التنفيذ المعيب لأشغال البناء

مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن
الفصل الأول : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن
المبحث الأول :المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن قبل التسليم
المطلب الأول : أسباب المسؤولية العقدية
الفقرة الثانية : التنفيذ المعيب لأشغال البناء :
لقد اتجه التطور التشريعي إلى تحميل المهندس والمقاول ما يحدث من خلل فيما شيدوه من مبان وما قاموا به من أعمال وسمة هذا التشدد لا تكمن في التبعات التي يتحملونها بسبب مخالفة المواصفات المنصوص عليها في عقد البناء، التي مبناها الرابطة التعاقدية والتي تنتهي بإنجاز العمل مقابل أداء أجر بل تشمل أيضا الانهيار الكلي والجزئي للبناء، أو تواجد خطر واضح بالانهيار بسبب نقص المواد أو عيب في البناء أو في الأرض .
ولهذا فعلى المقاول أن يعمل جهد الإمكان على تعليمات المهندس المعماري، وأوامره سواء بالنسبة للتصميمات المعمارية أو المقاييس المتعلقة بالحسابات ، والمقاول بدوره كالمهندس المعماري ينبغي عليه أن يقوم بتنبيه رب العمل إلى مخاطر المشروع من زاوية التنفيذ وأن يسدي إليه النصيحة والمشورة حتى يكون الزبون على بينة من أمره ويعمل على تفاديها.
وعلى المقاول أيضا أن يلزم المقاول من الباطن، -إن وجد عقد المقاولة من الباطن – بتنفيذ العمل على وجه غير منافي للعقد كما له أن يقوم بإنذاره أثناء تنفيذ العمل بأن يعدل من طريقة التنفيذ المعيبة لأن المقاول الأصلي يبقى مسؤولا تجاه رب العمل عن أخطاء مقاوليه من الباطن .
أولا : المسؤولية المقاول والمقاول من الباطن عن عيوب مواد البناء :
إن تنفيذ العقد يقتضي أن ينتهي في ظروف سليمة وبنتيجة مرضية وهي من أهم التزامات المقاول، فعمله يجب أن يكون مطابقا للمواصفات المحددة في الصفقة وخالية من العيوب ، والمقصود هنا بالعيوب التي وقعت أُثناء التنفيذ.
وقد نص الفصل 767 ق ل م على أن ” أجير الصنعة يلتزم بضمان عيوب ونقائص صنعه “.
وتجدر الإشارة على أن المشرع جعل المقاول ضامنا للصفات الواجبة في المواد التي يستخدمها عندما يقدم المادة أو عندما يقدمها زبونه مع اختلاف بسيط من حيث أساس هذا الضمان إذ انه في الحالة الأولى يكون مسؤولا عنها وفقا لضمان العيوب الخفية ( الفصل 549 وما يلبه من ق ل ع المغربي) وفي الحالة الثانية تثبت مسؤولية بناء على تقصيره في فحص مواد البناء قبل استعمالها وفقا لمقتضيات النظرية العامة للمسؤولية العقدية ( ف766 ق ل ع ).
ويسأل المقاول عن كل الضرر الناجم عن تلك العيوب والنقائص ما لم تكن في طبيعتها أن تخفى على شخص مثله ( الفصل 765 ق ل ع ) وقد سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن أيدت حكما أدان المقاول بسبب الخلل الذي حدث لسقف مبنى، والراجع إلى عيب في القرمود المستعمل في السقف، معللة ذلك بكون المقاول الذي يملك من الدراية الفنية والذي كان بإمكانه أن يقوم بفحص عينات القرمود قبل تركيبه قد أخطأ في مواجهة عملية حينما استعمل مادة يفتر ض في علاقته برب العمل أن لديه علم بعيوبها.
وبالإضافة إلى مساءلة المقاول عن عيوب مواد البناء يمكن مساءلته أيضا عن التنفيذ المعيب لأشغال البناء الناتجة عن أخطاء مقاوليه من الباطن ، وفي هذه الحالة يسأل المقاول وفقا للنظرية العامة للمسؤولية العقدية، إذ يلتزم المقاول بتسليم مواد البناء سواء كانت مقدمة من طرف رب العمل أو من طرفه إلى المقاول من الباطن بذاتها ولا يجوز له استبدالها أو التصرف فيها أو إتلافها، فهذا فضلا عن أنه قد يعرض للمسؤولية الجنائية يحمله المسؤولية المدنية أمام رب العمل، أي إلزامه بإحضار مواد من نفس الصنف والجودة مع التعويض عن الضرر إذا ترتب عن ذلك تأخير في تنفيذ الالتزام .
فإذا استحال إحضار مواد من نفس الصنف والجودة، يكون في حالة استحالة تنفيذ الالتزام ويتحمل التعويض كاملا عن عدم التنفيذ، فإذا سلمت إلى المقاول من الباطن فإنه يلتزم أيضا بذات الالتزامات أمام المقاول الأصلي ، ويلزم فضلا عن ذلك بحفظها لتكون دائما في حالة صالحة للاستعمال وأن يستخدمها بذاتها .
وإذا التزم رب العمل بتقديم المواد فعليه أن يقدمها في الوقت المناسب إلى المقاول الأصلي حتى يتمكن من المحافظة عليها وإعدادها وتسليمها إلى المقاول من الباطن ويجب ، أن يقدمها بالكيفية المتفق عليها في العقد سواء دفعة واحدة أو دفعات ، فإذا لم يكن هناك تنظيم لهذا فإنه يجب تقديمها بالكيفية التي يقضي بها العرف فإذا تخلف رب العمل عن تنفيذ التزامه فإن للمقاول الدفع بعدم التنفيذ ، وله أن يطلب الفسخ .
ثانيا : مسؤولية المقاول و المقاول من الباطن بسبب الخطأ في تنفيذ التصميم:
أوضحنا فيما سبق، أنه طبقا لقواعد الاختصاص المهني في مجال التنفيذ والبناء، يختص المهندس المعماري أصلا بوضع التصميمات والمقايسات اللازمة للمشروع في حين يختص المقاول بتنفيذها ، فإذا ما أتت هذه التصميمات معيبة بعيب أو عيوب أدى إلى تهدم العقار المشيد كليا أو جزئيا ، أو هدده في متانته وسلامته، أو جعله غير صالح للهدف الذي أنشئ من أجله، فإن المقاول يكون مسؤولا عن هذه العيوب إذا ما مدى مسؤولية المقاول ، والمقاول من الباطن عن هذه العيوب إلى جانب المهندس المعماري واضع هذه التصميمات ؟
لا يسأل المقاول عن تهدم أو تعيب في البناء الذي شيده ، أو المنشأ الثابت الذي أقامه عندما يكون قد نفذ بكل دقة وأمانة التصميمات ، والمقايسات التي وضعها المهندس المعماري، ولكن الحكم لا يكون كذلك، إذا كانت هذه التصميمات والقايسات واضحة الفساد ظاهرة العيب، كما لو كانت مخالفة لقواعد الفن التي لا يـمكن أن يجهلها مثل هذا المقاول المجرب والتي لا به وأن يلمحها من الوهلة الأولى .
وعيوب التصميم ترجع إلى عدة أسباب ، منها عيوب تشكل مخالفة لأصول الهندسة المعمارية ، كتصميم أساسات غير كافية لحمل البناء أو المنشأ الثابت أو الخطأ في قياس الأبعاد المختلفة ، بحيث تكون غير مناسبة مع ما هو في التصميم.
ومنه إذا تبين أن العيب قد نشأ عن خطأ كل من المهندس والمقاول فإن المسؤولية تقسم عليهما بنسبة مساهمة خطأ كل منهما في إحداث الضرر مع مراعاة درجة جسامة هذا الخطأ. وذلك سواء كان كل منهما قد ارتكب خطأ مستقلا عن الخطأ الذي ارتكبه الأخر، أم كان الاثنان قد ارتكبا خطأ مشترك .
هذا عن المقاول الأصلي، فما هي مسؤولية المقاول من الباطن عن عيوب التصميم؟ إن التزام المقاول من الباطن بالنسبة للتصميم يختلف اختلافا كبيرا عن التزام المهندس المعماري إذ أن التزام هذا الأخير عن سلامة التصميم التزام بنتيجة ، كما أن المقاول الأول يكون متضامنا معه في المسؤولية عن عيوب ذلك التصميم ( بشرط أن يكون المهندس مكلفا بالإشراف على التنفيذ) أما المقاول من الباطن لا يكون متضامنا مع المهندس المعماري في المسؤولية، ويسأل فقط طبقا للقواعد العامة من وجوب تنفيذ العقد بحسن نية (ومسؤوليته عقدية أمام المقاول الأصلي)، ويحاسب فقط إذا كشف عيوب التصميم وكتمها، أو لم يستطيع كشفها بسبب إهماله أو قصور كفايته الفنية، مع توافر الخطأ في جانب المقاول من الباطن في هذه الظروف أرى أن خطأ المهندس يستغرق خطأ المقاول من الباطن .
ومن التطبيقات القضائية في هذا الموضوع قرار استئنافية الرباط الذي جاء فيه :” أن المهندس المعماري يخل التزامه عندما يشيد بناءا على أرض لا يعرفها ولم يفحصها فحصا دقيقا، من الطبيعي نظرا للأضرار الناتج عن هلاك البناء أن يكون التعويض مساويا لقيمة بديل البناء ولا يسأل المقاول إذا نفذ بدقة بيانات الخريطة التي سلمت إليه وكانت عيوب الأرض غير جلية إلى حد يستطيع معه رفض إنجاز الأعمال المطلوبة .
ثالثا: عدم مراعاة المقاول والمقاول من الباطن للقواعد الفنية في التنفيذ.
يتوجب على المقاول اتباع الأصول الفنية المعمارية التي تفرضها قواعد المهنة طالما لم يتبين فيها خطأ أو قصور، أو مخالفة لقواعد الفن أو لما تقضي به القوانين واللوائح ، كل ذلك في حدود إمكانياته وقدراته، فإن تبين شيء من ذلك، كان عليه أن يراجع المهندس المعماري، ليتفقا معا على وجه الصواب في الأمر، على أن يكون مبتغاه في ذلك السعي لتحقيق الصالح العام، وليس مجرد الكيد والتعطيل ليس هذا فحسب بل عليه أيضا أن يراعي في إجراء التنفيذ كل ما تقضي به قواعد الفن وأًصول الصنعة ، وما تفرضه القوانين المنظمة لهذا النوع من النشاط وما تصدره الجهات الإدارية المختصة من تعليمات في هذا الخصوص.
وإلزام المقاول والمقاول من الباطن في ميدان البناء بمسايرة ركب التقدم العلمي في هذا الميدان يحمل معنى المبالغة في القول فهذه المسايرة تتطلب إيجاد معهد لتكوين المقاولين على غرار ما هو موجود في مجال الهندسة المعمارية ، إلا أن ذلك يتنافى مع طبيعة مهنة المقاولة التي تعتمد بالدرجة الأولى على تراكم الرساميل كشرط أساسي لممارسة هذا النشاط ، فضلا على أن الأنظمة القانونية للمقاولات في المغرب تشهد نوعا من الاضطراب وعدم الاستقرار ويرجع ذلك إلى عدم وجود تقنين خاص بمهنة المقاولات على الاقتداء بها حتى يتم تفادي العشوائية في التنفيذ.
وإذا انتقلنا إلى ميدان التشريع والتطبيقات القضائية المغربية بخصوص عدم مراعاة المقاول والمقاول من الباطن لأصول الفن المعماري أثناء التنفيذ فإننا نجد قانون الالتزامات والعقود المغربي يلزم مشيدي البناءات باحترام القواعد الفنية للمهنة التي يزاولونها وهذا ما نستخلصه من نص الفصل 737 ق ل ع الذي ورد فيه ما يلي ” من يلتزم بإنجاز عمل أو بأداء خدمة يسأل ليس فقط عن فعله ولكن أيضا عن إهماله ورعونته وعدم مهارته” فالمقاول يكون مسؤولا أمام رب العمل والمقاول من الباطن يكون مسؤولا أمام المقاول سواء كان مصدر الإخلال هو الخطأ أو الإهمال أو كان بسبب جهله لقواعد الفن المعماري التي يتعين عليه احترامها أثناء تنفيذ الأشغال المقاولة .
وبالرغم من اتساع مضمون ” قواعد الفن المعماري” إلا أن تحديد حالات الإخلال أو عدم الإخلال بهذا التزام الملقى على عاتق المقاول أمر موكول لجهة القضاء التي يتعين عليها البث فيما إذا كان رجل الحرفة قد احترم أو خرق قواعد المهنة أو النشاط الذي يزاوله ، وذلك بالاعتماد على رأي الخبراء وأهل البصر في ميدان البناء.
مما سبق يتبين لنا أن كل خرق أو تهاون من المقاول أو المقاول من الباطن في مراعاة الأصول الفنية المتعارف عليها داخل المهنة التي يزاولها إلا ويستجيب مساءلته سواء كان الإخلال يرجع إلى جهله أو عدم خبرته بتقنيات الحرفة التي يباشرها أو بسبب الإهمال والرعونة في أخذ الاحتياطات اللازمة لإنجاز البناء في حالة جيدة وسليمة .
________________
– راجع مجلة الملحق القضائي م س، ص 16.
– شريطة أن يرجع على المقاول من الباطن بالمصاريف والتعويضات التي تحملها تجاه رب العمل .
– راجع مجلة الملحق القضائي، م س ، ص 18.
– ما لم يشترط عليه العقد عدم إسناد تنفيذ الأشغال كليا أو جزئيا إلى مقاول من الباطن
– مصطفى عبد السيد الجارجي : عقد المقاولة من الباطن ط 1988 ص 47-48.
-رأفت محمد احمد حماد : م س ، ص 65.
– المسؤولية الخاصة بالمهندس المعماري ومقاول البناء : عبد الرزاق حسين يس الطبعة الأولى 1987 ص 727.
– فتيحة قرة ، م س ، ص 164-165.
– مصطفى عبد السيد الجارحي ، م س ص 67.
– قرارات استثنائية الرباط- قرار رقم 2700 بتاريخ 21-01-1945. منشور في مجموعة قررات محكمة الاستئناف بالرباط المجلد السابع ص 75.
– عبدالقادر العرعاري ، م س ، ص 124.

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “التنفيذ المعيب لأشغال البناء”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.