التحقيق الإعدادي وإجراءاته في الجريمة الإرهابية

التحقيق الإعدادي في الجريمة الإرهابية – المبحث الثاني

إن الرغبة الأكيدة في تقصي الحقائق دعت المشرع إلى استحداث نظام التحقيق الإعدادي من أجل توفير ضمانات هامة للحقوق الفردية والجماعية، والتحقيق الإعدادي يختلف عن البحث التمهيدي لا من حيث الجهة التي تقوم به ولا من حيث الضمانات المقررة له، فهو مرحلة قضائية لا بوليسية. ولذلك قيل أن التحقيق الإعدادي يتوسط البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية والتحقيق النهائي الذي تختص به المحكمة في الجلسة .

ومن الناحية المسطرية يجري التحقيق إما بناء على ملتمس من النيابة العامة، وإما بناء على شكاية من المطالب بالحق المدني .
وتبعا لذلك تولى المشرع المغربي إقامة تنظيم خاص ومستقل لمسطرة التحقيق الإعدادي، وهذا ما سنعمل على توضيحه من خلال دراسة إجراءاته المسطرية (مطلب ثان) لكن قبل ذلك لن يفوتنا بيان المقصود بالتحقيق الإعدادي والجرائم الإرهابية الخاضعة له (مطلب أول).

المطلب الأول: التحقيق الإعدادي والجرائم الإرهابية الخاضعة له:
التحقيق الإعدادي موضوع متشعب وشائك، تكمن صعوبته في أن له مساسا مباشرا بحق من أهم حقوق الإنسان وهو الحق في الحرية الشخصية،  لهذا تولى المشرع المغربي تنظيمه بشكل مفصل في القسم الثالث من مدونة قانون المسطرة الجنائية من الفصل83 إلى غاية الفصل250 منه.
ولرفع اللبس عنه وإدراك الفرق الذي يميزه عن البحث التمهيدي والبحث النهائي، لا بد من تقديم تعريف واف وشامل له، مع إبراز أهم خصائصه ومميزاته في فقرة أولى وتعداد الجرائم الإرهابية الخاضعة له في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى: مفهوم التحقيق الإعدادي
على ضوء مقتضيات قانون المسطرة الجنائية المؤرخ في 3أكتوبر2002، سوف يتضح أن المشرع المغربي أغفل أو تفادى تحديد المقصود بالتحقيق الإعدادي، مكتفيا بتنظيمه من خلال بيان مجاله وكذا مجمل الإجراءات التي تندرج في إطاره.

أولا: تعريف التحقيق الإعدادي
يقصد بالتحقيق الإعدادي، مختلف الإجراءات القضائية التي تتولى ممارستها سلطات التحقيق وعلى الوجه المحدد بنصوص قانون المسطرة الجنائية، وذلك من أجل تحقيق الأهداف التي من أجلها تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق: القيام بالتحقيق الجنائي لجمع الأدلة، ودراسة الملابسات الخاصة بالجريمة، قصد إحالة المتهم على جلسات الحكم.
ويترتب عن هذا التعريف نتائج أهمها:
–    أن اختصاص تطبيق وتنفيذ إجراءات التحقيق الإعدادي موكول أمر القيام بها لقضاة التحقيق، وهذا يعني أن مؤسسة قضاء التحقيق هي المكلفة قانونا بالتحقيق الإعدادي.
–    أن قضاة التحقيق لا يمكنهم الشروع بالقيام بتنفيذ الإجراءات المسطرية إلا بناء على ملتمس صادر من النيابة العامة أو بناء على شكاية من الضحية مرفوقة بالمطالب المدنية.

ثانيا : خصائص التحقيق الإعدادي
رتب المشرع المغربي على عدم احترام بعض الإجراءات والشكليات المنصوص عليها قانونا بطلان هذه الإجراءات، بل ورتب على عدم احترام بعضها الآخر بطلان الإجراء نفسه وكذا الإجراءات التي تليه. وبالرغم من ذلك فالتحقيق يبقى كتابيا وسريا وغير حضوري، كما أن حقوق الدفاع تكون فيه غير تامة، باعتبار أن دور الدفاع لا يتعدى طرح الأسئلة على الأطراف بواسطة قاضي التحقيق .
ومن ضمن أبرز خصائص التحقيق الإعدادي، والتي تشكل إحدى أهم الضمانات الهامة للمتهم وللحريات الفردية، هو أنه ذو طبيعة قضائية وذلك خلافا لمسطرة البحث التمهيدي وبناء عليه وبالنظر للطبيعة القضائية لمؤسسة التحقيق الإعدادي يمكن استنتاج أن قاضي التحقيق حكم وليس خصما على غرار النيابة العامة.

وقد تم التأكيد على الطابع القضائي الصرف لمؤسسة التحقيق الإعدادي على مستوى آخر فإذا كانت مسطرة التحقيق الإعدادي يوكل أمر إنجازها لقضاة التحقيق فإن المشرع إمعانا منه في عدم إهدار مجمل هذه الضمانات المعترف بها للمواطن/المتهم، فإنه أوكل أمر إنجاز التحقيق تحت مراقبة سلطة أعلى من قضاة التحقيق وتعتبر درجة استئناف لقراراتهم وهي الغرفة الجنحية .

الفقرة الثانية: الجرائم الإرهابية الخاضعة للتحقيق الإعدادي:
لم ينص قانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب على إلزامية أو اختيارية التحقيق الإعدادي في الجرائم الإرهابية، ولكن بالرجوع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ولا سيما المادة83 منه يتبين أن التحقيق في القضايا الإرهابية يكون إلزاميا:
–    في الجنايات الإرهابية المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقرة لها ثلاثين سنة.
–    في الجنايات الإرهابية المرتكبة من طرف الأحداث.
وفي المقابل يكون التحقيق الإعدادي اختياريا فيما عدا ذلك من الجنايات، ويتعلق الأمر بالجنايات الإرهابية التي يرتكبها الرشداء إذا كانت عقوبتها السجن المؤقت، وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر .

المطلب الثاني: تعداد إجراءات التحقيق الإعدادي:
تنص المادة85 من ق.م.ج على أن قاضي التحقيق يقوم –وفقا للقانون- بجميع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة، فقاضي التحقيق إذن يملك سلطة اتخاذ جميع الإجراءات التي تستهدف الوصول إلى الحقيقة، ولا يتقيد فيما ينجزه إلا بنصوص القانون سواء تعلق الأمر بقانون المسطرة الجنائية أو بالقانون الجنائي أو باقي التشريعات المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم.
والجريمة الإرهابية عندما تحال على التحقيق الإعدادي (اختياريا أو إجباريا) تخضع في أحكامها للمقتضيات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتحقيق الإعدادي مع مراعاة الأحكام الخاصة المنصوص عليها في قانون رقم03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب في موضوع التنقل والتفتيش والحجز وكذا في موضوع التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة عن بعد والتي سنعمد على التفصيل فيها.
وبناء عليه تشكل هذه القواعد الإجرائية التي سنعمل على تحليلها الجانب العملي في كل القوانين ومنها قانون الإرهاب، حيث أنها تنظم إجراءات البحث والتحري عن الجرائم، وتقرن ممارستها بشكليات لابد من وجودها لصحة هذه الإجراءات، وضمان نزاهتها وفعاليتها.

وهكذا سنتناول كل إجراء منها على النحو التالي : إجراءات البحث حول شخصية المتهم (فقرة أولى)، التنقل والتفتيش والحجز (فقرة ثانية) إجراء الفحص الطبي والخضوع للعلاج (فقرة ثالثة) التقاط المكالمات والاتصالات (فقرة رابعة) وأخيرا، مراقبة التحويلات المالية وحركية الأموال (فقرة خامسة).

الفقرة الأولى: إجراء بحث حول شخصية المتهم:
يقوم قاضي التحقيق إلزاميا في مادة الجنايات، واختياريا في مادة الجنح بإجراء بحث حول شخصية المتهم وحالته العائلية والاجتماعية، وبالإضافة إلى ذلك، يقوم قاضي التحقيق بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة بتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع، إذا كانت سنه تقل عن عشرين سنة، وكانت العقوبة المقررة لا تتجاوز خمس سنوات، وارتأى قاضي التحقيق وضع المتهم تحت الاعتقال الاحتياطي .
فهذا الإجراء يعتبر من الأهمية بما كان، فمن شانه أن يعطي قاضي التحقيق صورة واضحة عن الشخص الذي يحال عليه للتحقيق معه وكذا وضعيته العائلية والشخصية وسوابقه القضائية إن كان له سوابق.

وتطبيقا لمقتضيات المادة134 م.ج والتي تنص على أنه :” يطلب قاضي التحقيق من المتهم بمجرد مثوله الأول أمامه بيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه، وتاريخ ومكان ولادته وحالته العائلية ومهنته ومكان إقامته وسوابقه القضائية، وله عند الاقتضاء، أن يأمر بكل التحريات للتحقق من هوية المتهم بما في ذلك عرضه على مصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي.
وتتميز عملية التأكد من هوية المتهم بكونها ذات مستويين: فعلى المستوى الأول، وهو الذي يتميز بانعدام الشك حول هويته، بحيث يكون سهلا بالنسبة لقاضي التحقيق التحقق منها وذلك من خلال، بيان اسمه العائلي والشخصي، وكذا نسبه إلى أبيه وأمه وطبيعة مهنته وعنوان إقامته، ثم محاولة معرفة ما إذا كان للمتهم الماثل أمامه سوابق قضائية. فإذا انتهى المستوى الأول، وتمت بالنسبة لقاضي التحقيق عملية ضبط هوية المتهم من كونها واضحة ولا تثير أي إشكال، يمر قاضي التحقيق إلى الإجراء الثاني، حسب الترتيب الوارد في المادة134 م.ج، أما إذا كان هناك شكوك بالفعل حول المتهم أو أنه أنكر هويته فلقاضي التحقيق المرور إلى المستوى الثاني من الإجراءات التي يتضمنها إجراء ضبط هوية المتهم.

والملاحظ أن قاضي التحقيق لا يتخذ هذه الإجراءات إلا في الأحوال التي تطرح فيها شكوك أو صعوبة في ضبط هوية المتهم، حيث يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمر لإجراء كافة التحريات الممكنة والتي من شأنها أن تساعد على معرفة هويته الحقيقة .
ويمكن في إطار هذه الوسائل المستعملة دون تحديد أو تقييد من طرف المشرع أن يلجأ قاضي التحقيق إلى عرض المتهم على مصلحة التشخيص القضائي لدى الضابطة القضائية أو إمكانية إخضاعه لفحص طبي .
وبذلك يعتبر هذا الإجراء على قدر كبير من الأهمية، بل ويعتبر إحدى الضمانات الهامة للمتهم وللمواطن، حيث يساعد على تفادي متابعة – بسبب خطأ في الهوية- شخص على أساس أن شخص آخر.

الفقرة الثانية: التنقل والتفتيش والحجز:
في إطار التحقيق الإعدادي الذي يباشره قاضي التحقيق في شأن جريمة معينة، ومنها الجريمة الإرهابية، يمكن لهذا الأخير، وبعد إخبار النيابة العامة بمحكمته أن ينتقل قصد القيام بإجراءات التحقيق خارج نفوذ المحكمة التي يمارس فيها مهامه، إذا استلزمت ذلك متطلبات التحقيق، وهذا ما تنص عليه المادة100 ق.م.ج : حيث جاء فيها:” يقوم قاضي التحقيق بهذا الإجراء صحبة كاتبه، ويتعين عليه أن يشعر مقدما النيابة العامة لدى المحكمة التي سينتقل إلى دائرة نفوذها.

وتعتبر إجراءات انتقال قاضي التحقيق بنفسه إلى مكان ارتكاب الجريمة لإجراء المعاينات الضرورية على قدر كبير من الأهمية ويحتل مكانة مركزية داخل منظومة التحقيق الإعدادي، ووسيلة هامة للوصول أو على الأقل الاقتراب من الحقيقة قصد جمع أكبر قدر من المعلومات والمعطيات بنفسه وجمع الأدلة التي يمكن بحسن إدارتها واستعمالها أثناء الاستنطاق والاستماع والمواجهة أن تعينه على معرفة الحقيقة.
كما يجوز لقاضي التحقيق إجراء التفتيش في جميع الأماكن التي يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا بإظهار الحقيقة، على أن يتقيد – تحت طائلة البطلان، بمقتضيات المواد59 و60 و62 من قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة بشروط وشكليات التفتيش وتوقيته.
فإذا تعين إجراء التفتيش في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يشعر النيابة العامة المختصة، وأن يتخذ مسبقا جميع التدابير لضمان احترام السر المهني.
وإضافة لذلك إذا تعين إجراء التفتيش أو الحجز بمكتب محام، يتولى القيام به قاض من قضاة النيابة العامة بمحضر نقيب المحامين أو من ينوب عنه أو بعد إشعاره بأية وسيلة من الوسائل الممكنة.

أما في ما يخص التوقيت فلا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليلا، غير أن العمليات التي ابتدأت في ساعة قانونية، يمكن مواصلتها دون توقف.
وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية وامتنع الشخص الذي سيجرى التفتيش بمنزله عن إعطاء موافقته، أو تعذر الحصول عليها، فإنه يمكن إجراء العمليات المذكورة في الفقرة الأولى بإذن كتابي من النيابة العامة وبحضور الشخص المعني بالأمر وفي حالة امتناعه أو تعذر حضوره فبحضور شخصين من غير مرؤوسي ضابط الشرطة القضائية.

الفقرة الثالثة : إجراء الفحص الطبي والخضوع للعلاج
بالنظر لكثرة الانتقادات الحادة التي توجد باستمرار للضابطة القضائية، وطريقة ترجمتها لمقتضيات النصوص المنظمة لمسطرة البحث التمهيدي التلبسي، وكذا الطرق الغير اللائقة على الإطلاق المستعملة لاستنطاق المتهمين ومن ضمنها اللجوء إلى التعذيب لانتزاع اعترافات تعتبر من الوجهة القانونية باطلة. كإجبار المتهم بواسطة أنماط التعذيب، على أن يعترف بجميع التهم الموجهة إليه ويقدم بنفسه الحجج اللازمة لإدانة نفسه.
وبناء على الانتقادات، سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الوطني فقد عمل المشرع المغربي على تعديل بعض نصوص المسطرة الجنائية، والنص على ضرورة إخضاع المتهم حالة طلبه ذلك الفحص الطبي كإجراءات وقائية تهدف محاربة الممارسات المشينة والغير القانونية للضابطة القضائية، فإنه لهذا السبب يمكن فهم لماذا يتمتع بحق الخضوع للفحص الطبي فقط المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية، خلافا للمتهم الذي أخضع لمسطرة الاستنطاق الأولي.

ولم يكن قط موضوع حراسة نظرية.
وهكذا نصت المادة134/5 م.ج على أنه “يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى إخضاعه لفحص طبي، ويتعين أن يأمر به تلقائيا إذا لاحظ على المتهم علامات تبرر إجراؤه، ويعين لهذه الغاية خبيرا في الطب”.
إذن، فقط أعطى المشرع لقاضي التحقيق إمكانية بأن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة، وأن يقرر إجراء فحص طبي، كما يجوز له بعد تلقي أية رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم لعلاج ضد التسمم، إذا ظهر أن هذا الأخير مصاب بتسمم مزمن ناتج عن تعاطي الكحول أو المخدرات أو المواد ذات المؤثرات العقلية.
ويباشر هذا العلاج، إما في المؤسسة التي يوجد فيها المعتقل، وإما في مؤسسة متخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانونا، على أن تتوقف مسطرة التحقيق أثناء مدة العلاج، إلا أن سند الاعتقال يحتفظ بمفعوله.

الفقرة الرابعة: التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد:
التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، تشكل وسيلة من وسائل التحريات المستحدثة، والتي أملتها ضرورة مواجهة الجريمة المنظمة. ولتعقد أساليبها وامتداد أنشطة شبكاتها، فبهذا الإجراء يمكن التعرف على أفراد العصابة الإجرامية وتطويق نشاطهم، فهي إذن، وسيلة قانونية تمكن من جمع القرائن والأدلة التي تفيد في استجلاء الحقيقة وتحديد مدى مشاركة ومساهمة كل شخص من الأشخاص الموضوعين تحت المراقبة القضائية بالاستعانة بالوسائل التقنية .
فالتنصت إذن إجراء يتميز بأهمية قصوى وحساسية مثيرة، نظرا لكونه يشكل مسا خطيرا بالحريات العامة، كما يعتبر أخطر من الوسائل الأخرى التي تقررت استثناء على حق الإنسان في الخصوصية كتفتيش المنازل لأنه يتم دون علمه، ويتيح سماع وتسجيل أدق أسرار حياته الخاصة.

فسرية المراسلات صانتها الشريعة الإسلامية بآيات قرآنية وأحاديث نبوية غاية في الوضوح والدلالة، يقول الله تعالى في سورة الحجرات :” يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تتجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم”.
ومن الأحاديث النبوية الشريفة روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال :” لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح” .
واضح من هذه الأحاديث النبوية أنها تضع سياجات قوية وضمانات لحفظ حرمات البيوت، وتوفير الأمن لأصحابها على أنفسهم وأعراضهم وأسرارهم، فهي تحمي كرامتهم وحريتهم، فالناس على ظواهرهم وليس لأحد أن يتعقب باطنهم، فهم آمنين على أنفسهم وعلى بيوتهم، وعلى أسرارهم، وعلى عوراتهم.
وعلى هذا النهج صارت المواثيق الدولية والمعاهدات التي تنص على حماية حق الإنسان في حرمة حياته الخاصة، وهو ما أكدته المادة12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة1948 حيث تنص على أنه :” لا يكون أحد موضع لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لهجمات تتناول شرفه وسمعته.
ومما تجب الإشارة إليه كذلك هو أن مجمل الدساتير حرصت على تأكيد حق الإنسان في سرية مراسلاته وعلى ضرورة الحماية القانونية لهذا الحق، فنجد الدستور المغربي قد نص على هذه الحماية من خلال الفصول 9 و10 و11 فالفصل التاسع منه ينص على أن سرية المراسلات لا تنتهك.
لكن، رغم الحماية المنصوص عليها في هذه الفصول نجد المادة108 من ق.م.ج في فقرتها الثانية تجيز الاعتداء على حرية محادثات الإنسان الشخصية :” يمكن لقاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك أن  يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها”.
ومع أن المشرع لم يحدد ما المقصود بمصطلح الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، فإن هذا المصطلح يجب أن يأخذ على إطلاقه، وبالمعنى المعهود له، وبذلك فهو يشمل بالإضافة إلى المحادثات والمكالمات الهاتفية جميع أنواع الاتصالات الحديثة، بما فيها التيلكس والتلغرام والمراسلات الإلكترونية والفاكسات وغيرها من الوسائل.
وبعد هذا العرض المقتضب لبعض التشريعات التي تنص على سرية المراسلات والمكالمات يحب أن نتفحص بعض النصوص القانونية المتعلقة بانتهاك هذا الحق وذلك لمعرفة الجهة التي خولها القانون حق إصدار الأمر بالتقاط المكالمات والاتصالات (بند أول) وكذلك الجرائم التي تبرر هذا الإجراء (بند ثاني) ومدة تطبيقه (بند ثالث).
أولا : الجهات القضائية المختصة بإصدار الأمر بالتقاط المكالمات والمراسلات:
خول القانون حق إصدار الأمر بالتقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، لكل من قاضي التحقيق والوكيل العام للملك، وأعطى لكل واحد منهما اختصاصات معينة، إلا أن اختصاصات الوكيل العام للملك تختلف حسب ما إذا كنا أمام حالة عادية أو حالة استعجالية.
1: قاضي التحقيق:
تبعا لأحكام المادة108 ق.م.ج، فإنه يمكن لقاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل اتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها.
والملاحظ على هذه المادة، أن المشرع لم يحدد على سبيل الحصر الحالات التي يسمح فيها لقاضي التحقيق القيام فيها بهذا الإجراء، واشترط فقط اللجوء إليه عندما تقتضيه ضرورة البحث، وعبارة ضرورة البحث عبارة واسعة ومطاطية. وأخذها على إطلاقها يقتضي إمكانية القيام بالإجراء المذكور في جميع الجنح والجنايات التي يتم فيها التحقيق، وغير محددة في جرائم معينة. ولعل المشرع المغربي قد اقتبس هذا النهج من المشرع الفرنسي الذي بدوره لم يحدد الحالات التي يتخذ فيها هذا الإجراء، ونص في الفصل100 من قانون المسطرة الجنائية على إمكانية القيام بإجراءات التنصت والتقاط المكالمات في الجنايات والجنح التي لا تقل عقوبتها عن سنتين والتي تحدث خللا خطيرا في الأمن العام .
كما يملك قاضي التحقيق حق إصدار الأمر بمراقبة المحادثات التليفونية إذا كان هو المباشر للتحقيق وسلطته في هذا المجال تعتبر أوسع من السلطة المخولة للقاضي الجزئي، فله أن يأمر بمراقبة المحادثات الهاتفية وينتدب لتنفيذها أحد رجال الضبط القضائي.
ومما تجدر الإشارة إليه أيضا هو أن المشرع المغربي لم يوضح هل مجرد الاشتباه في الشخص يجيز المراقبة أو يجب أن ترتكب الجريمة بالفعل كما هو الحال في القانون المصري الذي اشترط وقوع الجريمة بالفعل لكي تكون مراقبة المحادثات مشروعة.
2: الوكيل العام للملك:
أ‌-    الحالة العادية:
نصت الفقرة الثالثة من المادة108 ق.م.ج على أنه يمكن للوكيل العام للملك، إذا اقتضت ضرورة البحث أن يلتمس كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها وذلك إذا كانت الجريمة موضوع البحث تمس بأمن الدولة أو جريمة إرهابية أو تتعلق بالعصابات الإجرامية، أو بالقتل أو بالتسمم أو بالاختطاف وأخذ الرهائن، أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام أو المخدرات والمؤثرات العقلية، أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات أو بحماية الصحة.
ب‌-    الحالة الاستعجالية:
نصت الفقرة الرابعة من المادة108 ق.م.ج، على انه يجوز للوكيل العام للملك في حالة الاستعجال القصوى بصفة استثنائية أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها وحجزها، متى كانت ضرورة البحث تقتضي ذلك التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، إذا كانت الجريمة تمس بأمن الدولة أو جريمة إرهابية أو تتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية أو بالأسلحة أو بالاختطاف أو بأخذ الرهائن  ويجب على الوكيل العام للملك أن يشعر فورا الرئيس الأول بالأمر الصادر عنه، ويصدر الرئيس الأول خلال أجل 24 ساعة مقررا بتأييد أو تعديل أو إلغاء قرار الوكيل العام، وفقا للشروط والشكليات والكيفيات المنصوص عليها في هذه المادة وما يليها إلى المادة114 بعده.
وإذا قام الرئيس الأول بإلغاء الأمر الصادر عن الوكيل العام للملك، فإن التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المشار إليها يتم إيقافه على الفور، وتعتبر الإجراءات المنجزة تنفيذا للأمر الملغى كأن لم تكن، كما لا يقبل المقرر الصادر عن الرئيس الأول بشأن قرار الوكيل العام للملك أي طعن .
ثانيا: الجرائم التي تبرر الأمر بالتقاط المكالمات:
لا يجوز قانونيا اللجوء إلى اتخاذ قرار بالتقاط المكالمات واعتراض المراسلات في كافة الملفات والقضايا المحالة على التحقيق، بل تولى المشرع تقييد حق قاضي التحقيق وكذا الوكيل العام للملك بالتقاط المكالمات وتسجيلها وحجزها بطبيعة الجريمة المرتكبة، وعلى ضوء هذه الأخيرة يمكن معرفة ذلك بناءا على مقتضيات المادة180 م.ج ما إذا كان ممكنا أم لا القيام بأمر التنصت.
وهكذا لا يمكن إصدار أمر بالتقاط المكالمات وتسجيلها أو حجزها إلا إذا تعلق الأمر بهذه الجرائم الواردة على سبيل الحصر، وهذا يفيد طبعا بمفهوم المخالفة أنه خارج هذا التعداد الحصري لا يمكن بالمرة في غيرها من الجرائم إصدار أمر بالتنصت على المكالمات، وهذه الجرائم هي:
-الجرائم الماسة بأمن الدولة، أو جرائم تكوين العصابات الإجرامية أو القتل، والتسميم، الاختطاف، وأخذ الرهائن، تزييف النقود وتزويرها، أو سندات القرض العام أو المخدرات أو المؤثرات العقلية أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات أو بحماية الصحة.
لكنه بالعودة إلى بعض التشريعات المقارنة ومن بينها التشريع المصري، نجده لم يحدد أنواع الجرائم التي تبرر مراقبة المحادثات المتعلقة بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، وهي الجرائم التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي.
ثالثا: مدة المراقبة:
تنص الفقرة الثانية من المادة109 من المسطرة الجنائية على أن مدة المراقبة هي أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة.
وعند تجديد مدة المراقبة يجب أن يكون الإذن بالتجديد أو الأمر به مبني على ضرورة استمرار المراقبة للكشف عن الحقيقة على النحو الذي تحدد بناء عليه مدة هذه المراقبة.
لكن يجب التساؤل عن الجهة التي لها الحق في تجديد مدة المراقبة وبما أن القاعدة العامة تقول بأن السلطة التي لها الحق في إصدار الأمر هي التي تملك الحق في التجديد، فيمكن القول بأن قاضي التحقيق هو الذي يملك هذا الحق       – تجديد مدة المراقبة- أما بخصوص الوكيل العام للملك فيمكن أن نتساءل عن صلاحيته كذلك في تجديد هذه المدة، وللإجابة عن هذا التساؤل يمكن القول بأنه يملك كذلك هذا الحق، لكن في حالة الاستعجال فقط، وهنا أيضا دون أمر كتابي لاحق ما دامت هي الحالة التي يمكن فيها للوكيل العام للملك أن يأمر بالتقاط المكالمات، أما بالنسبة للحالة العادية، فيقتصر دوره في طلب ملتمس كتابي من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وبما أنه لا يملك حق إصدار أمر في هذه الحالة فإنه لا يملك بالمقابل الحق في التجديد.
وختاما يتعين على قاضي التحقيق أن ينص في المقرر القاضي بالتقاط المكالمات الهاتفية والمراسلات على جميع العناصر التي تعرف بالمراسلة أو المكالمة المراد التقاطها وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها والجريمة التي تبرر ذلك والمدة التي يتم فيها العملية، وأمر تجديد المدة الزمنية الذي لا ينبغي أن يفهم أنه تلقائي، بل لابد من إصدار أمر معلل لتمديد الإجراء الأول .
الفقرة الخامسة: مراقبة حركية الأموال أو التحويلات المالية:
إن هاجس الدول في مكافحة الإرهاب، دفعها إلى استعمال جميع التدابير والآليات، التي تقي من وقوع عمليات إرهابية سواء على الصعيد البشري المتمثل في التجمعات في ما بين التنظيمات أو على المستوى المادي المتمثل في الأموال المستعملة للأغراض ذات الطابع الإرهابي.
فمكافحة الإرهاب تقتضي بالضرورة تتبع البحث عن المنابع التي يتغذى منها، والعمل على القضاء عليها، ومن أخصب هذه المنابع نجد الجانب المادي المتمثل في التمويل، إن على المستوى الدولي، أو على المستوى الداخلي.
فعلى المستوى الدولي، بذلت مجهودات عدة، ترجمت في توقيع العديد من الاتفاقيات الدولية ومن أحدثها نجد الاتفاقية الدولية لقمع وتمويل الإرهاب الموقعة بنيويورك في 10 يناير2000، والتي صادق عليها المغرب بظهير 13-02-1 صادر في 12دجنبر2002 والمنشور بالجريدة الرسمية في فاتح ماي2003.
أما على المستوى الداخلي، فإن المغرب في القانون03.03 المتعلق بالإرهاب، وضع أحكامها خاصة بتمويل الإرهاب وخصص لها قسما خاصا يتكون من 10مواد:  (من 1-595 إلى 10-595). وارتباطا مع ما سبق ونظرا لحساسية ظاهرة التمويل وحداثتها من حيث التنظيم فإن الأمر يتطلب منا تحليل مقتضيات هذا القانون 0303 المتعلقة بالتمويل، وهكذا سنتناول في (أولا) الأموال التي يصح وصفها بكونها مخصصة لتمويل إرهابي، و الجهات المخول لها مراقبة تحركات هذه الأموال (ثانيا)، وأخيرا إجراءات الأمر بتنفيذ أحكام تمويل الإرهاب (ثالثا).
أولا : ما المقصود بالأموال التي يصح وصفها بكونها مخصصة لتمويل إرهابي:
المشرع المغربي في المواد المنظمة لتمويل الإرهاب، لم يعرف ولم يبين ما المقصود بالأموال التي يصح وصفها بذلك، لكن الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب والموقعة بنيويورك والمنضم إليها المغرب، عرفت الأموال  في الفقرة الأولى من المادة الأولى منها : “يقصد بتعبير “الأموال” أي نوع من الأموال المادية أو غير المادية، المنقولة أو غير المنقولة التي يحصل عليها بأية وسيلة كانت، والوثائق والصكوك القانونية أيا كانت أشكالها، بما في ذلك الشكل الإلكتروني أو الرقمي، والتي تدل على ملكية تلك الأموال أو مصلحة فيها، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الائتمانات المصرفية وشيكات السلف، والشيكات المصرفية والحوالات والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات وخطابات الاعتماد.”
كما نجد قانون سنة1989 للمملكة المتحدة (إنجلترا) والذي يتضمن قواعد تكفل مواجهة التمويل المالي للإرهاب، قد عرفت الأموال الخاصة بالإرهاب بأنها:
*الأموال التي قد تخصص أو تستخدم في ارتكاب أو دعم أعمال إرهابية أو تكون مرتبطة بها بأية صورة، كشراء السلاح.
*العائد المحقق كليا أو جزئيا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن ارتكاب أعمال الإرهاب المشار إليها مثل: عمليات الاختطاف التي يقوم بها الإرهابيون للحصول على فدية.
*موارد أي منظمة غير مشروعة بما في ذلك الأموال أو الممتلكات الأخرى التي توضع في خدمة تلك المنظمات أو تستخدم لصالحها.
هذا بالإضافة إلى المادة الثانية من الاتفاقية، التي تحدد الحالات التي يعد ارتكابها جريمة والتي يرتكبها الفاعل، كفاعل أصلي أو كمساهم أو مشارك، وجميعها يكون الهدف منها توسيع النطاق والنشاط الإجرامي، مع علم مرتكبي هذه الجرائم باتجاه أموالهم وفيما ستستعمل، والقانون الصادر بإنجلترا توسع في تجريم صور المساعدة المالية، وتمويل الإرهاب أو المنظمات المحرمة، وبالتالي التوسع في تقرير المسؤولية الجنائية، حيث لم تطلب لتوافرها العلم أو الشك المبني على أسباب فعلية في وجود غرض أو هدف إجرامي وإنما اكتفى بوجود كاف للشك  في الغرض أو الهدف من المعاملة المالية .
ثانيا: الجهات المخول لها الحق برصد تحرك الأموال المشتبه فيها:
لقد حدد المشرع المغري في المادة 1-595، الجهات المخول لها إجراء البحث القضائي المتعلق بالعمليات أو التحركات لأموال يشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب، وهذه الجهات تتحدد في كل من الوكيل العام للملك (أولا) وقاضي التحقيق وهيئة الحكم (ثانيا) ثم أخيرا  الحكومة (ثالثا).

1-    اختصاصات الوكيل العام للملك:
تتوزع اختصاصات الوكيل العام في إطار التمويل الإرهابي بين مجموعة من المواد المحددة لذلك وهي:
*المادة 1-595 بمقتضى هذه المادة يمكن للوكيل العام للملك أن يطلب معلومات حول عمليات أو تحركات أموال يشتبه في أنها مخصصة لتمويل الإرهاب، وبطبيعة الحال فإن هذا الإجراء يخول له، البحث القضائي لأن هذه الإمكانية مقرونة بالنسبة للوكيل العام للملك بمناسبة إجراء بحث قضائي .
*المادة6-595، تنص هذه المادة على أنه للوكيل العام للملك اتخاذ الإجراءات التالية في حال تقديم الحكومة الطلب له، بناء على طلب مقدم لها مسبقا، من قبل دولة أجنبية في قضية تمويل وهذه الإجراءات هي:
1-    البحث والتعريف في ما يتعلق بعائد إحدى جرائم تمويل الإرهاب والممتلكات التي استخدمت أكانت معدة لاستخدامها في ارتكاب هذه الجريمة أو كل ممتلك تطابق قيمته العائد منها .
2-    تجميد الممتلكات أو حجزها.
3-    اتخاذ الإجراءات التحفظية بشأن الممتلكات المذكورة.
وللوكيل العام رفض هذا الطلب المقدم في هذا الصدد إذا كان من شأن تنفيذه المساس بسيادة الدولة أو أمنها أو مصالحها الأساسية أو النظام العام، أو صدر في شأن الأفعال موضوع الطلب المقدم من طرف الدولة الأجنبية مقررا نهائيا في التراب الوطني، أو إذا تعلق الأمر بمقرر قضائي أجنبي صدر وفق شروط لا توفر الضمانات الكافية لحماية حقوق الدفاع أو إذا كانت الأفعال موضوع الطلب لا علاقة لها بتمويل الإرهاب.
*المادة7-595 تنص هذه المادة على أن كل تنفيذ لمقرر تجميد أو حجز أو مصادرة صادرة عن سلطة قضائية أجنبية في التراب الوطني، وقدم في شأنه طلب من لدن السلطة المذكورة ويتوقف على ترخيص من الوكيل العام للملك.
مما سبق يتبين أن اختصاص الوكيل العام للملك يختلف حسب القانون المطبق فإذا تعلق الأمر بتطبيق قانون الإرهاب باعتباره قانونا وطنيا فإنه للوكيل العام للملك اختصاصا أصليا، في إطار ممارسته للبحث القضائي بشكل مباشر.
أما إذا تعلق الأمر بتطبيق اتفاقية دولية فإنه يمارس اختصاصا غير مباشر، ذلك بناء على طلب من الحكومة والتي تتلقاه من دولة أجنبية.
2-اختصاصات قاضي التحقيق وهيئة الحكم:
يمكن لقاضي التحقيق ولهيئة الحكم بمناسبة إجراء بحث قضائي، القيام بمسطرة لها علاقة بجريمة إرهابية محالة عليها من قبل الوكيل العام للملك طلب معلومات حول عمليات أو تحركات أموال يشتبه أن لها علاقة بتمويل الإرهاب.
كما يلاحظ أن اختصاص الوكيل العام للملك أوسع من اختصاصات قاضي التحقيق وهيئة الحكم، لكون الأول ينعقد له الاختصاص بمناسبة إجراء البحث القضائي.
وإضافة لكونه مختص كذلك بجمع المعلومات حول حركات وتحركات أموال مشبوهة، وذلك في إطار تطبيق الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب المصادق عليها من قبل المغرب.
أما بالنسبة لقاضي التحقيق وهيئة الحكم فإن اختصاصاتها ينعقد فقط عند إحالة مسطرة لها علاقة بجريمة إرهابية عليهما للقيام بما يلزم من إجراءات البحث والتحري وتتم الإحالة من طرف الوكيل العام للملك.
3-اختصاصات الحكومة:
في إطار تطبيق الاتفاقية الدولية المتعلقة بالإرهاب ومكافحة تمويله، يجوز للحكومة إحالة الطلبات المقدمة في هذا المجال من طرف دولة أجنبية إلى الوكيل العام للملك ليتخذ في شأنها الإجراءات اللازمة.
والملاحظ هنا، أن الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية في الدولة، وهي التي تكون طرفا مباشرا في العلاقة مع السلطة الأجنبية. وخلاصة القول أنه رغم تنصيص المشرع في القانون رقم 03.03 عن اختصاص هذه الجهات برصد تحرك الأموال المشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب، إلا أن الجهات التي تقوم بذلك عمليا هي الأبناك المحددة في هذا القانون {مؤسسات الائتمان المعتمدة لممارسة نشاطها بصفة أبنك، وكذا الأبناك الحرة إضافة لبنك المغرب}.
وتعتبر هذه الأخيرة وسيلة للوكيل العام للملك، قاضي التحقيق وهيئة الحكم لحصول على معلومات متعلقة برصد التحركات والعمليات المشبوهة.
هذا الرصد تحكمه مجموعة من الضوابط، حيث تصرح الأبناك لبنك المغرب بالمبالغ التي قد تتأتى من تحركات مرتبطة بتمويل الإرهاب والعمليات المرتبطة بها التصريح بالاشتباه، وكذا العلميات المنجزة سابقا.
وتطلع هذه الأبناك بنك المغرب أيضا على هوية الأشخاص المؤهلين لتقديم التصاريح بالاشتباه لربط الاتصال بهم. ومن جهة أخرى يقوم بنك المغرب عندما يتبين له من معلومات مجمعة أن هناك ما يثبت وجود تحركات مشبوهة للأموال أن يرجع الأمر للجهات المذكورة أعلاه لتتخذ بشأنها التدابير اللازمة.
ومما سبق يتبين أن الوكيل العام للملك وقاضي التحقيق وهيئة الحكم لا يقومون مباشرة برصد تحركات الأموال، بل يعتمدون في ذلك على المعلومات والتقارير المنجزة من قبل مؤسسات الائتمان وخاصة بنك المغرب.
ثالثا: إجراءات الأمر  وتنفيذ أحكام تمويل الإرهاب
يمكن للوكيل العام ولقاضي التحقيق وكذا هيئة الحكم أن يأمروا بتجديد أو حجز الأموال المشتبه في أن لها علاقة بالإرهاب، واتخاذ هذه الإجراءات يكون بالنسبة للوكيل العام للملك داخل في إطار ممارسة البحث القضائي في جريمة تمويل داخل إقليم الدولة، ويكون داخلا في إطار التعاون في مكافحة التمويل، بناء على اتفاقية دولية سارية المفعول داخل المغرب، حيث يتخذ هذه الإجراءات بناء على طلب من الدولة الأجنبية محال إليه من قبل حكومة المغرب أما بالنسبة لقاضي التحقيق وهيئة الحكم فإن اتخاذ هذه الإجراءات يكون في حال إحالة مسطرة لها علاقة بجريمة إرهابية عليهما من طرف الوكيل العام للملك.
والتجميد عرفته المادة 3-595 بأنه المنع المؤقت لنقل الممتلكات أو تبديلها أو التصرف فيها، أو إخضاعها للحراسة. والسلطات القضائية وهي تبحث عن الأموال المشتبه فيها، يمكنها أن تطلب مساعدة بنك المغرب، لتنفيذ التدابير المتخذة في هذا الشأن.
أما بخصوص قانون الإرهاب الأمريكي، فقد أطلق سلطة الاستخبارات على الحسابات المالية وحسابات البنوك، لمجرد أن يقرر أو يأمر رجال التحقيقات الفدرالية، أن ثمة حاجة إلى هذه المعلومات لضرورة البحث والتحري، وهكذا أهدر مبدأ سرية المحاسبات البنكية في قلعة الرأسمالية المعاصرة . والخطير في الأمر أن المادة 133 من نفس القانون تخول لمكتب التحقيقات الفدرالي سلطة الاستناد إلى أدلة تجمعها أجهزة استخباراتية أجنبية بصرف النظر عن مشروعية الطرق المعتمدة في جمعها.
إن الترخيص بالحجز أو التجميد فلا يترتب عليه سوى عقل الأموال موضوع القرار، ومنع التصرف فيها طيلة سريان مفعول التجميد أو الحجز، وتنص الاتفاقية على ذلك في مادتها الثامنة فقرة أولى على أن تتخذ كل دولة طرف التدابير المناسبة وفقا لمبادئها القانونية المحلية لتحديد أو كشف، وتجميد أو حجز أي أموال مستخدمة أو مخصصة لغرض ارتكاب الجرائم المبنية في المادة2، وكذلك العائدات الآتية من هذه الجرائم وذلك لأغراض مصادرتها عند الاقتضاء.
مكافحة الإرهاب و حماية حقوق الإنسان
الفصل الثاني : ضمانات حقوق الإنسان في الجريمة الإرهابية
____________________________________
-عبد السلام بوهوش عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق
-مقال للأستاذ حميد الوالي تحت عنوان “تأملات في قضاء التحقيق” منشور بمجلة “القسطاس” ط2002
-مقال للأستاذ حميد الوالي تحت عنوان “تأملات في قضاء التحقيق” منشور بمجلة “القسطاس” ط2002
ذ.محمد أحذاف شرح المسطرة الجنائية: مسطرة التحقيق الإعدادي  جII ص47
ذ.محمد أحذاف شرح المسطرة الجنائية: مسطرة التحقيق الإعدادي ذ.محمد أحذاف جII ص52
-منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية “مواضيع الساعة” عدد39،2003
ذ.محمد أحذاف شرح المسطرة الجنائية: مسطرة التحقيق الإعدادي ذ.محمد أحذاف جII ص74
-عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص268
-عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص270
-ذ.محمد أحذاف، شرح المسطرة الجنائية التحقيق الإعدادي مرجع سابق، ص334
-قرار المجلس الأعلى – عدد8190 بتاريخ 12-12-1983
–عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص271
-عبد الكبير الصالحي : الحريات الفردية وتعديلات دجنبر1991، طبعة1991 – ص103
-محمد أحذاف شرح قانون المسطرة الجنائية – جII مرجع سابق، ص315
–عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص337
–عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق
-سورة الحجرات الآية12
أخرجه مسلم في الآداب:” باب تحريم النظر في البيت وغيره”
–عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص278
-ذ.محمد أحذاف شرح المسطرة الجنائية- مسطرة التحقيق الإعدادي ص315
-د.محمد عبد اللطيف عبد العال : “جريمة الإرهاب” دراسة مقارنة طبعة2003 ص211
–عبد السلام بوهوش، عبد المجيد شفيق ، الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي مرجع سابق ص285
-الدكتور محمد أبو الفتح الغنام ، “الإرهاب وتشريعات المكافحة في الدول الديمقراطية” 1991 ص294.
-مصطفى حلمي (محام عام بالمجلس الأعلى) “قمع تمويل الإرهاب”، وزارة العدل المجلس الأعلى 2004 ص10.
-المجلة العربية لحقوق الإنسان، الحرب ضد الإرهاب والحروب الوقائية وحقوق الإنسان، العدد العاشر الصادر: يونيو2003 ص38

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.