هنا القاهرة … فوضى وهواء متخم بالسموم

تلوث الهواء بعنصر المنغنيز يسبب للمصريين نقصاً كبيراً في الحيوانات المنوية وضعف القدرات الجنسية والعقم.
صباح القاهرة صباح غير تقليدي، سواء كان الأمر صيفا أو شتاء، فالتلوث يطارد سماءها وأرضها، خانقا كل ما يطاله من مكان وإنسان، والفوضى تعم شوارعها وميادينها، يجثم على أنفاسها ما يتجاوز 22 مليونا نفسا، فضلا عن أكثر من مليونين آخرين يدخلونها يوميا من المحافظات الأخرى، الأمر الذي يجعل منها كابوسا مفزعا.

التلوث يتراكم ليبقى قريبا من الأرض جنبا إلى جنب يوميا مع جديده مما تلقى به السيارات من عوادم، فنسبة السيارات الهالكة التي تعمل في شوارع القاهرة يكاد يتجاوز 70 في المائة من نسبة السيارات عامة، هذه السيارات تعد عاملا رئيسيا في زيادة معدلات تلوث القاهرة.

هنا القاهرة .. مدينة النفايات!. فوضى وهواء متخم بالسموم
مدينة النفايات!


هواء القاهرة متخم بالسموم من كل صنف ولون متجاوزا في تلوثه النسب المسموح بها عالميا، الأمر الذي يتجلى في انتشار أمراض الجهاز التنفسي على اختلافها، وتسمم أجهزة أخرى في الجسم، ومنذ فترة كان أحد أعضاء مجلس الشورى المصري ” د.محمود خضر”قد أثار الأمر رغبة في استيضاح سياسة الحكومة حول تلوث الهواء بعنصر المنغنيز الذي يسبب نقصا شديدا في الحيوانات المنوية وضعف القدرات الجنسية ، حيث كشف د.خضر معتمدا على تقارير ودراسات أن تلوث الهواء بهذا العنصر يصيب 3 ملايين مصري بالعقم وأن تعرض الإنسان بشكل مباشر للتلوث بالمنجنيز من خلال الغبار المحمل بهذا العنصر يصيب قدرات الرجال الجنسية وانتشار العقم بشكل كبير.

وقال د.خضر “إن المنجنيز يضاف إلي البنزين ووقود السيارات ويتم استنشاقه مع عوادم السيارات وينتشر في مخلفات المصانع التي تعمل في إنتاج البطاريات الجافة وصناعة المنسوجات والصباغة ودباغة الجلود، وقد حذر المؤتمر الدولي السابع الذي عقد بجامعة المنصورة من زيادة مسببات نقص الخصوبة بسبب التلوث، مشيرا إلي تعرض 53% من المصريين للعقم ونقص الخصوبة والضعف الجنسي نتيجة زيادة نسب تلوث الهواء بمصر خاصة محافظة القاهرة حيث وصل مستوي التلوث بها من 10 إلي 100 ضعف المستوي المسموح به عالميا.

هكذا يطارد التلوث صباح مواطن القاهرة المسكين، وليت الأمر يقتصر على ذلك، فالاختناقات المرورية التي أصبحت تشكل حركة القاهرة على مدار الساعة وتهلك وقت مواطنيها مأساة أخرى، حتى أن قضاء مصلحة ما قد يستغرق ـ أو بالفعل يستغرق ـ يوما كاملا نتيجة صعوبة التحرك، وسط جيش السيارات وإشارات المرور والأرصفة المكدسة بالبشر والسيارات الهالكة والباعة الجائلين والمقيمين، كل هذا يتحرك في شوارع هذه المدينة التي أصبحت بائسة.

كل مواطني محافظات مصر من الشمال إلى الجنوب تصب مصالحهم في القاهرة بحكم مركزيتها، الوزارات والهيئات والقرارات الحاسمة والعليا في القاهرة، وعلى المواطن أن يأتي إليها لينفذ إلى تحقيق مصلحته، وهكذا تستقبل القاهرة يوميا مواطنين من جميع أنحاء مصر، وتكفي زيارة إلى مجمع الوزارات ـ وزارة العدل والداخلية والصحة والتعليم بخلاف الهيئات والمؤسسات الأخرى ـ في لاظوغلى لنرى كيف أصبحت القاهرة جراج كبير للسيارات، وحسب قول محافظ القاهرة عبد العظيم وزير‮ ‬أن التسهيلات في‮ ‬بيع السيارات أدي إلي ارتفاع ملكية السيارات بالعاصمة حتى بلغت مليوناً‮ ‬و330‮ ‬ألف سيارة والتي لا تستوعب شوارعها سوي نصف مليون سيارة فقط،‮ ‬عدا ما يمر بها من سيارات من خارج العاصمة للنقل والخدمات الحكومية المختلفة والتي‮ ‬تزيد علي‮ ‬معدلات الملكية للسيارات الموجود في‮ ‬القاهرة‮. ‬

‬المحافظ أيضا بين أن إحصائيات حوادث الطرق بالعاصمة بالنسبة لتعداد السكان البالغ‮ ‬تعدادهم حاليا‮ ‬8‮ ‬ملايين نسمة ـ دون إضافة تعداد سكان كل من القليوبية والجيزة وحلوان و6 أكتوبر ـ وملكية السيارات تصل إلي‮ ‬21‮ إصابة في‮ ‬كل‮ ‬100‮ ‬ألف مواطن سنويا‮.

إن الأمور واضحة إذن لدى المعنيين بالأمر، والقاهرة على ما هي عليه من تلوث وانفلات واختناق مروري وحوادث وتفاقم احتلال النقل العشوائي‮، يصل إلى ‬54٪‮ ‬من النقل الجماع، وهلم جرا.

حتى نهر النيل المتنفس الوحيد وشريان الحياة يرزخ تحت وطأة فوضى التلوث حتى لتصعب رؤيته من كثافة الملوثات التي تغطيه، إلى جانب ذلك يعاني من قمامة ومخلفات المراكب السياحية والأندية وغيرها، حتى أنه حين تتابعه من أي مكان في القاهرة تشعر أن يد الإهمال تمزقه وتأكل لحمه، بل في بعض المناطق أشبه ما يكون لخرابة تمتلئ بالقاذورات.

هكذا صباح القاهرة يصيبك بالمرض والإحباط واليأس، ثم يتساءل البعض عن الطاقة الإنتاجية لمواطنيها، دون أن يتساءل أحد كيف هذا المواطن طريقه من منزله إلى مكان عمله، ويصل سليما معافى وسط الضوضاء والتلوث والاختناق والزحام والضجر، إن موكب وزير يمكن أن يعطل الآلاف عن الذهاب إلى عملهم في التوقيت المحدد، حيث يتم إغلاق إشارات المرور من منزل معالي الوزير إلى مقر وزارته أو الجهة الذاهب إليها، الأمر الذي قد يتجاوز الساعة، ولنحصي عدد وزراء الحكومة لكي نعرف المأساة!!

أضف إلى ذلك كله تحول الشوارع الرئيسية داخل العاصمة إلى جراجات، مثلا هل يتخيل أحد أن الشوارع المؤدية إلى لاظوغلى والسيدة زينب تحتلها السيارات، أربع سيارات على هذا الجانب وأربعة أخرى على الجانب الآخر فضلا عن السيارات التي تتحلق حول الميدان، ليصبح عبور المشاة والسيارات أشبه بعبور الخيط في عين الإبرة، وقس على ذلك شوارع وسط القاهرة وأحيائها بما فيها الراقية.

و”ما يزيد الطين بله” هذا الاحتلال الاستعماري للأرصفة من جانب الباعة وأصحاب الأكشاك، مولد من الفوضى، لا يميز بين حي راق وأخر شعبي وأخر عشوائي، يقطعه المواطن على مدار الساعة، لذا لا عجب أن تتفاقم الأمراض وتتردى الأحوال وتغرق القاهرة في ضبابية الرؤية.
ميدل ايست اونلاين
القاهرة – من محمد الحمامصي

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.