قراءة في السياسة الجنائية بالمغرب

الجرائم الإقتصادية : تجارة المخدرات
الفصل التمهيدي
المبحث الثاني: قراءة في السياسة الجنائية بالمغرب

عرف بعض الفقهاء السياسة الجنائية أنها تشمل مجموعة الإجراءات التي بواسطتها ينظم الجسم الاجتماعي أجوبته على الظاهرة الإجرامية.
وهده القاعدة تمكن من التأكيد على أن القانون الجنائي متواجد بشدة، إلا أنه مصحوب بمجموعة تطبيقات غير جنائية “كالعقوبات الإدارية، الإجراءات التأديبية المهنية” و الإجراءات غير زجرية “كالرقابة و الإصلاح و الوساطة” وأحيانا إجراءات غير حكومية “المنظمات غير الحكومية أو المؤسسات العمومية” (1).

وبالنسبة للسياسة الجنائية الاقتصادية فقد غرفها بعض الفقهاء بأنها نظام قانوني الهدف منه تقنين وردع النشاطات غير المشروعة أثناء ممارسة النشاطات الاقتصادية و المالية، كما أن السياسة الجنائية تدور كذلك حول اختيار عقوبة ثقيلة إلى حد دفع الجرم إلى التراجع، لكن يجب أن لا تكون أكثر ثقلا و دلك لتجنيب المجتمع مصاريف باهضة (2).

ولعل أسس تحليل السياسة الجنائية الاقتصادية ترتكز على تساؤلين اثنين:
-الأول: لمادا يجب تجريم بعض النشاطات؟
-الثاني: ما هو الهدف؟ أهو القضاء النهائي على هده الجرائم؟ أو بالعكس التساهل إلى بعض الحدود؟

للإجابة عن هدين السؤالين سنتناول هدا المطلب في فقرتين:

•  وجهة نظر المحللين الاقتصاديين
يجيب التحليل الاقتصادي من وجهة نظر خاصة تتعلق بالفعالية و يؤكد أن البحث عن المستوى الأمثل للعقوبة قد يمكن من أن يصرف المجرمين المحتملين، و يرجع الجريمة الى مستواها الأمثل.
و هكذا فالمشرع يمكن أن يلعب على متغيرين:
– صرامة العقوبة.
– واحتمال الاعتقال

فقد تمت التوصية برفع الغرامة إلى حد أن يفوق ربح المنع تكلفته، وهدا التطور التدريجي يتوقف عندما تكون تكلفة منع الجنحة أكثر بكثير من الضرر الصافي التي كان من المحتمل أن تسبب فيه.
وهكذا فإن السياسة الجنائية تدور حول اختيار الردع بما فيه الكفاية لمنع المجرمين، و لكن ليس مرتفعا لتوفير مصاريف مهمة جدا على المجتمع.
ولذلك فإن التحليل الاقتصادي يوصي دائما أن تعوض الغرامات الحبس و ينحصر التحليل الاقتصادي في:

أ‌-  لا توجد جناية أو جنحة دون قصد ارتكابها. لكن بالنسبة للمقاربة الاقتصادية للسياسة الجنائية، فإن الشخص يجب أن يؤدي ثمن (عقوبة) تساوي تكلفة ما أحدثه فعله للمجتمع، لكن إدا حاول ارتكاب جريمة دون أن يفلح – فإنه لا يلزم بأية تكلفة للمجتمع، في حين أن القانون الجنائي ينص على العقوبة في هده الحالة.

ب‌-  يظهر تحليل الجريمة الاقتصادية و المالية المرتكبة من طرف الموظفين أن هده الفئة ليس لها رغبة في المخاطرة و تخشى السجن، و يمكن هدا من إنقاص العقوبات دون التأثير في الأهداف التي تنشدها السياسة الجنائية، لان هده الفئة تتخلى عن الجريمة بتهديد أقل من المعتاد، و يوفرون مصاريف على المجتمع، فهده السياسة فعالة لكن هل هي عادلة؟

ج- اكتشاف الجرائم الاقتصادية و المالية يتطلب ميزانية كبيرة، و لدا يجب الخيار بين تحمل ميزانية الدولة هده المصاريف الباهضة أحيانا، أو خلق نوع من التخصص في المنع و دلك باستهداف نوع معين من الجنح.

ويتطلب دلك تحليل دقيق للأضرار التي تتسبب فيها هده الجرائم، فادا تبين أنها تكلف المجتمع كثيرا فإنه تكون هناك حجة اقتصادية تبرر خلق قضاء و مصالح بحث متخصصين. وهدا الإجراء إضافة إلى كونه فعال، يمكن من الوصول إلى نفس المستوى المنع بدون رفع العقوبات المتوسطة. فالتخصص يشكل إذن طريقة ناجعة معترف بها لدى الممارسين.

________________________
(1)   د. عبد العالي المومني “وكيل جلالة الملك بالمحكمة الابتدائية بمكناس”مقال منشور بعنوان “السياسة الجنائية الاقتصادية في التشريع المغربي” بسلسلة الندوات والايام الدراسية، العدد 3 أيام 9،10،11 دجنبر 2004 بمكناس.
(2)   د. عبد العالي المومني، المرجع السابق.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.