العقوبات في الشريعة الإسلامية : الحدود, التعذير, الحسبة

ولذلك جعلت الشريعة الإسلامية العقوبات نوعين:
أولا: الحدود: و هي العقوبات التي قصد بتثبيتها حفظ الضروريات الخمس التي عليها صلح حال البشر و سعادتهم وهذه الضروريات هي الدين و النفس و العقل و المال و النسل ونتطرق بإيجاز في حدود موضوعنا إلى الحد الذي قصد به حفظ المال وهو حد الســـرقة   و حـــد الحرابـــة ، قال تعالى:”والسارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكلا من الله” و هذه السرقة التي عرفها فقهاء الشريعة الإسلامية بقولهم هي أخد مكلف خفية مالا من حرز لا ملك له فيه و لا شبهة (1) وهي لا تختلف في شيء عن السرقة في مفهوم التشريع

الوضعي، إلا أنه أمام شدة العقوبة المقررة لها شرعا و هي قطع اليد فقد أحيطت الواقعة الإجرامية بشروط من شأنها أن تضيق من نطاق إقامة الحد (2).
أما حد الحرابة (قطع الطريق) فقد جاء فيه قوله سبحانه وتعالى:”إنما جزاء الدين يحاربون الله ورسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا ويصلبوا أو تقطع أيديهم أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض دلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم”(3).

وقد شددت العقوبة على قاطع الطريق الذي يسعى في الأرض فسادا لأنه يؤثر على حركة الإنسان في تقدم الحياة و تحقيق الرفاه للمجتمع بما يحققه من إرهاب للتجار في نقل بضائعهم و أموالهم و التأثير على سيولة الاقتصاد و أثر دلك في بناء المجتمع.
ثانيا: التعازير: ولن الجرائم التي تنصب على المال و الجرائم الاقتصادية لم تنته بالحرابة    و السرقة بل تتعداها إلى جرائم ل احصر لها كالربا و الغش و التدليس و التهرب من الزكاة و الخراج و أكل أموال اليتامى و غيرهم بالباطل و تزوير العملة و التهريب      و الرشوة وغيرها   من الجرائم و قد فتحت الشريعة باب الاجتهاد من الاعتبار و التقدير    و ذلك في الجرائم غير المحددة، وقد شرع لها التعزيز وهو الردع و المنع لغة، و في الشرع تأديب على ذنب لا حد فيه. فإن للقاضي كما للمشرع أن يكيف لكل فعل لا يصل إلى حد الجرائم المنصوصة و كل فعل منهي عنه  وفقا لظروف كل قضية وتبعا لحالة المجرم فجعلت الشريعة للإمام أن ينظر باعتبــــار من خلال الزمان و المكان و العرف و البيئـــــــة

في هذا الفعل وأن تحدد العقوبة المناسبة في نطاق التعزيز الذي باشره الرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه من بعده في نطاق السياسة الشرعية و المصلحة التي يملكها ولي الأمر بمقتضى الإمامة لأن توليته منوطة بالمصلحة و بهذا النوع و في نطاق المبادئ العامة تحرك التشريع و تيسر التطبيق وتدبر عجلة الفقه الإسلامي في حيوية ومرونة امتازت بهــا الشريعة الإسلامية التي جعلها الله صالحة لكل زمان و مكان و التعزير يتناول الزجر و الغرامة و الحبس و القتل.
ثالثا: مؤسسة الحسبة في الإسلام: الحسبة في الإسلام معناها بصفة عامة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لقوله عز و جل:”ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر”(4) و المحتسب من تعنيه السلطة للقيام بذلك المهمة و رقابته واجب عليه لا ينبغي أن ينشغل عنها و هي فرض عين بحكم الولاية، وأن عليه الاستجابة لمن استدعاه كما أن عليه أن يكشف المنكرات الظاهرة وله أن يتخذ عونا لأداء مهمته، ومن حقه أن يعزر في المنكرات الظاهرة و أن يجتهد برأيه بالنسبة للعرف دون التشريع فيوافق أو ينكر ما أوصله إليـــه اجتهاده، وهو يحصل على راتبه من بيت المال. وقد بين الفقه الإسلامي مهام المحتسب وحدد نطاق عملة في ثلاث وظائف: العبادات و المحظورات و المعاملات، ففي ما يخص المعاملات فقد قرر الفقهاء أن مدار المحتسب هو ما نطلق عليه الجرائم الاقتصادية فيتحدد واجبه الأساسي في منعها و الكف عنها أو على الأقل التقليل منها، ومن الجرائم في الفقه الإسلامي البيع بغير الموازين و المكايل و المقاييس الرسمية التي تفرضها الدولــــــة أو المحتسب، فإن لم يكن للدولة محتسب موازين و لا مكايل معينة و مفروضة على الأسواق فإن له أن يتوجه بالإنكار لمرتكبي البخس و التطفيف.

____________________________
(1) محمد محمود حسن وخالد محمد فلاح: بحث تحت عنوان:”الجرائم الاقتصادية” دراسة مقارنة،لنيل الإجازة في الحقوق قانون خاص بفاس سنة 1992/1993 ص 18 وما يليها.
(2) محمد محمود حسن وخالد محمد فلاح المليغي: مرجع سابق ص 40.
(3) سورة  المائدة الآية 35.
(4) سورة آل عمران الآية 104.

مقتطف من : الجرائم الإقتصادية : تجارة المخدرات

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “العقوبات في الشريعة الإسلامية : الحدود, التعذير, الحسبة”

اترك رداً على websites directory إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.