وضعية الطفل القاصر

وضعية القاصر في ظل مدونة الأسرة
بسم الله الرحمان الرحيم
مقدمة:
الحمد لله وصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين وبعد .
فالأطفال زينة الحياة الدنيا، وبهجة العمر، بهم تكتمل فرحة الأباء والأمهات ،وبهم يملأ البيت سرورا وغبطة ، وتطمئن النفوس لرضاهم ، وتحقيق رغباتهم ، وهم ثروة الأمة وكنزها في الحاضر، والمستقبل ، وهم سرقوتها وعنوان مجدها وتقدمها، بل أكثر من ذلك هم عنصر دوامها واستمرارها .
ويعتبر الأطفال أحد الرهانات الأساسية التي يمكن كسبها لتحقيق ما يصبو إليه من رقي وازدهار ، ولبنة أساسية لبناء مجتمع ذو قاعدة صلبة وصالحة، وهذا لا يأتي من العدم، بل ينبغي أن يتم وفق تربية ورعاية حسنة وكاملة وحسب أنظمة وتعاليم قويمة وفعالة
وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بكل جوانب الحياة، ورسمت لها المنهج السوي والمستقيم ، وكان للطفل الحظ الوافر من ذلك، حيث لم تكتف التعاليم الإسلامية بالرعاية الغريزية الأولية له ، بل أحاطته في كل مراحل نموه بقواعد وأحكام تشريعية ، وعظات توجيهية تكفل سعادته وتحفظه من كل أشكال الانحلال والفساد، وتهيؤه لحياة سليمة، باعتباره مخلوق إلهي حظي بمكانة متميزة ومرموقة لديه تعالى، ذلك مصداقا لقوله :” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ”
وقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة منذ ما يزيد  على أربعة عشر قرنا لضمان حقوق الطفل وتفعيلها على أرض الواقع في حين أن القوانين الوضعية لم تنتبه إلى هذه الحقوق إلا حديثا مع ظهور مجموعة من المواثيق والإعلانات الدولية التي تعبر عن ضرورة رعاية الطفولة وحمايتها من كل الممارسات الاضطهادية واللإنسانية التي يعيشها الطفل .
وإسوة بباقي القوانين الوضعية لقي الطفل المغربي اهتماما بالغا في التشريع المغربي وذلك من خلال ما جاءت به المادة 54 من من مدونة الأسرة التي تطرقت للحقوق الواجبة للأطفال على أبويهم وهي المادة التي يتضح من خلال استقراء مضامينها حجم الأهمية البالغة التي أولاها واضع المدونة المذكورة للطفل، إدراكا منه أن طفل اليوم هو رجل الغد المعول عليه لجر قاطرة التنمية الوطنية في مختلف المجالات الخيرية .
حيث خول له مجموعة من الحقوق تحت كفالة الدولة، وهي الحقوق التي يمكن تصنيفها انطلاقا من مقتضيات المادة المذكورة إلى نوعين مادية ومعنوية .
وعليه فإن الحماية المادية للطفل في مدونة الأسرة ترتبط بكل ما يتعلق بغذائه وحفظه ورعايته ونموه حتما يصير قادرا على توفير أبسط ظروف حياته وبيئته بنفسه كما تنصب أيضا على ضرورة الإنفاق عليه وصيانة ما له إن كان له حال وذلك بتولي أمور النيابة الشرعية على ممتلكاته وبحفظ نصيبه من التركات .
ومن خلال هذا التقديم نجد أن موضوع حقوق الطفل لقي اهتماما كثيرا لدى مختلف الأوساط العلمية كل حسب تخصصه في الفقه الإسلامي أو القانون الوضعي والعلوم الاجتماعية أو الإنسانية خصوصا في السنين الأخيرة.
وتعتبر المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة المغربية الجديدة بخصوص حقوق الطفل بالأهمية بما كان لذا ارتأينا اختيار موضوع بحثنا بعنوان ، وضعية القاصر في ظل مدونة الأسرة وسنحاول إن شاء الله تناول موضوعنا من وجهتين رئيسيتين الوجهة الأولى تتعلق بالحماية القانونية للطفل القاصرفي مدونة الأسرة وخصصنا لها الباب الأول الذي سيتضمن فصلين أما الوجهة الثانية فتتعلق بوضعية الطفل المتكفل به وحقوق الأطفال في التركة وخصصنا لها الباب الثاني الذي يتضمن هو الآخر فصلين .

مدخــل:
1-تعريف الطفل القاصر لغة واصطلاحا .
الطفل لغة : بكسر الطاء المشددة هو الصغير من كل شيء ، فالصغير من الناس أو الدواب طفل، والليل في أوله طفل، والطفل، الظلمة نفسها، وطفل تطفيلا أصابه التراب ، وطفل الكلام تطفيلا أي تدربه وأصل لفظ الطفل من الطفالة أو النعومة ، فالوليد به طفالة ونعومة حق قيل .
الطفل هو الوليد مادام رخما أي ناعما، وكلمة طفل تطلق على الذكر والأنثى والفرد والجمع والمصدر طفولة قال تعالى:” هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة، ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ”  وقد نعني بالطفل جميع الأطفال قال تعالى :” أو الطفل الذين لم يظهروا على عورة النساء” .
نستخلص مما جاء في كتب الفقه الإسلامي أن مرحلة الطفولة هي تلك المرحلة التي تبدأ بتكوين الجنين في بطن أمه وتنتهي بالبلوغ ، والبلوغ قد يكون بالعلامة وقد يكون بالسن، وعلامات البلوغ عند الأنثى الحيض والاحتلام والحبل وعند الذكر الاحتلام فإذا لم يوجد شيء من هذه العلامات الطبيعية كان البلوغ بالسن .
2- القاصر في الاتفاقيات الدولية
عرفت الاتفاقيات الدولية الطفل ” كل إنسان لم يتجاوز 18 سنة ولم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه ”   وسنحد أن أهمها اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع هذه الاتفاقية التي دخلت خير التنفيذ بتاريخ 2 شتنبر 1990 و صادق عليها المغرب بتاريخ 14 يونيو 1993 ونشرت بالجريدة الرسمية عدد  4440 بتاريخ ديسمبر 1996 ثم جاءت سنة 2004 لتدمج أغلب أحكام هذه الاتفاقية ضمن بنود مدونة الأسرة باستثناء حكم واحد هو ما نصت عليه المادة 12 تتعلق بحرية الطفل لانتماء للدين الذي يريده، لاعتبار أن المغرب دولة إسلامية ينص دستورها على أن دين الدولة هو الإسلام لذلك لا تعطي حرية للأطفال في تبني دين آخر. وقد تبنى المغرب أيضا اتفاقيات العهد الدولي الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 1966 /12/16 والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 1979/03/27، وكذا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليها بتاريخ 27/03/1979. هذه الاتفاقيات تتضمن عددا من المواد التي تهتم بشؤون الطفل سواء فيما يتعلق بالتربية أو بالتعليم أو ما يتعلق بتدابير الكفالة وحماية الأولاد في حالة وجودهم
3- القاصر في ظل مدونة الأسرة
نصت المادة 209 من مدونة الأسرة:” سن الرشد القانوني هو 18 سنة شمسية كاملة ” إذن الطفل  من له أقل من 18 سنة شمسية كاملة. وإذا وصل إلى 18 سنة فهو مبدئيا راشد إلا إذا كان هناك سبب قانوني يدعوا إلى نقص أهليته أو فقدانها ولكن بالنسبة للزوج يبقى سن الزواج هو 18 سنة فهناك أهلية الزواج وهناك الأهلية المدنية وهنا عندما أتكلم عن مدونة الأسرة أتكلم عن أهلية الزواج أساسا كما أن المدونة ربطت أهلية الزواج التي أتكلم عنها بسن 18 سنة في المادة 19 عندما تقول تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهها العقلية ثمانية عشرة سنة شمسية كما أن المادة 20 أشارت أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأدن بزواج الفتى دون سن الأهلية المنصوص عليها في المادة 19 أعلاه بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. إذن عندما تتكلم عن حقوق الطفل ضمن هذه المدونة أي حقوق الإنسان الذي يقل عمره عن 18 سنة. فإذا رجعنا إلى المادة 54 من المدونة فإننا نجد بأن هاته المادة تنص على ما يلي : للأطفال على أبويهم الحقوق التالية :
أولا : حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى انتهاء مرحلة الطفولة أو إتمام دراستهم عند الاقتضاء
ثانيا: العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة بالنسبة للإسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية
ثالثا : النسب والحضانة والنفقة طبقا لأحكام الكتاب الثالث من هذه المدونة
رابعا: إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة.
خامسا: اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال للحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقايتا وعلاجا
سادسا: التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيام النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل
سابعا: التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية والعضوية النافعة في المجتمع وعلى الأباء أن يهيئوا لأبنائهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني
________________
– سورة الإسراء الآية 70.
– الدكتور إدريس الفاخوري، سلسلة الندوات (2) مدونة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات ص 229-230.
– سورة غافر ،الأية 67.
– سورة النور الآية 31.
– بحث تحت عنوان حقوق الطفل من خلال مستجدات مدونة الأسرة تحت إشراف الأستاذ إدريس الخوري طبعة 2004/2005 ص 8
– المادة 1 من اتفاقيات حقوق الطفل من الجمعية العامة للامم المتحدة في 20 نوفمبر 1989 .
-الأستاذ علي الصقلي، مدونة الأسرة، والأبعاد جامعية مولاي اسماعيل أشغال ندوة علمية من 46 و 47.
– الأستاذ علي الصقلي ” مدونة الأسرة المستجدات والأبعاد، جامعة مولاي اسماعير أشغال ندوة علمية العدد 58 سنة 2004 ص 47 و 48.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.