تاريخ ظهور وتطور الإنتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان

الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب
الفصل الثاني: ظهور العمل والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب
المبحث الأول: السياق التاريخي لتطور الانتهاكات الجسيمة
كل مقاربة عرجاء لا تلامس غير جانب واحد من جوانب القضية المراد مقاربتها لن تفضي بصاحبها إلا إلى استنتاجات ونتائج خاطئة و هذا بالفعل ما ينطبق على مختلف القراءات التي دأبت على مقاربة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان  بالمغرب ما بين 1956-1999 إذ أن العيب الأساسي الذي يشوب هذه القراءات هو ابتعادها عن ملامسة الجوهر، والشروط الموضوعية المفضية إلى هذه الانتهاكات بل أكثر من ذلك يتم عزلها وبترها عن الإطار العام والتاريخي الذي أفـرزها.
إن ملامسة السياق التاريخي لتطور الانتهاكات الجسيمة ل حقوق الإنسان سوف يحيلنا إلى مرحلة ما بعد الاستقلال الشكلي الناتج عن اتفاقية /مؤامرة أيكس ليبان بين النظام القائم والإمبريالية الفرنسية بمشاركة قيادة الحركة الوطنية بهدف إجهاض حركة التحرر الوطني المغربية، والتي حملت على عاتقها النضال من أجل الاستقلال الفعلي في إطار مجتمعي بديل يرسخ مصالح الجماهير الشعبية قاطبة، من جهة وتثبيت مصالح الإمبريالية الفرنسية بالمغرب من جهة أخري، وفي هذا السياق شرع النظام القائم في إعادة بناء أجهزته القمعية وإصدار ترسانة من القوانين (ظهير 58 المتعلق بالحريات العامة…) وذلك في ظل وضع اجتماعي سمته الأساسية هي الفقر والبؤس وحرمان الجماهير الشعبية من أدنى شروط العيش الكريم مما سيفجر الانتفاضات والتمردات على امتداد خريطة هذا الوطن كان أبرزها انتفاضة مكناس 1958 وثورة الريف 58-59 والتي تم قمعها بشكل دموي، لترتسم أمام أعين العالم أبشع صور خروقات وانتهاكات حقوق الإنسان فعوض معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي كان السبب في هذه الأحداث لجأ النظام القائم بالمغرب إلى القمع والتقتيل والتعذيب والمحاكمات الصورية التي تفتقد إلى أبسط شروط المحاكمات العادلة إضافة إلى تأطيرها بترسانة قانونية تعود إلى مرحلة الاستعمار المباشر، ستكرس بترسانة أخرى وذلك فيما بعد الاستقلال الشكلي بإصدار ظهير 58 للحريات العامة، الذي وكغيره من القوانين هدف إلى تحصين مصالح النظام القائم.
فسلسلة الخروقات لم تنقطع فمن المحاكمات والمتابعات السياسية المتعلقة بحرية التجمع والتظاهر وحرية التعبير والصحافة مرورا بالمحاكمات ذات الصبغة السياسية في الستينات (محاكمة 1963 والإعدامات الناتجة عنها) ومحاكمة مراكش 1971 و1973 إثر أحداث 3 مارس أو المتعلقة بمحاكمة مناضلي الحركة الماركسية اللينينية سنة 1977 (محاكمة الدار البيضاء الشهيرة) ومحاكمة 1984، والمحاكمات السياسية الناتجة عن الأحداث الاجتماعية المتمثلة في الانتفاضات الشعبية التي اهتزت لها ربوع هذا الوطن من 65-81 –84-إلى 90-91، وصولا إلى المحاكمات الصورية التي طالت مناضلي الحركة الطلابية خصوصا في السنتين الأخيرتين، كل هذه المحاكمات امتازت بانعدام أدنى شروط المحاكمة العادلة وكذا الأحكام القاسية والجائرة في حق المتابعين في كل تلك القضايا، ولمسلسل انتهاكات حقوق الإنسان في بلادنا مظاهر أخرى تمظهرت مثلا في التعذيب والتنكيل بالمتابعين و الذي كان يصل إلى القتل في بعض الأحيان وتكفي الإشارة هنا إلى الدور الأساسي الذي لعبه النظام القائم في اغتيال “المهدي بن بركة” وكذا التعذيب الذي مارستاه المخابرات في مجموعة من مناضلي ح.م.ل.م و الذي أفضى إلى استشهادهم (زروال، رحال…) من داخل المخافر السرية (درب مولاي الشريف) عبر كل أشكال التنكيل والتعذيب الجسدي والترهيب النفسي وذلك سواء من داخل معتقلات سرية أو علنية (أكدز، تزمامارت).
وتبقى مختلف مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب (الاختفاء القسري، الاعتقال السياسي، المحاكمات الصورية، القتل، التعذيب المفضي إلى الموت، أو المسبب في عاهات جسدية أو نفسية، والإعدام، والنفي والأبعاد القسري والترحيل، الحصار، نزع الممتلكات، والقتل الجماعي أثناء الانتفاضات الشعبية) قائمة لأنها لم تجد ولن تجد طريقها إلى الحل لأن هذه الممارسات مرتبطة بطبيعة النظام القائم بهذا البلد.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.