ظاهرة المخدرات بالعالم الإسلامي و الدول العربية خاصة

الجرائم الإقتصادية : تجارة المخدرات
الفصل الأول: تجارة المخدرات بين الواقع و القانون.
الفرع الأول: أحكام تجارة المخدرات و تحديدها في إطارها الدولي و العربي الإسلامي و الوطني.
المبحث الثالث: ظاهرة المخدرات في إطارها الدولي و الوطني

المطلب الثاني: ظاهرة المخدرات بالعالم الإسلامي و الدول العربية خاصة
الإسلام برأي العلماء و الفقهاء يقوم على ضرورات خمس و يعتبر الحفاظ عليها من أصول الدين فهو يطالب بالحفاظ أو على النفس و على العقل وعلى المال وعلى النسل و المخدرات تهد هذه الضروريات الخمس مجتمعة، فإذا غاب العقل بالضرورة و شلت الإرادة و ضعفا النفس وهانت و ضاع المال وفسد النسل، و الخمر أم الخبائث و هي محرمة و ليس الخمر ما خمر فقط (بضم الخاء)، بل هي في قواميس اللغة: كل ما خامر العقل أي ستره. ويقول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام و بذلك فكل أنواع المخدرات التي تصيب العقل بحالة من عدم الصحو، أي فقدان الوعي و لو بنسبة بسيطة حرام (1).
و السؤال المطروح كيف واجهت الدول الإسلامية و العربية المخدرات و ما مدى الخطورة التي تشكلها بهذه البلدان؟

ففي البلدان العربية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1919 لم تعرف سوى الحشيش و الأفيون ثم ثلاهما، القات فيما بعدـ وحتى نهاية القرن 18 الميلادي لم يكن الإدمان معروفا. ومع بداية القرن 19م بدأ يدب استعمال المخدرات خاصة مع الحشيش الذي دخل من اليونان و تأثرت به دول البحر الأبيض المتوسط. ثم دخل الكوكايين مصر على يد كيميائي يوناني و فلسطيني أدخلته لها قوات الاحتلال.
أما اليوم فتعتبر الدول العربية كمناطق زراعية ومناطق عبور و كأسواق مستهلكة، وبدأ على ساحتها يعيش شرائح التجار و المهربين و العصابات و المافيا التي تتخذ من المخدرات عيشها اليومي و تجارتها المربحة كما تنتقد من المواطنين و زبائن دائمين رغم الخطر و رغم التحريم الديني و رغم القوانين و الحملات الأمنية و على الخريطة العربية، دول منتجة لمواد المخدرات المؤثرة على العقل، مثل لبنان و اليمن و السودان و مصر و المغرب و دول مستهلكة لكل المخدرات مثل دول الخليج العربي و في مقدمتها الكويت و المملكة العربية السعودية و الإمارات وجميعها باتت تعاني من نفس المعاناة و بنفس القدر من الخطورة (2)، وأول هذه الدول هناك لبنان الذي كان يعتبر لفترة طويلة أكبر دولة منتجة للحشيش في العالم.
أصبح إضافة إلى ذلك مركزا أساسيا لتصنيع الهيروين و كفله خلال سنوات الحرب الأهلية و بعدها الخشخاش انتشر في لبنان في منتصف القرن الحالي على يد تجار المخدرات في تركيا و أفغانستان و قد أشرف هؤلاء في البداية على زراعتها وتعليم الأهالي كيفية العناية بها و طرق استخراج الأفيون منها، تمهيدا لتصنيفه إلى هيروين ة غيره. أما القنب الهندي فقد عرفه لبنان أواخر القرن 18م و طوال عقود من التاريخ الحديث عرف لبنان بأنه بلد منتج للحشيش و مصدر له إلى الخارج كما عرف حتى عشية إحداث الحرب الأهلية عام 1975م  إن الذين يقومون بزراعة الحشيش و تصنيعها لا يدمنونها.

و تعاني الحشيش في لبنان قديم. أما المخدرات الأخرى فإدمانه جاء متأخرا (3). كما أن تعاني المخدرات في لبنان بدأ في مرحلة الفلتان الأمني بالمخدرات الأعلى كما كالكوكايين و الهيروين، وللمليشيات دورها في ترويج هذه المخدرات. وحسب تقدير أمريكي نشر بواشنطن سنة 1990م أن لبنان من أكبر المستوردين للمخدرات من أفغانستان، و جنوب شرق آسيا لأبناء الحرب الأهلية حيث كان يجري استهلاك قسم منها من جانب الميلشيان نفسها، كما كان يجري تسويقها إلى الخارج مرة أخرى.
وحسب دراسة حول المخدرات في لبنان، أن زراعتها تنمو في مناطق البقاع المعروفة بجرود الرمل – بعلبك (4) أما تصنيعها فيتم محليا في المناطق نفسها و هناك في البقاع مصانع متخصصة يشرف عليها خبراء أتراك، و يابانيون، وفرنسيون، يعمل فيها تايلانديون وفليبيون و بعض المصريين و اللبنانيين منها معامل “قب الياس” و “طاريا” ذات الشهرة العالمية، كذلك الحال في المناطق القريبة منها و ذلك بالإضافة، الى مصانع مماثلة  يشرف عليها بعض الالمان و الفرنسيين و اللبنانيين تستورد مادة الكوكايين الخام بكميات ضخمة و بطرق مختلفة من أمريكا اللاتينية و من تركيا، يتم تصنيعها في مختبرات حرفية بهذه المعامل. و حسب الخبراء اللبنانيون أنفسهم، هناك أكثر من عشرين ألف مدمن على المخدرات، يشكلون سوقا محلية محدودة للتوزيع . ثم هناك تجار أوربيون و أمريكيون مقيمون في لبنان يقومون بالتصدير و التهريب لحسابهم سواء في يخوتهم أو بواخرهم . لكن التصدير الواسع يتم عن طريق مرفأي جونية و بيروت (الحوش الخامس)، و مرافئ غير شرعية عديدة على طول الشاطئ اللبناني، إلى جانب تهريب كميات محدودة من مطار بيروت الدولي تتولاها شبكات متخصصة لديها وسائلها الخاصة من زوارق سريعة الحركة تحيط بها حمايات و سط البحر، و هي باتجاه قبرص و تركيا و أمريكا و أوربا .

أما بالنسبة لمصر فتعتبر بلد المخدرات بامتياز في القارة السمراء و هي تعاني مثلها مثل العديد من البلدان العربية الأخرى من هذه الآفة، إذ توجد على أراضيها مساحات واسعة لزراعة الحشيش و الخشخاش و مخدرات أخرى كما توجد لديها مختبرات و مصانع مختلفة لتحضيرها، و عصابات عديدة لترويجها  داخل مصر و خارجها.
و إذا كانت الاحصائيات غير دقيقة حول عدد المتعاطين للحشيش و المخدرات الأخرى في مصر فإن ما تصرفه الدولة المصرية سنويا لمواجهة ظاهرة المخدرات بين شبابها (حوالي 20 مليون دولار) يؤكده انتشارها يفوق التصورات العادية. وحسب الخبراء في مصر فإن السوق المحلية للمخدرات لا تستهلك فقط المخدرات السوداء لكنها تستورد أيضا من الأفيون و الهيروين و الكوكايين و القنب الهندي و الخشخاش و غيرها مما يجعل مصر مرتعا لشبكات التهريب التي تربط الشرق الأدنى بأوربا و افريقيا (5).
أما تونس فتعرف انتشار قويا و كثيفا للحشيش و الهيروين و الأفيون و الحبوب المخدرة. وهي تعتبر دولة عبور للعصابات الدولية إلى أوربا و الى بلدان مجاورة أخرى باعتبارها نقطة وصل بين أوربا و افريقيا. في حين يتصمد بعض المهربين ترويج بعض كميات داخل تونس لتسديد بعض المصاريف المتصلة بالرسومات (6).

في السودان، لقد كشفت أعدتها سلطات المباحث المركزية و الشرطة بالسودان، أن هذا البلد العربي الإسلامي الإفريقي تحول بالتدرج خلال العقود الثلاث الأخيرة إلى معبر رئيسي آخر لتجارة المخدات في العالم. كما كشفت أن تجار المخدرات استطاعوا اختراق المجتمع السوداني لترويج “سمومهم” و السيطرة على أطفال و شباب المدارس و المعاهد بكثافة خطيرة، و أكثر القطاعات استخدام لها طبقة العمال و التجاريين و الحرفين إضافة للطلاب و التلاميذ الذين يستخدمون الحبوب المنشطة و غالبا السودانيين يقصون فرسية لصندوق جديدة من الحشيش المصري و اللبناني…….، وعدم الاستقرار السياسي و الاجتماعي بالسودان، ساهم إلى حد كبير لان يكون معبرا للنجارة المخدرات، و يوجد بالسودان 18 مرفئ طبيعي على سواحل البحر الأحمر لاستحمال القوارب الصغيرة          و المتوسطة و عادة ما يعمل تجار المخدرات في أي عملية كبيرة على استخدام الضحايا بإعطائهم أدوارا صغيرة لا تكشف تفاصيل العملية أو أسماء أو معلومات القائمين بأمرها.
و السودان بفعل موقعها الجغرافي و الذي يتناغم كثيرا من الدول الإفريقية و العربية جعلها معبرا تربط القارة الإفريقية (7).
وتقيد تحريات المباحث المركزية و قسم مكافحة المخدرات بالسودان أن ظهور جيل جديد من تجار المخدرات يضم موظفين حكوميين و تنفيذيين كبار معروفين في المجتمع أصبح من طبيعة عملهم تسهيل عمليات التهريب وترويج المخدرات بالسوق الأوربية.

أما في اليمن، فقد دلت الدراسات على أن شمال إفريقيا هو موطن القات الأصلي الذي تستهلك “اليمن” اليوم بحرية و داخل القانون. وزرع القات في الجنوب و لم يزرع في صنعاء حتى القرن 18م و يقوا الرحالة الفرنسي “بالا بوتا” بأن القات كان أهم محصول في جيل صابر جوار تعز في عام 1837.
و القات يعتبر في اليمن بدون مجال لا وجود شك، الأكثر ربحا في مرتفعات اليمن الجميلة ذات الممرات الصعبة و الوعرة، بحكم أن شجرة القات لها قدرة غريبة في العيش فهي تنمو على مختلف التربات و هي سهلة الزراعة و دائمة الخضرة تقاوم كل أنواع الحشرات و الأمراض و لها أوراق تصطف ثلاثة مرات في السنة الواحدة و أحيانا ست مرات و توجد في منطقة ‘رادع” و منطقة “راح”. (8).
والقات في اليمن تمضغ أوراقه عادة بعد صلاة العصر و تستمر حتى صلاة المغرب أو بعدها و يمضغ القات بشكل عام مساء في المنطقة الساحلية حيث يكون الحر شديدا. وهذه العادة تحدث يوميا في المناطق الحضرية و الريفية، وفي معظم الحالات تتناول جماعات النساء و الرجال القات كل على حدة و تعتبر هذه العادة مهمة في المناسبات كالزفاف و الولادة و الخثان و عودة المسافرين و الحجاج و الخبائز و الأعياد الدينية و في شهر رمضان تنحصر المضغ بعد الإفطار و تستمر حتى الفجر و جلسات المضغ تتكون من مجموعة يتراوح عددها بين 10 و 20 رجل. هذا هو واقع دولة تحمل اسم اليمن من ظاهرة تخرب العقول و الأجساد ببطء أو الموت البطيء كما يحلوا لبعض تسميته، في الكويت و بعض دول الخليج.

_____________________
(1)   أسيمة جانو المرجع السابق  الصفحة 14.
(2)   هناك اثفاقيات عديدة ثتائية و جماعية بيتن البلدان العربين لمواجهة المخدرات.
(3)   امتتال الجويدي “عالم المخدرات” بيروت 1990 صفحة 24.
(4)   تعتبر المنطقة الجردية التي تكسوها الثلوج و تصعب فيها المواصلات حتى على ظهور الخيول.
(5)   أكد اللواء محمد صلاق بركات، وكيل الادارة العامة لمكافحة المخددرات في مصرفي تصريح له أن بلاده من الدول المستهلك لمختلف أنواع المخدرات التي تهرب إليها من الخارج برا و بحرا و جوا و ذلك نظرا للموقع الجغرافي لمصر الذي يجعلها أيضا منطقة عبور للمخدرات المهربة من دول الانتاج في جنوب شرق و غرب أسيا الى دول الاستهلاك في افريقيا و أوربا و أمريكا، كما توجد في مصر بعض الزراعات غير المشروعة منها القنب و الخشخاش التي تغطي جزء من الطلب المحلي، أما الحشيش فهو المخدر الاكثر انتشارا بين المتعاطين في مصر. حيث يهرب بصفة أساسية من لبنان، و من تعض الدول جنوب غرب آسيا (عبد الكريم برشي مجلة الحوادث اللبنانية، 2 يونيو 1959م).
(6)   عبد الكرم برشي، المرجع السابق.
(7) إلى وقت قريب كانت تجارة المخدرات محصورة بكميات قليلة من الحبوب المخدرة تأتي من دول غرب إفريقيا للسودان في طرقها للدول العربية. ولكن بعد الحرب اللبنانية بدأت تجارة المخدرات تتجه نحو دول عربية و إفريقية بديلة، وقد حظي الخرطوم خلال السنوات الماضية بكميات من هذه السموم عن طريق البحر الأحمر و الشحن الجوي. كما أصبحت المنطقة تعرف مخدر (البنقو) تجارة رائجة تتم زراعته في جنوب دارفور. حيث شكلت الحرب الاهلية في هذه المنطقة عائقا في عدم السيطرة على هذا الموقف. محمد أديب السلاوي (المرجع السابق الصفحة 75).
(8)   في بحث أنجزه الباحث الامريكي”جيرهون” عام 1990م أفاد بأن 58 بالمئة من الرجال يمضغون القات في الغربي المحيطية يتعز. أن 83 بالمئة من الرجال و 70 بالمئة من النساء يستعملون القات في العاصمة صنعاء و أن الاكثرية الساحقة من أهل اليمن يمضغون القات، و يعتبرونه من الضروريات اليومية و يقال أن النساء لا يتعاطين القات في المدن الواقعة و سط البلاد وخاصة “عمران وادي الاهجر و قرية بنغازي الجنوبية و بعض القرى الساحلية”.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.