الوساطة في الرشوة: حكم الوساطة في القانون الجنائي المغربي

موقف الإسلام والقانون من ظاهرة الرشوة
الفصل الثاني : موقف القانون من ظاهرة الرشوة (المغرب كنموذج)

المبحث الثالث: الوساطة في الرشوة

الوسيط هو كل شخص يتدخل بين الراشي والمرتشي ممثلا أحدهما لدى الآخر في القيام بدوره لإتمام جريمة الرشوة ( ).
فكل من يربط الصلة بين الراشي والمرتشي بمساعدتهما على الأعمال التمهيدية أو التنفيذية لارتكاب الرشوة يعد وسيطا.
ويطلق على الوسيط في الشريعة الإسلامية (الرائش فقد جاء في الحديث الشريف: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما”.
ولا ريب في خطورة دور الوسيط في جريمة الرشوة فهو يسهل ارتكاب جريمة الرشوة ويرفع الخشية والتردد من قلب الراشي والمرتشي، ومن ثم فلا يقل دوره خطورة عن فعل هذين الأخيرين.
فقد يكون الوسيط رسولا من الراشي إلى المرتشي حيث يعرض عليه الرشوة مقابل إنجازه عملا وظيفيا لمصلحة صاحب الحاجة، وقد يقتصر دوره على تهيئ وتسهيل اللقاء بينهما، وذلك بناء على رغبة أحدهما أو كلاهما، وقد ينقل الأقوال والرغبات شفاهة من الموظف (المرتشي) إلى صاحب الحاجة وقد يتسلم الرشوة من الراشي ويسلمها للمرتشي.
وفي كل الحالات فإن دور الوسيط ينتهي بانتهاء مهمته أي بالتقاء رغبتي كل من الراشي والمرتشي، ولا يهم بعد ذلك تلقيه مقابلا عن وساطته أم لا.

المطلب الأول: حكم الوساطة في القانون الجنائي المغربي

لم يتعرض المشرع الجنائي المغربي لحكم الوساطة في الرشوة بنص خاص على الرغم من خطورة الفعل الصادر عنه، و هذا بخلاف تشريعات جنائية أخرى والتي أفردت نصوصا تعاقب الوسيط في الرشوة كالقانون الجنائي التونسي (م: 91) والقانون الجنائي المصري الذي يعاقب كل من عرض أو قبل الوساطة في الرشوة (م: 109) ويجرم أيضا الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة في الرشوة (م: 105) مكرر).
وكان يجدر بالمشرع المغربي أن يعاقب هذه الوساطة –أسوة بهذه التشريعات- لأن ذلك من شأنه القضاء على سماسرة الرشوة وقطع الطريق على دابر كل من يسهل مشروع الرشوة. فالوسيط قد يزيل الكثير من العقبات التي تعترض “مسيرة” مشروع الرشوة ويساهم في اتفاق غير مشروع بين الراشي والمرتشي بما ينعكس سلبا على نزاهة الوظيفة العمومية.
وعلى كل حال، وأمام غياب نص خاص في هذا الصدد، يبقى التكييف القانوني لأعمال الوساطة هو المشاركة طبقا للفقرة الثالثة من ف: 129 ق ج التي تعتبر مشاركا: “كل من ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها مع علمه بذلك” وعليه فإن اعتبار الوسيط مشاركا في جريمة الرشوة يقتضي تحقق هذه الجريمة ولو بالنسبة لأحدهما –الراشي أو المرتشي- مادام أن المشارك يستمد صفته الإجرامية من الفاعل الأصلي( ).
ويعتبر الوسيط مشاركا في هذه الجريمة متى تحققت في فعله إحدى صور الاشتراك المنصوص عليها في المادة 129 ق ج.
وهكذا يعتبر مشاركا من يأمر أو يحرض الراشي أو المرتشي على ارتكاب الرشوة، وكذلك من يقوم بمساعدة الموظف، (المرتشي) أو صاحب الحاجة (الراشي) على الأعمال التحضيرية أو المسهلة لارتكاب الجريمة، ونحو ذلك: تهييئ اللقاء بين الراشي والمرتشي أو إرشاد صاحب المصلحة إلى طريقة تقديم الرشوة للموظف وبالتالي تيسير السبيل أمامه لابتياع ذمة الموظف، أو وضع مبلغ الرشوة في حساب الموظف أو إيصالها إليه… فكل فعل من شانه مساعدة الموظف على الارتشاء يدخل في نطاق الاشتراك في جريمة الرشوة.
وقد سبق لمحكمة العدل الخاصة في حكم لها مؤرخ في 4 ماي 1979 أن “أدانت متهما بالمشاركة في الارتشاء لكونه تسلم مبلغ الرشوة -20000 درهم- وأخفاه عند صهره…”
كما جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ: 9 عشت 1979: أن الأخذ بشهادة متهم على متهم- أدين بالمشاركة في الرشوة كوسيط بناء على تصريحات الراشي والمرتشي- أو عدم الأخذ بها موكول إلى تقدير محكمة الموضوع التي لها أن تأخذ بها متى اطمأنت إليها أو لا تأخذ بها، ولا يحتاج الأمر إلى تعليل خاص”.
وفضلا عن المشاركة يمكن متابعة الوسيط بجريمة إخفاء أشياء متحصل عليها من جريمة الرشوة، يتحقق ذلك أساسا في الحالة التي يتلقى فيها الوسيط مقابلا عن وساطته من قبل المرتشي.
ويعتبر الوسيط مرتكبا لجريمة إخفاء أشياء متحصل عليها من الرشوة متى قام بأحد الأفعال التالية:
 أن يساعد الموظف (المرتشي ) على تصريف مقابل الرشوة، كما لو صرف له قيمة الشيك نقدا، أو قام ببيع الهدية لفائدة المرتشي أو تولى حفظها له.
 أن يتلقى الرشوة من الموظف المرتشي على سبيل التبرع أو البيع أو القرض أو الوفاء بدين مع علمه بمصدرها الإجرامي.
 أن يتلقى مبلغ الرشوة من الراشي مباشرة وذلك اعتبارا لقرابة أو صداقة تجمعه بالمرتشي فيصبح هو المستفيد الأصلي منها( ).

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.