الإطار الاتفاقي للقانون الدولي للهجرة على المستوى العالمي

قبل إقرار المجتمع الدولي للاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990 كان يعالج معضلة الهجرة من خلال إبرام عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الظرفية لحماية المهاجرين إلا أن هذه القواعد الدولية ظلت عامة لا تركز على الوضعية الهشة التي يوجد فيها العامل الهجرة . لهذا فإن الحماية الدولية لحقوق المهاجرين تطورت مع تطور وعن المجتمع الدولي بمشاكل الهجرة الدولية ، لكن مع كل ما سبق ذكره فإنه لا يمنعنا من الرجوع بالخصوص إلى تلك المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الصكوك العالمية للأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان هذه الأخيرة التي اعتبرت مرجعا أساسا في […]
القانون الدولي للهجرة
المبحث الأول : الإطار القانوني التاريخي والإتفاقي لقانون الهجرة
المطلب الثاني : الإطار الاتفاقي للقانوني الدولي للهجرة على المستوى العالمي والإقليمي
[…] بحقوق الإنسان هذه الأخيرة التي اعتبرت مرجعا أساسا في الحماية الدولية لهذه الفئة من المجتمع الدولي.
وعليه سيتم تقسيم هذا المطلب إلى :

الفقرة الأولى: الإطار الاتفاقي للقانون الدولي للهجرة على المستوى العالمي
نظرا للعلاقة الوطيدة التي تجمع بين الهجرة كظاهرة اجتماعية ذات بعد انساني واحترام حقوق الإنسان، فقد كانت مسألة الحماية الدولية مطروحة منذ عقود على الساحة الدولية، إذ كان يتم النظر في حقوق المهاجرين في إطار الصكوك الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والمتعلقة بحقوق الإنسان .

أ‌-  على مستوى منظمة الامم المتحدة
ونخص بالذكر هنا كمل من المادة 13 والمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ثم المادة 9 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التميز ضد المرآة المادة 34 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين 28 يوليوز 1951 المادة 1 – 2 – 3 من الاتفاقية نيويورك بشأن المرأة المتزوجة 11 غشت 1958، المادة 12/13 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية 1966 المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبات القاسية او الإنسانية أو المهنية 10 ديسمبر 1984 ، المادة 1/11 من اتفاقية حقوق الطفل … انطلاقا من المواد السالف ذكرها نجد أن العمال المهاجرين لهم حق التمتع بكافة الحقوق الواردة في الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان انطلاقا من مبدأ المساواة بين الجميع ومنع أي تمييز بسبب الجنس او اللون او العرق او الدين .

ب‌-  على مستوى منظمة العمل الدولية
إن اهتمام منظمة العمل الدولية بالدفاع عن العمال ومصالحهم وتنظير شروط العمل  لم يكن يتم بمعزل عن اهتمامها بفئة من العمال الأكثر تعرضا للاستغلال والتمييز لهذا وجهت المنظمة عنايتها بوضع قواعد تحمي العمال المهاجرين وهذا ما تجسد بالخصوص في عقد اتفاقيتين هامتين ترسي عددا من المبادئ والمعايير تهم هذه الطائفة من العمال هما : الاتفاقية المتعلقة بالهجرة من أجل العمل لسنة 1949 ( اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم  97 )
الاتفاقية المتعلقة بالهجرة في ظروف تعسفية وتشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في معاملة العمال المهاجرين لسنة 1975
اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 143
بالنسبة للاتفاقية المتعلقة بالهجرة من اجل العمل لسنة 1949 ، فإنها دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 22 يناير 1952 وهي تظم 32 مادة وثلاثة ملاحق وتقضي بالخصوص يتعهد كل دولة ظرف بإنشاء إدارة مناسبة ومجانية تقوم بتقديم المساعدة للعمال المهاجرين بواسطة إمدادهم بمعلومات وبيانات صحيحة ولمواجهة الدعايات المضللة المنصبة على قضايا الهجرة ( المادة 2) كما تلزم الدول الأطراف باتخاذ إجراءات لتسهيل مغادرة وسفر واستقبال المهاجرين بغرض العمل ( المادة 4) كما تتعهد بتمتيع المهاجرين برعاية طبية كافية ( المادة 5 ) ومعاملتهم بنفس معاملتها لرعاياها بدون تمييز ( المادة 6 ) .
وعلى العموم فقد احتلت هذه الاتفاقية أهمية واضحة في تنظيم ليد العاملة الأجنبية تبيان الحقوق والواجبات لصالحها
ونشير هنا إلى أن السلطات المغربية لم تصادق على هذه الاتفاقية تحت دريعة أنها تهم بالدرجة الأولى البلدان المستقبلة لليد العاملة أكثر مما تهم البلدان الموقدة لها ..
أما فيما يخص الاتفاقية المتعلقة بالهجرة في ظروف تعسفية وتشجيع تكافؤ الفرص والمساواة في معاملة العمال المهاجرين لسنة 1975 ، فتضم قسمين .
عالجت في القسم الأول : الهجرة في ظروف تعسفية وقضت بوجوب احترام الحقوق الأساسية للإنسان لفائدة كل العمال المهاجرين ، كما ألزمت الدول الاطراف بالحد من التشغيل غير القانوني للعمال المقيمين فوق إقليمها ، وكذا الحد من هجرة عمال يكونون في وضعية متعارضة مع الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية
أما القسم الثاني : فيفرض على الدول الاطراف في الاتفاقية تحقيق المساواة في المعاملة بين العمال الأجانب مع العمال المحليين في مجالات العمل وفي الضمان الاجتماعي والحقوق النقابية والحريات الفردية والجماعية
ومما تجدر بنا الإشارة إليه في هذا الصدد هو أنه رغم المضمون الإجابي لهذه الاتفاقية والمتمثل في توسيع الحماية القانونية الدولية لصالح المهاجرين إلا أنها لم تجد ترحيبا من معظم الدول المستقبلة لليد العاملة، حيث لم تصادق عليها إلى حدود منتصف التسعينات سوى 11 دولة  .

ج- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم سنة 1990
بهدف احتواء المشاكل المترتبة عن الهجرة بأنواعها المختلفة، توصل المجتمع الدولي إلى صياغة حلول قانونية لقضية المهاجرين ، أينما كانوا معتبرا حقوقهم مسألة إنسانية من الدرجة الاولى، وذلك بغرض الاعتبار لهذه الفئة المحرومة من التمتع بأهم الحقوق الإنسانية، وهكذا تم تكريس اتفاقية خاصة بهذه الفئة .
وأفراد أسرهم بتاريخ 18 ديسمبر 1990 تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة حيث نصت هذه الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم رسميا مسؤولية الدول المهاجر إليها عن احترام حقوق المهاجرين وضمان حمايتهم ، كما تنص الاتفاقية على مجموعة من المعايير الدولية الملزمة لتناول معاملة المهاجرين الحائرين على الوثائق الرسمية والمهاجرين غير الحائرين لها على السواء، فضلا عن التزامات ومسؤوليات الدول المرسلة والدول المستقبلة وبشكل عام يتمثل الهدف الرئيسي لهذه الاتفاقية في مكافحة الاستغلال وانتهاك حقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون الذين يشكلون مجموعة سكانية بالغة العطب

الفقرة الثانية : الإطار الاتفاقي للقانون الدولي للهجرة على المستوى الإقليمي

أ-  مجلس أوروبا :
يعتبر مجلس أوروبا   أكثر المنظمات فعالية من بين المنظمات الإقليمية في مجال حقوق الإنسان، وقد أقر لحد الآن عدة نصوص دولية لحماية حقوق الإنسان وتعرف هذه الترسانة الحقوقية التي تم تشييدها في إطار الهيئة بالنظام الأوروبي لحقوق الإنسان .
وقد كان له ولازال دور ريادي في توفير حماية دولية حقيقية للإنسان بشكل عام وحماية حقوق المهاجرين بشكل خاص .
وفي هذا الباب لابد من التأكيد على الحقوق الأساسية الواردة في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان المعتمدة في روما بتاريخ 4 نوفمبر 1950 . إذ رغم طابعها العام إلا أنها تضمنت مقتضيات هامة تخص حماية حقوق العمال المهاجرين كالمادة الرابعة مثلا حول حظر العمل القسري، والمادة الحادية عشر حول حق المجتمع والتنظيم
كما أقر مجلس أوروبا حقوقا محددة تحمي العمال المهاجرين كالاتفاقية الأوروبية حول الوضعية القانونية للعمال المهاجرين لسنة 1977 والميثاق الاجتماعي الأوروبي المعتمد في نورينو بتاريخ 18 أكتوبر 1961، حيث ركز هذا الأخير على حق العمل وحق الضمان الاجتماعي وحق المساعدة الطبية والاجتماعية وحق الحماية الاجتماعية والقانونية والاقتصادية للعائلة وحق حماية ومساعدة العمال المهاجرين وأسرهم، ومما تجدر بنا الإشارة إليه في هذا الصدد هو أنه في إطار المراجعة التي تمت سنة 1966 لهذا الميثاق – الميثاق الأوروبي – والذي بدأ العمل به في 7 يناير 1999 قد تم النص في المادة التاسعة عشر على مجموعة من الحقوق الخاصة بالعمال المهاجرين وأسرهم تتمثل في الحماية والمساعدة من أجل ضمان ممارستهم لحقوقهم وحقوق علائلاتهم بشكل فعال، وقد شكلت هذه المادة اتفاقية مصغرة لصالح هذه الفئة المستضعفة بالرغم من ما تخللها من عبارة مثل في حدود الإمكان، ويقدر ما تسمح به القوانين اللوائح المحلية … وما دام ذلك لا يعرض الآمن القومي للخطر… إلخ . فالملاحظ هون أنه كلها عبارات تهدف إلى تقليص مضمون الحقوق التي نص عليها الميثاق الأوروبي لسنة 1996 وهو الأمر الذي يخولنا وصف هذا الميثاق الاجتماعي الأوروبي لسنة 1996 بأنه لم يبلغ بعد الجرأة والفعالية اللازمة، والمكرسة لمقتضيات الاتفاقية الدولية لسنة  1990.

ب-  على المستوى العربي
نظرا للأهمية انتقال الأيدي العاملة بين الدول العربية وباعتباره عنصرا من عناصر الوحدة الاقتصادية أسفر المؤتمر الثالث لوزراء العمل العربية ( الكويت 1967) على إنشاء اتفاقية متعددة الاطراف. تتعهد بموجبها الدول المعنية بتسهيل تنقل الأيدي العاملة وتمتع العمال الذين ينتقلون وفقا لأحكام هذه الاتفاقية بالحقوق والمزايا التي يتمتع بها عمال الدولة التي ينتقلون يهاجرون إليها .
ويشمل ذلك على الأخص الأجور وساعات العمل والراحة الأسبوعية والإجازات بأجر والتأمينات الاجتماعية والخدمات التعليمية والصحية
لكن ومما تجدر بنا الإشارة إليه هو أن هذه الاتفاقية قصرت في تحقيق حماية كاملة للعامل المهاجر، فيما يتعلق بأوضاعهم الاجتماعية مثل جمع شمل الأسرة – والمهنية مثل الحق في التدريب- والمدنية والسياسية مثل الحق في تكوين النقابات والمفاوضات الجماعية .
وقد توالت الاتفاقيات العربية فصدرت الاتفاقية رقم ( 4- 1975 ورقم (8-1977 ) ورقم ( 14- 1981) لكن كما يلاحظ أكد جل هذه الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة بشكل عام والعامل المهاجر بشكل خاص قد ولدت ميتة وخير دليل على ذلك هو غياب عنصر لتصديق أو المصادقة من طرف البلدان العربية المستوردة للأيدي العاملة مما يحول دون التطبيق الفعلي للاتفاقية وبالتالي تبقى نصوصها مجرد حبر على ورق .

ج-  على مستوى المغرب
إن مقاربة المنظومة القانونية والمؤسساتية للمغرب بالخصوص في العشرية الأخيرة تحيلنا على الاهمية الكبرى التي حضيت بها قضية الهجرة ، سواء كبلد عبور للدول الأوروبية أو كبلد مصدر لليد العاملة ضمن حدود اعمال الحكومة المغربية ، انطلاقا من نهوضها بمسألة حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المهاجرين بشكل خاص، وذلك بإنشائه وزارة منتدبة لدى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون مكلفة بشؤون الجالية المغربية، حيث تمارس هذه الوزارة مهامها في إطار من التكامل والتعاون مع مصالح السفارات والقنصليات المغربية بالخارج، كما أنشأ مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج والتي على رأسها الأميرة للامريم، بهدف الاهتمام بشؤون الجالية المغربية بالخارج، والعمل على مساعدتهم القانونية من أجل صون حقوقهم وحماية ممتلكاتهم .
ونشير هنا أيضا إلى أن المغرب هو أول من صادق على الاتفاقية الدولية للعمال المهاجرين الصادرة سنة 1990
أيضا وفي نفس السياق قد أصدر المغرب الظهير الشريف رقم 196-103 في 16 رمضان 1424 الموافق ل 13 نوفمبر 2003 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 03-02 الذي يعنى بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير الشرعية
وفي ختام هذا المبحث نشير إلى بعد العرض المقتضب للإطار التاريخي والقانوني سواء على المستوى الدولي والإقليمي وأخيرا الوطني ننتقل الآن من أجل مناقشة أبرز صك دولي في هذا الإطار ألا وهو الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الصادرة سنة 1990 فما هو إذن مضمون هذه الاتفاقية  ؟
وما هي التحديات التي تواجهها على مستوى التفعيل؟
_____________________________
– Halima Warzazi : La protection internationale des migrants
– أنشأت منظمة العمل الدولية سنة 1919 بموجب معاهدة فرساي للسلام وأصبحت في سنة 1946 وكالة متخصصة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة يوجد مقرها الرئيسي في جنيف وهي تعتمد بصورة رئيسية على التنسيق والحوار بين كافة الأطراف المعنية كالنقابات وممثلي أرباب العمل والحكومات ففي مؤتمرها السنوي مثلا يحق لكل دولة الاشتراك من خلال أربعة ممثلين ، اثنين منهم يمثلون الحكومة وواحد يمثل العمال والأخير يمثل أرباب العمل ، وفيما يخص آلية عمل منظمة العمل الدولية فإنها تشمل بصورة رئيسية على آليتين :
1- التوصيات : فهي توصيات صادرة من هذه المنظمة موجهة بصورة رئيسية إلى الدول الأعضاء من أجل العمل لحماية حقوق العمال هذه التوصيات تصدر عادة في مؤتمراتها السنوية.
2- المعاهدات الدولية : منظمة العمل الدولية تقوم عادة بإعداد مسودة حماية  العمل وثم ندعو الدول الأعضاء للتوقيع والمصادقة عليها عدد هذه المعاهدات بلغ لحد الآن أكثر من 189 اتفاقية دولية تشمل كافة المجالات المتعلقة بالعمل من الأجور إلى تحسين ظروف العمل إلى حظر تشغيل الأطفال.
– إلى جانب التوصية بشأن الهجرة من أجل العمل ( رقم 86) والتوصية بشأن العمال المهاجرين ( رقم 151 ) والاتفاقية بالسخرة او العمل القسري ( رقم 39) والاتفاقية المتعلقة بإلغاء الخرة ( رقم 105 ).
–  Peter Stalker : «  les travailleurs immigrés » Bureau international du travail , Genève 1995 , p 97.
– البزاز محمد :” الحماية الدولية للمهاجرين حالة المهاجرين المغاربيين في أوروبا ” دفاتر مركز الدراسات والأبحات حول حركات الهجرة المغاربية العدد 8 ماي 2006
– تأسس مجلس أوروبا في 5 ما يو 1949.

قرأوا أيضا...

لا توجد أفكار عن “الإطار الاتفاقي للقانون الدولي للهجرة على المستوى العالمي”

اترك رداً على amina إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.