المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل المرأة

المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل – الباب الثاني :
عرضنا في الباب الأول للظاهرة الإجرامية عند المرأة وحاولنا الإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بها، من أنواعها وتطورها في الزمان والمكان، واختلافها عن إجرام الرجل، وذلك كله للمس الأسباب والعوامل المؤثرة فيها، وفي هذا الباب سنعرض لكيفية مواجهتها.

ومواجهة الظاهرة الإجرامية تعني اتباع الأساليب العلمية- القانونية لمكافحة الإجرام وذلك بقصد القضاء على هذه الظاهرة، أو على الأقل بالحد منها ما أمكن. هذه الأساليب هي التي تكون موضوع علم العقاب والذي تدور أبحاثه حول ضوابط اختيار الجزاء الجنائي وكيفية تنفيذ الجزاءات، سواء كانت عقوبات أو تدابير احترازية. ومع ذلك لا يمتد نطاق علم العقاب إلى دراسة كيفية تنفيذ كافة الجزاءات الجنائية، وإنما يقتصر في الجانب الغالب من أبحاثه على العقوبات والتدابير السالبة للحرية والتي تعد المجال الطبيعي الذي يمكن من خلاله تحقيق الأغراض الحديثة للعقاب، والمتمثلة في إصلاح المحكوم عليه وتهذيبه وتأهيله للعودة إلى الحياة الاجتماعية.

بيد أن التطور الحديث لهذا العلم والذي صاحب تطور فكرة العقاب ذاتها، أفضى إلى اتساع ملموس في نطاقه بحيث امتدت الدراسات العقابية لتشمل موضوعات أساسية، مثل التدابير الاحترازية وبدائل العقوبات السالبة للحرية، التي من شانها تحقيق أغراض العقاب السالب للحرية، مع تفادي عيوب سلب الحرية ( ).

وفي معرض دراستنا لموضوع إجرام المرأة ، واعتمادا على سبق ذكره، سنحاول في هذا الباب دراسة سبل ووسائل إصلاح المرأة الجانحة وتأهيلها داخل المؤسسات العقابية حتى تتحقق عملية إدماجها بالمجتمع مرة ثانية وذلك بعد القضاء على الأسباب التي دفعت بها إلى عالم الجريمة. وحتى نقف عن قرب على الدور الذي تلعبه المؤسسات السجنية في عملية إعادة تأهيل السجينات ارتأينا أن نجري دراسة ميدانية ببعض سجون المملكة والتي ستكون موضوع الفصل الثاني. أما الفصل الأول فسنخصصه لدراسة مختلف المؤسسات العقابية وطرق تنفيذها للجزاء.

الفصل الأول: المؤسسات العقابية وتنفيذ الجزاء الجنائي:
يعتبر السجن مؤسسة إصلاحية يهدف من ورائها المجتمع المحافظة على سلامة أفراده وضمان سلمهم وطمأنينتهم، لكونها تستقبل الأشخاص المنحرفين الذين يسيئون إلى المجتمع ويخرقون القوانين السائدة فيه، ليس لتنفيذ الأحكام القضائية التي تحرمهم من حريتهم مدة من الزمن فقط بل للقيام بتربيتهم طبقا لنظام المعاملة العقابية الحديثة، والتي أخذ بها المشرع المغربي عملا بمبدأ السجن تهذيب لا تعذيب.

وعلى أساس هذا يمكن تصور الوظيفة الاجتماعية التربوية للسجون بأنها رئة تستقبل الدم الفاسدة لتعيده إلى شرايين المجتمع دما نقيا قادرا على أن يشارك بالبناء والعمل. فلقد كانت طبيعة العقاب في القرون الوسطى توزن بمقدار الحاجة إلى عدم تكرار الجريمة ومع تقدم الحياة تغير القانون وأصبح العقاب من أجل تقليل الجرائم وإصلاح السجين عن طرق توفير العلم والصحة والتدريب المهني الصالح، وفي بداية القرن العشرين زاد الاهتمام بالسجناء، وعمت أساليب التربية وعلم النفس الاجتماعي. وقد قال مدير أحد السجون في إنجلترا بهذا الخصوص: “إننا نعامل أشخاصا سوف يستأنفون الحياة داخل المجتمع بعد فترة من الزمن طالت أو قصرت، ومهمتنا أن نردهم صالحين للعم”( ).

والمؤسسات العقابية بالمغرب عرفت بدورها تطورا هاما واكب التطور الحاصل في مختلف مجالات الحياة داخل المملكة، فبعد أن كان الهدف منها إنزال العقوبات القاسية على المنحرفين من أجل تحقيق الردع العام والخاص، أصبح الهدف منها في الوقت الراهن إصلاح الجانحين وتهذيبهم وتأهيلهم لاستئناف الحياة من جديد داخل مجتمعهم من خلال تطبيق برامج إصلاحية وتأهيلية في عملية تنفيذ الجزاء الجنائي داخلها.

وعليه سنتولى في هذا الفصل دراسة أساليب تنفيذ الجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية وذلك من خلال التطرق بداية للجزاء الجنائي في فرع أول، ثم لإشراف المؤسسات العقابية على تنفيذ الجزاء الجنائي في فرع ثاني، قبل أن نعمد إلى دراسة دور المؤسسة السجنية المغربية في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي داخلها في مبحث ثالث.

الفرع الأول : الجزاء الجنائي
عندما يرتكب الشخص فعلا محظورا من طرف القانون الجنائي وتثبت بذلك مسؤوليته الجنائية، فإنه يتعرض للجزاء الجنائي الذي يتمثل إما في العقوبة أو في إحدى التدابير الوقائية المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي.

وبذلك فمفهوم الجزاء يختلف عن مفهوم العقوبة، إلا أن الجزاء هو أشمل من العقوبة حيث يشمل إضافة على العقوبة ما يسمى بالتدابير الوقائية.

كما أن الجزاء في اللغة يختلف عن الجزاء في القانون، فالجزاء في اللغة يكون إما خيرا وثوابا أو يكون شرا وعقابا، أما الجزاء في القانون فيتضمن الشق الثاني فقط( ).

وإذا كانت العقوبة أو التدابير الوقائية تهدف إلى تحقيق نفس الغرض وهو مكافحة الجريمة في المجتمع فإنهما يختلفان في كون العقوبة تكون لازمة التطبيق عند ثبوت المسؤولية الجنائية للمتهم بسبب ارتكابه فعلا يعد جريمة في نظر القانون، أما التدابير الوقائية أو ما يصطلح على تسميتها بالتدابير الاحترازية في باقي الدول العربية، فتكون لازمة التطبيق عند توافر حالة الخطورة الإجرامية.

وبذلك يظهر لنا الفرق بين العقوبة والتدابير الوقائية وهذا الفرق سيظهر بجلاء في القواعد المنظمة لكليهما، كما سيتجلى اختلافهما عن مجال آخر يسمى بالعقوبات البديلة.

فماذا نعني بكل جزاء من تلك الجزاءات؟ وما هي أنواعها؟ وكيف يحقق الجزاء غاياته؟

إن طبيعة الموضوع ولأجل الإجابة عن تلك الأسئلة سنقسم هذا الموضوع إلى ثلاث مباحث:

  1. مبحث أول: العقوبة،
  2. مبحث ثاني: التدابير الوقائية،
  3. مبحث ثالث: العقوبات البديلة

المبحث الأول: العقوبة قبل الحديث عن أنواع العقوبات في القانون المغربي (مطلب ثاني) نرى ضرورة تعريف العقوبة ومعرفة أهدافها (مطلب أول).
المطلب الأول: العقوبة تعريفها أهدافها مميزاتها

-العقوبة هي الجزاء الذي يوقعه المجتمع على المجرم مؤاخذة له عما اقترفه وهي وسيلة قديمة تطورت بتطور الحضارات وانتقلت من وحشيتها إلى عقوبة تراعي آدمية المحكوم عليه وتهدف إلى إعادة إدماجه في المجتمع.

1-مميزات العقوبة:

تتميز العقوبة بكونها قانونية وشخصية وقضائية إلى جانب اتصافها بالمساواة.

فهي قانونية ( ) لأنها محددة في القانون على سبيل الحصر، حيث أن الدستور المغربي في الفصل 10 ينص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وهو ما نص عليه أيضا القانون الجنائي في المادة الأولى حيث قالت “يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم، بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية”.

كما تنص المادة 3 من نفس القانون على أنه “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”.

مع أن المشرع جعل للعقوبة حدين أدنى وأقصى وترك للقاضي سلطته التقديرية للحكم ما بين بأحد الحدين وذلك بهدف تفعيل سياسة تفريد العقاب.

وهي شخصية ( ) لأنها تنال المذنب وحده، إذ تناله في شخصه أو ماله أو اعتباره أو حقوقه المدنية والوطنية، وبذلك لا يمكن متابعة أفراد آخرين لم يرتكبوا الجريمة ولو كانت لهم علاقة قرابة بالمتهم أو علاقة اجتماعية محددة، وبذلك لا يمكن معاقبة شخص إلا إذا توافرت الدلائل على كونه بالفعل هو الجاني كما أنه إذا توفي المتهم فإنه لا مجال لتنفيذ العقوبة، مع أن الجزاءات المالية ممكنة التطبيق، كما ينتج عن شخصية العقوبة أن العفو الصادر لا يستفيد منه إلا المحكوم الذي حدد لصالحه وأنه بمرور الصادر لا يستفيد منه إلا المحكوم الذي حدد لصالحه وانه بمرور أمد التقادم لا تنفذ العقوبة على المتهم وبذلك لا يمكن أن يعاقب أحد أفراد أسرته كونه المتهم استطاع الإفلات من السلطات القضائية.

وهي قضائية بمعنى أنه لا يمكن تنفيذ عقوبة معينة على متهم إلا بتدخل السلطة القضائية عن طريق الدعوى العمومية وذلك لمحاكمة الجاني وتحديد العقوبة الملائمة للجريمة التي ارتكبها في حق المجتمع.

وهي تمتاز بصفة المساواة أي أن الجميع سواء أمام القضاء الجنائي دون تمييز بينهم، مع أن القاضي لا يكون ملزما في بعض الحالات بالقيام بهذه المساواة الدقيقة، فهو من جهة له السلطة التقديرية في الحكم ما بين الحد الأدنى والأقصى للعقوبة، ومن جهة ثانية هناك مجموعة من الأحكام قد لا تتجلى فيها المساواة في العمق كما لو تم الحكم على شخصين بنفس العقوبة لكن هذين الشخصين يختلفان في قدرة التحمل، كما أن الغرامة تختلف فيما إذ حكم بها على شخصين يختلفان ويتفاوتان في الثروة.

وتؤثر صفة المحكوم عليه أيضا في العقوبة إما بالتشديد أو بالتخفيف، وعموما فقاعدة المساواة في القانون تتجلى صعوبة تحققها في القضاء وبالتالي في العقوبة وذلك لاختلاف المحكومين لا من حيث قوتهم البدينة ولا من حيث درجة الثراء ولا من حيث السن.

2-أهداف العقوبة

تختلف الأهداف التي يتوخاها المشرع من العقوبة باختلاف المصلحة المراد الحفاظ عليها ورعايتها ويمكن تحديد هذه الأهداف كالتالي:

-الردع الخاص: ويقصد به ما تحققه العقوبة في نفس المحكوم عليه من ألم وضرر إذ يصيبه هذا الضرر إما في حريته أو ماله أو حياته أحيانا.

فالردع الخاص وسيلة تحقق علاج الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص الجاني وتساعده على الاندماج في المجتمع من جديد.

-الردع العام: وهو ما تخلفه العقوبة من رعب وخوف لدى أفراد المجتمع وبالتالي اجتناب ارتكاب الجريمة لتفادي تلك العقوبة وهو ما يحقق الهدف من الردع العام وهو الحد من ظاهرة الإجرام.

-تحقيق العدالة: يتجلى في الارتياح الذي يشعر به الأفراد عند إلحاق العقوبة بالجاني وإرغامه بدفع تعويضات للمجني عليه مما يشعرهم بالأمن والاطمئنان.

المطلب الثاني: أنواع العقوبات

تتعدد تقسيمات العقوبة بتعدد وجهة النظر إليها، والتقسيم المهم هو الذي يرجع إلى الناحية العملية وهو تقسيمها حسب خطورتها وحسب العلاقة الموجودة بينها، فمن حيث أهميتها تنقسم العقوبات إلى عقوبات أصلية وعقوبات إضافية ومن حيث خطورتها تنقسم إلى عقوبات جنائية وجنحية وضبطية. وقد خصص المشرع المغربي الفصول من 14 إلى 60 من القانون الجنائي للحديث عن العقوبة حيث قال في الفصل 14: “العقوبات إما أصلية أو إضافية فتكون أصلية عندما يسوغ الحكم بها وحدها دون أن تضاف إلى عقوبة أخرى، وتكون إضافية عندما لا يسوغ الحكم بها وحدها، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية”.

ومن ذلك نقسم الحديث عن العقوبات إلى عقوبات أصلية (الفقرة الأولى) وعقوبات إضافية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العقوبات الأصلية

وقد نص عليها المشرع المغربي في المواد 16 و 17 و18 وهي إما عقوبات جنائية أصلية (أولا) أو عقوبات جنحية أصلية (ثانيا) أو عقوبات ضبطية أصلية (ثالثا).

أولا : العقوبات الجنائية الأصلية

وهي العقوبات التي يقررها المشرع المغربي لارتكاب إحدى الجنايات وقد نص عليها المشرع في الفصل 16 من القانون الجنائي وهي خمسة أصناف:

1-الإعدام

2-السجن المؤبد

3-السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة

4-الإقامة الإجبارية

5-التجريد من الحقوق الوطنية

ونفصلها كالآتي بنفس الترتيب

1-الإعدام

تعد هذه العقوبة من أقدم العقوبات وأخطرها، وتهدف جميع المنظمات العالمية أو الإقليمية إلى الحد من تطبيق هذه العقوبة كما أن هناك العديد من الدول التي تخلت عنها بصفة نهائية وهناك من الدول من يقوم بها ولكن نادرا ومنها المغرب حاليا.

وقد كرس المشرع المغربي لتنفيذ عقوبة الإعدام أحكاما منها الفصول من 19 إلى 23 من المجموعة الجنائية والفصول من 648 إلى 652 من قانون المسطرة الجنائية وتتلخص هذه الحكام فيما يلي:

يتعين على النيابة العامة أن تنهي لعلم وزير العدل كل عقوبة بالإعدام بمجرد صدورها.

-لا يمكن تنفيذ أي حكم بالإعدام إلا بعد رفض طلب العفو.

-تنفيذ عقوبة الإعدام رميا بالرصاص بأمر من وزير العدل وطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف.

ويتم تنفيذ هذه العقوبة داخل السجن نفس الذي يوجد به المحكوم عليه أو في أي مكان آخر يعينه وزير العدل، ويتم ذلك بحضور عدة مسؤولين جاء النص عليهم على سبيل الحصر في المادة 19 من القانون الجنائي كما تم النص عليهم في المادة 603 من قانون المسطرة الجنائية.

-يكون تنفيذ الحكم بالإعدام غير علني إلا إذا قرر وزير العدل خلاف ذلك( ) وهنا نتساءل هل يتحقق الهدف من العقوبة والمتمثل في الردع العام؟.

وتسلم إثر التنفيذ جثة المحكوم عليه إلى عائلته فيما إذا طلبت ذلك على أن تلتزم بدفنه في غير علانية( ).

-إذا ثبت أن المرأة المحكوم عليها بالإعدام حاملا فإنها لا تعدم إلا بعد أن تضع حملها بأربعين يوما( )

-يحرر كاتب الضبط محضر التنفيذ حالا ويوقعه كل من رئيس المحكمة الجنائية أو مفوض من قبله وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط.

وبمجرد ما يقع التنفيذ تعلق نسخة من هذا المحضر بباب السجن أنجز فيه التنفيذ وتبقى معلقة ساعة وإذا وقع التنفيذ خارج السجن علق المحضر بباب بلدية مكان التنفيذ( ).

-وقد نصت المادة 606 من قانون المسطرة الجنائية على انه لا يمكن أن ينشر عن طريق الصحافة أي بيان أو مستند يتعلق بالتنفيذ ماعدا المحضر المذكور، وإلا تعرض المخالف لغرامة تتراوح بين 10.000 و 60.000 درهم ويمنع تحت طائلة نفس العقوبة أن ينشر أو يذاع بأي وسيلة من الوسائل – قبل التنفيذ أو قبل تبليغ ظهير العفو لعلم المحكوم عليه- أي خبر أو أي رأي أبدته لجنة العفو، أو الأمر الصادر عن جلالة الملك.

2-السجن

وهو العقوبة الوحيدة السالبة للحرية والتي نص عليها المشرع المغربي في الفصل 24 من القانون الجنائي، وهو يكون إما مؤبدا أو محددا، حيث يكون محددا ما بين خمس سنوات وثلاثين سنة، وتنفذ عقوبة السجن داخل سجن مركزي مع انفراد السجناء بالليل كلما سمحت طاقة السجن ذلك مع القيام بالشغل الإجباري إلا في حالة ثبوت عجز بدني.

ولا يمكن للسجين أن يشتغل خارج السجن، إلا إذا كان قد قضى عشر سنوات من العقوبة إذا كان محكوم عليه بالمؤبد أو قد قضى ربع العقوبة إذا كان محكوما عليه بالسجن المؤقت.

3-الإقامة الإجبارية

وقد نص عليها المشرع المغربي في المادة 25 حيث قال: “الإقامة الإجبارية هي أن تحدد المحكمة مكانا للإقامة أو دوائر محدودة لا يجوز للمحكوم عليه الابتعاد عنها بدون رخصة طوال المدة التي يحددها للحكم بحيث لا تقل عن خمس سنوات متى كانت عقوبة أصلية.

ويبلغ الحكم بالإقامة الإجبارية إلى الإدارة العامة للأمن الوطني التي يجب عليها أن تتولى مراقبة الإقامة المفروض على المحكوم عليه وفي حالة الضرورة يجوز لوزير العدل أن يسلم للمحكوم عليه رخصة مؤقتة للتنقل داخل القطر”.

ولا شك أن الهدف من هذه العقوبة هو منع المحكوم عليه من التنقل بكل حرية داخل البلاد خصوصا إذا كان من أولئك الذين قد يشكل تنقلهم تهديدا لأمن الدولة وخصوصا المجرمين السياسيين( ) وعقوبة الإقامة الإجبارية تختلف عن الإجبار عن الإقامة( ) ويتجلى ذلك في كون هذه الأخيرة تدبير وقائي شخصي لا ينتفي الحكم به وحده وهو لا يتجاوز 5 سنوات وهو يبتدئ من يوم انتهاء العقوبة الأصلية عكس الإقامة الإجبارية إذ أنها عقوبة أصلية يمكن الحكم بها لوحدها وهي تتجاوز 5 سنوات وهي تبتدئ من يوم اكتساب الحكم الجنائي قوة الأمر المقضي به.

ويلاحظ الفرق أيضا في الطرف المانح لرخصة التنقل فوزير العدل هو الذي يمنح تلك الرخصة في الإقامة الإجبارية أما في الإجبار على الإقامة كتدبير وقائي فالرخصة تمنع من طرف المدير العام للأمن الوطني، كما أن خرق الإقامة الإجبارية كعقوبة أصلية يعاقب عليه من سنة إلى 5 سنوات أما خرق الإجبار على الإقامة فيعاقب عليه المشرع من 6 أشهر إلى سنتين.

4-التجريد من الحقوق الوطنية

وهي عقوبة تكون إما عقوبة جنائية أصلية أو عقوبة إضافية وهي كعقوبة أصلية يقررها القانون في بعض الحالات قصد زجر نوع خاص من الجرائم وخاصة الجرائم السياسية. ومثال الجرائم المحكوم عليها بهذه العقوبة الجرائم المنصوص عليها في المواد 225 و 229 و236 و237 و238 من القانون الجنائي.

وقد أجاز المشرع في المادة 27 للقاضي أن يضيف إلى الحكم بالتجريد من الحقوق الوطنية عقوبة الحبس لمدة يحددها الحكم وهي لا تزيد عن خمس سنوات.

وفي حالة استحالة الحكم بهذه العقوبة وذلك إما لكون المتهم مغربيا سبق تجريده من هذه الحقوق وإما لكونه أجنبيا وجب قانونا الاستغناء عنها وتعويضها بالحكم بالسجن من 5 سنوات إلى 10 ، والتجريد من الحقوق الوطنية يشمل خمس حالات نص عليها الفصل 26 وهي كالآتي.

-عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية.

-حرمان المحكوم عليه من أن يكون ناخبا أو منتخبا وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسية ومن حق التحلي بأي وسام.

-عدم الأهلية للقيام بمهمة عضو محلف أو خبير وعدم الأهلية لأداء الشهادة في أي رسم من الرسوم أو الشهادة أمام القضاء إلا على سبيل الاختيار فقط.

-عدم أهلية المحكوم عليه لأن يكون وصيا أو مشرفا على غير أولاده.

-الحرمان من حق حمل السلاح ومن الخدمة في الجيش والقيام بالتعليم أو إدارة مدرسة أو العمل في مؤسسة للتعليم كأستاذ أو مدرس أو مراقب.

ثانيا: العقوبات الجنحية الأصلية

هي العقوبات التي أقرها المشرع المغربي لمرتكبي الجنح وقد نص عليها في المادة 17 من القانون الجنائي وهي تتمثل في: الحبس، الغرامة التي تتجاوز 1200 درهم.

1-الحبس:

وهو العقوبة السالبة للحرية التي تطبق في الجنح التأديبية والضبطية وتتحدد مدة الحبس بين شهر كحد أدنى وخمس سنوات كحد أقصى.

ويمكن لهذه المدد أن تقل عن شهر أو تزيد عن خمس سنوات في بعض الحالات:

-حالة تجاوز الحد الأقصى: ويكون ذلك في حالتين

حالة العود: إذ أن المجرم الذي سبق الحكم عليه من اجل جناية أو جنحية ثم ارتكب قبل مضي خمس سنوات من تنفيذ العقوبة أو تقادمها جناية أو جنحية يعاقب عليها بالحبس يمكن الحكم عليه بعقوبة تمثل ضعف العقوبة المقررة.

حالة الزجر عن بعض الجرائم الخاصة ومثالها زجر الإدمان على المخدرات السامة والتي قد تصل العقوبة فيها إلى عشر سنوات حبسا.

حالة الانخفاض عن الحد الأدنى: وهي بعض الحالات التي قررها المشرع المغربي للنزول بعقوبة الحبس عن حدها الأدنى الذي هو شهر، ومثالها ما نص عليه المشرع في المادة 325 من القانون الجنائي حيث عاقب على إزالة أو إخفاء أو تمزيق إعلان وضع بمقتضى أمر قضائي صادر، وذلك من 6 أيام إلى شهر وغرامة من 200 إلى 250.

وتنقذ العقوبة الحبسية في المؤسسات المحدثة لهذا الغرض أو في جناح خاص بأحد السجون المركزية.

2-الغرامة:

لقد عرف المشرع المغربي الغرامة في المادة 35 من القانون الجنائي حيث قال: “الغرامة هي إلزام المحكوم عليه بان يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود بالعملة المتداولة قانون بالمملكة”

وتعتبر الغرامة عقوبة جنحية عندما يفوق حدها الأقصى 1200 درهم سواء كانت مقررة لوحدها لزجر الجنحة أو كانت موجودة إلى جانب عقوبة حبسية إلزامية أو كان التنصيص على الخيار بينهما، ورغم كونها تخضع لمبدأ شخصية مبدأ العقوبة فإن موت المحكوم عليه بها لا يعد عائقا نحو استيفائها من تركته.

ويؤدي مبلغ الغرامة للخزينة العامة وذلك بعد أن يصير الحكم نهائيان والغرامة هي آخر مبلغ يجب استيفاؤه بعد المصاريف القضائية ورد ما يلزم رده وأداء التعويضات عن الضرر، وفي حالة عدم قيام المحكوم عليه بأداء مبلغ الغرامة فإنه يعرض نفسه للإكراه البدني الذي يزج بالمحكوم عليه في السجن.

وتجدر الإشارة إلى أن الإكراه البدني لا يمكن اللجوء إليه في عدة حالات نص عليها المشرع في المواد 634 إلى 637 من قانون المسطرة الجنائية.

ثالثا: العقوبات الضبطية الأصلية

حددها الفصل 18 من القانون الجنائي في عقوبتين هما:

1-الاعتقال لمدة تقل عن شهر

2-والغرامة من 120 درهم إلى 200 درهم، ويتم تنفيذ الاعتقال مثله مثل عقوبة الحبس في السجون المدنية أو ملحقاتها، وتكون هذه المدة أيضا مصحوبة بالشغل الإلزامي سواء داخل المؤسسة العقابية أو خارجها إلا في حالة ثبوت عجز بدني لدى المحكوم عليه.

الفقرة الثانية: العقوبات الإضافية

العقوبات الإضافية هي تلك العقوبات التي لا يمكن للقاضي الحكم بها وحدها فهي عقوبة ناتجة عن الحكم الصادر بعقوبة أصلية، وقد خصص لها المشرع المغربي الباب الثاني من الجزء الأول “العقوبات” من الكتاب الأول “في العقوبات والتدابير الوقائية”.

وقد نص على أصنافها الفصل 36 كالآتي: العقوبات الإضافية هي:

1-الحجر القانوني

2-التجريد من الحقوق الوطنية

3-الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية

4-الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة.

5-المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة المحكوم عليه، بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي في الفصل 89.

6-حل الشخص المعنوي

7-نشر الحكم الصادر بالإدانة.

وقد فصلت المواد من 37 إلى 48 في تلك الأصناف ويمكن تفصيلها أيضا كالآتي:

1-الحجر القانوني:

وقد بينته الفصول 37-38-39 من القانون الجنائي

وهو حرمان المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية خلال فترة تنفيذ العقوبة الجنائية الأصلية، فهو بهذا الشكل يفقد المحكوم عليه أهلية الأداء، مما يجعله محروما من التصرف في أمواله وممتلكاته أو القيام بإدارتها أو أن ينتصب كطرف مدع أمام المحاكم، لكن الحجر القانوني لا يمتد إلى الحقوق المرتبطة ارتباطا عضويا بشخصه كحقه في الزواج أو الطلاق( ).

وللمحكوم عليه المحجور أن يختار وكيلا ينوب عنه في مباشرة تلك الحقوق التي حرم منها وذلك تحت إشراف الوصي القضائي و الذي يعين وفق الإجراءات المقررة في شأن المحجورين القضائيين.

كما لا يسلم للمحجور القانوني أي مبلغ من مدخولاته باستثناء ما يكون ضروريا لمعيشته وفي حدود ما تسمح به إدارة السجون وينتهي الحجر القانوني في ثلاث حالات.

-عند إتمام تنفيذ العقوبة الجنائية الأصلية

-في حالة استفادة المحكوم عليه من العفو الخاص أو إبدال العقوبة الجنائية بعقوبة جنحية.

-في حالة صدور قرار المراجعة القاضي بإبطال الحكم الصادر بالإدانة ضد المحكوم عليه.

2-التجريد من الحقوق الوطنية:

وهو كما سبق ذكره يكون إما عقوبة أصلية أي يجوز الحكم به لوحده وإما عقوبة إضافية أي لا يمكن الحكم به وحده بل ينبغي أن يكون مضافا لإحدى العقوبات الأصلية المنصوص عليها في الفصل 16، وهو مع ذلك ينتج نفس الآثار، إلا أن المشرع المغربي هنا لم يحدد لها مدة معينة.

وتنقضي هذه العقوبة بإحدى الأسباب التالية:

-حالة صدور العفو الخاص الذي يلغي التجريد من الحقوق الوطنية.

-حالة صدور قرار للمجلس الأعلى يبطل الحكم الجنائي الصادر ضد المحكوم عليه على إثر المراجعة.

-حالة حصول المحكوم عليه على رد اعتباره القضائي أو القانوني الذي يمكنه من استرجاع حقوقه وكافة الأهليات.
إجرام المرأة ودور المؤسسات السجنية في إعادة تأهيلها

قرأوا أيضا...

1 فكرة عن “المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل المرأة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.