العوامل الضرورية لتوفير جودة التعليم والتعلم

2- العوامل الضرورية لتوفير جودة التعليم والتعلم

ترتبط الشروط الضرورية لتوفير جودة تعليمية تعلمية برصد وتحديد العوامل المسؤولة عن توفير مناخ ملاءم لبلوغ هذه الجودة المنشودة فإن كانت مسألة رصد أهم العوامل المسؤولة عن جودة التعليم تدخل ضمن مجال شانع جدا قد لا تتسع حدوده لتحليل هذه العوامل بدقة وتفصيل، لهذا سنوف نكتفي برصد البعض منها والتي تعتبر مسؤولة عن مردودية تعليمية جيدة  :

عوامل مرتبطة بالمتعلم تتحدد أساسا في استعداداته واتجاهاته نحو الدراسة، ونمط تنشئته ومستوى مكتسباته…

+عوامل مرتبطة بأسرة المتعلم :

ترتبط أساسا بإتجاهات الأسرة نحو الدراسة وبمستواها الاقتصادي والثقافي والأسلوب الذي تتبعه في عملية التنشئة الاجتماعية لأبنائها ….

عوامل مرتبطة بالمدرسة : تتحدد في أهم عناصر البنية التعليمية التربوية كالمناهج التعليمية وجودة المدرسين وكفاءة الإشراف والإدارة التربوية . هذا بالإضافة إلى الإمكانات البيداغوجية الديداكتيكية، التي تكون حوامل تعليمية ضرورية لتوفير الجودة المنشودة .

+محيط المؤسسة التعليمية :

يتشكل من أهم العناصر المتفاعلة إيجابا أو سلبا مع الوظيفة التربوية للمدرسة كجمعية الآباء والجماعات المحلية والجمعيات الثقافية الفنية والتنظيمات الاجتماعية والسياسية وما يوفره سوق الشغل من فرص لاستقبال الافواج المتخرجة من المدرسة….

وإذا كان المجال لا يتسع هنا للتفصيل في هذا الموضوع الحيوي فإننا سوف نقتصر في مقاربتنا على موضوع زمن التعلم والتعليم بالنسبة للتلاميذ حيث إن مختلف الدراسات السيكو تربوية قد أفضت نتائجها إلى أن المتعلمين يتميزون فيما بينهم من حيث وثيرة التعلم وإيقاع الإدارك والاستيعاب وذلك وفقا للإمكانات والمؤهلات الخاصة بكل متعلم، إلا أن الممارسة التعليمية التعلمية بالمغرب لم تنتبه لهذه النتائج العلمية لتفرز منها تعليميا تعلميا موحدا ووحيدا لكافة المتعلمين ،علما بأن التلميذ الذكي جدا او العبقري له زمن تعليمي تعلمي أقصر من زمن تعلم المتعلم الذكي، وأقصر من زمن تعلم المتعلم المتوسط، ونفس الأمر بالنسبة لمختلف فئات المتعلمين، وفق المؤهلات والإمكانات التي يمتلكونها او وفق الذكاءات المتعددة، التي يتوفر قسط منها عند كل فئة من فئات المتعلمين .

وإذا كانت هذه من أهم العوامل المستقلة المرتبطة بشكل مباشر بمسألة جودة التعليم، فإن منطق النسقية لا ينظر إليها في صورتها المعزولة والمستقلة بعضها عن البعض بل على خلاف ذلك فهو يعتبرها عناصر متفاعلة فيما بينها داخل النسق الذي يؤطرها ، فيما يمكن أن نصطلح عليه بالنسق التربوي . وهذا النسق هو تجسيد لنموذج بنيوي للتربية يتميز بالشمولية والكونية وكذا الاستمرارية ذلك أن ما يجعل فعلا تعليميا ما ناجحا هو إمكانية تأسيسه على تعلم فعال وتكوين مستمر.

ويشكل التكوين المستمر بناء على ما توصلنا إليه في السياق الفلسفي التربوي لأوليفيه ريبول” دعامة أساسية لتحقيق تربية فعالة غير مقيدة لا بزمان ولا بمكان لإقرار ما اصطلح عليه في الميثاق الوطني للتربية والتكوين بالمدرسة المغربية الجديدة،المعتمدة على التعلم الذاتي والمنفتحة على محيطها المجتمعي والثقافي والاقتصادي والتي قد تشكل قاطرة للتنمية من خلال تزويد مختلف القطاعات بالأطر المؤهلة والقادرة على مسايرة إيقاع الانتاجية والجودة بالأمم المتقدمة والهدف من وراء ذلك هو منح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية وتزويد المجتمع بالكفاءات من المؤهلين والعاملين الصالحين للإسهام في البناء المتواصل لوطنهم على جميع المستويات ومن العلماء وأطر التدبير ذوي القدرة على ريادة نهضة البلاد على مدارج التقدم العلمي والتقني والاقتصادي والثقافي.

لذلك أقر واضعوا الميثاق بضرورة التكوين المستمر الفعال والمستديم على أساس الأهداف الملائمة للمستجدات التعليمية والبيداغوجية وايضا بغرض تحسين كفايات اطر التربية والتكوين والرفع من مستواها وإعادة تأهيلها بصفة معمقة وفي ضوء الدراسة التحليلية لحاجات الفئات المستهدفة وآراء الشركاء ومقترحاتهم  بخصوص العملية التربوية من أباء وأولياء وذوي الخبرة في التربية والاقتصاد والاجتماع والثقافة” .

إن الحديث عن التكوين المستمر Formation continue تحيلنا  مباشرة على مجموع الوسائل والإمكانات المعرفية [المعرفية الموضوعة] رهن   إشارة المتعلمين كيفما كان مستواهم الاجتماعي والمهني، لكي يتابعوا التكوين،  بغرض تطوير قدراتهم وكفاياتهم ، فهو بمثابة تحيين للمعارف وتنمية لروح البحث كضمانة للإرادة في التقدم وفي إغناء المعلومات حول المضامين والمناهج  البيداغوجية وتبادل الآراء حول التجارب وتغيير التخصصات إذا أمكن ذلك.

إن النشاط الخاص للمتعلم كنشاط معرفي ووجداني يوجد في صميم العملية المعرفية، فالمتعلم يعتبر فاعلا ومؤلفا لما يتعلمه Acteur /auteur وهي الفكرة التي تتناسب مع “قولة شهيرة” لألفين توفلر A.Toffler مفاذها أن الأمي في المستقبل لن يكون هو من يجهل القراءة بل هو من لم يتعلم كيف يتعلم”  وبذلك يقترن التعلم بمبادرة للذات وفعاليتها والأهداف التي رسمتها لنفسها.

إذن يعتبر التكوين تعلما بالأساس ومن أهدافه الأساسية إدارك معنى العلاقة مع الآخر، والتفاعل العقلاني والوجداني مع المحيط الاجتماعي والبيئي … ” ويقتضي التكوين والتعلم وجود ثلاث خصائص مميزة على الأقل سيكون لها تأثيرها على المسار المهني المتعلم وهي الاستعداد والكفاءة والمسؤولية ”  ، فأن يكون الشخص مستعدا ، معناه أن يمتلك قدرات تسمح له بالتكيف مع أكبر عدد من الوضعيات الجديدة وهو ما يمكنه من مسايرة التغيرات الحاصلة على المستوى المؤسساتي أي التكيف ما تم الإقرار بصلاحيته داخل ما هو جديد، كما أن التكوين على الاستعداد يقتضي التكوين على الكفاءة لأن الاستعداد للتكيف مع المنتظرات والمستجدات يتطلب كفاءة فعلية في مجال التخصص وفي المجال المهني ومن هنا ضرورة إعطاء الأهمية في التكوين للمعرفة ولمعرفة التبليغ والإنقاد savoir faire.

ويستدعي الاستعداد والكفاءات تكوينا على المسؤولية لأن الأمر يتعلق بالدور الموكول للفرد في محيطه الاجتماعي والمهني، كي يكون واعيا بأبعاد مهمته وبدوره الاجتماعي، وبالوسائل التي يتعين استخدامها من القيام بهذه المهمة وهذا الدور وبذلك يكون مهيأ لأصدار الأحكام النقدية على محيطه وعلى ذاته إضافة إلى الاستقلالية التي تعتبر شرطا لكل ممارسة نقدية وهي تتعلق بالقدرة على التكوين الذاتي وعلى المبادرة والفعالية واتخاذ القرار وهو ما يسمح للمتكون بالنظر إلى ثقافة المحيط الاجتماعي والمهني وإلى المواقف والسلوكات المتخذة داخل هذا المحيط يعني ناقدة وبأدن صاغية لمتطلبات الحاضر ومنظرات المستقبل ،” إن الاستقلالية هي بمثابة حرية يمكن للشخص بمقتضاها ان يمارس مواطنته وأن يتصدى لمنطق التقليد والقطيع لأن تكوين المواطن كما هو معلوم يعني تكوين عقول حرة ويقضة  ومسؤولة أخلاقيا وهي من جهة أخرى تعني قدرة الفرد على تحديد أهدافه وتدبير سلوكه انطلاقا من قواعد معايير تلبي حاجيات الخاصة وتستجيب لاختياره الشخصي وتضمن المشاركة والمبادرة والمسؤولية لديه   وهذه المواصفات جميعها مقترنة بعملية التكوين الذاتي التي يكون فيها الشخص منخرطا في أنشطة البحث والإنتاج وبلورة المشاريع الشخصية.

وتبرز أهمية التعلم الذاتي أساسا في درس الفلسفة ” لعملية إرادية لتملك وتطوير المعارف والكفايات وكمشروع للتنمية الشخصية وللتدبير الذاتي وللموارد الوسائل البيداغوجية ومن أهم تجليات هذا التعلم هناك التفكير الذاتي الذي يحفز المتعلم على إعادة النظر في آرائه عبر تفكيك تمثلاته وإعادة بنائها بطريقة شخصية وهو ما يساهم في تطور ملكات التفكير والحكم للذاتيين لديه عبر تمفصل سيرورات المفهمة والأشكلة والمحاججة”   ذلك أن هذه السيرورة تكشف عن الفعالية الذاتية للتفكير أي  عن القدرة الذات على مزاولة المساءلة والنقد ومحاولة حل المشاكل التي تعترض الفكر، مما يساهم في تنمية شخصية الفرد وتعزيز انخراطه في الحياة العملية انطلاقا من حرية إرادته ووعيه بذاته وبالعالم  .

خاتمة  :

لقد أصبح ممكنا الآن وبناء على مجموعة الأفكار السابقة، أن نفكر في طبيعة العلاقة التي تقيمها الفلسفة والسوسيولوجية مع التربية. فإذا ما انطلقنا من أن اشتغال الفلسفة والسوسيولوجية على التربية يوازيه إنتاج خطاب تربوي ضمني هدفه إضفاء المشروعية على هذا الاشتعال.

إذا ما اعتبرنا المشروعية صفة تضفى على أي فعل أو موقف أو إحساس أو قول صادر وفقا لمنطق الحق، فإن ذلك يتيح استخلاص أن الخطاب الفلسفي السوسيولوجي حول التربية يسعى لأن يقدم صورة إيجابية عن اهتمامه بها، صورة لا يعتبر بمقتضاها حضور هاتين المقاربتين في التربية مجردة تطفل أو ترف فكريين وإنما تجعل هذا الحضور ضروريا وطبيعيا لأنه مؤسس على قاعدة أن الخطاب الفلسفي السوسيولوجي بعد جوهري من أبعاد الخطاب التربوي وأن هذا الأخير لا يستقيم إلا بوجود هذين الحقلين فيه .

ونتيجة لذلك فإن الفكرة التي يسعى هذا الخطاب حول التربية إلى تمريرها وإقناع المتلقي بها هي أنه عندما يستغل الفيلسوف أو السوسيولوجي … على التربية، فإن عمله لا يعد خروجا عن حدود مجالات اهتمامه المعرفية، وأنه بذلك يضل وفيا لروح التفكير المعقلن الذي يعتبر أي موضوع قابلا لأن يفكر فيه فلسفيا مثل ما أنه يبقى وفيا لطبيعة التربية من حيث هي ملتقى تتقاطع عنده اهتمامات الفلاسفة والمختصين في الحقول المعرفية الأخرى … ووفقا لهذا المنطق يمكن استخلاص أن اشتغال الفلسفة على التربية لا يحمل أية نية لاختزال التربوي في الفلسفي وإلحاقه به ، وإنما يقوم على أساس أن المبادئ التي تحكم الفعل التربوي والقيم التي توجهه ، هي ذات المبادئ والقيم التي تحكم وتوجه الممارسة الفلسفية ؛ نعني مبادئ وقيم الحرية والتحرر والفضيلة وإعلاء دور العقل والإرتقاء بالفرد إلى حالة كمال واكتمال مفترضة.

بيد أن هذا الاستخلاص العام رغم ما يثيره من إستشرافات مستقبلية إيجابية إلا أنه عسير المنال، لأسباب مرتبطة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية …..للبلاد . لكن لكي تتم شرعنة التفكير التربوي التعليمي في ثقافتنا، ينبغي تخطي وتجاوز كل ما من شأنه أن يخل بتوازن النظام التعليمي وذلك بتوفير الشروط الضرورية لتحقيق الجودة في التعلم والتكوين.

الفصل الثالث: واقع التربية والتعليم في الثقافة المغربية
التربية بين الفلسفة والسوسيولوجيا

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.