الإستعارة في الطرح التجريبي

المقاربة المعرفية للاستعارة – الفصل الثاني:
2- الاستعارة في الطرح التجريبي :
تحدث ف.د.مانجلي F.D Manjali  عن أهم حدث عرفته اللسانيات  والعلوم المعرفية في العقد الاخير من القرن العشرين ، هو ذلك الاهتمام الخاص الذي حظيت به الاعتبارات التجريبية و الفينومينولوجية وهي اعتبارات طالها الإهمال لوقت طويل داخل حظيرة العلوم الغربية.
أشار مانجلي Manjali في معرض حديثه عن الأعمال التي مثلت لهذا التوجه إلى عمل لايكوف و جونسون في كتابهما “الاستعارات التي نحيا بها “(1980)  Metaphors we live by  و قد ركز الباحثان على البحث في الحقل الاستعاري الذي يقدمه الاستعمال اللغوي العادي .

فما هو، إذن، تصور هذان الباحثان للاستعارة ؟ و كيف استجابت مباحثهما في الاستعارة لذلك التوجه نحو إحياء الاعتبارات التجريبية و الفينومينولوجية الذي عرفته العقود الأخيرة من القرن العشرين ؟ و قبل كل هذا و ذلك ما هي الروافد النظرية التي ساهمت في بناء نظرية لايكوف و جونسون في “الاستعارات التي نحيا بها “.

أ – مرجعية عمل لايكوف و جونسون النظرية :
يندرج كتاب –الاستعارات التي نحيا بها في إطار ما يدعى بتيار الدلالة المعرفية. ويتلخص الهدف الأساس لهذا التيار في محاولة مقاربة كيفية حصول المعاني و ما يحفزها، و ذلك من خلال التركيز على البعد المعرفي عند البشر  ودوره في بناء المعاني اللغوية و تأويلها.
يعتبر عبد المجيد جحفة   عمل لايكوف و جونسون نظرية ذهنية ذات منحى تجريبي و هو منحى ينظر الى الفكر البشري باعتباره يقتضي نوع التجربة المبنينة التي تنتج عن كون البشر يملكون أجسادا و لهم قدرات حسية و حركية.

ب- الروافد العامة :
استلهم لايكوف و جونسون عدة طروحات و أفكار معرفية حاولت تأسيس نظر مميز يحاول تفسير المعاني وحصولها وأهم هذه الطروحات ثلاثة :
القيد المعرفي :
قدم جاكندوف الخطوط العريضة لهذا التصور في كتابه –”semantics and cognition” (1983). واعتمد فيه على نظريات علم النفس التجريبي و المعرفي . وملخص هذا الطرح يكمن في وجوب “افتراض مستويات للتمثيل الذهني تتضافر فيها المعلومات القادمة من أجهزة بشرية أخرى مثل جهاز البصر ، الجهاز الحركي ، الأداء غير اللغوي و جهاز الشم …بواسطة هذا الربط يكون بإمكان الانسان أن يتكلم و يتحدث عما يسمعه و يراه..و بدون افتراض هذه المستويات التمثيلية لا يمكن القول إننا نستعمل اللغة في وصف إحساساتنا و إدراكاتنا و تجاربنا المختلفة”.

_دلالة الأطر والفهم الموحد :
يمثلها كتاب فيلمور .”Frames aud the semantics of understanding”(1984)
تسعى النظرية الدلالية إلى تحديد طبيعة المعلومات الموجودة في المداخل المعجمية وكيفية وجودها وسببه . وتعتمد دلالة الأطر في تحديد هذه المداخل المعجمية ورصد معانيها على أطر عامة  تتجانس فيها مختلف النماذج المعرفية البشرية . تخصص هذه الأطر فهما موحدا ومؤمثلا لمجال من مجالات التجربة .لذلك يدافع فيلمور عن ضرورة تحديد المعنى باعتبار هذا النوع من الفهم وليس باعتبار شروط الصدق المعروفة في الأدبيات اللسانية المنطقية.* ذلك أن أطرفيلمور تغنينا عن شروط الصدق، لتعكس بنيتها الداخلية ،مجالا معينا عن التجربة يصبح بمعنى معين ” شروط صدق” داخلية على قيام المعنى بل و وجوده .

نظرية الفضاءات الذهنية والمستوى المعرفي:
بين عمل فوكونييه” الفضاءات الذهنية ” Mental spaces” (1985) أن الآليات المسؤولة عن بناء المعنى النووي ( الخصائص الدلالية التي تفيدها عبارة لغوية ما بمقتضى بنيتها ) هي نفسها التي تنتج المعنى الهامشي ( الخصائص الذريعية أو البلاغية التي تفيدها العبارة اللغوية انطلاقا من الاستعمال والسياق) وبهذا تلعب بنينة مجال معين من خلال مجال آخر دورا في إنتاج المعنى الحرفي والمعنى البلاغي على السواء.

إن هذين المجالين أو الفضاءين الذهنين ،بتعبير فوكونييه، المختلفين من حيث ” محتواهما الموضوعي ” قد يشتركان في خصائص رئيسية في مستوى معين من التمثيل الدلالي . وبعكس النظرية الدلالية التقليدية التي تربط اللغة مباشرة بعالم حقيقي أو فيزيائي ، يرى فوكونييه أن بين اللغة والعالم الفيزيائي سيرورة بناء واسعة يسميها بالمستوى المعرفي، وهو مستوى وسيط يتم بناؤه ” حينما يتم استعمال اللغة، بحيث يتم تحديده في نفس الوقت بواسطة الأشكال اللغوية التي نستخدمها في تركيب وإنتاج خطاب ما ،وبواسطة مجموعة مرتبة من التلميحات الخارج لغوية التي تدخل فيها أشياء من قبيل الخلفيات والتنبؤات والتجليات الذريعية … “.
المقاربة اللسانية للاستعارة
المقاربة اللسانية للاستعارة

________________
– فرنسون دافيس مانجلي : F.D Manjali  في المؤتمر العالمي للسرد و الاستعارة من الثامن الى العاشر من يوليوز سنة 1996بجامعةAuckland
عبد المجيد جحفة “مدخل الى الدلالة الحديثة” ص 51 .طبعة1، 2000،دار توبقال،البيضاء    .
–  المرجع نفسه ،ص 51.
* – تعتمد النظريات القائمة على شروط الصدق على ثنائية الصدق والكذب في رصد المعنى ويتم ذلك بواسطة ترسيمات لها الشكل التالي : 1-الجملة ج صادقة إذا وفقط إذا كانت ع ) ويشتق من هذه الترسيمة التخصيص الصحيح للمعنى وبهذا نحصل على الشكل التالي: ” ج تعني ع ” ومعنى ذلك أن الجملة تعني الماصدق الذي يقابلها وهو ع وبهذا ستكون الجملة التالية ” الثلج أبيض” صادقة ( وذات معنى) عن طريق المعاينة التالية  “الثلج أبيض ” صادقة إذا كان الثلج أبيض .
– جحفة عبدالمجيد:” مدخل إلى الدلالة الحديثة ” مرجع مذكور ص  50.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.