العلاقات بين المغرب و المجموعة الاقتصادية الأوربية

العلاقات بين المغرب و المجموعة الاقتصادية الأوربية – القسم الأول:
إن علاقة المغرب مع أوربا ضاربة بعمقها في جذور التاريخ، تأرجحت بين التعاون والصراع. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد إنشاء المجموعة الاقتصادية الأوربية ( )، ربط المغرب علاقات اتفاقية متعددة مع هذا التكتل الاقتصادي. و هذه العلاقات الاتفاقية حددتها عدة متغيرات دولية، أثرت وبشكل كبير في بلورة الإطار القانوني بين المغرب و المجموعة الاقتصادية الأوربية.
لكن عن أي تعاون نتحدث؟ ! هذا هو السؤال الجوهري في هذه المسألة، ذلك أن المجموعة الاقتصادية الأوربية بقوتها الاقتصادية وبالتالي قوتها التفاوضية قادرة على فرض شروطها وتوجهاتها على المغرب الضعيف اقتصاديا والوحيد تفاوضيا (غياب الجبهة المشتركة على المستوى المغاربي زاد من ضعف وهشاشة الموقع التفاوضي).

إن هذه العلاقة بين الطرفية كانت بالتاكيد غير متكافئة وكانت تخدم مصالح المجموعة الأوربية وتهمش وتضعف المغرب بالبنية الاقتصادية والتحتية الهشة أصلا.
من هذا المنطلق نتساءل عن الظروف والعوامل التي جعلت العلاقة تتسم بالسلبية واللاتكافؤ والمحدودية.

عن اول هذه العوامل –ما دمنا نتحدث عن فترة الحرب الباردة- هو العامل الإيديولوجي، ونقصد به الصراع بين الكتلتين اشرقية والغربية وما نتج عنه من خلاقات وانقاسمات وتخحالفات. ثم هناك عامل ثاني وهو مرتبط بالأول ، ويتمثل في رغبة المجموعة الأوربية في تكريس الولاء السياسية للمغرب تجاهها، كاستمرار لظاهرة الاستعمار ولكن بمفهوم جديد وبطرق جديدة. هذا الوصف و هذا الاستقراء لعلاقة المغرب مع المجموعة الاقتصادية الأوربية يظهر جليا من خلال الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، فاتفاقية الشركة سنة 1969 كانت محدود في الجانب التجاري الصرف، أما اتفاقية التعاون لسنة 1976 وإن كانت قد وسعت مجالات التعاون إلا أن محدوديتها وسلبيتها تجلت في العديد من جوانب هذا التعاون.

من هذا المنطلق نتساءل: ما هو المقصود بمفهومي العامل الإيديولوجي والولاء السياسي؟ وما هو تأثيرهما على العلاقات بين المغرب و المجموعة الاقتصادية الأوربية ؟ ومن جهة أخرى وجب التساؤل عن نظاهر المحدودية والنقص التي تعتري الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين؟
للإجابة على هذه الأسئلة ولدراسة الموضوع دراسة علمية أكاديمية سيتم تقسيمه هذا القسم إلى فصلين: الفصل الأول سيتناول محددات العلاقة بين المغرب والمجموعة الأوربية، والفصل الثاني سيبين مظاهر محدودية العلاقة بين المغرب والمجموعة الأوربية.

الفصل الأول: محددات العلاقة بين المغرب و المجموعة الأوربية
إن دراسة أي ظاهرة من الظواهر التي تهم مجال العلاقات الدولية تقضي بداية الإحاطة الجديدة بالظروف التاريخية التي كانت سائدة في تلك المرحلة. ولهدا فإن دراسة علاقة المغرب مع المجموعة الأوربية تستوجب الحديث عن متغيرات الدولية السائدة في مرحلة الحرب الباردة، والتي أثرت بشكل كبير وبطريقة مباشرة على تلك العلاقات.
وأهم تلك المتغيرات كان هو ذلك الصراع الإيديولوجي بين كتلين الرأسمالية والاشتراكية التي أثرت على مجمل العلاقات الدولية في تلك المرحلة، وبالتالي فإن علاقة المغرب مع المجموعة الأوربية لم تخرج عن هذا الإطار ولم تسلم من هذا التأثير.
أما المتغير الثاني فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بالمجموعة الأوربية، لأنه يجسد الجانب السياسية الذي كانت تختفي وراءه المجموعة في إطار علاقاتها التعاونية مع المغرب، وهو مفهوم الولاء السياسي الذي أرادت من خلاله جعل المغرب الخادم المطيع لها والمنفذ لأوامرها بل وأكثر حيث كانت تستعمله كقناة لتمرير وفرض سياستها في القارة الإفريقية.
فكيف أثر المتغير الإيديولوجي في تحديد العلاقة بين المغرب مع المجموعة الأوربية (المبحث الأول) وما هو دور مفهوم الولاء السياسي في تحديد هذه اعلاقة (المبحث الثاني).

المبحث الأول: المتغير الإيديولوجي كمحدد لعلاقة المغرب و المجموعة الأوربية
إن العلاقات الدولية تخضع دائما لمتغيرات دولية تؤثر عليها إن لم نقل أنها تؤسس لهذه العلاقات. من هذا الباب نستنتج أن علاقات المغرب بالمجموعة كانت نتيجة لعدة عوامل وتفاعلات، يبقى أبرزها على الإطلاق هو المتغير الإيديولوجي، و الذي نقصد به ذلك العامل الإيديولوجي المتمثل في الصراع بين الإيديولوجيتين الرأسمالي والاشتراكية، أي اصراع بين الشرق والغرب و الذي اصطلح عليه اسم الحرب الباردة.

المطلب الأول: الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب:
يقصد بالصراع عموما، كل تعارض واع يمثل درجة أعلى من نجرد تنافس وتوتر ويتخد الصراع الدولي أشكالات متعددة ومختلفة، بعضها مباشر والبعض الآخر غير مباشر. وتتمثل اهم مظاهر اصراع الدولي المباشر في الحرب والاستعمار، كظواهر الكلاسيكية عايشهخا المجتمع الإنساني منذ ظهوره، وكذلك تتمثل في حرةوب التحرير والإرهاب الدولي والحصار… أما مظاهر الصراع غير المباشر فهي متعددة منها الحروب الاقتصادية، الحروب الدعائية والإعلامية، الجاسوسية، لكن أهم مظهر هو الجرب الباردة، بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والشرق بزعامة الاتحاد السوفياتي( ).
لقد بدأ الصراع بين الشرق والغرب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والمقصود بالشرق الدول التي تتبع الإيديولوجية الاشتراكية، أما الغرب فهي مجموعة الدول المتبعة للإيديولوجية الليبرالية الرأسمالية. هذا الصراع كان صراعا إيديولوجيا حاول من خلاله كل طرف تكرسي إيديولوجيته ومحاولة نشرها وتعميمها على سائر دول العالم.

وهكذا فإن كل طرف يبحث عن دعم وتقوية مركزه على حساب الطرف الآخر، ويعمل في نفس الوقت على الحيلولة دون تحقيق الطرف الآخر لغايته. يشير اصطلاح الحرب الباردة الذي شاع استخدامه في العلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى وجود حالة من العداء والتوتر الشديدين في العلاقات الدولية بين كتلة الدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتتبعها في ذلك مجموعة من الدول على رأسها دول أوربا الغربية، وكتلة الدول الشيوعية التي يتزعمها الاتحاد السوفياتي.
هذا الصراع استخدمت فيه كل الوسائل العدوانية من حرب نفسية ودعائية وأدوات وضغوط اقتصادية، ومن تهديد باستخدام القوة، والقيام ببعض الأعمال الاستفزازية والتجسسية( )، فهي إذن اصطلاح يطرق على العلاقات الجديدة التي نشأت بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية والتي استمرت بين أعوام 1945-1990. وتعني هذه الحرب وجود تناقضات جذرية في المصالح، وتباين في مضمون المعتقدات الإيديولوجية التي تعتنقها كل الكتلتين. ولكن هذه المتناقضات لا تصل –مهما بلغت تأزمها- حد انفجارها شكل حرب عالمية ساخنة. وغنما تظل الوسائل والأدوات المستخدمة في إدارة هذا الصراع الدولي دون مستوى هذه الوسيلة المتطرق من وسائل العنف المسلح.

وقد تبلورت الحرب الباردة من خلال ثلاث أزمات: أزمة برلين سنة 1948، وأزمة كوريا 1950، وأزمة صواريخ كوبا 1959. هذه الأزمات كادت تعصف بالعالم إلى حرب نووية شاملة ومدمرة. أما بخصوص مظاهر الحرب الباردة فيمكن القول أن هناك ثلاث سمات أساسية ميزت الحرب الباردة:
-السباق نحو التسلح، حيث عمل القطبان الشرقي والغربي على التنافس في مجال صنع ادوات التدمير، وذلك بالزيادة في القدرة التدميرية لهذه الأسلخحة وتحسين شروط إطلاقها واستعمالها ونقلها.
-نظام الأحلاف العسكرية: إن منطق الحرب الباردة كان يقتضي إنشاء أحلاف منظمة قادرة على ضمان أمن الدول المنخرطة في ومستعدة لصد الاعتداء الذي قد تبادل به الأحلاف المعادية. في هذا الصدد قام حلفان عسكريان فيما بعد الحرب العالمية الثانية: حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بمقتضى معاهدة واشنطن 1949، مقابل حلف وارسو بناء على ميثاق وقع سنة 1955.
-الاستقطاب الثنائي: عملت كل من الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي على توسيع مناطق نفوذهما العسكري و الإيديولوجي، وذلك بربط أكبر عدد من الدول بهما حيث تشكل نظاما دوليا عرف بنظام القطبية والثنائية المحكمة، خلال فترة الحرب الباردة. وهكذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم المالي لبعض الأنظمة كتركيا واليونان لمنع صعود الاشتراكيين إلى السلطة فيهما ( ).
بعد هذا التعريف الموجز لمفهوم الحرب الباردة كاصطلاح لحالة الصراع الإيديولوجي بين اشرق والغرب، وإذا كان هذا الصراع حدد عدة مفاهيم واثر على مجموع العلاقات الدولية، يطرح السؤال حول تأثير هذا الصراع على العلاقة بين المغرب و المجموعة الاقتصادية الأوربية.

المطلب الثاني: تأثير الصراع الإيديولوجي بين المغرب و المجموعة الأوربية:
إن الصراع الإيديولوجي بكل مظاهره وتجلياته والذي أسس العلاقات صراع بين المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي، غير من الخريطة السياسية للعالم اجمع وأثر بشكل بارز وفعال في بلورة الإطار الاتفاقي والتعاوني بين مختلف دول العالم.
وقد كان طبيعيا ونتيجة لهذا الصراع، أن تكون هناك علاقات متميزة ومتنوعة سوءا على المستوى الاقتصادي أو العسكري… بين الدول التي تنتمي لنفس المنظومة الإيديولوجية أو حتى تلك الدول التي تميل إلى منظومة معينة، والحديث هنا طبعا عن دول العالم الثالث التي لم يكن لها اتجاه وهياكل محددة حيث كانت تأخذ بالنظامي ن الرأسمالي و الإيديولوجي مع ميلها أو تغليبها لنظام دون آخر نظرا لعدة عوامل داخلية (هشاشة الاقتصاد…) أو خارجية (ضغط الدول الكبرى ، تبعية اقتصادية وسياسية…) بالمقابل نجد علاقات محدودة وأحيانا منعدمة بين دول تختلف في انتمائها الإيديولوجي. ولم تخرج علاقة المغرب مع المجموعة الأوربية عن هذا الإطار بل وتأثرت كثيرا ولحد كبيرا بهذا الصراع الدولي الذي كان مركزه هو القارة الأوربية، أقرب القارات إلى المغرب.

فالمغرب وبعد حصوله على الاستقلال، ارتأى نهدج سياسة الانفتاح على الخارج خاصة على المستوى الاقتصادي وقد تبلورت بعض ملامح مبادئ الرأسمالية في النظام السياسي والاقتصادي المغربي، فالمغرب عرف بميله إلى المعسكر الرأسمالي، وإن لم يطبق الفكر الرأسمالي بشكل كلي، وذلك راجع في الأساس إلى حالة التخلف التي كان يعرفها المغرب (والكل يعلم أن تطبيق الرأسمالية يحتاج وعيا كبيرا سواء من القيادة أو الشعب). وكما أن الدولة المغربية كانت في بداية طريقها بعد الاستقلال وبالتالي فقد كانت هناك بنيات اقتصادية وبنيات تحتية هشة. من جهة أخرى وجب النذكير بان العامل الإيديولوجي قسم أوربا إلى قسمين قسم ينتمي إلى المنظومة الليبرالية، وقسم تابع للمنظومة الاشتراكية.
في إطار هذا التنافس و الصراع الإيديولوجي بدأ التفكير في إنشاء تكتلات اقتصادية بهدف إعادة بناء اقتصاد أوربا، انطلاقا وتأسيسا واعتمادا على العامل الإيديولوجي –اكثر من أي عامل آخر- الذي كان أهم شرط لبناء وإقامة أي اتحاد أو تكتل أو حتى الانضمام إليه. وفي خضم هذه الظروف والعوامل تولدت عدة تكتلات كان أبرزها على صعيد أوربا المجموعة الاقتصادية الأوربية الذي ضم فقط الدول ذات التوجه الليبرالي، مقابل مجموعة الكوميكون( ) التي ضمت دول منتمية للمعسكر الاشتراكي.
من هنا يتضح لنا أهمية العالم الإيديولوجي في التأثير على العلاقة بين المغرب و المجموعة الأوربية، لأن المغرب ربط مع هذا التكتل الاقتصادي علاقات متعددة، مقابل شبه غياب لأي علاقات تعاون بين المغرب ودول أو مجموعات اشتراكية.
إذن فعلاقات المغرب و المجموعة الأوربية حددها العالم الإيديولوجي و الذي كان يسبق العالم الاقتصادي والجغرافي… فهذا العامل كان هو المسيطر والمحدد للعلاقات بين الدول، وقد كان بمثابة قاعدة تخضع لها جل العلاقات الدولية في تلك الفترة.

وقد كانت اول اتفاقية تعاون أبرمها المغرب مع المجموعة الأوربية هي اتفاقية الشراكة، التي وقعت يوم 31 مارس 1969. حيث أن المغرب تبنى فكرة الشراكة للاستفادة من الاستثمارات الأوربية الخاصة والعامة، خصوصا و أن المغرب كان يرغب في تحقيق تنمية سريعة لاقتصاده. اما بالنسبة للجانب الأوربي فإن الدافع الرئيسي الذي جعله يقيم شراكة مع المغرب هو رغبة المجموعة في تحقيق التناغم مع مقتضيات معاهدة روما، خاصة المادة 238، والمعبرة عن مصالح دول أو إحدى دول المجموعة. ولكن فشل هذه الاتفاقية دفعت المجموعة الأوربية إلى إبرام اتفاقية التعاون لسنة 1976 مع المغرب، والتي تجاوزت لحد ما محدودية اتفاقية الشراكة ولكنها لم تحقق التعاون المنشود.
وهكذا ربط المغرب علاقات متميزة مع الدول الغربية نظرا لما سبق ذكره، ونظرا للإرث الاستعماري الذي خلف بنيات اقتصادية مغربية تابعة بشكل كبير لفرنسا وإسبانيا.
وقد راهن المغرب على تطوير اقتصادياته وعلى إقامة بنيات تحتية قوية، وعلى خروجه من حالة التخلف بأسرع وقت انطلاقا من سياسة الاقتصاد المنفتح مستفيدا من موقعه الجغرافي القريب من أوربا.
لكن ما يجب الإشارة إليه هو انم علاقة المغرب مع المجموعة الأوربية وإن حددها بشكل كبير المتغير الإيديولوجي فإن هناك عامل آخرلا أثر بدوره في تحديد الإطار القانوني للتعاون بين الطرفين، باعتبار القوة الاقتصادية وبالتالي التفاوضية للمجموعة الأوربية اتجاه المغرب، والتي من خلالها حاولت المجموعة تكريس الولاء السياسي للمغرب تجاهها.
فماذا نقصد بفكرة الولاء السياسي؟ وأين تجلت بعض مظاهره، وما هو تأثيرها على العلاقة بين المغرب و المجموعة الأوربية ؟

المبحث الثاني دور الولاء السياسي في تحديد العلاقة بين المغرب و المجموعة الأوربية:
لقد كانت علاقة المغرب مع المجموعة الاقتصادية الأوربية تحدد انطلاقا من توجهات السياسة الخارجية للمجموعة، نظرا لعدة عوامل أهمها القوة الاقتصادية و السياسية للمجموعة مقارنة مع المغرب، وبالتالي فإن لهذه العلاقة الاتفاقية ورغم ما سبقها من مفاوضات فإنها تظل خاضعة لهيمنة ورغبة المجموعة. ولعل أهم العوامل التي كانت سببا في جعل هذه العلاقة محدودة وعاجزة عن تحقيق تعاون حقيقي بين الطرفين هو رغبة المجموعة الأوربية في تكريس الولاء السياسي للمغرب تجاه المجموعة حفاظا على مصالحها وتحقيقا لأهدافها الاقتصادية والسياسية.
ولهذا سنتناول في المطلب الأول تعريف مفهوم الولاء السياسي، وفي المطلب الثاني تأثير مفهوم الولاء السياسي على العلاقة بين المغرب والمجموعة الأوربية.

المطلب الأول : مفهوم الولاء السياسي
إن اصطلاح الولاء يستخدم عادة في العلاقات التي تربط الحاكم بالمحكوم، السيد بالعبد، املك بالرعية…
ومفهوم الولاء السياسي يقصد به هنا الانصياع واتباع الأوامر والتعليمات من طرف المغرب باعتباره الطرف الضعيف، هذه الأوامر التي يتم التخطيط لها في دهاليز الساسة الأوربيين.
وعندما نقول الولاء السياسي للمغرب تجاه أوربا فإننا نقصد (بالإضافة إلى الدول الأوربية الغربية) المجموعة الاقتصادية الأوربية التي –وكما سبقت الإشارة إلى ذلك- تعتبر تكتلا اقتصاديا بفكر رأسمالي وتوجه ليبرالي، ومن هنا فإن المغرب أريد له أن يكون قناة لتمرير الأفكار والتوجهات الرأسمالية، وأداة للحفاظ على مصالح المجموعة الأوربية في عدد من الدول الإفريقية( )، باختصار أربد للمغرب أن يظل منطقة نفوذ تابع للمجموعة.

ففكرة الولاء السياسي نابعة من جوهر فكرة الاستعمار، لكنه استعمار من نوع جديد أو استعمار مشروع، لا يتأسس على القوة العسكرية بل على القوة الاقتصادية وبالتالي القوة السياسية.
إن المجموعة الأوربية عندما قررت إقامة علاقات تعاون مع المغرب لم تكن تهدف إلى تنمية هذا البلد أو حتى مد يد المساعدة من اجل تجاوز بعض المشاكل التي كانت بعض دول المجموعة –ولا تزال- تتحمل مسؤولية إنتاجها وإعادة إنتاجها.
 المغرب و المجموعة الاقتصادية الأوربيةإن المجموعة الأوربية نظرت إلى المغرب نظرة نفعية، فرأت في التعاون مع المغرب وإقامت علاقات تبادل تجاري معه وغيرها من المجالات التي تم التعاون فيها بين الطرفين، وسيلة ليس إلا من اجل بلوغ أهداف حفية كانت تشكل حقيقة السياسة الخارجية للمجموعة وبالتالي للدول الأعضاء فيها.
ولا يخفى على أحد أسباب ومبررات المجموعة الأوربية من وراء محاولة تكريسها مفهوم الولاء السياسي، وخلال الحقبة الاستعمارية بالمغرب، استفادت كل من فرنسا وإسبانيا من مجموعة من الامتيازات، منها جلب المواد الأولية من المغرب بأبخس الأثمنة، جلب اليد العاملة المغربية الرخيصة، بل حتى الاستعانة بالجنود المغاربة خلال الحروب العالمية، و الذين كانوا في مقدمة الجيوش المتحاربة، وبالتالية فقد عانى المغرب من ويلات الاستعمار ومن ويلات الحرب( )، هكذا غذن كان المغرب يمثل شيئا مهما بالنسبة لفرنسا وإسبانيا، ومن هذا الباب كانت رؤية المجموعة الأوربية لعلاقتها مع المغرب لا تختلف كثيرا عن علاقات المغرب مع فرنسا وإسبانيا خلال فترة الاستعمار، فقد أرادت المجموعة الاقتصادية تكريس علاقة استغلالية مع النمغرب بدوافع اقتصادية وسياسية.

فن الناحية السياسية كانت المجموعة الأوربية تريد أن يظل المغرب دائم الولاء لها خاصة عهلى المستوى الإيديولوجي، فقد كانت تخشى من ثورة اشتراكية داخل المغرب، كما أنها رأت فيه حاجزا لمنع المد الاشتراكي القادم من الجزائر و الذي يشكل خطرا حقيقيا على المجموعة.
أما من الناحية الاقتصادية لم تكن المجموعة لتتخلى أبدا عن المغرب كمصدر لجلب العديد من المواد الأولية (الحديد، الفوةسفاط…) وكمصدر لسد حاجياتها من بعض المواد الفلاحية (خاصة الحوامض)، كما أنها تعرف أن القرب الجغرافي للمغرب سيمكنها من تصريف فائض إنتاجها نحو هذا البلد المتخلف و الذي يحتاج إلى الكثير من الموةاد والسلع لسد حاجياته الداخلية.
إن مفهوم الولاء السياسي هو بكل بساطة تبعية وطاعة على المستوى السياسي للمغرب تجاه المجموعة الأوربية، وبالتالي فقوانين المغرب وسياساته العامة كانت تجب أن تكون غير منتعارضة مع سياسات المجموعة الأوربية.
وبالتالي فإن رغبة المجموعة الأوربية في تكريس مفهوم الولاء السياسي كان له أثر كبير في تحديد العلاقة بين المغرب والمجموعة الأوربية ، وطبعا فقد كان أثرا سلبيا.

المطلب الثاني: تأثير مفهوم الولاء السياسي على العلاقة بين المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوربية:
لا يمكن إنكار القوة الاقتصادية التي كانت تتمتع بها المجموعة الأوربية خاصة إذا ما قارناها بمثيلتها المغربية. وبالتالي فإن أي علاقة بين هذين الطرفين المتساويين من زاوية القانون الدولي العام والمختلفين كل الاختلاف من الناحية الاقتصادية، كانت لابد أن تكون نتاجا لرغبة وتصور المجموعة بخصوص سياساتها الخارجية مع المغرب( ).
ففي ظل المناخ التاريخي الذي سبق ذكره، و الذي كانت سمته الأساسية الحرب الباردة، سعت المجموعة الأوربية –باعتبارها تكتلا اقتصاديا لدول أوربا الرأسمالية- إلى محاولة تكريس الولاء السياسي للمغرب تجاهها. وهكذا أصبح مفهوم الولاء السياسي من بين أهم العوامل المحددة للعلاقة بين المغرب والمجموعة الأوربية.
لقد كانت سياسات وتوجهات المجموعة الأوربية في علاقتها مع المغرب تقوم على هدفين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي.
أما الهدف السياسي فيتمثل في الرغبة العارمة التي كانت لدى المجموعة من اجل تكريس فكرة الولاء السياسي ليظل المغرب منطقة نفوذ تابعة للمجموعة وبالتالي للدول الأعضاء داخلها.
أما الهدف الاقتصادي فهو استغلال المغرب اقتصاديا، حيث كان يمثل موردا من المواد الأولية واليد العاملة الرخيصة، وكذلك سوقا لتصريف فائض إنتاج المجموعة.

عن مفهوم الولاء السياسي بهذا المضمون الذي قدمه كان عاملا سلبيا في إطار العلاقة بين المغرب والمجموعة الأوربية، لكنه عامل يخضع لإرادة المجموعة، وبالتالي فإن الاتفاقيات المبرمة بين المغرب و المجموعة الأوربية على اختلافها وعلى اختلاف تسميتها وزمن توقيعها، كانت تحسد رغبة واحدة لا تتغير، وبالتالي فقد أنتجت اتفاقيات يتضح فشلها وعجزها في تحقيق علاقة تبادل تجاري وتعاون اقتصادي بين الطرفين، إن تلك الاتفاقيات كانت دائمة محدودة تخضع لمنطق نفعي محض، وتنطلق من خليات سياسية اكثر منها اقتصادية وتعاونية.
فاتفاقية الشراكة لسنة 1969 تحمل اسما لا علاقة له بمضمون الاتفاقية، التي حددت مدتها ومجالات التعاون فيها، وقد كانت حصيلتها جد هزيلة، وتكفي الإشارة هنا إلى أن الاتفاقية بالإضافة إلى انحصارها في مجال التبادل التجاري فقط، فهي لم تشمل كل المنتجات المغربية، فمثلا البواكر والفلين وهما أهم الصادرات المغربية لم تشملها الاتفاقية !
أما بالنسبة لاتفاقية التعاون لسنة 1976، فرغم انها جاءت لتعزيز التعاون وتعويض اتفاقية الشراكة لسنة 1969 وتدارك العجز الحاصل فيها، إلا أنه_ا هي الأخرى أبانت عن ضعفها وسلبياتها، لأن المجموعة الأوربية إذا كانت قد منحت امتيازات للمغرب فإنها عملت على تقييد هذه الامتيازات بطريقة أو بأخرى. فمثلا في المجال الفلاحي انخفضت الصادرات المغربية نحو المجموعة من 56% سنة 1970 إلى 39.9% سنة 1979 ( )، وذلك راجع إلى التدابير التي نهجتها المجموعة الأوربية في إطار السياسة الحمائية للسوق الأوربية المشتركة. إنها كانت تقدم للمغرب امتياوات بهذه اليد وتسحبها باليد الأخرى. لأن المجموعة لم تهتم فعلا بإقامة علاقات تعاونية تحفظ لها مصالحها المشروعة وتحقق للمغرب أهدافه المتمثلة أساسا في التنمية والخروج من حالة التخلف. كان كل همها هو الحفاظ على المغرب كمنطقة نفوذ.

إن العلاقة بين المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوربية تميزت طيلة فترة الحرب الباردة بالمحدودية والعجز عن تحقيق تعاون حقيقي يضمن مصالح المجموعة ويراعي احتياجات المغرب.
إن هذه المحددات أو المتغيرات الدولية (الصراع الإيديولوجي ، مفهوم الولاء السياسي) كانت لها آثار سلبية في تحديد العلاقة الاتفاقية بين المغرب و المجموعة الأوربية، وقد قمنا بعملية استقراء لهذه الاتفاقية فاتضح جليا محدوديتها. ومن أجل توضيح ذلك وتأكيد ذلك الاستقراء ستناول في الفصل الثاني مظاهر محدودة العلاقة بين المغرب والمجموعة الأوربية.
العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوربي: “في مرحلة ما بعد انهيار جدار برلين”

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.