تصور لايكوف وجونسون للإستعارة

المقاربة المعرفية للاستعارة – الفصل الثاني:
ج- تصور لايكوف وجونسون للاستعارة :
أ- استعارية النسق التصوري:
يرى الباحثان أن النسق التصوري العادي الذي يسير تفكيرنا وسلوكنا ذو طبيعة استعارية بالأساس، إذ تحضر الاستعارة في كل مجالات حياتنا اليومية ” فتصوراتنا تبين ما ندركه وتبين الطريقة التي نتعامل بواسطتها مع العالم كما تبينن كيفية ارتباطنا بالناس”  وبهذا يلعب نسقنا التصوري دورا مركزيا في تحديد حقائقنا اليومية.

وجد الباحثان من خلال اشتغالهما على معطيات لغوية بالأساس، أن الجزء الأكبر من نسقنا التصوري العادي استعاري بطبيعته . ولتوضيح الطريقة التي تجعل من تصور ما تصورا استعاريا يبنين بذلك نشاطا من أنشطتنا اليومية ، قدم الباحثان استعارة “الجدال حرب”، وهي استعارة يعكسها عدد كبير من التعابير في لغتنا اليومية.
الجدال حرب :
1-    لايمكن أن تدافع عن إدعاءاتك
2-    لقد هاجم كل نقط القوة في استدلالي
3-    أصابت انتقاداته الهدف
4-    لقد هدمت حجته
5-    لم أنتصر عليه يوما في جدال
6-    إذا اتخذت هذه الاستراتيجية ستباد
7-    إنه يسقط جميع براهيني

تظهر هذه التعابير أن جزءا كبيرا من الأشياء التي نقوم بها ( نهاجم مواقفا، نربح أو نخسر المواقع ، نضع استراتيجيات …) حين الجدال يبنينها تصور الحرب، وإذا كنا لا نجد معركة مادية فإننا نجد معركة كلامية. وبنية الجدال الهجوم ، الدفاع ، الهجوم المضاد …) تعكس ذلك ومن تم تكون “الاستعارة الجدال حرب من بين الاستعارات الموجودة في ثقافتنا والتي نحيا بها : إنها تبنين الأنشطة التي ننجزها عندما نتجادل .”  ويعزز لايكوف وجونسون هذه الخلاصة ، بالنظر إلى افتراض وجود ثقافة لا ينظر فيها إلى الجدال بعبارات الحرب، وحيث لا وجود لمعاني الهجوم أو الدفاع أو ربح المواقع أو خسرانها . سينظر الناس في هذه الثقافة إلى الجدالات بشكل مخالف ، فإذا افترضنا أن هذه الثقافة تنظر إلى الجدال باعتباره رقصة، فإن تجربة الجدال لديهم والحديث عنها سيتمان بطريقة مختلفة. ومن ثم يكون الفرق الحاصل بين ثقافتهم وثقافتنا أننا نبين نشاطنا الجدالي بواسطة ألفاظ المعركة في حين أن ألفاظ الرقص ستبنين نشاطهم الجدالي.

يظهر إذن كيف أن استعارة الجدال حرب، تبنين ما نفعله حين نتجادل وتبين الطريقة التي نفهم بها ما نفعله ، لذلك يكمن جوهر الاستعارة في كونها تتيح تجربة ما انطلاقا من تجربة أخرى. غير أن هذا لا يعني أن الجدال فرع من الحرب” فالجدالات والحروب نوعان من الأشياء مختلفان ( الخطاب الكلامي والصراع المسلح) والأنشطة ( في كليهما ) تختلف .فالجدال في جزء منه مبنين ومفهوم ومنجز ومعلق عليه انطلاقا من الحرب .( فأن نقول ) إن التصور مبنين استعاريا فمعنى ذلك أن الأنشطة واللغة مبنيان استعاريا ” .
إن تأمل استعارة الجدال حرب، يظهر لنا أنها ليست استعارة تخييلية أو بلاغية بل إنها استعارة حرفية .فنحن نتحدث عنها بهذا الشكل، لأننا نتصورها كذلك ولأنها تعكس طريقتنا العادية في الحديث عن الجدال. يتعلق الأمر باستعارة لا نكاد نشعر بها تقتضيها الطريقة التي تواضعنا عليها في الحديث عن الجدالات.

خلاصة :
لا ترتبط الاستعارة بحسب هذا التصور ،باللغة أو بالألفاظ بل إن سيرورات الفكر البشري هي التي تعد استعارية في جزء كبير منها ، وهذا ما يقصد بالقول إن النسق التصوري البشري مبينن ومحدد استعاريا. ومن أجل تحديد البنية الاستعارية المتحكمة في هذا النسق قسم الباحثان الاستعارات إلى أنطلوجية، بنيوية واتجاهية.
المقاربة اللسانية للاستعارة

 

المقاربة اللسانية للاستعارة

_____________
– لايكوف وجونسون “الاستعارات التي نحيا بها” ، ص 21 ترجمة عبدالمجيد جحفة ، ط 1 دار توبقال 1996 البيضاء .
–  المرجع نفسه ، ص  22.
–  المرجع نفسه  ص  22.
–  لايكوف وجونسون “الاستعارات التي نحيا بها” ،  مرجع مذكور ص 21.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.