أسباب إنقضاء التدابير الوقائية بصفة جزئية

بحث حول دور التدابير الوقائية في مكافحة الظاهرة الإجرامية
الفصل الثاني : أسباب إنقضاء التدابير الوقائية وتقييم دورها في مكافحة الظاهرة الإجرامية
الفرع الثاني : أسباب انقضاء التدابير الوقائية والإعفاء منها وإيقافها
المبحث الثاني : الأسباب التي تؤدي إلى إنقضاء التدابير الوقائية بصفة جزئية
يمكن أن نضيف في هذه الزمرة العفو الشامل وموت المحكوم عليه.
المطلب الأول : العفو الشامل
يمكن تعريف العفو الشامل بأنه تجريد الفعل من صفته غير المشروعة بحيث يغدو في مصاف الأفعال التي لم يجرمها المشرع، وبتعبير آخر فإن العفو يترتب عليه نقل الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة ويكون ذلك عن طريق نفي الركن المادي للجريمة، ولا يكون العفو إلا بقانون.
وبمقتضى المادة 95 من القانون الجنائي فإن العفو الشامل عن الجريمة أو عن العقوبة الأصلية يوقف تنفيذ التدابير الوقائية الشخصية دون التدابير العينية ما لم يوجد نص صريح على خلاف ذلك أي أن العفو الشامل بمقتضى طبيعته ينصرف أيضا إلى التدابير الوقائية الشخصية السالبة للحرية والسالبة للحقوق دون التدابير العينية التي يستمر تنفيذها رغم صدور العفو.
لكن يمكن للنص المتضمن للعفو الشامل أن يستثني التدابير الوقائية الشخصية فتبقى نافذة ولا يشملها العفو، كما يمكن للنص كذلك أن يمدد مفعول العفو إلى التدابير العينية فيعفى المحكوم عليه من تنفيذها كما يعفى من العقوبة والتدابير الشخصية( ).
المطلب الثاني : موت المحكوم عليه
يترتب على وفاة المحكوم عليه انقضاء الالتزام بتنفيذ الجزاء الجنائي بشقيه العقوبة والتدبير الوقائي. وهذا الانقضاء ناتج عن خاصية شخصية الجزاء الجنائي. فهو لا ينتج أثره إلا إذا طبق على من توافر فيه سببه، فهل معنى ذلك أن كافة التدابير تنقضي بوفاة المحكوم عليه ؟
إن موت المحكوم عليه يضع حدا لتنفيذ التدابير الوقائية الشخصية وحدها دون العينية، والسبب في هذا التميز هو استحالة تنفيذ الأولى بعد الموت دون الثانية، فالتدابير الشخصية تتعلق بسبب حرية المحكوم عليه أو حرمانه من ممارسة بعض الحقوق، فإذا مات المحكوم عليه تعذر تطبيق هذه الأحكام عليه. وبالعكس من ذلك التدابير الوقائية العينية وهي المصادرة وإغلاق المحل أو المؤسسة، فإنه يتأتى تنفيذهما ولو بعد موت المحكوم عليه.
المطلب الثالث : رد الإعتبار
يتمثل رد الاعتبار في إزالة الحكم الصادر بالإدانة بالنسبة للمستقبل، بحيث تزول معه كافة آثاره وبالتالي يصبح المحكوم عليه ابتداء من رد الاعتبار في مركز من لم يسبق إدانته، ويهدف رد الاعتبار إلى القضاء على وصمة الإجرام التي تلاحق المحكوم عليه، وتحول بينه وبين الاندماج في المجتمع خاصة إذا ثبت زوال خطورته الإجرامية إذ لن يكون هناك محل لملاحقته بالآثار الجنائية للحكم( ).
ـ مدى إمكانية خضوع التدابير الوقائية لرد الاعتبار
تنص المادة 102 من القانون الجنائي أن رد الاعتبار يضع حدا لتنفيذ التدابير الوقائية، ذلك لأن التدابير الوقائية إنما يحكم بها لمواجهة الخطورة الإجرامية التي يتصف بها الجاني أو احتمال تكرار الجريمة، فإذا استقام سلوك المحكوم عليه وتبين أنه لم يبق خطرا على الأمن الجماعي، كان الاستمرار في تنفيذ التدابير الوقائية عليه لا مبرر له، إلا أن ما تجدر الإشارة إليه أن رد الاعتبار ينصب على التدابير الوقائية الشخصية التي ما تزال قائمة، أما بالنسبة للتدابير الوقائية العينية فلا يؤثر فيها أبدا.
المطلب الرابع : الصلح
يعتبر الصلح سببا من أسباب انقضاء العقوبة أو التدابير الوقائية، ولكن على شرط أن يجيزه القانون بنص صريح ويتم الصلح عادة بين الجاني والمجني عليه، غير أن أثره في الدعوى المدنية يختلف عما يخلفه في الدعوى العمومية، فالفريق المتضرر يستطيع التخلي عن حقه في الادعاء أو يصالح بشأنه أو يتنازل عن الدعوى من دون أن يترتب عن ذلك انقطاع سير الدعوى العمومية أو توقفها( ) وعليه، يكون الصلح المقصود بالدراسة في هذا النطاق هو الذي يدخل في نطاق المسطرة الجنائية. والصلح بهذا المعنى مسموح به، منذ سنوات عديدة، في بعض القوانين التي تنظم بعض المجالات الخاصة منها على سبيل المثال، المدونة الجمركية في فصلها 273، القانون المتعلق بالصيد البحري في فصله 22 مكرر، القانون المتعلق بالمياه والغابات في فصله 74، القانون المتعلق بنظام الصرف في فصله 11 والتشريع المتعلق بالتبغ في فصله 89. فكل هذه النصوص المشار إليها تسمح بالصلح بين الجاني والإدارة المتضررة، عندما يتعلق الأمر بالجزاءات المالية في مجال الجنح والمخالفات فقط. أما بالنسبة للجنايات فالصلح غير ممكن، ولكن تجدر الإشارة إلى أن قانون المسطرة الجنائية الجديد يبنى مؤسسة الصلح بين المجرم والضحية وفق مسطرة محددة في المادة 41 وذلك كلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم. ويمكن القول بأن المشرع المغربي تبنى مؤسسة الصلح بطريقة تتلاءم مع المبادئ الجديدة التي يقوم عليها التشريع الجنائي الدولي الذي أضحى يولي اهتماما بالغا بضحايا الجرائم. كما أنها تستجيب للتوصيات الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بفيينا خلال شهر أبريل من سنة 2000 فإعلان فيينا هذا قرر استحداث خطط عمل وطنية وإقليمية ودولية لدعم ضحايا الإجرام تشمل آليات جديدة تتعلق بالوساطة وبالعدالة التصالحية، وقد تقرر أن تكون سنة 2002 الموعد المستهدف لكي تراجع الدول قوانينها في هذا المجال. وبتبني مؤسسة الصلح في شكلها الجديد يكون المشرع المغربي قد أعطى الدليل على اهتمامه بالوسائل البديلة لحل المنازعات( ).
وفي الأخير فإن آثار الصلح تنصب على العقوبات والتدابير الوقائية على حد سواء.

_____________________________
( ) الخمليشي : شرح القانون الجنائي العام، المرجع السابق، ص. 367.
( ) سالم عمر : النظام القانوني للتدابير الاحترازية، المرجع السابق، ص. 99.
( ) المادة 13 من قانون المسطرة الجنائية.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.