الفجوة الكبيرة بين مهام المنظمة الأممية و مواردها وإمكانيتها

في النظام العالمي الجديد : التحديات التي تواجه الأمم المتحدة
الفصل الثاني: التصورات والمقترحات المتعلقة بتحديد دور المنظومة الأممية لمواكبة البيئة الدولية الجديدة.
المبحث الأول: تشخيص علل الهيئة الأممية
المطلب الثاني: الفجوة الكبيرة بين المهام المطلوب تحقيقها والموارد والإمكانيات المتاحة
تبدو هذه الفجوة وكأنها تتسع إلى ما لانهاية إذا اعتبرنا أن المهام التي طرحها ” د.بطرس غالي” في ” خطة السلام ” هي المهام الفعلية التي يتعين على الأمم المتحدة أن تقوم بها في ظل التطورات الحادثة حاليا في النظام العالمي، والتي تشمل ميادين ” الدبلوماسية الوقائية” وحفظ السلم وصنع السلم وبناء السلم, ففي مجال_ الدبلوماسية الوقائية_ يشير د. غالي إلى أهمية وجود جهاز فعال للإنذار المبكر القادر على جمع البيانات وتحليلها أيضا لحساب الأمم المتحدة وحدها، وهو ما قد يقتضي أن يكون للأمم المتحدة أقمار صناعية، وربما جهازها الخاص للإستخبارات ليس فقط لأغراض_ الدبلوماسية الوقائية_ وإنماء أيضا لتحسين القدرات الإتصالية بين القوات الميدانية العاملة في نطاق الدبلوماسية الوقائية، أو في نطاق حفظ السلم، وبين المقر في نيويورك، وكذلك لتأمين قوات الأمم المتحدة نفسها، وبالنسبة إلى المهام المتعلقة بحفظ السلم أو بصنع السلم، يقترح الأمين العام السابق د. غالي الشروع في اتخاد التدابير والترتيبات الخاصة بتنفيد المادة 43 أي تشكيل ” الجيش الدولي” وإلى أن يتم ذلك طالب بتشكيل وحدات أطلق عليها ” وحداث إنقاد السلم peace enforcement unit(1) تكون جاهزة بمجرد الطلب، وتتألف من جنود متطوعين لأداء هذه المهمة، ومسلحة تسليحا أثقل من قوات حفظ السلم, ومدربة تدريبا تحضيريا وافيا في إطار القوات الوطنية لبلدانها… ويكون نشر هذه القوات واستخدامها بإذن من مجلس الأمن وتحت إمرة الأمين العام”، كما يقترح الأمين العام أن تقوم الدول بالإلتزام مسبقا بنوع وطبيعة القوات التي هي على استعداد لوضعها تحت تصرف مجلس الأمن والأمين العام لإستخدامها في عمليات السلام، وفي مجال بناء السلم بعد انتهاء الصراع. يقترح غالي وضع إمكانيات متعددة تحت تصرف الأمم المتحدة لتمكينها من إزالة الألغام، وإعادة التوطني والإعمار، وإقامة المشروعات المشتركة…إلخ.
ويزداد الوضع تأزما والفجوة إتساعا مع ما ذهب إليه كوفي عنان الأمين العام الحالي للمنظمة ومعه  الدول الغربية في الوثيقة الصادرة عن هذا الأخير خلال أعمال القمة الستون لإجتماعات الأمم المتحدة والقاضية بإحداث وحداث وأجهزة فرعية جديدة ضمن الجهاز الإداري وتابعة له لتفعيل الأداء الإداري وترشيده وما تصاحبه هذه الأجهزة الفرعية الإذاريةمن تضخم للجهاز الإداري وما يتطلبه من إعتمادات خاصة ونفقات إضافية باهضة ومرهقة تزيد من تعميق الأزمة المالية للمنظمة.
وتبدو الفجوة عميقة بين ضخامة ماهو مطلوب لتمكين الأمم المتحدة من القيام بالمهام التقليدية أو المستحدثة بفعالية، وبين ضخامة ماهو موضوع فعلا تحت تصرف الأمم المتحدة إذا استعرضنا الحقائق التالية التي كشفت عنها الممارسة.
إن الأمم المتحدة تعاني أزمة مالية مستمرة تضعها على حافة الإفلاس، وترجع جدور هذه الأزمة إلى بداية الستسنات عندما رفضت بعض الدول، وبخاصة فرنسا والإتحاد السوفياتي، أن تساهم في تمويل قوات الأمم المتحدة في الكونغو أو قوات الطوارئ الدولية في مصر، على أساس أنها من النفقات العادية للمنظمة. وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية قد حسمت في هذه القضية على الصعيد القانوني، عندما أفتت بأن نفقات قوات حفظ السلام هي من قبيل النفقات العادية. إلا أن إستمرار الخلافات بين الدول الأعضاء أدى إلى تعدد الأنظمة المستخدمة في تمويل نفقات حفظ السلام إلى درجة أن كل عملية يكاد يكون لها نظام خاص لتمويلها.

(1)_ من المقترحات التي نادى بها الأمين العام الأممي السابق د. بطرس غالي في إطار تجديد البيت الأممي وفق المتغيرات الأممية.

المطلب الثالث: عدم مواكبة الميثاق للتغيرات الدولية مع الدعوة لتحديثة

إن مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة مازالت صالحة وصحيحة بكل معنى الكلمة، ولايزال الميثاق نفسه عموما يشكل أساسا صلبا لكل أعمال المنظمة. ولا يزال في جوهره الوثيقة التي صيغت في سان فرانسيسكو منذ ستة عقود والتي تضم 111 مادة، لا ننكر أنه قد تحقق الكثير بإدخال تغييرات على الممارسة لكن دون الحاجة إلى تعديل الميثاق، وفي الواقع، لم يعدل في تاريخ المنظمة سوى مرتين_ مرة لتوسيع العضوية في مجلس الأمن (من 11 إلى 15 عضو حسب المادة 23 وذلك سنة 1963) وأخرى لتوسيع عضوية المجلس الإقتصادي والإجتماعي (من 18 إلى 27 سنة 1965 ومن 27 إلى 54 سنة 1975 حسب المادة 61).
وعلى الرغم من ذلك تعمل الأمم المتحدة الآن في عالم يختلف جذريا عما كان عليه العالم عام 1945، وينبغي للميثاق أن يعكس حقائق اليوم.
ومن جهة أخرى يحق لنا أن نتاساءل هل بالفعل تحترم المنظمة مبادئها ومقاصدها كالمساواة بين الدول وحفظ السلم والأمن الدوليين، فإن الإجابة واضحة فالمنظمة لو كانت تحترم الأهداف التي قامت أساسا عليها، لما كانت تتخبط الآن في أزمة خطيرة يصعب حتى وصفها. فمثلا فإذا كانت ديباجة الميثاق تقول: ” نحن شعوب الأمم المتحدة… أن ننقد الأجيال المقبلة من ويلات الحرب…” لكن يتضح لنا أن المنظمة لا تمثل الشعوب بتاتا، فالعديد من النزاعات اشتعل فتيلها وألحقت خسائر مادية وعمرانية جسيمة، كما أودت بملايين الأرواح، وأدت إلى تهجير العديد من اللاجئين، إضافة إلى أن الميثاق في المادة 1 نص، أنه من بين أهداف المنظمة حفظ السلم والأمن الدوليين، ومن بين التناقضات أيضا أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والموكول إليها بهذا الهدف هي التي تملك أكبر وأضخم شركات إنتاج وبيع السلاح، بمعنى، إذا كان هدفها المركزي هو حفظ السلم والأمن الدوليين فقد إندلع أكثر من تسعين نزاعا منذ سنة 1945 ذهب ضحيتها حوالي 22 مليون من البشر. مما أضعف مصداقيتها وجعلها أداة للقوى الكبرى، وهذا نتيجة عجزها عن تسوية عدة نزاعات ومعالجة قضايا دولية. وذلك لإفتقادها السلطات والوسائل المتطابقة مع طموحاتها. وكمثال على ذلك فقد أدى استخدام حق ” الفيتو” إلى شل الهيئة أمام مجموعة من القضايا. إضافة إلى أن البيان الصادر عن قمة مجلس الأمن المنعقد بنيويورك في ينلير 1992، بل هناك أخطار غير عسكرية تجد مصدرها في عدم الإستقرار في الميادين الإجتماعية والإقتصادية والإنسانية والبيئية.

ولا شك أنه يوجد اليوم إجماع بخصوص الأمن العالمي، الذي لم يعد يعني فقط الأمن العسكري التقليدي_ الحماية ضد العدوان الخارجي_ الذي يركز عليه ميثاق الأمم المتحدة والذي يهم الدول ذات السيادة أساسا، لكنه يشمل الحماية من كل أشكال العنف والإستقرار واللاشرعية، وتدهور البيئة الطبيعية، وللتعبير عن هذا المعنى الجديد والواسع للأمن ثم اللجوء إلى مفاهيم أخرى  ك “الأمن الإنساني ” أو ” أمن البشر والكواكب”، أما خطة السلام وخطة التنمية للأمين العام السابق بطرس غالي فقد حاول التركيز على ربط الأمن بالتنمية. في حين نجد أن هناك إقتراحات أخرى ذهبت إلى التمييز بين عمليات حفظ السلام وعمليات صنع السلام، وبين اختصاصات مجلس الأمن واختصاصات الأمين العام في مجال إستعمال القوات العسكرية لضمان فعالية أكثر لتدخلات الأمم المتحدة.
لكن عندما نبحث جيدا في نصوص ميثاق الأمم المتحدة نجد أن هناك كثير من التناقضات التي تعكس بصفة مباشرة عدم فعالية العديد من نصوصه. فمثلا، فمن الأمور المسلم بها في مجال الدراسات الإجتماعية والإنسانية أن أي نص مهما كانت حكمة وخبرة الذين قاموا بصياغته فإنه يحتاج إلى مراجعة دورية لإزالة الغموض أو أي تعارض أو عدم الإتساق بين أحكامه وبين مقتضيات الواقع ولسد أي ثغرة أو فجوة يمكن أن تظهر من خلال الممارسة، وهذا ما تنبه له ” مهندسون الميثاق” حيث نجد أن المادة 109 من الميثاق تعترف بالحاجة إلى المراجعة الدورية له فقد أجازت فقرتها الأولى إمكانية عقد مؤثمر عام من أعضاء المنظمة لإعادة النظر في الميثاق في الزمان والمكان اللذين تحددهما الجمعية العامة، ثم أضافت فقرتها الثالثة أنه: ” إذا لم يعقد المؤثمر العام قبل الإنعقاد السنوي العاشر للجمعية العامة وجب أن يدرج بجدول أعمال هذه الدورة إقتراح بالدعوة إلى عقد هذا المؤثمر “. ومعنى ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة نفسه يحث الدول الأعضاء فيه على إعادة النظر فيه أو على الأقل مراجعة نصوصه كل عشر سنوات. لكن أوضاع النظام العالمي الجديد وموازين القوى فيه حالت دون وضع هذه المادة موضع التطبيق. وهذا ما يدل على أن نصوص الميثاق في الواقع لاتعرف نفس الأهمية والإهتمام، ومنه يصبح لزاما على أعضاء الأمم المتحدة المطالبة بإلحاح على وضع هذه المادة موضع التطبيق حتى يتسنى للميثاق مواكبة جميع التطورات التي يعرفها المجتمع الدولي وخاصة في ظل النظام العالمي الجديد والتي أصبحت فيه العولمة تحدد مصير العلاقات الدولية. كما قد آن الأوان لإزالة فقرات ” الدولة المعادية ” التي تخطاها الزمن منذ وقت طويل في المادتين 53 و 107 من الميثاق.
أما بخصوص العضوية الدائمة في مجلس الأمن، تنص الفقرة (1) من المادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة، على أن الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، تتكون من خمسة أعضاء ذكروا بالإسم على النحو التالي: الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات السوفيتية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ولقد قصد بالعضو الدائم آنذاك، هو ذلك العضو الذي تقع على عاتقه المسئولية العظمى في استتباب الأمن والسلام الدوليين، وبالرجوع إلى الوراء قليلا نجد أنه سبق لميثاق عصبة الأمم أن إشترط في عضوية مجلس العصبة الحلفاء الرئيسية والقوات المشتركة، وعليه فقد تألف مجلس العصبة من كل من فرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة، إلا أن ميثاق العصبة سمح للمجلس بعد موافقة أغلبية الجمعية، إضافة أعضاء دائمين على عكس ميثاق الأمم المتحدة، الذي يخلو بتعمد من هذه الإضافة، حيث أن أي تغيير لا يمكن أن يحدث إلا بتغيير في الميثاق نفسه، كما يدوق الميثاق إيجاد أعضاء شبه دائمين في مجلس الأمن بحث نص على أنه لا يحق لأي عضو غير دائم، إنتهت مدته في مجلس الأمن أن يعيد إنتخابه مباشرة، (الفقرة 2 من المادة 23)، على عكس الحال في ميثاق العصبة، حيث يمكن للجمعية بأغلبية ثلثي الأعضاء. أن تضع شروطا لهيئة الأعضاء لإنتخابات المجلس، وطبيعي فإن الخلافات والإحتكاكات التي حدثت في هذا الشأن حملت واضعي ميثاق الأمم المتحدة على التعلل بمنع مثل هذا. ونص الميثاق صراحة على أن ضمان الإستمرار في مجلس الأمن هو إمتياز للأعضاء الدائمين فقط. كما أن أي إتفاق للأعضاء الخمسة جميعهم، هو ضروري في مجلس الأمن لإحداث أي تغيير أو تعديل. المادة 21 من الميثاق حيث لا يمكن لأي تغيير أو تعديل في الميثاق أن يصبح نافذا، مالم يقر من قبل الأعضاء الدائمين، (المواد 108، 109، 110) من الميثاق، ولم يكتف الميثاق بمنح الأعضاء الدائمين هذه المزايا فقط، بل أكد لهم وضعهم الخاص، حيث أفردتهم الفقرة الثانية من المادة 47 من الميثاق بعضوية اللجنة العسكرية لرؤساء الأركان، كما أعطتهم الفقرة الثالثة من المادة 47 من الميثاق الحق في التشاور وأخد الرأي فيما يخص أي عمل مشترك خاص باستتباب الأمن والسلام الدوليين نيابة عن المنظمة، كما منحتهم الفقرة الثالثة من المادة86 من الميثاق، ميزة التمتع بالعضوية في مجلس الوصاية، وعدم العمل بالميثاق إلا متى أودعت تصديقها كل من الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة عليه (المادة 106) بالإضافة إلى كل ذلك فإن استمرار الأعضاء الدائمين شغلهم لمقاعدهم في مجلس الأمن بصفة دائمة، أعطى لمندوبيها الفرصة لاكتساب خبرة متراكمة في المجلس، فعلى سبيل المثال فقد شغل T.F.TSIM مندوب الصين الوطنية في مجلس الأمن لمدة خمسة عشر عاما، كما استمر Y.MLIK مندوب الإتحاد السوفياتي لمدة خمس سنوات مستمرة أيام كانت الحرب الباردة على أشدها، ثم رجع ثانية أثناء الفترة المسمات بفترة التعايش السلمي….
أما بخصوص مجلس الوصاية الذي قام بدوره بإدارة الأقاليم التي كانت تحت الوصاية وتعزيز عملية إنهاء الإستعمار، لم يعد له من مبرر في الوجود لاكتمال عمله منذ زمن طويل لذلك ينبغي حذف الفصل الثالث عشر ” مجلس الوصاية” من الميثاق. ولأسباب مماثلة ينبغي حذف المادة 47 المتعلقة بلجنة أركان الحرب، وكذلك حذف جميع الإشارات إلى هذه اللجنة في المواد 26 و 45 و 46.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.