موقف المشرع المغربي من الجرائم الاقتصادية على ضوء مدونة الجمارك

الجرائم الإقتصادية : تجارة المخدرات
الفصل التمهيدي
المبحث الثاني: قراءة في السياسة الجنائية بالمغرب

• موقف المشرع المغربي من الجرائم الاقتصادية على ضوء مدونة الجمارك (1).
صنفت مدونة الجمارك المخالفات و الجنح الجمركية في الفصول 279 إلى 299، ويلاحظ في هدا الإطار أنه لا توجد الجناية في إطار الجمرك، وبالتالي فالمخالفات التي تثبتها إدارة الجمارك تشكل إما جنحا أو مخالفات.
وتتطلب المخالفات الجمركية ذات العناصر اللازمة لقيام الجريمة في إطار القانون الجنائي العام من ركن قانوني وركن مادي وركن معنوي، لكنها تتميز بالخصوص على مستوى الركن الأخير دلك أن الفصل 205 من مدونة الجمارك التي تم إلغاؤها، كان ينص على أن الجنحة أو المخالفة الجمركية تتم بمجرد ارتكابها بصفة مادية، دون حاجة إلى اعتبارية مرتكبها، بل يعاقب المرتكب بسبب قيامه بتصرف مادي كالتهريب، المرور خارج الحدود الجمركية لكن القانون الجديد يأخذ بمبدأ حسن النية، ودلك بالتحقق من المسؤولية الجنائية لكل من موقعي التصريحات الجمركية و المؤتمنين و المتعهدين و دلك بمقتضى الفصل 222 من مدونة الجمارك (2).

ونصت المادة 208 من مدونة الجمارك على أن العقوبات و التدابير الاحتياطية المطبقة في المخالفات الجمركية هي: الحبس، مصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها و الغرامة الجنائية:

*    الحبس: العقوبة الحبسية في ظل مدونة الجمارك هي مسألة موجودة تطبق على جنح الطبقة الأولى والثانية المنصوص عليها في االفصـــل 279 مكرر (3)، والمــــــادة 280 من الــمدونــــة ومدتهــــا من ستة إلى ثلاث سنوات لجنح الطبقة الأولى، ومن شهر إلى ستة لجنح الطبقة الثانية، وتطبيق العقوبات وفق مقتضيات القانون الجنائي العام.
*    المصادرة: نص عليها الفصل 208 من مدونة الجمارك و هي عقوبة أصلية اعتبرها المشرع ضمن العقوبات والتدابير الحقيقية، ونميز لمقتضى الفصل من نفس المدونة بين مصادرة البضائع المحظورة بأي وجه من الوجوه وتكتسي صبغة تدابير احتياطية عينية وبين مصادرة البضائع غير المحظورة وتغلب عليها صبغة التعويض المدني (4)، وقد أمر المشرع في الفصل 211 وجوب الحكم بها على البضائع المرتكب الغش بشأنها لمجرد وقوع المخالفة أيا كان حائزها، ولو كانت البضاعة ملكا لشخص أجنبي أو شخص مجهول.

•    العقوبات المالية: وهي العقوبات التي تلزم المحكوم عليه بأن يدفع للإدارة مبلغا من المال، وليس للقاضي أن يرفع من مبلغها أو أن يخفضه بل تبقى سلطته التقديرية محدودة في هدا المجال، حيث في المجالات التي يقدر فيها القانون ظروف التخفيف، أما تحديد مبالغ هده الغرامات فيختلف باختلاف درجة المخالفة:
– مخالفة الدرجة الثانية، حددت في 2000 درهم كحد أدنى و 20000 درهم كحد أقصى.
– مخالفة الدرجة الرابعة كحد أقصى لا تتجاوز 2500 درهم.
ويتم احتساب مبلغ الغرامة مع أساس قيمة البضاعة المرتكب الغش بشأنها ووسيلة النقل        و الأشياء المستعملة لإخفاء الغش (5).
ولا يسعنا في إطار الحديث عن الغرامات المفروضة في المجال الجمركي سوى التأكيد على البضائع الازدواجي الذي يميزها، فهي تجمع بين صفة الغرامة الزجرية وصفة التعويض المدني وهدا ما أكدته المادة 214 من مدونة الجمارك التي جاء فيها تغلب على الغرامات الجنائية المنصوص عليها في هده المدونة صبغة تعويضات مدنية، غير أنها تصدر عن المحاكم الزجرية، ويجب الحكم بها في جميع الحالات ولو لم تلحق المخالفة أي ضرر مادي بالدولة.
أما بخصوص التدابير الاحتياطية، فقد نص الفصل 220 من مدونة الجمارك على مجموعة من التدابير الاحتياطية الشخصية مثلا:
–    منع القيام بدائرة الجمارك.
–    منع الدخول إلى المكاتب و المخازن و الساحات الخاضعة لحراسة الجمرك.
–    سحب رخصة المعشر.
–    سحب رخصة استغلال مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.

بالإضافة إلى تدابير احتياطية جاءت بها مدونة الجمارك.
نستنتج من خلال القراءة الأولية للقوانين الجنائية المغربية المتصلة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالاقتصاد، أن المشرع المغربي قد أخد بعين الاعتبار التحليل الاقتصادي للسياسة الجنائية، ودلك في كل القوانين التي دخلت حيز التطبيق في التسعينات إلى حد الآن ابتداء من مدونة الجمارك و التي غلب عليها المنظور الاقتصادي وطبقت فيها معاييره، وكدا بالنسبة للملكية الصناعية و قوانين الشركات ومدونة التجارة، ومدونة الشغل وهكذا أخذت الجرائم الاقتصادية تخرج شيئا عن مجال القانون الجنائي المغربي وتنفرد بقوانين خاصة، كما أن الإجراءات المسطرية لبعض هده القوانين، تختلف عن الإجراءات المسطرية في قانون المسطرة الجنائية، ويظهر هدا جليا في مدونة الجمارك، ومدونة الشغل، ويبقى أن نتساءل عن موقف القضاء المغربي، هل ساير هده السياسة الجنائية الاقتصادية في أحكامه؟ أم أنه غلب الجانب الردعي عن الجانب الوقائي، ودلك بتركيزه على العقوبة الحبسية دون أخذه بعين الاعتبار التدابير الأخرى المنصوص عليها في هده القوانين؟

الجواب على هدا سيكون موضوع الفصل الموالي حيث سيتم التطرق إلى الأحكام العامة الصادرة في بعض الجرائم الاقتصادية وعلى الأخص جرائم تجارة المخدرات باعتبار هده الأخيرة جرائم اقتصادية مستحدثة.

_______________________
(1) مدونة الجمارك: 15 يونيو 2000. الجديدة.
(2)الملحق القضائي عزيز مصطفى، رسالة نهاية التمرين”المنازعات الزجرية في الميدان الجمركي” المعهد الوطني للدراسات القضائية -2000-2002 ص 76 وما يليها.
(3)    تنص المادة 279 مكرر مرتين من مدونة الجمارك الجديدة 5/6/2000 على أنه “تشكل جنحا جمركية من الطبقة الأولى:
–    استيراد أو تصدير المخدرات و المواد المخدرة و محاولة استيرادها أو تصديرها بحكم تصريح مزور أو غير مطابق.
–    الحيازة غير المبررة لمفهوم الفصل 181 أعلاه للمخدرات و المواد المخدرة.
–    كل خرق للأحكام المتعلقة بحركة وحيازة المخدرات و المواد المخدرة داخل دائرة الجمارك
–    وجود مخدرات أو المواد المخدرة في مستودع أو مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.
(4) الملحق القضائي عزيز مصطفى، مرجع سابق، ص 95 و ما يليها
(5) الاستاد عبد العالي المومني، المرجع السابق

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “موقف المشرع المغربي من الجرائم الاقتصادية على ضوء مدونة الجمارك”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.