بحث جامعي : جرائم الصحافة بالمغرب – خاتمة

من خلال ما تناولناه في هذا البحث المتواضع يتضح أن المشرع المغربي إعتمد في وضع التنظيم القانوني للصحافة على قوانين صدرت في عهد الحماية ، ونخص بالذكر ظهير 27 أبريل 1914 وظهير 1920 ، وكذا ظهير 1936 التي كانت مستمدة بدورها من قانون 29 يوليوز 1881 الفرنسي ، هذا التنظيم الذي عمل على ضبط مختلف مراحل إنجاز العمل الصحفي بكيفية توازن بين ضرورة […]
جرائم الصحافة بالمغرب

خاتمة البحث
[…] على ضبط مختلف مراحل إنجاز العمل الصحفي بكيفية توازن بين ضرورة إحترام حرية التعبير وضرورة احترام النظام العام والحياة الخاصة للأفراد كما هو ملحوظ من خلال بنوده لا يتلاءم والتطورات الحديثة وكذا ظروف المجتمع الحالي، وهو ما جعل قانون الصحافة تشوبه مجموعة من التغراث – تحولت من نصوص قانونية إلى أسلحة فتاكة في يد أشخاص وهيئات تستعملها لتصفية الحسابات – ، وذلك من قبيل عدم التحديد الدقيق لبعض المصطلحات مثل النظام العام ، المصلحة العامة، الشؤون العامة ، المس بالنظام الملكي والدين الإسلامي والوحدة الترابية ، مما يفتح الباب على مصراعيه للتحكم والتعسف . وعلى هذا النحو فإن كل رأي نقدي في المجال الديني ، أو في حق الدستور ، أو حول السياسة المتبعة في قضية الصحراء مثلا يمكن المعاقبة عليه جنائيا .
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن مفهوم التعبير عن رأي يجادل في النظام الملكي والدين الإسلامي كما جاء في الفصل 39 من الدستور والمتعلق بالحصانة البرلمانية أكثر دقة .
أما الملاحظة الثانية التي يمكن إثارتها هنا هو أن المشرع خول للإدارة إتخاذ عدة تدابير لها مساس بكل وضوح بحرية تداول الصحف كالتوقيف والمنع والحجز وهو مقتضى غير سليم للسياسة الجنائية ، حيث كان بالأحرى معاقبة المسؤولين عن الجرائم الصحفية متى كان لذلك محل مع بقاء الجريدة منبرا ووسيلة للتعبير والرأي وإنارة الرأي العام .
وما يلاحظ أيضا أنه حتى التعديلات المدخلة على هذا القانون لم تصل بعد إلى المستوى المرغوب ، فقانون الصحافة يحتوي على سلبيات ما كان ليحتوي عليها لو لا تعديلات قانون 77.00.
أضف إلى كل هذا ، – وهو ما لمسناه من خلال إطلاعنا بمعاهد الإعلام والاتصال على أهم المواد المدرسة بها – ، أن هناك ضعفا في مستوى التكوين القانوني للصحفيين بإستثناء بعض خريجي كليات الحقوق والمهتمين بالحقل القانوني ، علاوة على وجود دخلاء على المهنة لا تربطهم أية علاقة بالعلوم القانونية الأمر الذي يؤدي إلى تسجيل مجموعة من الخروقات لأخلاقيات المهنة الصحفية.
ومما يثير الإستغراب هنا أنه حتى مع وجود مقتضيات بقانون الصحافة تعتبر بعض الأفعال جريمة تستوجب توقيع العقاب على مرتكبها فتبقى بدون جدوى ، حيث لا نجد في بعض الأحيان متابعات قضائية في حق المخلين بما يقضي به قانون الصحافة ، ونستحضر بهذا الخصوص حالة ” سفاح تارودانت ” التي قامت أغلبية الصحف المغربية بنشر صورته دون موافقة منه ، وذلك لما ألقت الشرطة القضائية القبض عليه ، ولم تتم – للأسف الشديد – المتابعة في حقهم ، والحال أن قانون الصحافة ، وأيضا قانون المسطرة الجنائية ينصان على منع نشر صور الجاني . ألا يعتبر هذا مسا بحقوق الأفراد وحرياتهم ، وإهدارا لأحد الحقوق التي أقرها المشرع للمتهم ؟ أليس من شأن مثل هذا أن يؤدي إلى إفراغ النصوص القانونية من محتواها وبقاءها بدون جدوى؟ وما هو الغرض من وضع المشرع لنصوص قانونية رادعة مع بقاءها جامدة ؟ فهل يعتبر هذا تزيينا للواجهة أم تهديدا يبقى دون فعالية ؟
بناءا على هذه النتائج والإشكالات التي عرضنا لها فالأمر يقودنا إلى مناشدة المشرع المغربي العمل على ما يلي :
 ضرورة التحديد الدقيق للمقصود بمصطلحات النظام العام ، المصلحة العامة ، الشؤون العامة ، المس بالدين الإسلامي والنظام الملكي والوحدة الترابية وغيرها مما ورد في قانون الصحافة وذلك لسد الباب أمام التعسف ، واحتراما للنص القاضي بأنه « لا جريمة ولاعقوبة إلا بنص» وأيضا لضمان حرية التعبير ومعرفة الحدود التي تقف عندها ، خاصة ونحن في بلد يسير نحو الديمقراطية ودولة الحق والقانون .
 وجوب العمل على وضع ضوابط تكون كفيلة للرفع من مستوى التكوين القانوني للصحفيين .
 ضرورة ترميم قانون الصحافة ، بالعمل على تجاوز سلبيات قانون 77.00 المعدل لظهير 15 نونبر 1958 في شقه الخاص بالصحافة ، مع إعادة النظر في العنوان المخصص للباب الرابع من القانون المذكور ، والذي جاء فيه « الجرائم أو الجنح المرتكبة عن طريق الصحافة والنشر» ! وإعادة صياغته تحت عنوان « الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة » أو أي عنوان يتلاءم والصياغة الصحيحة والدقيقة للمصطلحات القانونية .
 إلزام الجهات المكلفة بالمتابعة بتحريك هذه الأخيرة تحت طائلة العقاب كلما تبت أن هناك خرقا لمقتضيات قانون الصحافة من قبل أي صحفي ما لم يكن ذلك متوقفا على إذن أو شكاية أو تقديم طلب.
 منح الصحفيين حرية كافية لإبداء الرأي وفضح الممارسات السياسية البشعة وما شابه ذلك ، وبالمقابل تشديد العقوبات على كل من تجاوز الحدود الفاصلة بينها وبين النظام العام وحقوق الأفراد وحرياتهم ، وأخل بأخلاقيات المهنة ، وذلك خدمتا للرأي العام وتنويرا للصحافة النزيهة .
فحقيقة القول بأن الصحافة حرة لا يتعارض مع القول بأن الصحافة مسؤولة، فهذه المسؤولية لا تتعلق بحرية الصحافة ، وإنما بالتجاوز في استعمال هذه الحرية .ومن ثم فإن التجاوز هو المساءلة وليست حرية الصحافة.
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن الصحافة المغربية بدورها وخاصة في الآونة الأخيرة ، أصبحت سلطة رابعة كما هو الشأن بالنسبة للدول الديمقراطية الغربية ، ومن تما فهي لا تقل خطورة وأهمية عن السلطات الثلاث الأخرى إن لم نقل أكثر منها نظرا لتعلقها وارتباطها اليومي بالرأي العام ولتواصلها الدائم مع المجتمع المدني والسياسي ، الأمر الذي يفرض عليها أكثر من أي وقت مضى أن تكون سلطة لتنوير الأفراد وإتاحة الفرصة لهم للإختيار الحر والعقلاني وليست سلطة عليهم ترهبهم بالتضليل والإنحياز والاعتداء على كرامتهم واعتبارهم.
وإذا كانت لكل سلطة رقابة ، حيث المحاكم الإدارية وسيلة رقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، والمجلس الدستوري آلية لمراقبة أعمال سلطة التشريع والنظر في مدى دستورية القوانين ، ولسلطة القضاء أيضا آليات رقابية لتفادي انحراف العدالة ، فإن ضآلة العمليات الرقابية على الصحافة تجعل سلطة الضمير خير رقيب وخير حسيب.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.