حدود ممارسة حرية التعبير: التحريض, مخالفة الآداب العامة ..

إن مفهوم الإطلاقية لا يمكن توفرها في إطار ممارسة حرية الرأي. إذ لابد من وجود حدود تقيد هذه الحرية، وعليه، فالمشرع المغربي بين حدودا لا يمكن تجاوزها.
وعلى هذا الأساس سوف ندرس هذا المطلب من خلال الفقرات الثلاث الآتية. بحيث ندرس التحريض على ارتكاب الجنح والجرائم […]
حرية الرأي والعقيدة بين الشريعة والقانون
الباب الأول: حرية الرأي، مفهومها، تأصيلها، وحكمها
الفصل الأول: مفهوم حرية الرأي وتأصيلها التاريخي
المبحث الثاني: حكم حرية الرأي في القوانين الوضعية
المطلب الثالث: حدود ممارسة حرية الرأي
[…] الثلاث الآتية. بحيث ندرس التحريض على ارتكاب الجنح والجرائم (فقرة أولى). ارتكاب الجنح (فقرة ثانية) ثم يليها مخالفة الآداب العامة (فقرة ثالثة).

الفقرة الأولى: التحريض على ارتكاب الجنح والجرائم
إن المشرع لم يعطي تعريف للتحريض وإنما حدد فقط الأدوات التي يتم بها. ثم أشار إلى مضمونه.
ففيما يخص أدوات التحريض “يعاقب على ارتكاب عمل يعتبر جريمة أو جنحة كل من حرض مباشرة شخصا أو عدة أشخاص على ارتكابها إن كان لهذا التحريض مفعول بعد ذلك، وإما بواسطة الخطب أو الصراخ أو التهذيب المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، وإما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم” .
فالملاحظ إذن أن أدوات التحريض تتمثل إما في الخطب أو الصراخ أو التهذيب، وسواء كان هذا التحريض موجه لشخص واحد أو عدة أشخاص مع اشتراطه أن يكون لهذا التحريض مفعول فيما بعد أما إذا لم يكن له مفعول فلا يعتبر جريمة.
أما  بخصوص المضمون فإن المشرع جعل شكل التحريض يتمثل في “على السرقة أو القتل أو النهب أو الحريق وإما على التخريب بالمواد المتفجرة. أو على الجرائم أو الجنح التي تمس بالسلامة الخارجية….والجرام التي تمس بالسلامة الداخلية للدولة”  أو “حث الجنود البرية أو البحرية أو الجوية وكذا أعوان القوة العمومية على الإخلال بواجباتهم والخروج عن الطاعة الواجبة عليهم نحو رؤسائهم في كل ما يأمرونهم به لتنفيذ القواعد والضوابط” .
من هنا يتضح أن التحريض الذي منعه المشرع يتمثل في التحريض إما على السرقة أو القتل أو النهب أو الحريق كما يتمثل أيضا في الجرائم التي تمس بالسلامة والأمن الداخلي أو الخارجي.
إضافة إلى ذلك تحريض أشخاص العاملين في خدمة الدولة على الإخلال بالواجبات المتعلقة بخدمتهم.

الفقرة الثانية: ارتكاب الجنح
يعتبر ارتكاب الجنح من ضمن الحدود الواردة على ممارسة حرية الرأي. بحيث تنقسم هذه الجنح المرتكبة إلى ثلاث جنح تجسد رغبة المشرع في الحد من هذه الحرية وعليه فإننا سنتناول هذه الفقرة من خلال: الجنح المرتكبة ضد الشؤون العامة (أولا) ثم الجنح الماسة بالأشخاص (ثانيا) على أن ندرس في الأخير الجنح المرتكبة ضد رؤساء الدول والممثلين الأجانب (ثالثا).

أولا: الجنح المرتكبة ضد الشؤون العامة للدولة.
تتمثل هذه الجنح ضمن ثلاث صور حسب ما نص عليه المشرع في قانون الصحافة الصادر سنة 1958 والتي تجسد رغبة المشرع الأكيدة في الحد من ممارسة حرية الرأي.

– الصورة الأولى: “المس بكرامة الملك وأصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات”  فلا يجوز للشخص أن يوجه أي كلام أو فعل يمس بكرامة الملك وأصحاب السمو بدعوى ممارسة حرية الرأي لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى العقاب.

– الصورة الثانية: وتتمثل حسب مقتضيات الفصل 42 من ظهير 15 نونبر 1958 المتعلق بالصحافة بالمغرب في “النشر أو إذاعة أو نقل نبأ زائف ومستندات منسوبة للغير إذا أخل ذلك بالنظام العمومي أو كان من شانه الإخلال به أو من شأنه التأثير على النظام أو معنويات الجيوش” .
فلا يقتصر الأمر على المس بالكرامة فحسب وإنما يشمل إضافة إلى ذلك حتى النشر أو نقل الأخبار الزائفة إذا كان من شأنها الإخلال بالنظام العمومي أو التأثير عليه.

– الصورة الثالثة: “التحريض بأعمال مزيفة أو فيها وشاية تذاع عن قصد على العموم أو بطرق أو وسائل مدلسة كيفما كان نوعها ليحمل الناس على سحب أموالهم من الصناديق العمومية أو المؤسسات التي يفرض عليها القانون أن تباشر دفوعاتها بالصناديق العمومية”.
فالمشرع منع الإضرار بالمؤسسات العمومية عن طريق التحريض بارتكاب أعمال مزيفة وذلك عن قصد بأية وسيلة كانت أي أن المشرع لم يحدد الوسيلة التي أتى بها وإنما جاء بها على سبيل المثال ودليل ذلك قوله (كيفما كان نوعها).

ثانيا: الجنح الماسة بالأشخاص
القذف والسب هما الجنحتين اللتين فرق بينهما المشرع. فالقذف حسب الفصل 44 من ظهير 15 نونبر 1958 هو “كل ادعاء أو عزو عمل يمس بشرف أو حرمة الأشخاص أو الهيئة التي يعزى إليها هذا العمل…” ويعاقب عن نشر هذا الادعاء أو العزو سواء كان النشر بطريقة مباشرة أو عن طريق النقل حتى ولو أفرغ ذلك في صيغة الشك والارتياب أو كان يشار في النشر إلى شخص أو هيئة لم تعين بكيفية صريحة ولكن يمكن إدراكه من خلال عبارات الخطب أو الصراخ أو التهديدات أو المكتوبات أو الملصقات أو المطبوعات أو الإعلانات المطعون فيها.
أما السب هو “كل تعبير مهين للكرامة أو عبارة احتقار أو شتم لا يشتمل على أي اتهام معين” .
ومع ذلك فإن السب والقذف من الجرائم التي تمس بكرامة الشخص وشرفه والتي تحط من قدره بين بني جنسه.
وحسن فعل المشرع حينما عاقب على هذه الجرائم على اعتبار أن الإنسان هو أساس المجتمع وبالتالي فلا ينبغي إهانته أو سبه.

ثالثا: الجنح المرتكبة ضد رؤساء الدول والممثلين الأجانب
تعتبر الجنح المرتكبة ضد رؤساء الدول والممثلين الأجانب من ضمن الحدود الواردة على حرية الرأي وذلك على ضوء مقتضيات الفصل 52 من قانون الصحافة الذي يمنع كل عمل يمس “بكرامة رؤساء الدول ورؤساء الحكومات وزراء الشؤون الخارجية للبلدان الأجنبية…..بصفة علانية بكرامة الممثلين الديبلوماسيين أو القنصليين الأجانب المعتمدين أو المندوبين بصفة رسمية لدى جلالة الملك”.
– فالمشرع لما أدخل هذه الجنح المرتكبة ضد هؤلاء، ضمن الحدود الواردة على حرية الرأي فنظرا للوزن السياسي الذي يشغلونه وأيضا للدور الفعال الذي يقومون به داخل الدولة المضيفة لهم.

الفقرة الثالثة: مخالفة الآداب العامة
حدد المشرع ثلاث حالات تعد مخالفة للآداب العامة.

* الحالة الأولى: يعد منتهكا لحرمة الآداب العامة كل من “صنع أو مسك قصد الاتجار أو توزيع أو الاتجار أو التعليق أو العرض أو ورد أو استورد، أصدر أو سعى في الإصدار أو نقل أو سعى في النقل عمدا لنفس الغرض أو قدم لأنظار العموم بالإلصاق والعرض على الشاشة أو قدم ولو مجانا وغير علني بأي وجه من الوجوه مباشرة أو بطريقة ملتوية أو سلم قصد التوزيع كيف ما كانت الوسيلة وذلك ما يلي:
– جميع المطبوعات أو المكتوبات أو الرسوم أو الإعلانات أو المنقوشات الزيتية أو الصور الشمسية والأفلام أو “الكليشيات” أو الصور الخليعة أو شعارات أو جميع التصاوير وكل الأشياء المخالفة للآداب العامة” .
– المشرع من خلال هذا الفصل حدد الوسائل والكيفيات التي بموجبها تنتهك حرمة الآداب العامة ويستوي في ذلك أن تتم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. المهم أن يكون هدفها وغايتها منافيا تماما ومخالفا للآداب العامة والأخلاق المتعارف عليها.

* الحالة الثانية: “كل من يسمع الناس علنيا أغنيات أو صيحات وخطبا تتنافى والأخلاق الحسنة وكل من يلفت الأنظار إلى ما يتيح الفساد أو من يقوم بنشر إعلان أو مراسلة من هذا القبيل كيفما كانت عباراتها” . يعتبر منتهكا لحرمة الآداب العامة.

* الحالة الثالثة: كل من “اقترح وقدم وباع للقاصرين في السادسة عشرة من سنهم النشرات أيا كان نوعها سواء كانت معدة خصيصا للشباب أم لا، التي فيها خطر على الشباب إما لصبغتها الإباحية أو الإخلال بالمروءة، وإما للمكانة التي يتخذها الإجرام فيها” بالإضافة إلى كل “من عرض هذه النشرات في الطريق العمومية خارج المتاجر أو داخلها أو القيام من أجلها بإشهار في نفس الأماكن” .
– يتضح من خلال هذه النصوص القانونية أن المشرع شمل بنصوصه جل الفئات العمرية خصوصا الشباب والقاصرين الذين يعتبران أهم فئة يمكن التأثير فيها.
_______________
– الفصل 49 من نفس الظهير.
– الفصل 40 من نفس الظهير.
– الفصل 41 من ظهير الصحافة بالمغرب الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958.
– الفصل 44 الفقرة الثانية من ظهير 15 نونبر 1958 من قانون الصحافة بالمغرب.
– الفصل 59 من قانون الصحافة بالمغرب.
– الفصل 60 من نفس الظهير.
– الفصل 65 من نفس الظهير.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.