البدائل الجنائية وغير الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة

المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل – الباب الثاني
3-الحرمان من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية:
والتجريد من ممارسة الحقوق الوطنية كعقوبة جنائية أصلية أو كعقوبة إضافية تابعة لعقوبة جنائية فإنه لا يكون قابلا للتجزئة فهو يشمل كل الحالات المنصوص عليها في الفصل 26 من القانون الجنائي.
ولكن التجريد من الحقوق الوطنية عندما يحكم به كعقوبة إضافية تابعة لعقوبة جنحية فإنه يصبح قابلا للتجزئة وبالتالي يتفرع عنه الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية( ).
على انه إذا حكمت المحكمة بعقوبة جنحية يجوز لها أن تحرم المحكوم عليه لمدة تتراوح ما بين سنة وعشر سنوات من ممارسة حق أو عدة حقوق من الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية المنصوص عليها في الفصل 26.

4-الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة:
يتبين من خلال الفصل 41 من القانون الجنائي أن المشرع المغربي ميز بين الحرمان النهائي من الحق في المعاش الذي تصرفه الدولة والحرمان المؤقت منه وذلك حسب نوع العقوبة المحكوم بها، فمتى كان الحكم نهائيا بالإعدام أو السجن المؤبد يتم حرمان المتهم نهائيا من حقه في المعاش الذي تصرفه الدولة، ويكون الحرمان مؤقت في غير ذلك حيث يحرم المتهم خلال تنفيذه العقوبة الجنائية الأصلية وترجع له تلك المعاشات بمجرد خروجه من السجن.

5-المصادرة:
عرفها المشرع المغربي في الفصل 42 من القانون الجنائي بأنها تمليك الدولة جـزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة، إلا أن اللجـوء إلى هذه العقوبة لا يتم بنفس القاعدة في كل الجرائم بل هناك اختلاف فيما إذا كانت الجريمة جنائية أو جنحية.
ففي الجنايات يجوز للقاضي أن يحكم بأن يصادر لفائدة الدولة الأدوات والأشياء التي استعملت أو كانت تستعمل في ارتكاب الجريمة أو التي تحصلت منها، وكذلك المنح وغيرها من الفوائد التي كوفئ بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته.
وتكون المصادرة جزئية( ) أي تمليك الدولة جزءا فقط أو بعض أملاك المحكوم عليه مع الحفاظ على حقوق الغير( ).
وتكون المصادرة في الجنايات من اختصاص السلطة التقديرية للقاضي بصريح عبارة “يجوز” أما في حالة الحكم بالمؤاخذة عن أفعال تعد جنحا أو مخالفات فإنه لا يجوز للقاضي الحكم بالمصادرة إلا بوجود نص صريح بذلك( )، والمصادرة كعقوبة إضافية لا تمس إلا ما هو مملوك للمحكوم عليه وعلى جزئه إذا كانت الشيء محل المصادرة مملوكا على الشياع( ).

6-حل الشخص المعنوي:
يقصد بالشخص المعنوي كل مقاولة أو جمعية كيفما كان نوعها تتوفر على الشخصية المعنوية.
والملاحظ هو أن العقوبات التي تخضع لها الأشخاص المعنوية ضيقة جدا حيث لا تتضمن سوى عقوبات مالية أو لعقوبات إضافية أو لتدابير وقائية وذلك لطبيعة تلك الأشخاص المعنوية.
ويعتبر حل الشخص المعنوي عقوبة إضافية الهدف منها منع هذا الشخص من مواصلة نشاطه الاجتماعي ولو تحت اسم آخر وبإشراف مديرين أو مسيرين آخرين، ويترتب عنه تصفية أملاك الشخص المعنوي.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن للقاضي الحكم بحل الشخص المعنوي إلا إذا نص على ذلك القانون صراحة ولا يمكن تنفيذه إلا بحكم صريح أيضا.

7-نشر الحكم الصادر بالإدانة:
إن الحكم بمثل هذه العقوبة يمكن أن ينال الشخص الطبيعي كما قد ينال الشخص المعنوي وهدفه إبلاغ الحقيقة للجمهور ورفع المغالطة التي ربما قد وقع فيها نتيجة تصرف المحكوم عليه كالحالات الواردة في المواد من 380 إلى 388 بشان انتحال الوظائف أو الألقاب أو الأسماء أو استعمالها.
والحالات المنصوص عليها في المواد 575 و 577 بشأن الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية.
وقد يحكم بالنشر لمجرد التشهير بالجاني وتشنيع تصرفه كالأحكام الصادرة في موضوع الزيادة الغير القانونية في الأسعار( ).
وقد نص المشرع المغربي على هذه العقوبة في المادة 48 حيث قال: “للمحكمة في الأحوال التي يحددها القانون، أن تأمر بنشر الحكم الصادر عنها بالإدانة كلا أو بعضا، في صحيفة أو عدة صحف تعينها، أو بتعليقه في أماكن تبينها والكل على نفقة المحكوم عليه من غير أن تتعدى صوائر النشر ما قدرته المحكمة لذلك ولا أن تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا”
وبذلك لا يمكن للمحكمة أن تقرر هذه العقوبة إلا إذا قررها القانون ولا يمكن أن تتجاوز شهرا واحدا.
وأخيرا نتساءل هل تكفي العقوبة بشقيها أن تحيط بجميع الجرائم وبالتالي الحد منها أم لابد من وسيلة أخرى لزجرها.

المبحث الثاني: التدابير الوقائية

لقد قسم المشرع المغربي الجزء الجنائي إلى نوعين من الجزاءات العقوبة والتدابير الوقائية حيث نص في الفصل الأول من القانون الجنائي على أنه: “يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية”
والهدف من التدابير الوقائية كما هو واضح من اسمها هو الوقاية والحماية من الجرائم فهي كفاح ضد خطر محتمل قد يقع في المستقبل من طرف المجرم، وهي بذلك تختلف عن العقوبة.
وقد نص عليها المشرع المغربي وفصل فيها في ثلاثة وأربعين فصلا وذلك من الفصل 61 إلى غاية الفصل 104.
وللحديث عنها وعن أنواعها (مطلب ثاني) لابد من التمييز بينها وبين العقوبة لمعرفة الفرق بينهما (مطلب أول)

المطلب الأول: تمييز التدابير الوقائية عن العقوبة

كما أشرنا سابقا ( ) تختلف العقوبة عن التدابير الوقائية في كون هذه الأخيرة تهدف إلى دفع الخطورة الإجرامية والتحفظ على الجاني وعلاجه لاتقاء خطورته الإجرامية على أمل منع ما قد يرتكبه من جرائم مستقبلا، بينما العقوبة هدفها هو النيل من المجرمين وإلحاق نوع من الضرر لردعهم.
ولذلك فالعقوبة ينبغي أن تتناسب مع الفعل الإجرامي بينما التدابير الوقائية ينبغي أن تتناسب مع الخطورة الإجرامية وليس الفعل الإجرامي( ).
كما يختلفان من حيث نطاقهما ( ) حيث نطاق التدابير الوقائية جد واسع إذ يمكن أن تطبيقها على القاصرين والمجانين والمختلين عقليا والمرض النفسيين… وعموما على الذين لا يمكن مسائلتهم من الناحية الجنائية لانعدام الركن المعنوي للجريمة لديهم عكس العقوبة حيث لا تطبق إلا على من تتوافر لديهم الأهلية الجنائية.
كما أن التدابير الوقائية حسب بعض الفقه( ) تتطلب مجهودا اكبر من القاضي قصد الحكم بها حيث ينبغي التعرف على جميع العوامل الدافعة للإجرام بهدف الحد منها بتدبير ملائم، عكس العقوبة حيث أن القاضي اعتاد على الحكم بها، ولأن الحكم بها قديم جدا مقارنة مع التدابير الوقائية الحديثة العهد.
وأخيرا لا يمكن الحديث عن العقوبة إلا بعد إدانة المجرم بحكم قضائي نهائي عن فعل إجرامي بينما التدابير الوقائية يمكن الحكم بها حتى قبل مؤاخذة المعني بالأمر وحتى ولو حكم ببرائته ولذلك فهي أداة لاجتناب الجريمة حتى قبل وقوعها.

المطلب الثاني: أنواع التدابير الوقائية
لقد عنون المشرع المغربي الباب الأول في التدابير الوقائية ب: “في مختلف التدابير الوقائية الشخصية والعينية” وتحدث عن التدابير الوقائية الشخصية في افصل 61 وعن التدابير الوقائية العينية في افصل 623 وفصل فيها في الفصول اللاحقة:
ومنه فالمشرع المغربي قسم التدابير الوقائية إلى قسمين: تدابير وقائية شخصية وأخرى عينية، وبذلك سنفصل فيها نحن أيضا في فقرتين:
الفقرة الأولى: التدابير الوقائية الشخصية
وقد حددها المشرع المغربي ( ) في تسع تدابير وهي:
1-الإقصاء
2-الإجبار على الإقامة بمكان معين
3-المنع من الإقامة
4-الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية.
5-الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج
6-الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية
7-عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية.
8-المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك خاضعا لترخيص إداري أم لا.
9-سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء.
ويمكن دراسة هذه التدابير في نفس الترتيب كالآتي:
أولا: الإقصاء
وقد عرفه الفصل 63 من القانون الجنائي على أنه: إيداع العائدين الذين تتوفر فيهم الشروط المبنية في الفصلين 65 و66، داخل مؤسسة للشغل ذات نظام ملائم لتقويم الانحراف الاجتماعي”.
والإقصاء لا تحكم به إلا المحاكم العادية، فلا يجوز أن تحكم به المحاكم الاستثنائية( ).
أما مدته فهي محددة كحد أدنى في خمس سنوات وفي حد أقصى عشر سنوات
والإقصاء قد يكون إلزاميا (1) كما قد يكون اختياريا (2) للمحكمة أن تحكم أو لا تفعل.
1-الإقصاء الإلزامي:
وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصلين 65 و67 من القانون الجنائي فهو بذلك يكون إلزاميا في حالتين.
الحالة الأولى( ): إذا صدر الحكم على الجاني بالسجن ثم عاد إلى ارتكاب جناية داخل ظرف عشر سنوات، استوجبت الحكم عليه بالسجن أيضا ولا يدخل في حساب العشر سنوات المدة التي قضاها في السجن تنفيذا للحكم الأول، أي أن العشر سنوات تبتدئ من تاريخ انتهاء تنفيذ العقوبة الأولى إلى تاريخ ارتكاب الجناية الثانية، فإذا عاقبته المحكمة على هذه الجناية الثانية بالسجن فإنه يتعين عليها أن تحكم عليه بالإقصاء كتدبير وقائي إلا أنه إذا كان الجاني رجلا يقل عمره عن 20 سنة أو يزيد عن 60 سنة أو كان امرأة كيف ما كان سنها فإنه يجوز للمحكمة أن لا تحكم بالإقصاء شرط تعليل قرارها.
الحالة الثانية( ): وهي الحالة التي يجب فيها على القاضي أيضا الحكم بالإقصاء وذلك إذا سبق و أن حكم على الجاني بالإقصاء ثم ارتكب داخل عشر سنوات الموالية ليوم الإفراج عنه جناية كيفما كان نوعها أو جنحة من الجنح المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 66 وهي السرقة، النصب، خيانة الأمانة، إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة، الإخلال العلني بالحياء، تحريض القاصرين على الفساد، استغلال البغاء، الإجهاض، الاتجار في المخدرات.
وبعد ارتكاب إحدى هذه الجرائم ينبغي للمحكمة أن تحكم على الجاني بالإقصاء في حده الأقصى الذي هو عشرات سنوات وذلك كلما حكم عليه بالحبس لمدة تزيد عن سنة.
2-الإقصاء الاختياري:
وهو يجوز في بعض الحالات التي جاءت على سبيل الحصر، حيث تأمر به المحكمة في حق بعض الفئات من المجرمين، وذلك طبقا لما نص عليه الفصل 66 من القانون الجنائي الذي يقضي بإقصاء العائدين الذين صدر عليهم في ظرف عشر سنوات خالصة من مدة العقوبة التي تم تنفيذها فعلا، لأحكام المتعلقة بجرائم ضد الأموال أو بجرائم مخلة بالآداب والأخلاق، وقد جاءت حالات الإقصاء الاختياري في ثلاث صور:
-صدور ثلاثة أحكام أحدها بالسجن من اجل جناية كيفما كانت واثنان إما بالحبس من اجل أفعال تعتبر جنايات أو بالحبس لمدة تفوق ستة أشهر من أجل الجرائم المحددة في اافصل 66 من القانون الجنائي والسابق ذكرها.
-صدور أربعة أحكام بالحبس من اجل أفعال تعتبر جنايات أو أربعة أحكام كل منها بالحبس لمدة تزيد على ستة أشهر عن الجنح المنصوص عليها في الرقم 1 من الفصل 66.
-صدور سبعة أحكام يكون اثنان منها على الأقل من نوع الأحكام المنصوص عليها في الفقرتين الأخيرتين من الفصل 66 من القانون الجنائي.
فللقاضي في هذه الحالات فقط سلطته التقديرية في الحكم بالإقصاء من عدمه بدليل “يمكن” الواردة في الفصل 66 من القانون الجنائي.
وفي غير تلك الحالات الإقصاء الاختياري والإقصاء الإلزامي، لا يجوز للقاضي الحكم بمثل هذا التدبير.
ثانيا: الإجبار على الإقامة بمكان معين
الإجبار على الإقامة بمكان معين تدبير احتياطي أراد المشرع بتوقيعه حماية الدولة من مرتكبي الجرائم التي تمس بها، واللذين يتبين من الظروف أن النشاط الاعتيادي لهم فيه خطر على النظام الاجتماعي، حيث يخشى عودتهم إلى ارتكاب جرائم عليها من جديد.
وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصل 70 من القانون الجنائي إذ يجوز للمحكمة أن تلجأ إليه ضد المحكوم عليه إذا تبين لها من الأحداث أنه متابع بإحدى الجـرائم المتعلقة بالمس بسلامة الدولة وأن له نشاطا عاديا يمثل خطرا على النظام الاجتماعي وتكون مدة الإجبار على الإقامة بمكان معين محددة في اجل لا يمكن أن يتجاوز خمس سنوات، أما بداية هذا التدبير الوقائي فلا تتم إلا عند انتهاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة الأصلية.
وتجدر الإشارة إلى أن المحكوم عليه بالإجبار على الإقامة بمكان معين لا يجوز له الابتعاد عن هذا المكان الذي تحدده له المحكمة، أو الخروج عن دائرته إلا برخصة تمنح له من طرف الإدارة العامة للأمن الوطني التي تكون مسؤولة عن مراقبة هذا التدبير الوقائي، وفي حالة عدم احترام المحكوم عليه هذه الواجب يعرض نفسه لعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
والإجبار على الإقامة كتدبير وقائي يختلف بكل تلك الأحكام عن الإقامة الإجبارية كعقوبة أصلية ( ).
ثالثا: المنع من الإقامة
وهو كما عرفته المادة 71 من القانون الجنائي منع المحكوم عليه من أن يحل بأماكن معينة، ولمدة محددة إذا اعتبرت المحكمة نظرا لطبيعة الفعل المرتكب أو لشخصية فاعله، أو لظروف أخرى أن إقامة المحكوم عليه بالأماكن المشار إليها يكون خطرا على النظام العام أو على أمن الأشخاص.
وللقاضي السلطة التقديرية في الحكم بالمنع من الإقامة في حال إصدار عقوبة من أجل فعل يعد القانون جناية.
أما في حالة إصدار عقوبة بالحبس من أجل جنحة فلا يجوز الحكم بالمنع من الإقامة إلا إذا كان مقررا في النص الذي يعاقب على تلك الجنحة ( )، ومدته في هذه الحالة( ) –الجنح- ما بين سنتين إلى عشر سنوات.
أما في الجنايات فمدة المنع من الإقامة يمكن الحكم بها لمدة محددة بين خمس سنوات وعشرين سنة.
ولا تبدأ مدة هذا المنع ومفعوله إلا من يوم سراح المحكوم عليه وبعد تبليغه قرار المنع.
وخلال هذه المدة –مدة المنع من الإقامة- يبقى المحكوم عليه خاضعا لرقابة الإدارة العامة للأمن الوطني التي تستطيع منحه رخصا مؤقتة بالإقامة في الأماكن الممنوعة عليه، وإذا لم يحترم المحكوم عليه هذا التدبير الوقائي فإنه سيعرض نفسه للعقوبة التي ينص عليها الفصل 319 من القانون الجنائي وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.

رابعا: الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية( )
مضمون هذا التدبير هو أن يتم وضع شخص داخل مؤسسة مختصة بعلاج الأمراض العقلية بناءا على حكم قضائي في الحالات التالية:
حالة وجود خلل عقلي لدى الفاعل: وهو ما نص عليه الفصل 76 حيث إذا تبين لمحكمة الموضوع بعد إجراء خبرة طبية أن الشخص المتابع أمامها بجناية أو جنحة كان عديم المسؤولية تماما وقت ارتكاب الفعل بسبب اختلال عقلي فإنه يجب عليها:
-أن تثبت أن المتهم كان وقت الفعل، في حالة خلل عقلي يمنعه تماما من الإدراك أو التمييز
-أن تصرح بانعدام مسؤوليته مطلقا وتحكم بإعفائه
-أن تأمر في حالة استمرار الخلل العقلي، بإيداعه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية.
ويبقى الأمر بالاعتقال ساريا على المتهم إلى أن يودع فعلا في تلك المؤسسة.
 حالة وجود ضعف القوة العقلية لدى الفاعل: وهو ما نص الفصل 78، وهكذا إذا قررت محكمة الموضوع بعد الخبرة الطبية، أن مرتكب جناية أو جنحة، رغم كونه قادرا على الدفاع عن نفسه في الدعوى إلا أنه كان مصابا وقت الأفعال المنسوبة إليه بضعف في قواه العقلية يترتب عليه نقص مسؤوليته فإنه يجب عليها:
-أن تثبت أن الأفعال المتابع من اجلها المتهم منسوبة إليه.
-أن تصرح بان مسؤوليته ناقصة بسبب ضعف في قواه العقلية وقت ارتكاب الفعل.
-أن تصدر الحكم بالعقوبة
-أن تأمر إذا اقتضى الأمر ذلك، بإدخال المحكوم عليه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، قبل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، ومدة بقائه في هذه المؤسسة تخصم من مدة العقوبة وينتهي إيداعه في المؤسسة وفق الشروط المقررة في الفقرة الأخيرة من الفصل 77.
 حالة حدوث الخلل العقلي بعد ارتكاب الجريمة: طبقا للفصل 79 من القانون الجنائي إذا قررت المحكمة بعد إجراء الخبرة الطبية أن الشخص المتابع لديها بجناية أو جنحة كامل المسؤولية أو ناقص المسؤولية بالنسبة للوقائع المنسوبة إليه، ولكنه أصبح غير قادر على الدفاع عن نفسه في الدعوى بسبب خلل في قواه العقلية طرأ عليه أو اشتد أثره بعد ارتكاب الفعل، فإنه يجب عليها أن تقرر بأن المتهم عاجز عن إبداء دفاعه بسبب خلل في قواه العقلية وأن تأمر بوقف النظر في الدعوى، وذلك لضرورة إدخاله في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية ويبقى المتهم خاضعا للعلاج إلى أن يصدر الطبيب قراره بشفاء المتهم من خلله العقلي.
وفي هذه الحالة يجب إخبار النيابة العامة بهذا القرار عشرة أيام على الأقل قبل تنفيذ أمر الخروج من المؤسسة العلاجية وفي حالة صدور حكم على المتهم بعقوبة سالبة للحرية فإن المدة التي قضاها بالمؤسسة تخصم من مدة تلك العقوبة.
خامسا : الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج
عرف المشرع المغربي هذا التدبير الوقائي في الفصل 80 من القانون الجنائي حيث قال: “الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج هو أن يجعل تحت المراقبة بمؤسسة ملائمة، وبمقتضى حكم صادر عن قضاة الحكم- شخص ارتكب أو ساهم أو شارك في جناية أو جنحة تأديبية أو ضبطية، وكان مصابا بتسمم مزمن ترتب عن تعاطي الكحول أو المخدرات إذا ظهر أن لإجرامه صلة بذلك التسمم”.
ومن خلال هذه المادة نلاحظ أن المشرع استهدف وقاية المجتمع من خطورة بعض المجرمين المتعاطين للمواد الكحولية أو المخدرات بمختلف أنواعها، والذين غالبا ما يرتكبون جرائم تكون لها علاقة بتعاطي هذه المواد التي تفقدهم الإدراك من جهة، ومن جهة أخرى فإن المشرع أراد بهذا التدبير إصلاح هؤلاء المجرمين أنفسهم بعلاجهم في مؤسسة مختصة بذلك حتى يقلعوا عن تناول المواد التي اعتادوا تعاطيها لحد أن أصيبوا بتسمم مزمن بسبب الإدمان.
ويلزم على المحكمة في هذه الحالة أن تصرح أن افعل المتابع من أجله صادر عن المتهم، و أن تثبت صراحة أن إجرام مرتكب الفعل مرتبط بتسمم مزمن مترتب عن تعاطي الكحول أو المخدرات، بعد كل هذا تقوم المحكمة بإصدار حكمها بالإضافة إلى الأمر بوضع المحكوم عليه في مؤسسة للعلاج لمدة لا تزيد على سنتين، وتستطيع المحكمة تحديد الأسبقية في التنفيذ التي قد تعطي للتدبير الوقائي ( ).
ويلغى الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج كلما توفرت الأسباب الداعية إلى إلغائه، وذلك بناء على قرار الطبيب المعالج الذي يجب أن يبلغ إلى علم النيابة العامة داخل عشرة أيام على صدوره، وتستطيع النيابة العامة الطعن في قرار الطبيب كلما رأت سببا داعيا لذلك( ).
سادسا: الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية
وهو تدبير وقائي عرفه المشرع في الفصل 83 بأنه إلزام المحكوم عليه من اجل جناية أو جنحة عقابها الحبس بان يقيم في مركز مختص يكلف فيه بإنجاز أشغال فلاحية، وذلك إذا ظهر أن إجرامه مرتبط بتعوده على البطالة أو تبين انه يتعيش عادة من أعمال غير مشروعة وقد حدد المشرع في افصل 84 شروطا يتعين على المحكمة تطبيقهم للحكم بهذا التدابير الوقائية وهي:
-أن تصرح أن الفعل المتابع من اجله صادر عن المتهم.
-أن تقرر صراحة أن هذا الفعل مرتبط بما اعتاده المحكوم عليه من البطالة أو أن المحكوم عليه يتعيش عادة من أعمال غير مشروعة.
-أن تحكم بالعقوبة.
-أن تأمر علاوة على ذلك بالوضع القضائي في مؤسسة فلاحية لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز سنتين.
ويبدأ تنفيذ الإقامة في المؤسسة الفلاحية بمجرد انتهاء العقوبة ويمكن وضع حد لهذا التدبير وإلغاؤه كلما ثبت تحسن سلوك المحكوم عليه وصلاح حاله حيث يصدر قرار الإلغاء من طرف المحكمة بناء على اقتراح مدير المؤسسة الفلاحية.
سابعا: عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية
نظم المشرع الجنائي المغربي أحكام هذا التدبير في الفصل 86 من القانون الجنائي و الذي على ضوئه يتبين أن هذا التدبير لا يصدر إلا عن المحكمة وهو يكون إما إلزاميا أو اختياريا:
فيكون إلزاميا على المحكمة التصريح به على المحكوم عليه وبالتالي عدم أهليته لمزاولة جميع الوظائف والخدمات العمومية في الحالات التي ينص القانون صراحة على ذلك ومن تلك الحالات نذكر الفصل 232 من القانون الجنائي حيث يعاقب بالحبس والغرامة وبالحرمان من تولي جميع الوظائف العامة كل موظف عمومي أو أحد أعوان الحكومة أو المستخدمين في إدارة البريد أو وكلائها يفتح أو يختلس أو يبدد رسائل عهد بها إلى مصلحة البريد، أو يسهل فتحها أو اختلاسها أو تبديدها.
ويكون اختياريا حيث كون للمحكمة الحكم به من عدمه، وذلك باعتماد السلطة التقديرية للقاضي ويتضح ذلك في المادة 86 الفقرة الثانية حيث تقول: “يجوز الحكم بهذا التدبير في غير الأحوال المشار إليها، عندما تلاحظ المحكمة وتصرح بمقتضى نص خاص بالحكم أن الجريمة المرتكبة لها علاقة مباشرة بمزاولة الوظيفة أو الخدمة وأنها تكشف عن وجود فساد في خلق مرتكبها لا يتلاءم ومزاولة الوظيفة أو الخدمة على الوجه المرضي.
وسواء كان هذا التدبير إلزاميا أو اختياريا فإن مدته لا يمكن أن تفوق عشر سنوات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ويبدأ سريان هذا التدبير انطلاقا من اليوم الذي ينتهي فيه المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة.
ثامنا: المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن
طبقا للفصل 87 من القانون الجنائي يتعين الحكم بالمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن في حق المحكوم عليهم ( ) من أجل جناية أو جنحة عندما يتبين للمحكمة أن الجريمة المرتكبة لها علاقة مباشرة بمزاولة المهنة أو النشاط أو الفن وأنه توجد قرائن قوية يخشى معها أن يصبح المحكوم عليه، إن هو تمادى على مزاولة ذلك خطرا على أمن الناس أو صحتهم أو أخلاقهم أو على مدخراتهم.
ويحكم بهذا المنع لمدة لا يمكن أن تفوق عشر سنوات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وتحسب هذه المدة من اليوم الذي ينتهي فيه المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة الأصلية، وينص المشرع بصفة خاصة، على أن هذا التدبير يمكن إعطاء الأمر بتنفيذه مؤقتا على الرغم من استعمال أية طريقة من طرق الطعن عادية كانت أو غير عادية.
تاسعا: سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء
وهو آخر تدبير وقائي شخصي نص عليه المشرع المغربي في الفصل 88 من القانون الجنائي حيث يحكم بسقوط الولاية الشرعية على الأولاد عندما تصدر المحكمة حكما من أجل جناية أو جنحة معاقب عليها قانونا بالحبس ارتكبها أحد الأصول على شخص أحد أطفاله القاصرين إذا ثبت لها أن السلوك العادي للمحكوم عليه يعرض أولاده القاصرين لخطر بدني أو خلقي.
وهذا السقوط يمكن أن يشمل جميع حقوق الولاية أو بعضها كما يسوغ أن يكون مقصورا على بعض الأولاد أو على واحد منهم فقط كما يجوز إعطاء الأمر بتنفيذه مؤقتا على الرغم من استعمال أية طريقة من طرق الطعن عادية أو غير عادية.
ومهما كانت قساوة هذا التدبير فإنه مبرر لأن القانون عندما أقر سلطة للآباء على أبنائهم، فإنه كان مدفوعا في ذلك بمصلحة الأبناء من جهة ومن جهة أخرى اعتمد على ما هو معروف عن الأبوة من الحنان والشفقة والمحبة، والتفاني في رعاية والدفاع عن فلذات الأكباد، وتنشأتهم تنشئة أخلاقية فاضلة، فلذلك فإن هو اخطأ الافتراض وكان الأب على غير ما يكون عادة فلا بأس من نزع الولاية عنه وحماية أبنائه من خطره وشروره( ).

الفقرة الثانية: التدابير الوقائية العينية
لقد قسم المشرع المغربي التدابير الوقائية فهي تكون شخصيته( ) –كما سبق ذكره- أو تكون عينية( ).
وتكون عينية عندما تنصب على مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها أو عندما تنصب على إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة وسنتطرق لهذين النوعين كالآتي:
أولا: المصادرة
لقد مر معنا عند دراسة العقوبة أن المصادرة تكون عقوبة إضافية، ولقد اعتبرها المشرع أيضا تدبيرا وقائيا، إلا أنها تختلف عن المصادرة كعقوبة إضافية في عدة أحكام:
فالمصادرة كتدبير تقع على ذات الشيء الذي يعتبر صنعه أو استعماله أو حمله أو حيازته أو بيعه جريمة معاقب عليها، كالمقابل في الرشوة، وحيازة المخدرات أو حيازة سلاح بدون رخصة، أو المطبوعات والأشرطة المخلة بالأخلاق، حيث يكون الهدف من المصادرة هنا هو وقاية المجتمع من الأضرار التي يمكن أن تنجم عن تداول المضبوط ولذلك كان الحكم بالمصادرة العينية، كتدبير وقائي، من طرف المحكمة وجوبيا دوما، في حين أن المصادرة كعقوبة إضافية –ولو كانت عينية- فهي جوازية إذ للمحكمة أن تحكم بها أو لا تحكم( ).
كما تختلف المصادرة العينية باعتبارها تدبير وقائي عن تلك المعتبرة عقوبة إضافية حيث الأولى تصدر ولو لم يحكم ضد المتهم بالإدانة- كما لو كان المجرم مجهولا أو كأن تكون المتابعة غير ممكنة كحالة الصبي أو المختل عقليا أو وفاة المتهم- ولو كانت الأشياء محل المصادرة مملوكة للغير( ) عكس الثانية –المصادرة كعقوبة إضافية- حيث لا تكون إلا بعد إدانة المتهم وقد ألزم المشرع المحكمة عند الحكم بها مراعاة حقوق الغير والحفاظ عليها( ).
ثانيا: إغلاق المحل أو المؤسسة التي استعملت في ارتكاب الجريمة
وهو إجراء عيني كالمصادرة ، تعرض له المشرع المغربي في الفصل 90 من القانون الجنائي وهو ينصب على المحلات التجارية أو الصناعية التي تستعمل لارتكاب الجرائم إما بسبب إساءة المكلفين بها استغلال الإذن أو الرخصة المحصل عليها وإما بسبب عدم مراعاة النظم الإدارية المنظمة لممارسة التجارة والصناعة.
وينتج عن الحكم بإغلاق المحل التجاري أو الصناعي أو أية مؤسسة أخرى –في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك- منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل.
وهذا المنع لا ينحصر فقط على صاحب المحل بل يمتد كذلك إلى أفراد أسرته أو إلى غيره ممن يكون قد باع له المحل أو كراه أو سلمه إليه.
ويسري المنع كذلك في حق الشخص المعنوي أو الهيئة التي كان ينتمي إليها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة.
وإغلاق المحل يمكن أن يكون نهائيا أو مؤقتا، إذ يكون مؤقتا بين عشرة أيام كحد أدنى وستة أشهر كحد أقصى ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وفي ختام دراستنا للعقوبة والتدابير الوقائية نشير أنه تنفذ على المحكوم عليه العقوبات الصادرة ضده بتمامها وكذلك التدابير الوقائية إلا إذا طرأ سبب من أسباب الانقضاء أو الإعفاء أو الإيقاف وهذه الأسباب في العقوبة هي ما نص عليه الفصل 49 من القانون الجنائي وهي: موت المحكوم عليه، العفو الشامل، إلغاء القانون الجنائي المحكوم بمقتضاه، العفو، التقادم، إيقاف تنفيذ العقوبة، الإفراج الشرطي، الصلح إذا أجازه القانون بنص صريح.
وقد أورد المشرع تلك الأحكام في الباب الثالث من الجزء الأول في الفصول من 49 إلى 60 من القانون الجنائي.
أما بخصوص التدابير الوقائية فهي مثلها مثل العقوبة تنقضي إما بتنفيذها أو بالأسباب الواردة في الفصل 93 من القانون الجنائي وهي نفسها في الفصل 49 إلا أن المشرع عوض إيقاف تنفيذ العقوبة بسبب آخر هو إعادة الاعتبار وقد أورد المشرع أحكام انقضاء التدابير الوقائية أو الإعفاء منها أو إيقافها في الفصول من 93 إلى 104 ( ).

المبحث الثالث: العقوبات البديلة

عرفت العقوبات الحبسية معارضة دائمة من طرف الفلاسفة والمفكرين منذ القدم، ولا سيما منذ القرن السابع عشر حيث تكاثرت التنديدات والانتقادات الموجهة لها نظرا لما يشوبها من مساوئ، منها أن العقوبة الحبسية هي نفسها عقوبة جسدية وتبنيها وتعميمها لا يشكل فيالحقيقة تطورا ملحوظا في رد فعل المجتمع على الفعل الجرمي، وأنها تشكل وصمة عار على جبين المحكوم عليه، بل أنها لا تمس الجاني فحسب بل تتعداه بآثارها السلبية على عائلات المسجونين. إلى جانب أنها ليست مناسبة للقيام بالدور الإصلاحي والتأهيلي المنشود ( ).
وقد كان لهذه الانتقادات بعض الأثر على السياسة الجنائية لعدد كبير من الدول، حيث ظهر بعد الحرب العالمية الثانية عدد من الإصلاحات الجزئية التي استهدفت المجرمين الأحداث وظهرت بعض بدائل العقوبات الحبسية كإيقاف التنفيذ والوضع تحت الاختبار، كما أخذت بعض التشريعات الجنائية بأنظمة ترمي إلى تقليل مدة الحبس.
إلا أنه سرعان ما تبين أن هذه الإصلاحات غير كافية للتقليص من مساوئ العقوبات الحبسية والحد من الأزمة السجنية المتمثلة في تجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون، والمشاكل الإجرامية والاجتماعية المترتبة عنها خلال السبعينات وخاصة في الغرب( ).
كل هذا دفع بمختلف النظم الجنائية إلى التفكير في إيجاد بدائل للعقوبات الحبسية القصيرة المدة، فكان أن ظهرت مجموعة من البدائل التي يمكن التمييز في إطارها بين البدائل الجنائية، والتي سنتولى دراستها في (المطلب الأول)، والبدائل غير الجنائية التي خصصنا لها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: البدائل الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة

إن عملية إعادة تأهيل الجانح من أجل الإدماج تحتاج مساحة زمنية شاسعة، وهذا مطلب لا تكفله العقوبة الحبسية القصيرة المدة، لهذا تم التفكير في تعويضها ببدائل تدخل في إطار القانون الجنائي وهي إما بدائل مالية (فقرة أولى) أو بدائل غير مالية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: البدائل المالية
يرى بعض الباحثين بان هذا الصنف من البدائل قد أكد فعاليته في تحصين الأشخاص من الآثار المترتبة عن ولوج السجن، وعليه فقد تبنتها العديد من التشريعات الحـديثة كعقوبة أصلية إلى جـانب الجزاء الحبسي أو كبـديل له إذا كانت الخطورة الإجرامية للجاني غير بالغة من الحدة درجة تقتضي إيداعه السجن.
و البدائل المالية نوعان: بدائل أو غرامات مالية تقليدية تعتبر من الأصناف العقابية العريقة، وغرامات مالية يومية.
1-الغرامات التقليدية
ينحدر أصل عقوبة الغرامة من نظام الدية الذي كان معمولا به في الشرائع الوضعية القديمة وكذلك في الشرائع السماوية.
أما التشريعات الحديثة فقد أخذت بدورها بهذا النوع من العقوبة وميزت في إطارها بين الغرامة العادية والغرامة النسبية.
والغرامة العادية هي تلك التي يكون مقدارها محددا ومعروفا في حديه الأقصى والأدنى بنص قانوني، أما الغرامة النسبية فهي التي لا يكون مقدارها محددا، وإنما يبقى ذلك من اختصاص القضاء على أساس الفائدة التي حققها الجاني من الجريمة أو أراد تحقيقها، لذلك فإن هذا النوع من الغرامات يحتكم دائما لظروف وملابسات كل قضية ، أي حسب ما تنتجه من أضرار وما تحققه من فوائد ( ).
ويرى معظم الباحثين أن للغرامة المالية دورا هاما في تخليص نوع من المذنبين الذين وجدوا في السجن دون أن تكون لديهم ميولات إجرامية، كالمجرم بالصدفة، من الآثار السلبية للسجن، كما أنها تجنب المجرم الوصمة الناتجة عن دخوله السجن، هذا إلى جانب الدور الوقائي الفردي والجماعي الذي تقـوم به من خلال إبعاد الجناة عن ارتكاب الجرائم التي يعلمون بأنها ستكلفهم من الناحية المالية. كما أن هذا النوع من الجزاءات قد يدر على خزينة الدولة عوائد مالية هامة، بدل أن يستنزف منها بسبب ما تتطلبه الإقامة بالسجن من نفقات.
غير أنه بالـرغم من مزايا هـذا الإجراء فإن له عيـوبا تتلخص في كون الغرامات لا تكرس مبدأ المساواة في تطبيق السياسة الجنائية، بحيث لا يستطيع أن ينجو من قضبان السجن إلا الشخص القادر ماديا على دفع مبلغ الغرامة، أما المعسر فيتعرض للعقوبة الحبسية بالنظر لعدم قدرته على الأداء( ).
وقد دفعت هذه الجوانب السلبية التي تتسم بها الجزاءات المالية التقليدية إلى ابتكار صورة جزائية مالية اكثر إيجابية من حيث مسطرة تقدير الغرامة وكيفية تنفيذها، مع الأخذ بأحوال الجاني الاجتماعية والاقتصادية وهذا ما يسمى بالغرامة اليومية.
2-الغرامة اليومية:
وهي نظام قانوني يقوم على أساس إعطاء القاضي إمكانية الحكم أولا على المتهم بمدة معينة من الحبس، ثم بعد ذلك يتم تقييم هذه المدة ماليا وتحويلها إلى غرامة. وقد تم تبني هذا البديل المالي في فنلندا سنة 1921، حيث كانت الغرامة المالية تحسب بناءا على سقف الدخل اليومي، وتبعتها في هذا الاتجاه السويد سنة 1931، والدانمارك سنة 1939.
وقد كان لها النظام انعكاسات إيجابية على المجتمع والأفراد، منها ترسيخ مبدأ المساواة الفعلية بين المواطنين كما أنه دفع بعض التشريعات إلى التخلي عن عقوبة الحبس القصيرة المدة، خاصة المشرع الألماني لسنة 1975 الذي أعدم العقوبة الحبسية لأقل من شهر باستثناء الجرائم العسكرية، كما أعطى للقاضي الحق بإصدار حكم غير نافذ بالغرامة إذا كان عدد الأيام الذي يناسب درجة الخطورة الاجتماعية للفعل الجرمي لا يتعدى 180 يوما( ).
أما نظام العقوبات في فرنسا فلم يأخذ بهذا التوجه إلا في 2 فبراير 1981 حيث عمل المشرع الفرنسي على ربط الحكم بهذا البديل بشروط معينة، منها ألا يتجاوز عدد أيام الغرامة 360 يوما وألا يتجاوز مبلغ كل يوم 200 فرنك فرنسي. هذا وقد أجاز المشرع الفرنسي إمكانية الدفع بالتقسيط، إلى جانب تقريره أن يكون الدفع واجب الأداء عند الانتهاء الأيام المساوية لأيام الغرامة المقضي بها.
لكن بالرغم من الإيجابيات التي ميزت هذا النوع من البدائل فإنه لا يخلو من سلبيات تجلت في الحكم بالحبس لمدة تساوي نصف مدة أيام الغرامة بالنسبة لغير القادر على تسديد الغرامة عند حلول استخلاصها، وهذا يهدد بالسقوط مرة أخرى في شرك الحبس القصير المدة الذي ثبت عدم جدواه( ).
ولتجاوز هذه العيوب، أنتج المشرع الجنائي المعاصر بعدد من الدول بدائل جزائية غير حبسية ولا مالية، ومكن القاضي الجنائي من اعتمادها حسب ظروف وملابسات كل نازلة.
الفقر الثانية: البدائل غير المالية
يمكن التمييز، في إطار هذا النوع من البدائل، بين البدائل الرامية إلى تغيير طريقة تنفيذ العقوبة و البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية.
1-البدائل التي ترمي إلى تغيير طريقة تنفيذ العقوبة الحبسية القصيرة المدة:
يتم إعمال هذا الصنف من البدائل إما عن طريق إشراف عام أو مراقبة مباشرة كالاختبار القضائي والمراقبة الالكترونية، أو بمعزل تام عن أي تدخل يراقب حرية المعني بالأمر كمؤسسة وقف التنفيذ.
يعتبر الاختبار القضائي من التدابير التي تنفذ تحت المراقبة، وذلك تبعا لعدة أساليب. فإما أن يتم الوضع تحت الاختبار قبل صدور الحكم بالإدا، حيث يقرر القاضي تعليق النطق بالإدانة عبر إيقاف سير الدعوى لفترة يحددها ويقرر خلالها إيداع الجاني تحت رعاية نظام الاختبار القضائي، بحيث يفرض عليه الالتزام بعدد من القـواعد تحت إشراف ورقابة هيئـة ذات تخصصات اجتماعية وتـربوية وإصلاحية. فإذا أمضى الاختبار دون إخلال بالتزاماته يتم وضع حد للمتابعة وتسقط الدعوى العمومية تماما، أما إذا أخل بتلك الالتزامات فإن المحكمة تقرر استمرار الدعوى وتقضي بالإدانة الجزائية المناسبة، إلا أن هذا الأسلوب يؤاخذ عليه أنه يمس بمبدأ الشرعية، حيث أنه يفرض التزامات على متهم لم تثبت إدانته بعد( ).
أما أسلوب الوضع تحت الاختبار القضائي بعد صدور حكم بالإدانة فإنه يقتضي النطق بالعقوبة مع إيقاف تنفيذها. وبهذا يخضع الجاني لمقتضيات وضوابط الاختبار القضائي طيلة فترة إيقاف التنفيذ، وعند خرق ضوابط الاختبار تطبق عليه وبشكل تلقائي العقوبة التي صدرت في حقه.
أما النطق بالعقوبة فإنه لا يتم إلا بعد مرور فترة زمنية محددة لا تتعدى سنة يطلب خلالها من المتهم أن يراعي بعض الشروط وأن يمتمثل لبعض الأوامر، وألا يقترف فعلا أو امتناعا إجراميا آخر، فإن استجاب لذلك أصبح بعد انتهاء المدة المحددة بريئا من كل متابعة، أما إذا أخل بشرط ما فإن للمحكمة كامل الصلاحية في متابعته( ).
أما التقييد الالكتروني، وهو نتاج التشريع السويدي لسنة 1994، فيتم بموجبه وضع المدان تحت المراقبة الالكترونية بواسطة حلقة أو سوار إلكتروني يتم تثبيته حول الجزء الأسفل من ساق المحكوم عليه، كما ينصب داخل مسكنه جهاز إرسال إلكتروني يبلغ ارتفاعه 50 سنتمترا، يرسل إشارات إلى جهاز المراقبة كلما تجاوز المدان الدائرة المحددة من طرف قاضي تنفيذ العقوبات وهو ما يضمن رقابة مجتمعية شاملة لتصرفات الشخص المدان. ويلجأ لهذا البديل لما تكون العقوبة تساوي أو تقل عن سنة واحدة حبسا، أو عندما تكون العقوبة المتبقية سنة واحدة على الأكثر، أو كشرط قبلي للاستفادة من الإفراج الشرطي، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يتجاوز الوضع تحت المراقبة سنة واحدة. ويلتزم المدان الذي وضع تحت المراقبة الالكترونية بعدم التغييب عن منـزله، أو عن المنطقة المحـددة له من طرف القاضي باستثناء الأوقات التي يشتغل فيها أو يتابع فيها تكوينا ما( ).
أما نظام إيقاف التنفيذ فيعتبر من أنظمة التقرير المعمول بها في السياسات الجنائية التقليدية، ويقصد به تعليق تنفيذ العقوبة على شرط واقف يحدد خلال مدة يحددها القانون. ويتوخى هذا النظام تجنيب المذنب قضاء عقوبته داخل السجن والآثار السلبية الناتجة عنه والتي تعوق السجين بعد خروجه من المؤسسة العقابية عن الاندماج في الحياة والمجتمع، وتتخذ مؤسسة إيقاف تنفيذ العقوبة صورتان، صورة لاتينية وصورة جرمانية.
فالصورة اللاتينية ترى أنه إذا مضت الفترة المحكوم بها دون أن يطرأ خلالها ما يدعو إلى إلغاء إيقاف تنفيذ العقوبة اعتبر الحكم كأنه لم يكن، وبهذا يكون وضع المحكوم عليه موضع الذي حصل على اعتباره، فيرفع الحكم من صحيفة سوابقه، كما أنه لا يعتبر عائدا إذا ارتكب جريمته بعد انتهاء المدة العقابية الموقوفة التنفيذ وهذا الاتجاه هو المعمول به في التشريعات الفرنسية والمغربية ( ) وكذا المصرية.
أما الصورة الجرمانية فتعتبر أن العقوبة قد نفذت متى انقضت فترة التجربة دون إلغاء الإيقاف، لكن حكم الإدانة يبقى قائما بكل ما يترتب عن ذلك من آثار سلب الاعتبار، واحتساب الجريمة المعاقب عليها بهذه العقوبة من ضمن السوابق المعتد بها كحالة العود. ويأخذ بهذا الاتجاه التشريع الألماني( ).
هذه إذن هي بعض صور البدائل التي تستهدف تغيير طريقة تنفيذ العقوبة الحبسية، إلا أنه وكما يبدو ليست كافية وحدها كبدائل إيجابية للعقوبات الحبسية القصيرة المدة الأمر الذي دفع إلى ابتداع بدائل أخرى لا علاقة لها بسلب الحرية.
2-البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية:
تعتبر البدائل الغير احتجازية، كجزاء تحمل مضامين تربوية تتجاوز الحبس وتخفف من أعباء الخزينة وتتيح فرصا جديدة بمشاركة المجتمع في الكفاح ضد الجريمة بشكل إيجابي، من أهم الإبداعات التي يتميز بها علم العقاب كتخصص يتبع منهجية التحليل والتدخل المتعددة الأبعاد انطلاقا من الأنساق الدولية والوطنية لمكافحة الجريمة في سياق التنمية( ).
ومن أهم مميزات هذا النوع من البدائل أنها تمكن القاضي الجنائي من توسع نطاق اختياراته، فقد يحكم بالحرمان من بعض الحقوق السياسية أو المدنية أو الحكم بإلزام الجانح ببعض الواجبات لفائدة المصلحة العامة.
يعتبر الحكم بالحرمان من ممارسة بعض الأعمال المهنية أو بعض الحقوق المدنية أو السياسية أو الحرمان من بعض الرخص أو الوثائق الإدارية، نوعا جديدا من الجزاء لمعالجة نوع من الجرائم. وقد ظهرت هذه التدابير في البداية داخل السياسات الجنائية الفردية كعقوبات تكميلية وإضافية إلى جانب العقوبات الأصلية، إلا أن السياسات الجنائية المعاصرة قد جعلت منها عقوبات أصلية رئيسية يقررها القاضي تفاديا لسلب الحرية.
وقد أخذت التشريعات الأوربية بهذا التوجه منذ عقود، أما المشرع الفرنسي فلم يأخذ بها إلا في العقد الأخير بموجب قانون 11 يوليوز 1975 الذي جاء فيه أنه بإمكان القاضي الجنائي أن يحكم كبديل للعقوبة الحبسية، إما بمصادرة الأشياء المستعملة في الجرائم لفائدة الدولة عوض النطق بالعقوبة الحبسية أو بإغلاق المحلات التجارية أو بحجز رخص السياقة لمدة خمس سنوات، أو بالمنع من سياقة بعض السيارات، وإما بحجز سيارة أو اكثر أو سحب رخصة السياقة( ).
وتجدر الإشارة إلى أن هذه البدائل لا ترتبط بنوع الجنحة المرتكبة أو الآثار المترتبة عنها، بل يمكن للقاضي الحكم بها بغض النظر عن ارتباطها من عدمه بالفعل المرتكب. إلا أن هذا قد ساهم بشكل كبير في ضعف مردودية هذه البدائل مما دفع إلى صياغة بدائل جزائية أخرى.
ويعتبر العمل لفائدة المصلحة العامة أنجع هذه البدائل، ويقصد به الحكم على الجاني الذي تجاوز سنه سبعة عشر سنة، عندما يرتكب جنحة تستحق عقوبة حبسية، بالقيام بعمل لفائدة المجتمع. وخاصية هذا البديل تكمن في أن الحكم به يتوقف على قبول الجاني والتزامه بقضاء أوقات فراغه في عمله لفائدة المصلحة العامة بالمجان وخلال مدة يحددها القاضي وتتراوح بين أربعين ومائتين وأربعين ساعة عمل.
وميزة هذه العقوبة تتجلى في كونها إصلاحية تهذيبية بالدرجة الأولى بحيث تساعد على إدماج الجاني في المجتمع والوقاية من القطيعة التي تتولد عن العقوبة الحبسية( ).
إذا كانت هذه البدائل الجنائية قد برهنت على نجاعتها وفعاليتها في تجاوز سلبيات العقوبات الحبسية قصيرة المدة فإنه يمكن مع ذلك تجاوز الإطار الذي رسمه لها القانون الجنائي والبحث عن بدائل أخرى توفرها أنظمة خارج النظام الجنائي.

المطلب الثاني: البدائل غير الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة

إلى جانب البدائل المشار إليها سالفا، هناك آليات أخرى أوجدها البحث العلمي المتخصص في المجالات الجزائية، ومفادها الدعوة إلى العودة إلى القانون الجزائي الخاص ورصد كل جريمة ينظمها والبث في آثارها وجدواها مما يمكن من انتزاع الصفة الجرمية عن العديد من الأفعال والامتناعات، خاصة تلك المعاقب عليها بعقوبات حبسية قصيرة المدة( ).
وإزاحة الصفة الجرمية عن فعل قد يعني أن الدولة والمجتمع سوف يتحملان المساوئ الطفيفة الناجمة عن هذا الفعل، و في هذه الحالة لا حاجة لاقتراح بديل للعقوبات. لكن إذا ظهر أن القيمة المعتدى عليها لا تستحق الحماية الجنائية ولكن مع ذلك لا يمكن قبول التطاول عليها، فإن للمشرع في هذه الحالة أن يزيل الطابع الإجرامي عن الفعل وأن يعتمد إما قوانين أخرى كرد ضده أو أن يذهب أبعد من ذلك فيضع على عاتق المجتمع أمر الاهتمام به( ).
وعليه فإننا سنقوم بدراسة البدائل القانونية في الفقرة الأولى على أن نعالج البدائل المجتمعية في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: البدائل القانونية غير الجنائية
يقصد بهذا النوع من البدائل تلك التي توفرها القوانين غير الجنائية كالقانون المدني و القانون الإداري و القانون التجاري… فكل هذه القوانين تحتوي على عقوبات قد تكون أشد قسوة من تلك الواردة بالقوانين الجنائية. فالحكم بالتعويض مثلا، في إطار القـانون المدني، عن الضرر الذي لحق الغيـر من جراء الفعل الضار قد تكـون له مردودية ردعية عامة أفضل من تلك التي تتوفر لدى القاعدة الجنائية، كما أن رد الشيء المحصل عليه بدون سبب شرعي إلى صاحبه يمكن أن يكون له نفس الدور لا سيما من الناحية المادية أو المالية وكذلك من الناحية النفسية. ومن هذا المنطلق فإنه لا حاجة إلى العقوبات الجنائية ما لم ينتج عن الفعل أو الامتناع ضرر بالمجتمع، فالمهم بالنسبة للمتضرر من فعل أو امتناع لا يخلق اضطرابا اجتماعيا هو التعويض أورد الحق، وبهذا يمكن اللجوء إلى القاضي المدني كلما اقتضى الأمر ذلك( ).
أما فيما يتعلق بقضايا التجارة والتجار، وبما أن الغرض من القواعد التجارية هو تحقيق السرعة في المعاملات وتبسيط الإجراءات، فإن اللجوء إلى التحكيم في هذا الإطار بات من الأمور الطبيعية نظرا لما له من فوائد.
ونظرا لهذه الأهمية فقد اعتمدت غالبية التشريعات نظام التحكيم كرد اجتماعي غير جزري وكبديل هام للعقوبات الجنائية التي تأكدت سلبياتها على الحياة التجارية وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام( ).
أما فيما يعود للعقوبات الإدارية فقد برهنت عن فعاليتها في محاصرة العديد من الجرائم، خاصة من خلال الدور الوقائي والزجري الذي تلعبه مثلا في الجرائم الاقتصادية، كحماية المستهلك ومراقبة الأسعار ومحاربة الغش في السلع.
وإذا كان هذا الصنف من الجزاءات ممكن الاستعمال كبديل للجزاءات الجبسية القصيرة المدة، فإن هذا الاستعمال يحتاج إلى صيانة وحماية من حيث التطبيق، حتى يتحقق الهدف المتوخى منها مع الحيلولة دون المساس بحريات وحقوق المواطنين.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الجزاءات التأديبية ذات الطابع المهني أو الحرفي بالنظر لفعاليتها قد تغني في العدد من الحالات عن اللجوء إلى القضاء الجنائي
شريطة إحاطتها بكل الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الأفراد والجماعات( ).
ويبدو مما سبق ذكره أن هناك العديد من القوانين التي يمكن أن تحل محل القانون الجنائي و أن تلعب نفس الدور الردعي الذي يفترض في هذا القانون.
الفقرة الثانية: البدائل المجتمعية
تعطي هذه البدائل للمجتمع حق حل بعض مشاكله بنفسه دون اللجوء إلى النظم القانونية التي غالبا ما تكون غير مناسبة، وتضع بذلك على عاتق المواطنين في إطار التضامن والإيخاء مسؤولية التفكير والمساهمة في إيجاد حلول للمشاكل التي نتجت عنها الجريمة وتلك التي تولدت عنها.
وعليه فإن دور المجتمع في هذا الإطار دور مزدوج فمن جهة ينبغي اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لعدم تكرار هذا الفعل، و هذا دور وقائي بالأساس، إذ من المهم أن تضاف إلى الوسائل الوقائية الرسمية وسائل يوفرها أفراد المجتمع لما لهم من احتكاك بحقائق أمورهم ومن معرفة دقيقة بمشاكلهم الخاصة والعامة. وتتميز أهمية هذا التوجه بكونه يفتح حقلا تجريبيا فاعلا ومحتويا لكل الممارسات التي يمكن للدولة أن تستوحي منها حلولا وقائية وتستثمر ما تراه ناجعا لتطوير سياستها الجنائية. ومن نماذج هذا البعد الوقائي العمل الذي أقدمت عليه نيويورك لفائدة هواة السمر الليلي التي أبدعت لفائدتهم أنشطة رياضية ساهمت من انخفاض جرائم الليل وقلصت من حالة العود إلى الجرائم داخل هذه المدينة( ).
ومن جهة أخرى يجب أن ينصب اهتمام المجتمع على إيجاد الجل الملائم للمشاكل التي أدى إليها الفعل الإجرامي حتى لا يقع اللجوء إلى المؤسسات العقابية الجنائية. وهذا ما يعرف بالدور العلاجي، وهو الدور الذي يلعبه المجتمع بعد ارتكاب الجريمة إذ هناك عدة بدائل يمكن العثور عليها في تجارب الدول الغربية حاليا.
ففي الولايات المتحدة وكندا عدة تجارب تهدف إلى توفير سبل التصالح بين الجاني والضحية، كمركز القاضي بين الجيران، ومراكز تسوية النزاعات البسيطة، إلى جانب تجربة المؤسسات المستقلة ذات البعد التوفيقي والتي يعمل أطرها على إيجاد فضاءات مناسبة للتفاهم والتصالح بين المجرم والضحية وفقا للشروط والمواصفات التي يحددها الطرفان، وفي حالة عدم التوصل إلى الصلح يرفع أنذاك الأمر إلى القضاء( ).
إذا كان هذا النوع من البدائل يهدف إلى محاصرة العقوبات الحبسية القصيرة المدة فإن تطبيقها يقتضي وجود نظام سياسي يفتح المجال للمواطن في صياغة التنمية، وتقتضي كذلك أن يكون المواطنون قد بلغت بهم ترتبيتهم الوطنية والأخلاقية درجة التطوع لحل مشاكل الغير وتجنيبهم مساوئ الحلول الجنائية.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب وإن لم يكن يأخذ بنظام العقوبات البديلة، فإن هناك عدة محاولات واقتراحات تهدف تغيير قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي بغرض إدخال العقوبات البديلة ضمن النصوص الجنائية المغربية، من ذلك المقترحات التي تقدم بها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بهذا الصدد، وكذا الندوة التي نظمتها وزارة العدل مع سفارة المملكة المتحدة بمدينة إيفران سنة 2000 والتي خصصت لدراسة العقوبات البديلة( ).
[تتمة لـــــــ إجرام المرأة ودور المؤسسات السجنية.. : الباب الثاني / الفصل ألأول_1]

إجرام المرأة ودور المؤسسات السجنية في إعادة تأهيلها

قرأوا أيضا...

فكرتين عن“البدائل الجنائية وغير الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.