ماهية المبدأ

مفهوم قرينة البراءة لدى القضاء الجنائي
الفصل التمهيدي : مفهوم قرينة البراءة لدى القضاء الجنائي
تقديم : استهل المشرع المغربي( ) قانون المسطرة الجنائية بإقرار مبدأين هامين تدعيما للمسار الحقوقي الذي تنهجه الدولة مع مطلع القرن الواحد والعشرين وسيرا باحتكاك مع المسار الديموقراطي الذي يعرفه العالم، إلى إقرار قرينة البراءة وتفسير الشك لفائدة المتهم كمبدأين راسخين لضمان المحاكمة العادلة.
وقد جاءت عبارة المشرع قوية وصارمة( ) –توحي ببراءة المنهج- في إرادة منه للتعبير على أن إقراره للمبدأين ليس لمجرد إظهار براءة النهج في التعامل مع إنسانية الضنين- الفصل الأول من قانون المسطرة الجنائية وإنما لوضع الإطار لتطبيق القواعد الإجرائية للمحاكمة الجنائية.

المطلب الأول: ماهية المبدأ
*تعريف المبدأ
بالرجوع إلى مقتضيات القانون الجنائي المغربي نجد أن المشرع المغربي لم يعرف البراءة كمبدأ يجب الاستناد إليه بحيث لم يعتمد لها نص صريح مما جعلنا نعرج نحو الفقه الجنائي كما العادة بحيث لا يوجد اختلاف فيها يخص تعريف المبدء، ومن تم جاءت تعريفاتهم متشابهة أو مماثلة وذلك بحسب ما يلي فقد عرفها جانب من الفقه بقوله «أصل البراءة هو أن لا يجازي الفرد عن الفعل استند عليه عالم يصدر ضده حكما بالعقوبة من جهة ذات ولاية قانونية»( ).
وهذا التعريف معيب لأنه قصر مفعول البراءة على عدم المجازاة عن الفعل كعقوبة وجزاء. غافلا أن أصل البراءة أوسع من ذلك بحيث سيشمل العقوبة كما يشمل الإجراء، ويشمل القاضي كما يشمل سلطة المتابعة «النيابة العامة» والتحقيق «قاضي التحقيق» والضابطة القضائية لأن أصل البراءة يستلزم عدم المساس بالحرية الفردية في أية مرحلة من مراحل الدعوى، كما يستلزم عدم توقيع الجزاءات إلا بعد صدور حكم من جهة قضائية مختصة وصيرورة ذلك الحكم النهائي بات، لا مجرد صدور الحكم كما يفهم من التعريف السابق.
وعرفه جانب آخر من الفقه بالقول «أن مقتضى أصل البراءة أن كل شخص متهم بجريمة مهما بلغت جسامتها، يجب معاملته بوصفه شخصا بريئا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات».
وهذا التعريف يؤاخذ عليه هو الآخر بحيث يختلف عن الأول من حيث الشمول إذ أتى بالمعاملة بدل المجازاة والمعاملة تنصرف إلى جميع مراحل الدعوى، ورغم هذا الوضع إلى أن هذا التعريف أخذ عليه أنه خص المتهم دون غيره عن بقية الأشخاص.
وعرفه جانب آخر من الفقه بقوله «مؤدى قرينة البراءة أن يعامل المتهم مهما كانت جسامة الجريمة التي نسبت إليه على أنه بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي وفقا للضمانات التي يقررها القانون».
وقد عيب على هذا التعريف أيضا أنه خص المتهم دون بقية الأشخاص، ذلك أن حق البراءة حق الأشخاص وليس المتهم وحده، أما التعريف الذي يراه جانب من الفقهاء أنه هو الراجح فهو القائل «أصل البراءة يعني معاملة الأشخاص مشتبها فيه كان أم متهما –في جميع مراحل الإجراءات ومهما كانت جسامة الجريمة التي نسبت إليه، على أنه بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات وفقا لضمانات التي قررها القانون للأشخاص في هذه المرحلة».
في اعتقادنا أن هذا هو التعريف الذي يميل إلى ترسيخ العدالة الجنائية في تحقيق الموازنة القانونية لتفعيل القانون الجنائي وترسيخ مبدأ براءة المتهم كأصل.
__________________________
– ذ. أحذاف”شرح قانون المسطرة الجنائية”، منشورات وزارة العدل، ج.1، ط.3، العدد 2، 2004.
– إلا أن هذا متناقض مع ما سيظهر في تحليل المفهوم الذي يعتمده جهاز العدالة من خلال سيرورة الدعوى الجنائية بمراحلها ما قبل المحاكمة وما يعد المحاكمة من خلال الضمانات الهزيلة أو المنعدمة، الباهت التي تدعى المشرع أنه قد خولها للمتهم من أجل إجراء محاكمة عادلة.
– د. أحمد محمد محدة “شرح قانون المسطرة الجنائية”، ج.3، ص223 وما يليها.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.