدارية والمرحلة القضائية، وذلك عكس قانون 25-90، حيث يفرض على الإدارة اتباع مسطرة إدارية قبل اللجوء إلى القضاء([14]) وهذا ما يستنتج من خلال قراءة الفقرة الأخيرة من الفصل الثالث عشر السالف ذكره والتي تقضي بأنه “إذا بقي مقرر السلطة المحلية بدون جدوى فإنه يتعين على هذه السلطة (رئيس المجلس الجماعي) وضع تقرير بهذا الشأن ورفعه إلى السلطة القضائية المختصة([15])”.
___________________________________
[1] محمد بوجيدة: رخصة البناء –الجزء الثاني- مرجع سابق، ص:91 .
[2] هاتان الحالتان هما:إذا تم تشييد بناء في الملك العمومي أو إذا تعلق الأمر بمكان من الأمكنة المعدة لإقامة الشعائر الإسلامية كما ينص على ذلك ظهير 1984 المنظم لهذا الشأن، أنظر منشور وزير الدولة في الداخلية عدد 61 م ت هـ م/م ق بتاريخ 28 مارس 1994 المتعلق بنظام زجر المخالفات في ميدان التعمير.
[3] رغم بساطة المسطرة التي نص عليها ظهير 25 يونيو 1960 إلا أنه قد نص على عقوبة للحبس تتراوح بين 15 يوما وشهرين ،الشيء الذي لم يفعله مشرع 12.90 المتعلق بالتعمير ومشرع 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
[4] تعتبر مخالفة بموجب القانون 25.90 ما يلي:
– إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو مباشرة أشغال التجهيز أو البناء لذلك الغرض بدون الحصول على إذن إداري سابق للقيام بذلك (المادة 63)؛
– بيع أو إيجار أو قسمة بقع تجزئة أو مساكن مجموعة سكنية أو عرضها للبيع أو الإيجار إذا كانت هذه البقع أو المساكن من تجزئة أو مجموعة سكنية غير مأذون في إحداثها أو لم يسبق أن كانت أشغال تجهيزها محل التسلم المؤقت (المادة 65)؛
– تقسم العقارات عن طريق البيع أو القسمة أو بيعها على الشياع إذا كان هذا التقسيم أو البيع لم يحصل على إذن سابق طبقا لمقتضيات المادة 58 من القانون (المادة 65).
[5] نفس الأمر يصدق كذلك على موظفي الجماعات الحضرية والقروية المعينين من قبل رئيس المجلس، حيث قلما يعدون محاضر حول المخالفات المرتكبة رغم المناشير الكثيرة الصادرة عن وزارة الداخلية في هذا الشأن (المنشور رقم 7 بتاريخ 22 يناير 1993 والمنشور رقم 14 بتاريخ 14 فبراير 1993 والمنشور رقم 28 بتاريخ 28 مارس 1993) راجع في هذا الشأن منشور وزير الداخلية عدد 61 بتاريخ 28 مارس 1994 السالف ذكره ص:6.
[6] طبقا لمقتضيات ظهير فاتح ماي 1914 المتعلق بتحليف الأعوان المكلفين بتحرير المحاضر واستنادا إلى القرار المشترك لوزير الداخلية ووزير السكنى وإعداد التراب الوطني المؤرخ في 29 دجنبر 1983 المتعلق بتعيين أعوان مكلفين بإثبات المخالفات في ميدان التعمير والتجزئات.
[7] محمد بوجيدة: رخصة البناء –الجزء الثاني- مرجع سابق ص: 100.
[8] نشير إلى أن مشروع القانون 04.04 المتعلق بالسكنى والتعمير قد عمد إلى تعديل المادة 66 في اتجاه حصر الأصناف فيما يلي:
– ضباط الشرطة القضائية؛
– المأمورون المكلفون لهذا الغرض من طرف العامل.
يلاحظ من خلال هذه المادة المقترحة الرغبة في تجميع أجهزة المراقبة في يد العامل.
[9] يمكن أن نسجل نوعا من التناقض في هذا المجال، ففي الوقت الذي نجد المشرع قد وسع من الجهات والأصناف التي تعود لها صلاحية معاينة المخالفة نجده يضييق من الجهات التي يمكنها أن تطلب تدخل العامل في هذا الصدد.
[10] تنص الفقرة الأولى من المادة 71 من مشروع القانون 04.04 على ما يلي:
يجب أن تهدم، بناء على أمر من العامل، أشغال التجهيز أو البناء المقصود بها إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية تم تسليم الإذن المنصوص عليه في المادة 20 أم لم يتم والتي تنجز فوق الملك العام أو على ملك خاص يكون الغرض المخصص له، وفق ما تنص عليه وثائق التعمير، غرضا آخر غير البناء.
[11] تشتمل هيكلة الوكالات الحضرية على قسم للمراقبة تابع لمديرية التدبير الحضري، هذا القسم الذي يتضمن بدوره مصلحتين: مصلحة البرمجة service de programmation ومصلحة الاستغلال والتتبع service d’exploitation et du suivi.
[12] بالرجوع إلى المادة الخامسة من ظهير الوكالات الحضرية نجدها تنص على ما يلي: ” يتألف مجلس إدارة الوكالة الحضرية بالإضافة إلى ممثلي الدولة المحددة قائمتهم بمرسوم من : رئيس أو رؤساء مجالس العمالات والأقاليم ورؤساء مجالس الجماعات الحضرية وممثلي مجالس الجماعات القروية بنسبة ممثل لكل عشر جماعات قروية ورؤساء الغرف المهنية.
[13] لقد حل رئيس المجلس القروي محل السلطة المحلية وذلك بمقتضى الفصل 44 من الميثاق الجماعي لسنة 1976 الذي خول السلطات الممنوحة للباشوات والقواد في ميدان الشرطة الإدارية الجماعية إلى رؤساء المجالس الجماعية، وهذا ما أكده كذلك الميثاق الجماعي 00.78 الذي ألغى ظهير 1976.
[14] يتميز نظام الزجر المعمول به في إطار قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات وكذا قانون 12.90 المتعلق بالتعمير بكونه يمكن السلطة الإدارية والسلطة القضائية من العمل بصفة متوازية.
[15] تجدر الإشارة إلى أن المخالفات المرتكبة في مجال تقسيم العقارات داخل نطاق المناطق المغطاة بتصاميم تنمية التكثلات القروية تظل خاضعة لمقتضيات قانون 25.90 السالف ذكره كما يستنتج من الباب الرابع من قانون 25.90 المتعلق بتقسيم العقارات وخصوصا دباجة المادة 58 التي تدخل في نطاق تطبيق القانون في هذا الشأن المنطقة التي يشملها تصميم تنمية تجمع قروي.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.