حدود ممارسة حرية العقيدة في الإسلام

إن مفهوم الإطلاقية في الحرية لا يمكن تصوره في أي مجال من مجالات القانون فبالأحرى في مجال الشريعة الإسلامية. وكنتيجة لذلك فإن حرية العقيدة لا تعني بالضرورة مزيدا من التحرر الفعلي للإنسان فأحيانا تكون الحرية الزائدة ذات مردود سلبي من الناحية الشخصية والاجتماعية وأحيانا يكون العكس. وعليه كان من الضروري وضع حدود لممارسة هذا الحق.
فالإسلام، ومن أجل حماية عقيدته وضع حدا لهذه الممارسة، والذي يتجلى في تحريمه للردة. وبالتالي فإن حرية […]
حرية الرأي والعقيدة بين الشريعة والقانون
الباب الثاني: حرية العقيدة مفهومها، تأصيلها، وحكمها.
الفصل الأول: مفهوم حرية العقيدة، تأصيلها وأهميتها.
المبحث الثاني : حكم حرية العقيدة من منظور الشريعة الإسلامية
المطلب الثالث: حدود ممارسة حرية العقيدة في الإسلام
[…] لهذه الممارسة، والذي يتجلى في تحريمه للردة. وبالتالي فإن حرية العقيدة في الإسلام لا يمكن الحديث عنها سوى لمن لم يعتنق الإسلام أصلا. لأنه لا يسمح للمسلم الارتداد عن الإسلام إلى غيره من الديانات السماوية، أو غير السماوية سواء كان مسلما أصليا، أو أنه انضم إلى جماعة المسلمين بعد أن كان كتابيا أو مشركا.
والردة حسب بعض الفقهاء: “اسم شامل لكل رجوع عن دين الإسلام إلى الكفر، فتشمل بذلك الرجوع إلى العقائد الكافرة نحو اعتناق الماركسية أو المادية الجدلية أو العلمانية أو العقائد المعروفة كالنصرانية واليهودية وكذلك تقع الردة بجحود ما ثبت قطعا في الإسلام، كما تقع بجحود تحريم ما حرم” .
فكفالة حرية العقيدة، كما أقرها الإسلام لا تعني التلاعب في المعتقدات الدينية أو اتخاذها هزؤا ولعبا أو استحداث عقائد جديدة تتناقض مع الأديان السماوية وبالأخص الدين الإسلامي، فمثل هذه التصرفات تأباها الشريعة، بل وتعاقب المسلم المرتد عن الإسلام بعقوبة القتل.

وسبب تحريم الإسلام لردة يكمن في أن اليهود قديما حاولوا الإساءة إلى الإسلام بهذا الأسلوب قال تعالى:{وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا أوجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} .
فالتسامح عن الارتداد، وذلك بإعطاء الحرية للأفراد بالتنقل في اعتقادهم لا يخرج عن معنى وحيد يتمثل في إعطاء الفرصة للآخرين بالإساءة إلى الإسلام وإهانته والاحتيال على شريعته الأمر الذي يؤدي إلى إحداث فتنة في المجتمع ما بعدها فتنة وإلى إحداث خلل في بنية الأمة التي أرادها الله عز وجل متماسكة قوية. بل إن ترك حرية الارتداد للأفراد يدل على استخفاف بهذا الدين الذي هو أقدس قيم المجتمع.
ومن هنا فقد تشدد الإسلام في معاقبة المرتد، حيث جعل عقوبته في الدنيا هي القتل وفي الآخرة العذاب الأليم. قال تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه، فيمت وهو كافر، فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} .
وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة” .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أيضا “من بدل دينه فاقتلوه” .

إلا أن الملاحظ على العقوبة المقررة في الدنيا فبعض الفقه  “أن الكثير من العلماء يرون أن الحدود لا تثبت بحديث الأحاد وأن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين، والعدوان عليهم، ومحاولة فتنتهم عن دينهم”.
هذا وحرية العقيدة إن كانت لا تعني بالنسبة للمسلم حرية الارتداد، فإنها لا تعني أيضا حرية الابتداع  في الدين، وذلك لأن الأصل في المسلم أن يكون في آرائه ومعتقداته وما يقوم به من عبادات موافقا لما جاء به الله تعالى، فلا يحل له أن يتعبد بكيفية ليس لها أصل في الشريعة أو خارجة عما رسمه الشارع، فعن العرباض بن سارية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة” .
ومن هنا فواجب على الدولة في هذا المجال حفظ الأحكام التعبدية والعقائدية كما جاء بها الشرع وصيانتها من الانحرافات الفكرية والعملية باستخدام ما يتوفر لديها من وسائل كالتعليم والإرشاد في المدارس والمعاهد وتعيين الأئمة والوعاظ في المساجد وإرسال الدعاة والعلماء، ونشر الكتب الشرعية، وبث المعارف الإسلامية باستخدام كافة وسائل الإعلام” .

إذا كان هذا فيما يخص حرية العقيدة في الشريعة الإسلامية، فا هو حكمها في القوانين الوضعية؟ هذا ما سنحاول دراسته في المبحث الموالي.
_____________________
– حقوق الإنسان وحرياته الأساسية م.س. ص163.
– سورة آل عمران الآيات (72-74).
– سورة البقرة جزء من الآية 217.
– الترميذي. السنن ج 4 ص12 كتاب (الديات)، باب (10) حديث رقم (1402).
– الترميذي السنن ج 4 ص48 كتاب (الحدود) باب (ما جاء في المرتد) حديث رقم 2458.
– محمود شلتوت (الإسلام عقيدة وشريعة) ص281- ط التاسعة 1997.
– حقوق الإنسان وحرياته الأساسية م.س.ص.166.
– ابن ماجة: السنن ج 1 ص16. المقدمة. باب (6) حديث رقم (42).
– الدكتور سامي الوكيل، والدكتور محمد مفتي: النظرية السياسية الإسلامية في حقوق الإنسان الشرعية ص94-101 بتصرف.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.