طبيعة عمليات التركيز الاقتصادي

القانون الجنائي للمنافسة
الفصل الأول: القواعد الموضوعية للقانون الجنائي للمنافسة
الفرع الأول: الممارسات المخلة بحرية المنافسة

المبحث الثالث: عمليات التركيز الاقتصادي
تعتبر عمليات التركيز الاقتصادي من العناصر الأساسية التي تساهم في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني وتمكينه من مواجهة تحديات المنافسة الأجنبية, وذلك عن طريق اللجوء إلى إنشاء التكتلات بين المقاولات في إطار ما يعرف بالتركيز الاقتصادي ، والذي يتم التمييز في إطاره عادة بين نوعين من التركيز :
•  التركيز الأفقي: حيث تقوم مؤسسة أو عدة مؤسسات بالهيمنة على قسط كبير من إنتاج مادة معينة.
•  و التركيز العمودي: ويتحقق عن طريق إدماج مراحل الإنتاج مادة معينة داخل مؤسسة واحدة.

لكن ومن أجل الحفاظ على جو تنافسي داخل السوق الوطنية، كان لابد من فرض مسألة المراقبة على عمليات التركيز الاقتصادي وذلك لأجل الحيلولة دون تقييد المنافسة، لذلك كان المشرع صائبا عندما تطرق لهذه العمليات ضمن قانون حرية الأسعار والمنافسة.
ومن أجل توضيح عمليات التركيز الاقتصادي سوف نتطرق لطبيعتها (مطلب أول)، ثم لمراقبة هذه العمليات ( مطلب ثاني)

المطلب الأول: طبيعة عمليات التركيز الاقتصادي
تنتج عمليات التركيز الاقتصادي حسب مدلول المادة 11 من ق. ح. أ. م المغربي عن ” كل عقد كيفما كان شكله إذا كان يقضي بتحويل الملكية أو الانتفاع فيما يتعلق بمجموع أو بعض ممتلكات منشآت وحقوقها والتزاماتها، أو عندما يكون الغرض منه أو يترتب عليه تمكين منشأة أو مجموع منشأة من ممارسة نفوذ حاسم على واحدة أو أكثر من المنشآت الأخرى بصفة مباشرة أو غير مباشرة  ”
انطلاقا من نص المادة أعلاه نلاحظ أنه يشترط لتحقيق عملية تركيز اقتصادي وجود عقد يربط بين مقاولة أو أكثر ,  أما ما ينتج من توسع داخل المقاولة الواحدة فلا يندرج ضمن عملية التركيز الاقتصادي مهما بلغ مستوى تطور المقاولة ، وأن تكون مساهمة المقاولات في رأسمال بعضها البعض بشكل مبالغ فيه وذلك من خلال عبارة النفوذ الحاسم التي توحي على ذلك.
كما يتضح أيضا أن مناط وجود عملية تركيز اقتصادي هو توافر عنصرين اثنين على الأقل هما : تحويل الملكية أوالانتفاع بممتلكات المنشأة وحقوقها والتزاماتها من جهة، وتمكين المنشأة أو مجموع المنشأة من ممارسة نفوذ حاسم على بقية المنشأة. وبالتالي فتوافر أحدهما لا يعني وجود الأخرى مما يدل على أن نية المشرع لم تهدف إلى بسط المراقبة على مجرد عملية شراء أسهم مقاولة من طرف مقاولة أخرى, بل كانت تهدف بالأساس إلى ملاحقة العمليات التي من شأنها أن تحدث تغييرات ملموسة على البنية المالية للمقاولة ، مما قد ينتج عنه تقليص حجم القرارات الممكن اتخاذها من طرف كل منشأة بشأن السوق وهو ما قد يكون له في الأخير آثار واضحة على العمليات التنافسية .

المطلب الثاني: مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي
لقد ألزم المشرع المغربي المنشأة بالتبليغ المسبق إلى السلطة العامة ممثلة في شخص الوزير الأول عن كل مشروع يتعلق بالتركيز الاقتصادي وذلك من أجل الحفاظ على المسار التنافسي الطبيعي في السوق الوطنية، وقد تم إسناد مهمة النظر في طلبات التركيز الاقتصادي للوزير الأول، حيث أعطيت له صلاحية الرد داخل أجل شهرين وإلا اعتبر ذلك قبولا ضمنيا للمشروع ,أما إذا أحال الأمر على مجلس المنافسة فيمتد الأجل إلى ستة أشهر.
كما أسندت لمجلس المنافسة مهمة تقدير، عملية التركيز الاقتصادي ومدى مساهمتها في التقدم الاقتصادي مساهمة من شأنها أن تقوم بتعويض الأضرار اللاحقة بالمنافسة . كما يراعي المجلس أيضا في هذا الشأن مدة القدرة التنافسية للمنشأة المعنية بالمقارنة مع المنافسة الدولية ، وهو أمر إيجابي ويتماشى مع الغرض الذي أنشئ من أجله القانون بأكمله، وهو ترويض المقاولات المغربية وتدريبها على تحمل أعباء المنافسة الدولية في إطار ما يعرف بعولمة الاقتصاد والتجارة. أما فيما يخص شروط تطبيق المراقبة فقد حدد المشرع لمراجعة عملية التركيز الاقتصادي أن تكون قد ترتب عنها خلق قواعد اقتصادية يتجاوز نصيبها 40 % من البيوع أو الشراءات أو المعاملات الأخرى في سوق وطنية للسلع أو المنتوجات أو الخدمات من نفس النوع أو القابلة للاستبدال أو في جزء مهم من السوق المذكور .
وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن تأييد عمليات التركيز الاقتصادي هو عمل إيجابي وذلك نظرا لحاجة المقاولات المغربية إلى التكتل خصوصا في الوقت الراهن للسعي نحو التقدم الاقتصادي وضمان السير العادي للمنافسة .
_______________________
– ذ. الجيلالي أمزيد ” الحماية القانونية والقضائية للمنافسة في صفقات الدولة ” مرجع سابق. الصفحات 80-81-82.
– ذ.الجيلالي أمزيد مرجع سابق، الصفحة 80.
– راجع الفقرة الأولى من المادة 12 من قانون حرية الأسعار، والمنافسة المغربي.
– راجع الفقرة الأولى من المادة 12 من قانون حرية الأسعار، والمنافسة المغربي.
– الفقرة الثانية من المادة 42 من ق ح أ م م .
– أبو عبيدة مرجع سابق الصفحة10 .
– المادة 10 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي.
– ذ.الجيلالي أمزيد ، م س ، ص 82.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.