مقدمة بحث حول مسؤولية المقاول من الباطن والمقاول

مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن
مقدمة عامة :
يعتبر موضوع “مسؤولية المقاول والمقاول من الباطن” من المواضيع التي أصبحت تكتسي أهمية بالغة ، وذلك بالنظر إلى التزايد العمراني الكبير والمطرد الذي صرنا نعيشه في السنوات الأخيرة .
خلافا للمشرع الفرنسي والمصري فالمشرع المغربي لم يعرف عقد المقاولة تحت هذا الاسم، وإنما عرفه تحت اسم إجارة الصنعة أو الخدمة، وذلك بقوله في الفصل 723 من ق ل ع ” إجارة الخدمة أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للأخر خدماته الشخصية لأجل محدد أو من أجل أداء عمل معين في نظير يلتزم هذا الأخر بدفعه له في الحالتين يتم العقد بتراضي الطرفين “.
وبناء عليه فعقد المقاولة يقصد به قيام شخص– المقاول – بعمل معين لحساب شخص آخر – رب العمل – في مقابل آجر دون أن يخضع لإشرافه وإرادته .
ويفهم من هذا التعريف أن لعقد المقاولة خصائص نجمل أهمها في ما يلي :
–    عقد رضائي : لا يشترط في انعقاد شكل معين، فالمقاولة تنعقد بمجرد اتفاق طرفيها وقد يكون ذلك كتابة أو مشافهة أو بمجرد الإشارة الدالة  .
–    عقد معاوضة : لأن كلا الطرفين يأخذ مقابلا لما يعطيه، فالمقاول يقوم بالعمل وقد يقدم المواد أو الخدمات اللازمة لهذا العمل ورب العمل يتعهد بالأجر  .
–    عقد ملزم للجانبين :أي أن هذا العقد يرتب منذ نشأته التزامات على عاتق كل من الطرفين تقوم بالنسبة للمقاول على إنجاز العمل المطلوب منه، وتقوم بالنسبة لرب العمل في دفع الأجر المستحق عن هذا العمل.
–    عقد وارد على العمل : لأن عقد المقاولة يرد على العمل باعتبار نتيجة هذا العمل، ويتميز عن عقد العمل الذي يرد على العمل بذاته  .
فالمقاول حينما يقوم بالعمل المكلف به فهو يفعل ذلك باستقلالية دون رقابة أو إشراف من باقي رب العمل، فالعقد إذن يحدد العمل والنتيجة التي أرادها المتعاقدين .
بعد تعريف عقد المقاولة والإشارة إلى خصائصه، سنتطرق إلى الأحكام التي تنظم المسؤولية المدنية للمقاول والمقاول من الباطن التي تعتبر موضوع بحثنا، فالمشرع قام بتنظيم الجانب العقدي من هذه المسؤولية عن طريق إدراجها ضمن عقود الإجارة على الصفحة والمحددة بالفصول من 759 إلى 780 من ق ل ع .
أما فيما يخص الضمان فقد لوحظ فراغ تشريعي بشأنه مما استوجب الإحالة على القواعد المنظمة لضمان العيوب الخفية في عقد البيع، أما فيما يتعلق بالجانب التقصيري من هذه المسؤولية فيمكننا أن نقول بأن المشرع قد نظمها تقريبا في الفصول 77-78-88-89 من ق ل ع نظرا لغياب نصوص خاصة بها.
ونظرا للديناميكية والتطور اللذان يطبعان موضوع العمران بسبب الكثافة السكانية ، التي يشهدها العالم، والوجه المشرف للحضارة العمرانية التي نسجها الإنسان عبر التاريخ غالبا ما كان يخلق مجموعة من الضحايا البشرية والخسارات المادية وذلك بسبب تهدم البنايات والمنشآت العمرانية نتيجة عدم احترام ضوابط الفن المعماري والإخلال بمبادئه ، سواء في مرحلة البناء أو بعد الانتهاء منه.
ولما كان رب العمل من أهم الضحايا في هذا المجال إضافة إلى الغير (المارة والجيران) كان لا بد من التوفيق بين مطالب رب العمل من جهة والمقاول من جهة أخرى ، خصوصا إذا علمنا أن التعامل في هذا المجال قد يتم بين أشخاص لهم دراية بأصول الحرفة وأشخاص غير ملمين بها .
وحفاظا على سلامة الأموال والأرواح فإن أغلب التقنيات المعاصرة قد شددت في هذا النوع من المسؤولية لخطورتها على سلامة المواطنين.
لذلك تم خلق نظامين قانونين يتحمل بموجبها مقاول البناء المسؤولية وفقا لنظرية العامة وذلك بخصوص الإخلاص بالالتزامات التي تحصل في الفترة السابقة على عملية الإنجاز وتسليم العمل لرب العمل ونظام الضمان العشري الذي يعتبر خير وسيلة لمراقبة مدى جودة العمران وقدرته على تحقيق عنصر السلامة لشاغليه .
لذلك يمكن القول بأن أهمية هذا الموضوع ازدادت وتطورت بتطور وتقدم مجتمعاتنا وعلاقتنا القانونية . لأن تقدم الحضارة وتقدم المجتمع لابد وأن ينعكس بالضرورة على مجمل العلاقات بين أفراد المجتمع بما فيما العلاقات المختلفة التي تنشأ بموجب البناء والتشييد كالعلاقة بين المقاول ورب العمل ، والمقاول والمقاول من الباطن والتي تشكل محور بحثنا وأيضا الوقوف على أوجه الخطأ الذي يمكن أن يسقط فيه المقاول والمقاول من الباطن سواء في المجال العقدي أو التقصيري .
إن المقاول والمقاول من الباطن عند قيامهما بأعمال البناء يمكن أن يصدر عنهما أخطاء، فكان التساؤل المطروح عما إذا كان يكفي لقيام هذه المساءلة الخطأ العادي الذي يأتيانه أم أنه يجب لفرضها أن يكون الخطأ جسيما .

إذن ما هي أسباب وأحكام المسؤولية العقدية قبل التسليم للمقاول والمقاول من الباطن ؟
وما هي الضمانات الخاصة التي يلتزم بها المقاول الأصلي اتجاه رب العمل في المسؤولية العقدية بعد التسليم ؟
وأين تتجلى مظاهر المسؤولية التقصيرية لكل من المقاول الأصلي والمقاول من الباطن ؟
وما هي الأحكام التي تنظمها ؟ .
سنتعرض للمسؤولية العقدية والتقصيرية للمقاول والمقاول من الباطن، اعتمادا على التصميم التالي :

•    الفصل الأول : المسؤولية العقدية للمقاول والمقاول من الباطن .
•    الفصل الثاني : المسؤولية التقصيرية للمقاول والمقاول من الباطن .
____________________
– عزت عبد القادر المحامي ” عقد المقاولة ” ط 2001 ، ص 12.
– فتيحة قرة ” أحكام عقد المقاولة ” ط 1991 ص 19.
– عزت عبد القادر ، مرجع سابق، ص 13.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.