الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين

القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الأول: القواعد الموضوعية للقانون الجنائي للمنافسة
الفرع الأول: الممارسات المخلة بحرية المنافسة

المبحث الثاني : الممارسات المقيدة لحرية المنافسة
المطلب الثاني : الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين
إن الحفاظ على المسار التنافسي يتطلب تنظيم العلاقات الخاصة بين المهنيين بعضهم ببعض, وهو ما يستدعي من هؤلاء الأطراف الاحتكام إلى قواعد حسن السلوك في العلاقة التجارية التي تجد أساسها في مبدأ حسن النية والأخلاق الحميدة, استجابة لمقتضيات الفصل الثاني من الباب السادس من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
ومن الممارسات التي قد تؤدي إلى الإخلال بمبدأ الشفافية بين المهنيين نذكر الممارسات التمييزية ( فقرة أولى ), ثم رفض البيع وتقييده ( فقرة ثانية ) .

فقرة أولى : منع الممارسات التمييزية
إذا كان الأشخاص المعنيون بالممارسات التمييزية هم بالأساس المنتجين أو البائعين أو مقدمي الخدمة ،وبصفة عامة أصحاب العرض، مع استثناء أصحاب الطلب ( المشترين) حسب مقتضيات المادة 54 من ق ج أ م التي تنص على أنه يمنع على كل منتج أو مستورد أو بائع بالجملة أو مقدم الخدمات …” فإن محل هذه الممارسات يهم مجالات أشار المشرع إلى بعضها , كالحصول على أسعار أو تطبيقها على الشركاء الاقتصاديين بصفة تمييزية, أو أجل الدفع, أو شروط البيع أو إجراء البيع أو الشراء … . لكن هذه المجالات تبقى واردة على سبيل المثال لا الحصر, مما يتيح للقضاء سلطة تقديرية  لتطبيق جزاء المنع كلما وجد أمامه عمل من شأنه أن يفضل شريكا على آخر ولو لم يرد ضمن النص أعلاه. وتيسيرا لمهمة القاضي في ذلك نجد أن المشرع قد وضع معيارين على الأقل للحكم بعدم شرعية ممارسة ما وهما:
•    عدم تبرير الممارسة بمقابل حقيقي .
•    وإحداثها إجحافا أو فائدة في المنافسة بالنسبة للشريك .
فمفهوم المقابل الحقيقي يتضمن وضعية مادية قائمة بين عارض السلعة أو الخدمة والشريك المميز، كأن تكون الكمية المشتراة من السلع مثلا مرتفعة مما يبرر تخفيض الثمن أو وجود اتفاق تعاون تجاري بين الطرفين…, ففي مثل هذه الحالة ليس هناك ما يمنع البائع أو مقدم الخدمة من التنازل عن بعض الامتيازات لصالح المشتري وحده دون غيره, مادامت العلاقة التي تربطه به تختلف عن مثيلتها بالنسبة لبقية التجار والشركاء الآخرين.
أما بالنسبة لإحداث الإجحاف أو الفائدة في المنافسة بالنسبة إلى الشريك فهو مفهوم واسع يشمل كذلك كل تأثير على السير العادي للمنافسة داخل السوق، وعلى كل ما من شأنه أن يجعل الشريك في وضع سيئي أيضا بالنسبة إلى غيره.
وفي الأخير فالممارسات التمييزية باعتبارها صورة من صور الإخلال بمبدأ الشفافية في العلاقات بين المهنيين, فإنها لا تصبح ممنوعة إلا إذا أحدثت ضررا بسير المنافسة وهو ما يستفاد من صياغة المادة 54 من ق .ح. أ.م. م .

فقرة ثانية: رفض البيع وتقييده
يعتبر رفض البيع وتقييده من الممارسات الممنوعة على المهنيين سواء في علاقتهم بغيرهم من المهنيين أو في علاقتهم بالمستهلكين، فبالنسبة لرفض البيع فيعتبر صورة من صور الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن داخل السوق والذي سبق التطرق له، كما يعتبر من قبيل الممارسات التي تخل بمبدأ الشفافية في العلاقة بين المهنيين. حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 54 من القانون رقم    99 – 06  على أنه ” يمنع على كل منتج أو مستورد أو بائع بالجملة أو مقدم خدماته … أن يمتنع عن تلبية طلبات مشتري المنتوجات أو طلبات تقديم الخدمات لأجل نشاط مهني، إذ لم يكن لهذه الطلبات أي طابع غير عادي, وكانت مقدمة على حسن نية  …. “.
وإذا كانت الصياغة التي ورد بها منع رفض البيع تبدو عامة مادام أن الأمر لا يقتصر على رفض طلبات شراء السلع فقط بل يتعدى إلى طلبات الخدمة أيضا, إلا أن التعداد على سبيل الحصر للأشخاص الملزمين بالاستجابة لطلبات الشراء وتقديم الخدمة يحول دون تبني التفسير السابق، مادام أن فئات أخرى تخرج من دائرة هؤلاء كما هو الحال بالنسبة لعقود التوزيع  .
إلا أن المشرع حسب المادة أعلاه لم يجعل منع رفض البيع مطلقا بل أشار إلى حالتين استثنائيتين لا يعتبر فيهما الرفض ممنوعا وهما:
•    الطلبات غير العادية.
•    والطلبات المقدمة بسوء نية.
أما فيما يخص تقييد البيع أو البيع المشروط وعلى خلاف رفض البيع، فإنه يعتبر ممنوعا من حيث المبدأ دون أن ترد عليه أية استثناءات تبرره، فالفقرة الثالثة من المادة 54 من ق. ح. أ .م .م ” منعت على كل منتج أو مستورد أو بائع بالجملة أو مقدم للخدمات أن يوقف بيع منتوج أو تقديم خدمة لأجل نشاط مهني, إما على شراء منتوجات أخرى في آن واحد, وإما على شراء كمية مفروضة ، وإما على تقديم خدمة أخرى ” ، وبالتالي فكل مهني استعمل إحدى هذه الوسائل يمكن أن يعاقب بالجزاءات المتخذة لذلك .
لكن أهمية منع تقييد البيع تظهر من خلال هدفين أساسيين هما  :
•    حماية الحرية التجارية لدى الشركاء الاقتصاديين الذين يتولون إعادة البيع.
•    الحيلولة دون تحايل المنتجين أو المستوردين أو البائعين بالجملة أو مقدمي الخدمات على مبدأ منع رفض البيع، لأن السماح بالبيع المقيد من شأنه أن يدفع كل من لا يرغب في البيع إلى فرض شروط تمييزية قصد عزوف المشترين وطالبي الخدمة .
___________________
– للمزيد من التفاصيل راجع المادة 54 من حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
– أنظر الفقرة الأولى، من المادة 54 من ق .ح .أ. م. م .
– Voir Roger , Rouir et Michel pédament, p 721 .  مأخوذ عن مفيد الفارسي مرجع سابق 68

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.