تحديد القاضي للتعويض عن نقل الملكية

انطلاقا من توجهات الخطاب الملكي للمغفور له الحسن الثاني بتاريخ 8 ماي 1990 بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والذي جاء فيه “… إذن على الدولة أن تضع حدا لتصرفاتها… إنه لما يمكن للشخص أن يتوصل بماله تكون قد مرت عليه 20 عاما أو 15 عاما ولم يأخذ إلا 10 في المائة أو اثنين في المائة نظرا لانخفاض القدرة الشرائية للمال…” …
حماية الملكية الصناعية والتجارية من المنافسة غير المشروعة
القسم الثاني : دعوى الحكم بنقل الملكية وتحديد التعويض
المبحث الثاني : تحديد القاضي للتعويض

قام المشرع بنقل الاختصاص في ميدان تحديد التعويض عن نقل الملكية إلى المحاكم الإدارية، وأصبحت هذه الأخيرة تقوم بتقدير قيمة التعويض عن نقل الملكية، مراعية في ذلك مجموعة من الاعتبارات، مستمدة من الفصل 20 من قانون 81-7 سواء فيما يتعلق بطبيعة الضرر الواجب التعويض عنه، أو فيما يتعلق بالخصائص المستوجبة في دفع هذا التعويض. (مطلب أول)، وعند تحديد مبلغ التعويض يستعين القضاء بجميع إجراءات التحقيق ومنها على الخصوص الخبرة، كما يمكن أن يهتدي بما توصلت إليه اللجنة الإدارية للتقويم. (مطلب ثاني)، غير أن إجراء نزع الملكية من أجل المنفعة العامة قد يؤدي إلى صدور أحكام من شأنها أن تمس بحقوق وحريات الأفراد وبالخصوص عدم عدالة التعويضات المودعة رهن إشارتهم، الشيء الذي جعل المشرع يسمح لهؤلاء بالأخذ بطرق الطعن الممكنة بالطعن  في الأحكام، (مطلب ثالث).

المطلب الأول : طبيعة الضرر وخصائص دفع التعويض
حرصا منه على عدم تبذير الأموال العامة وحرصا منه كذلك على التوصل إلى تعويضات عادلة، فإن المشرع وضع مقتضيات قانونية تتعلق بكيفية تحديد التعويضات والتي تضمنها الفصل 20 من قانون 81/7، فما هو الضرر الواجب التعويض عنه (فرع أول) وما هي خصائص دفع التعويض (فرع ثاني) ؟

الفرع الأول : طبيعة الضرر الواجب التعويض عنه
جاء في الفقرة الأولى من الفصل 20 من قانون 81/7 على أن التعويض عن نزع الملكية “يجب ألا يشمل إلا الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، ولا يمكن أن يمتد إلى ضرر غير محقق أو محتمل أو غير مباشر”، وعلى هذا الأساس سنعمل أولا على تحديد شرط كون الضرر حالا ومحققا وثانيا كونه ماديا ومباشرا وفي الأخير مشروعا   .
أولا : أن يكون الضرر حالا ومحققا.
يستفاد من الفقرة الأولى من الفصل 20 من قانون 81/7 أن المشرع المغربي قد أكد على عبارة الضرر الحالي من أجل استبعاد التعويض عن أي ضرر مستقبل، لأن هذا الأخير ينقصه اليقين في وقوعه، فالقيمة التي يجب أن يؤسس عليها التعويض هي القيمة الفعلية للعقار   .
وإذا كان الضرر المستقبل من وجهة نظر أحكام القانون المدني   يقبل التعويض، ولا يقبله من جهة القانون المتعلق بنزع الملكية فإن ذلك يؤدي إلى إلحاق الضرر بمالك العقار.
ونرى أنه يجب على المشرع المغربي أن يسير في اتجاه نظيره الفرنسي الذي أخذ بفكرة التعويض عن الضرر المستقبل لسد هذا الفراغ التشريعي  .
ثانيا : أن يكون الضرر ماديا ومباشرا
يقصد بالضرر المادي، الضرر الذي يمكن تقويمه نقدا بمعنى أنه يمس مصلحة مالية للمضرور (كفقدان الملك ذاته/ الثمار)، وتجدر الإشارة أن قانون نزع الملكية لم يشترط في الضرر القابل للتعويض أن يكون ماديا، في حين اشترط المشرع الفرنسي صراحة أن يكون الضرر ماديا حتى يكون قابلا للتعويض. أما فيما يخص الضرر المعنوي فإن القضاء المغربي بقي بعيدا عن إقرار التعويض عنه نظرا لصعوبة تقديره.
ويقصد بالضرر المباشر هو ارتباطه المباشر بواقعة نزع الملكية أي وجود علاقة سببية بين نزع الملكية والضرر الناتج عنها، وهذا يؤدي إلى استبعاد الضرر غير المباشر من التعويض. غير أنه ليس من السهل التمييز بين الضرر المباشر وغير المباشر، إذا كان الضرر ناتج عن تفاعل وتظافر مجموعة من الأفعال تكون نزع الملكية أحدهما غير أنه يكفي أن يكون لنزع الملكية الدور الأساسي في حدوث الضرر حتى يتم التعويض عنه   .
ثالثا : مشروعية الحق العقاري المنزوع
يستوجب قانون نزع الملكية 81/7 الفصل الأول في الضرر الواجب للتعويض أن يكون ماسا بإحدى الحقوق أو المراكز الموجودة بصفة قانونية  ، لذا لا يمكن للمنزوعة ملكيتهم المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقهم من جراء نزع ملكيتهم إلا إذا كانوا في وضعية يحميها القانون وعلى هذا الأساس يتم رفض منح التعويض كلما كان المتضرر في وضعية غير مشروعة   .

الفرع الثاني : خصائص دفع التعويض
يتصف التعويض الذي يؤدي إلى الأفراد مقابل نزع ملكيتهم من أجل المصلحة العامة بكونه عادلا (أولا) وبكونه مدفوعا مسبقا قبل إخلاء منزوع الملكية لعقاره ثانيا، وأخيرا يتم تحديده بمقابل نقدي ما لم يقرر المشرع خلاف ذلك.
أولا : عدالة التعويض
لقد تواتر النص على مبدأ العدالة في التعويض في جميع الدساتير المغربية وكذا الإعلان العالمي للحقوق لسنة 1789 في المادة 13 كما تقتضيه مبادئ العدالة والإنصاف، فالعدل صفة وشرط لازم للتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، غير أن التعويض ليس ثمنا لبيع العقار المنزوع وإنما يرمي إلى إصلاح الضرر.
ثانيا : تسبيق التعويض
بالإضافة إلى عدالة التعويض، يجب أن يدفع هذا الأخير مسبقا قبل نقل الملكية وقبل أخذ الحيازة من طرف الإدارة وهي ضمانة مهمة للملكية العقارية أكدت عليها كل من الفصول 18/27/26 من قانون 81/7، إلا أن الواقع يستهدف عكس ذلك، والسبب في ذلك هو كثرة حالات الاعتداء المادي، حيث يتعذر تطبيق المبدأ السابق، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن ينتج عن استئناف الحكم الخاص بنقل الملكية وتحديد التعويض في جزئه الأخير من تأخير في قبض التعويض رغم الحكم بالحيازة ونقل الملكية   .
ثالثا : التعويض نقدا
مبدئيا يتم تحديد التعويض عن نزع الملكية بمقابل نقدي ويعد هذا المقتضى في صالح منزوع الملكية الذي يكون بإمكانه استعمال مبلغ التعويض لتلبية رغباته، وتعرف هذه القاعدة بعض الاستثناءات سواء المنصوص عليها في قانون نزع الملكية أو في لوائح أخــرى   .
ومن الحالات الاستثنائية نجد :

1- حالة الفصل 22 من قانون 81/7 الذي ينص “إذا كان يشغل العقارات المنزوعة ملكيتها مكترون بصفة قانونية مصرح بهم على إثر البحث الإداري المنصوص عليه في الفصل 10 أو مقيدون بصفة قانونية في السجلات العقارية، فإن نازع الملكية يتحمل منح التعويضات الواجبة لهم أو عند الاقتضاء تمكينهم من عقار آخر إذا كان من الممكن”.
2- حالة الفصل 41 من قانون 81/7 الذي يستثني من قاعدة التعويض النقدي الحالة التي يتم فيها نزع ملكية الحقوق المائية    وتكون للمنزوعة ملكيتهم أراضي في مناطق سقوية أو مقرر سقيها، حينئذ يلجأ إلى تعويض يتمثل في الاستفادة في عملية التزويد بالماء طبقا للسعر المعمول به وذلك في حدود التعويض الذي هم دائنون به للإدارة عن نزع الملكية.
3- حالة الفصل 19 من ظهير 24 ماي 1955 المتعلق بالأكرية التجارية  الذي ينص على أنه إذا تم نزع ملكية عقار به أصل تجاري، وجب أداء تعويض عن الإفراغ طبقا للفصل 10 ما لم يعرض نازع الملكية على المكتري عقارا مماثلا للعقار المنزوع ملكيته ويكون قربا منه.

وخلاصة القول أن التعويض العيني يخدم مصلحة الطرفين نازع الملكية ومنزوعها وذلك بتجنيبهم طول إجراءات المسطرة القضائية إذا وافقوا على ذلك.
_____________________
– نشر هذا الخطاب بمجلة المحاكم الإدارية والقانون الإداري العدد الأول 1995 ص 141
– أحمد أجعون ” اختصاص المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”  م س، ص 226
– حكم رقم 445 بتاريخ 16/11/2006، ملف رقم 481/2005/10 ش
– مأمون الكزبري “نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي” الجزء 1 مصادر الالتزامات، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة 11-1982، الدار البيضاء، ص 401.
– أحمد أجعون ” اختصاص المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة” م س، ص 229
– حكم رقم 551 بتاريخ 28/10/2004، ملف رقم 1079 /2003/10/ ش
–  حكم رقم 145 بتاريخ 03/04/2003، ملف 32 /2002/10/ ش
–  أحمد أجعون اختصاص المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من اجل المنفعة العامة، ص 233
– أحمد أجعون اختصاص المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من اجل المنفعة العامة، ص 236.
– أحمد أجعون مرجع سابق ص 236
– راجع في هذا الصدد الظهير الخامس الخاص بنظام المياه.
– محمد الكشبور ” حقوق المياه ونظام التحفيظ العقاري ” مجلة المرافعة عدد 5 ص 11 وما يليها.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.